الفرعونية..صفاتها و نهايتها..بقلم عبد العزيز كحيل.
تلك هي الفرعونية دائما..و تلك هي نهايتها دائما.
........
فرعون لقب يحمله حكّام مصر القدامى أو هو اسم علم للملك الوارد ذكره في القرآن الكريم،و في الحالتين هو نموذج الطاغيّة المتجبّر المفسد في الأرض الّذي تلاحقه اللعنات مع مطلع الشمس و مغيب النجوم لطغيانه و تجبّره و إفساده،و هو و إن كان شخصاً عاش في زمان معيّن و مكان معيّن إلاّ أنّ الّذي يعنينا فيه ليست ذاته و لكن خصائصه الّتي يتشكّل منها كلّ طاغيّة عبر العصور و لهذا -و الله أعلم- ذكر في القرآن الكريم أربعاً و سبعين مرّةً هي تسليط للأضواء الكاشفة على صفاته القبيحة:
1- الاستعلاء: هو إنسان خرج من صلب امرأة لكنه لا يقبل نفسيا بهذه الوضعية،فيحتقر الناس و يتكبّر عليهم و يعتبر نفسه من طينة غير طينتهم،بل يبلغ به الغرور إعلان الألوهية،و هو العبد الضعيف الحقير الفاني،أما فرعون المذكور في القرآن الكريم فقد قال الله تعالى عنه:
{إن فرعون علا في الأرض} –القصص: 4-
{و استكبر هو و جنوده في الأرض بغير الحقّ و ظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} –القصص: 39-
{و إن فرعون لعالٍ في الأرض و إنه لمن المسرفين} –يونس: 83-
.......
هكذا هم الفراعنة دوما.
و أما الفراعنة في دنيا الناس فهم يقتبسون منه هذه الصفات الذميمة،فترى الواحد منهم إذا تربّع –بطريقة غير شرعية في الغالب- على كرسي السلطة تكبّر و تجبّر و اعتبر التواضع مذمّة و نسي –و إن كان مسلما- أنّ العلو لله تعالى وحده: {سبح اسم ربك الأعلى} –الأعلى: 1-
فهو صاحب العلوّ بكل معانيه العظيمة،كما قال الإمام ابن القيم في نونيته الشهيرة: علوّ قدر و علوّ قهر مع علوّ الشان.
ينسى الطاغية هذه الحقيقة و ينسى أن الرسول عليه الصلاة و السلام قد دانت له الأرض و أذعن لدعوته الإنس و الجن و نصره الله تعالى بالرعب فلم يخرجه ذلك عن حدود التواضع بل كلما ازداد تمكينا في الأرض ازداد تواضعا لله تعالى و للعباد.
2- الأحادية: تجد الطاغية المستعلي يطوف حول ذاته يسبّح بحمدها و يلهج بذكرها و لا يقبل من الناس إلا أن يطوفوا به و يسبّحوا بحمده و يلهجوا بذكره و لو نفاقا و زورا،فهو لا يرى الآخر بل يرفضه و يردّ أفكاره و آراءه لأنه يدّعي احتكار الحقيقة،فرأيه صواب لا يحتمل الخطأ و رأي غيره خطأ لا يحتمل الصواب،هكذا هم الفراعنة دوما،لذلك يحيطون أنفسهم بمن يسوّغون أخطاءهم و خطاياهم و يزيّنون لهم سوء أعمالهم و ينفخون في غرورهم فيزيد تحرّشهم بمن يعارضهم و لو بكلمة موزونة العبارات أو نصيحة صادقة بعيدة عن التملّق:
{ما أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد} –غافر: 29-
فطريق الرشد واحد لا ثاني له،هو ما اختاره الزعيم الملهم المبرّأ من الخطأ!!!
بسبب هذه الأحادية المفرطة رفض فرعون مناقشة موسى عليه السلام و تحدّاه و كال له الاتهامات المتسرّعة:
{أم أنا خير من هذا الذي هو مهين و لا يكاد يبين} –الزخرف: 52-
{إن هؤلاء (أي موسى و من آمن معه) لشرذمة قليلون.و إنهم لنا لغائظون.و إنا لجميع حاذرون} -الشعراء: 54 إلى 56-
سبحان الله كأنك تقرأ بيانا حكوميا يصف المعارضين المسالمين في عالم اليوم!!!
