الأساس الفكري لدعوة تحديد النسل.
د.نهى القاطرجي
إذا كانت الرسالات السماوية تمجد النسل وتدعو الى التكاثر وعمارة الأرض,وتؤكد عدم وجود رابط بين الجوع وبين الزيادة السكانية,كما ورد في قوله تعالى: (ولاتقتلوا أولادكم من أملاق نحن نرزقكم وإياهم).
فإن الفلسفات الفكرية الملحدة التي مرت البشرية على مر العصور كفرت بوجود الله عز وجل وشككت في قدرته سبحانه وتعالى على رزق عباده ومخلوقاته الإنسية والحيوانية,مع كون هذه الحقيقة عبر عنها الله سبحانه وتعالى بقوله: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) (هود /6).
1- فلسفة تحديد النسل في العصور القديمة
رأت هذه الفلسفات بناء على نظريات مؤسسيها ومفكريها الإلحادية,أن استمرار التناسل من دون وجود ضوابط سيؤدي في المدى البعيد الى نقص في الموارد,يؤدي بدوره الى الكوارث والمجاعات.
ومن الفلاسفة الذين آمنوا بهذه العقيدة:
أ- كونفوشيوس في الصين القديمة الذي اعتبر أن الزيادة غير المنضبطة في السكان كالنقص فيه.
ب- الفيلسوف اليوناني أفلاطون الذي حدد العدد الأمثل لسكان أثينا ب 5040 شخصاً فقط!! والذي اقترح في كتابه "الجمهورية" أن "يقوم الحكام بتنطيم عقود الزواج ويثبتوا عدد السكان,فإذا انخفض السكان عن الحد الأمثل الذي وضعه.شجعوا الزواج والتناسل,ومنحوا الجنسية اليونانية للأجانب!! أما إذا زاد السكان على الحد المعين فعليهم أن يرفعوا سن الزواج ويشجعوا على الهجرة خارج المدينة".
وكان من نتائج الدعوات الى تقليل عدد السكان في المجتمع اليوناني,انتشار الشذوذ الجنسي,وعزوف الشباب عن الزواج,وكان الرجل في حال زواجه يعزف عن الإنجاب ويقتصر على ولدين كحد أقصى,وقد وصف "بوليب" الكاتب الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد الوضع بقوله:"نلاحظ اليوم,في كافة أنحاء اليونان نقصاً في الأولاد والرجال تفغر معه المدن ويشل إنتاجها...أما السبب فواضح والدواء ففي أنفسنا,إن الرجال يعزفون عن الزواج وعن تربية أولادهم حباً بالتظاهر وحباً بالمال وجبناً,فهم أن ربوا لايربون أكثر من ولدين حرصاً منهم على الحفاظ على الثروة وعلى تربيتهما في ظل حياة هانئة متخنثة,وهكذا فإن الداء الخفي قد برز فجأة,فإذا لم يكن هنالك سوى ولد أو ولدين,وإذا ما قضت