{إنه لكبيركم الذي علّمكم السحر} –طه: 71-
........
3- الإرهاب الفكري: من قواعد الحكم عند الطاغية إلغاء عقول الناس و اختيارهم الحرّ و التحكم في أفكارهم،فإذا قال الاشتراكية هي وحدها الحلّ يجب أن يعتقد الجميع أن أي حل آخر مؤامرة و خيانة و رجعية،و إذا رأى أن النظام الليبرالي هو طوق النجاة فلا يجوز لأحد أن يماري في هذا و لو كانت معه ألف حجة علمية،بل لا يحقّ لأحد أن يختار عقيدة دينية إلا التي يؤمن بها الطاغية،ألم ينكر فرعون على سحرته عندما آمنوا بموسى عليه السلام بقوله: {آمنتم له قبل أن آذن لكم} –طه: 71-
حتى الإيمان الذي محله القلب يخضع لإذن فرعوني مسبق!!!
و في جوّ الإرهاب الفكري تموت المواهب و يأفل نجم الحرية و يسود النفاق و يستنسر البغاث و يؤتمن الخائن و يخوّن الأمين،و كم عشنا هذا في عالمنا العربي الإسلامي و مازلنا نعيشه،رغم أن الله تعالى لم يفرض دينه الحقّ على أحد بل قال: {و قل الحق من ربّكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر} –الكهف: 29-
و قال لرسوله صلى الله عليه و سلم: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} –يونس: 99-
لكن شتان بين منهج الله تعالى الذي يحمل علامات الصدق في قسماته و بين مناهج أرضية وضعية بشرية تسيّرها نزوات الغرور و العجرفة.
.......
4- الاغترار بالملك: هذا بالضبط ما عليه طواغيت الغرب و من يقلّدونهم، اغتروا بالازدهار الاقتصادي و الترسانة العسكرية و ترامي أطراف البلاد و الأموال المكدّسة في البنوك أو المستثمرة في أنواع الملاهي و المفاسد،فكان حالهم كما صوّره القرآن الكريم: {الذين طغوا في البلاد.فأكثروا فيها الفساد} –الفجر: 11 و12-
و قد أعرب سلفهم سيّئ الذكر عن كمائن أنفسهم: {و نادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر و هذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون} –الزخرف: 51-
فالطاغية مقطوع الصلة بالله تعالى،و هذا ما جرّأه على رفع عقيرته بالقول الآثم المنكر: {أنا ربكم الأعلى} – النازعات: 24-
و لئن صرّح بها فرعون مصر فإن غيره من الفراعنة يقولونها بلسان الحال و يتصرّفون في شعوبهم و أموالها و مصائرها تصرّف من لا يسأل عمّا يفعل و كأنهم يتمتّعون بخصائص الألوهية،بل أكثرهم لا يقبل أن يناقش أحد آراءه لأنها دائما سديدة بالضرورة،و لا أن يعترض معترض على قراراته لأنه ليس في الإمكان أبدع منها..
و لا بد من الإشارة إلى أن الطاغية يجد دائما حاشية من "العلماء" و المثقفين تبارك طغيانه و تضفي عليه الشرعية و تحاصر دعاة الحرية و الإصلاح بالنصوص الدينية و الذرائع المختلفة،فلها نفس حكمه،قال تعالى: {إن فرعون و هامان و جنودهما كانوا خاطئين} –القصص: 8-
.........
وسائل الفرعونية.
هي وسائل لا يطرأ تغيير على جوهرها عبر العصور و إنما تتجدّد الأساليب و الأدوات الأكثر فتكا،و لا تخرج هذه الوسائل عن ثلاث:
1- تشتيت قوة الأمة: ما من فرعون إلا و يعمل بالقاعدة العتيقة "فرّق تسد"،فيصنع في المجتمع طبقات متناحرة لا يكفّ عن تأجيج نار العداوة بينها ليضعفها جميعا و يبقى هو وحده القوي، قال تعالى: {إن فرعون علا في الأرض و جعل أهلها شيعا} –القصص: 4-
2- الظلم: {...يستضعف طائفة منهم...} –القصص: 4-
أما فراعنة اليوم فيظلمون الجميع،لا يفلت من ظلمهم صاحب صوت حرّ مهما كان مسالما إلا فئة قليلة ممن أخلصوا له الطاعة العمياء و العبودية الكاملة.
3- الإرهاب: {...يذبّح أبناءهم و يستحيي نساءهم...} –القصص: 4-
و كم يعاني الأحرار الأبرياء من سجون الفراعنة و دهاليز الاستنطاق و التعذيب حتى يقضي الزبانية على معاني الكرامة و العزة و المروءة و الشموخ،و للمرء أن ينظر من حوله و يتساءل: هل تغيّر شيء من هذه الوسائل منذ فرعون مصر إلى اليوم؟
.......
نهاية الفرعونية.
لم يمنعه ادّعاؤه الألوهية من أن تناله هزيمة نكراء على يد أحد أبناء المستضعفين،قد كان الطاغية يسخر منه و يتوعّده،انتصر الداعية المسالم الصابر المستمسك برسالة التغيير،و طويت صفحة الطاغية في خضمّ أمواج غاضبة عاتية ابتلعت استغاثته الذليلة الكاذبة: {حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل و أنا من المسلمين.ءآلآن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين.فاليوم ننجّيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية...} –يونس: 90 إلى 92-
و قد بدأت نهايته حين تمرّد عليه السحرة –أي السند الفكري و الإعلامي– و لم يعبؤوا بتهديده لهم أمام الجماهير و قالوا له بكل قوة: {لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات و الذي فطرنا فاقض ما أنت قاض...} –طه: 72-
هذا التحدي الواضح أعمل معول الهدم في صرح الفرعونية لينهار بعدها على يد موسى عليه السلام الذي يمثّل الثائر على الطغيان و الظلم.
تلك هي الفرعونية دائما،و تلك هي نهايتها دائما.
و تبقى مشكلة عويصة هي استكانة الشعب و رضاه بالذل و الهوان: {فاستخفّ قومه فأطاعوه إنّهم كانوا قوما فاسقين} –الزخرف: 54-
و هذه في حاجة إلى وقفة طويلة إن شاء الله.
........
عبد العزيز كحيل.
تلك هي الفرعونية دائما..و تلك هي نهايتها دائما.
........
فرعون لقب يحمله حكّام مصر القدامى أو هو اسم علم للملك الوارد ذكره في القرآن الكريم،و في الحالتين هو نموذج الطاغيّة المتجبّر المفسد في الأرض الّذي تلاحقه اللعنات مع مطلع الشمس و مغيب النجوم لطغيانه و تجبّره و إفساده،و هو و إن كان شخصاً عاش في زمان معيّن و مكان معيّن إلاّ أنّ الّذي يعنينا فيه ليست ذاته و لكن خصائصه الّتي يتشكّل منها كلّ طاغيّة عبر العصور و لهذا -و الله أعلم- ذكر في القرآن الكريم أربعاً و سبعين مرّةً هي تسليط للأضواء الكاشفة على صفاته القبيحة:
1- الاستعلاء: هو إنسان خرج من صلب امرأة لكنه لا يقبل نفسيا بهذه الوضعية،فيحتقر الناس و يتكبّر عليهم و يعتبر نفسه من طينة غير طينتهم،بل يبلغ به الغرور إعلان الألوهية،و هو العبد الضعيف الحقير الفاني،أما فرعون المذكور في القرآن الكريم فقد قال الله تعالى عنه:
{إن فرعون علا في الأرض} –القصص: 4-
{و استكبر هو و جنوده في الأرض بغير الحقّ و ظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} –القصص: 39-
{و إن فرعون لعالٍ في الأرض و إنه لمن المسرفين} –يونس: 83-
.......
هكذا هم الفراعنة دوما.
و أما الفراعنة في دنيا الناس فهم يقتبسون منه هذه الصفات الذميمة،فترى الواحد منهم إذا تربّع –بطريقة غير شرعية في الغالب- على كرسي السلطة تكبّر و تجبّر و اعتبر التواضع مذمّة و نسي –و إن كان مسلما- أنّ العلو لله تعالى وحده: {سبح اسم ربك الأعلى} –الأعلى: 1-
فهو صاحب العلوّ بكل معانيه العظيمة،كما قال الإمام ابن القيم في نونيته الشهيرة: علوّ قدر و علوّ قهر مع علوّ الشان.
ينسى الطاغية هذه الحقيقة و ينسى أن الرسول عليه الصلاة و السلام قد دانت له الأرض و أذعن لدعوته الإنس و الجن و نصره الله تعالى بالرعب فلم يخرجه ذلك عن حدود التواضع بل كلما ازداد تمكينا في الأرض ازداد تواضعا لله تعالى و للعباد.
2- الأحادية: تجد الطاغية المستعلي يطوف حول ذاته يسبّح بحمدها و يلهج بذكرها و لا يقبل من الناس إلا أن يطوفوا به و يسبّحوا بحمده و يلهجوا بذكره و لو نفاقا و زورا،فهو لا يرى الآخر بل يرفضه و يردّ أفكاره و آراءه لأنه يدّعي احتكار الحقيقة،فرأيه صواب لا يحتمل الخطأ و رأي غيره خطأ لا يحتمل الصواب،هكذا هم الفراعنة دوما،لذلك يحيطون أنفسهم بمن يسوّغون أخطاءهم و خطاياهم و يزيّنون لهم سوء أعمالهم و ينفخون في غرورهم فيزيد تحرّشهم بمن يعارضهم و لو بكلمة موزونة العبارات أو نصيحة صادقة بعيدة عن التملّق:
{ما أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد} –غافر: 29-
فطريق الرشد واحد لا ثاني له،هو ما اختاره الزعيم الملهم المبرّأ من الخطأ!!!
بسبب هذه الأحادية المفرطة رفض فرعون مناقشة موسى عليه السلام و تحدّاه و كال له الاتهامات المتسرّعة:
{أم أنا خير من هذا الذي هو مهين و لا يكاد يبين} –الزخرف: 52-
{إن هؤلاء (أي موسى و من آمن معه) لشرذمة قليلون.و إنهم لنا لغائظون.و إنا لجميع حاذرون} -الشعراء: 54 إلى 56-
سبحان الله كأنك تقرأ بيانا حكوميا يصف المعارضين المسالمين في عالم اليوم!!!
{إنه لكبيركم الذي علّمكم السحر} –طه: 71-
........
3- الإرهاب الفكري: من قواعد الحكم عند الطاغية إلغاء عقول الناس و اختيارهم الحرّ و التحكم في أفكارهم،فإذا قال الاشتراكية هي وحدها الحلّ يجب أن يعتقد الجميع أن أي حل آخر مؤامرة و خيانة و رجعية،و إذا رأى أن النظام الليبرالي هو طوق النجاة فلا يجوز لأحد أن يماري في هذا و لو كانت معه ألف حجة علمية،بل لا يحقّ لأحد أن يختار عقيدة دينية إلا التي يؤمن بها الطاغية،ألم ينكر فرعون على سحرته عندما آمنوا بموسى عليه السلام بقوله: {آمنتم له قبل أن آذن لكم} –طه: 71-
حتى الإيمان الذي محله القلب يخضع لإذن فرعوني مسبق!!!
و في جوّ الإرهاب الفكري تموت المواهب و يأفل نجم الحرية و يسود النفاق و يستنسر البغاث و يؤتمن الخائن و يخوّن الأمين،و كم عشنا هذا في عالمنا العربي الإسلامي و مازلنا نعيشه،رغم أن الله تعالى لم يفرض دينه الحقّ على أحد بل قال: {و قل الحق من ربّكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر} –الكهف: 29-
و قال لرسوله صلى الله عليه و سلم: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} –يونس: 99-
لكن شتان بين منهج الله تعالى الذي يحمل علامات الصدق في قسماته و بين مناهج أرضية وضعية بشرية تسيّرها نزوات الغرور و العجرفة.
.......
4- الاغترار بالملك: هذا بالضبط ما عليه طواغيت الغرب و من يقلّدونهم، اغتروا بالازدهار الاقتصادي و الترسانة العسكرية و ترامي أطراف البلاد و الأموال المكدّسة في البنوك أو المستثمرة في أنواع الملاهي و المفاسد،فكان حالهم كما صوّره القرآن الكريم: {الذين طغوا في البلاد.فأكثروا فيها الفساد} –الفجر: 11 و12-
و قد أعرب سلفهم سيّئ الذكر عن كمائن أنفسهم: {و نادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر و هذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون} –الزخرف: 51-
فالطاغية مقطوع الصلة بالله تعالى،و هذا ما جرّأه على رفع عقيرته بالقول الآثم المنكر: {أنا ربكم الأعلى} – النازعات: 24-
و لئن صرّح بها فرعون مصر فإن غيره من الفراعنة يقولونها بلسان الحال و يتصرّفون في شعوبهم و أموالها و مصائرها تصرّف من لا يسأل عمّا يفعل و كأنهم يتمتّعون بخصائص الألوهية،بل أكثرهم لا يقبل أن يناقش أحد آراءه لأنها دائما سديدة بالضرورة،و لا أن يعترض معترض على قراراته لأنه ليس في الإمكان أبدع منها..
و لا بد من الإشارة إلى أن الطاغية يجد دائما حاشية من "العلماء" و المثقفين تبارك طغيانه و تضفي عليه الشرعية و تحاصر دعاة الحرية و الإصلاح بالنصوص الدينية و الذرائع المختلفة،فلها نفس حكمه،قال تعالى: {إن فرعون و هامان و جنودهما كانوا خاطئين} –القصص: 8-
.........
وسائل الفرعونية.
هي وسائل لا يطرأ تغيير على جوهرها عبر العصور و إنما تتجدّد الأساليب و الأدوات الأكثر فتكا،و لا تخرج هذه الوسائل عن ثلاث:
1- تشتيت قوة الأمة: ما من فرعون إلا و يعمل بالقاعدة العتيقة "فرّق تسد"،فيصنع في المجتمع طبقات متناحرة لا يكفّ عن تأجيج نار العداوة بينها ليضعفها جميعا و يبقى هو وحده القوي، قال تعالى: {إن فرعون علا في الأرض و جعل أهلها شيعا} –القصص: 4-
2- الظلم: {...يستضعف طائفة منهم...} –القصص: 4-
أما فراعنة اليوم فيظلمون الجميع،لا يفلت من ظلمهم صاحب صوت حرّ مهما كان مسالما إلا فئة قليلة ممن أخلصوا له الطاعة العمياء و العبودية الكاملة.
3- الإرهاب: {...يذبّح أبناءهم و يستحيي نساءهم...} –القصص: 4-
و كم يعاني الأحرار الأبرياء من سجون الفراعنة و دهاليز الاستنطاق و التعذيب حتى يقضي الزبانية على معاني الكرامة و العزة و المروءة و الشموخ،و للمرء أن ينظر من حوله و يتساءل: هل تغيّر شيء من هذه الوسائل منذ فرعون مصر إلى اليوم؟
.......
نهاية الفرعونية.
لم يمنعه ادّعاؤه الألوهية من أن تناله هزيمة نكراء على يد أحد أبناء المستضعفين،قد كان الطاغية يسخر منه و يتوعّده،انتصر الداعية المسالم الصابر المستمسك برسالة التغيير،و طويت صفحة الطاغية في خضمّ أمواج غاضبة عاتية ابتلعت استغاثته الذليلة الكاذبة: {حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل و أنا من المسلمين.ءآلآن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين.فاليوم ننجّيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية...} –يونس: 90 إلى 92-
و قد بدأت نهايته حين تمرّد عليه السحرة –أي السند الفكري و الإعلامي– و لم يعبؤوا بتهديده لهم أمام الجماهير و قالوا له بكل قوة: {لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات و الذي فطرنا فاقض ما أنت قاض...} –طه: 72-
هذا التحدي الواضح أعمل معول الهدم في صرح الفرعونية لينهار بعدها على يد موسى عليه السلام الذي يمثّل الثائر على الطغيان و الظلم.
تلك هي الفرعونية دائما،و تلك هي نهايتها دائما.
و تبقى مشكلة عويصة هي استكانة الشعب و رضاه بالذل و الهوان: {فاستخفّ قومه فأطاعوه إنّهم كانوا قوما فاسقين} –الزخرف: 54-
و هذه في حاجة إلى وقفة طويلة إن شاء الله.
........
عبد العزيز كحيل.
عدل سابقا من قبل In The Zone في الجمعة يناير 11, 2013 2:28 pm عدل 1 مرات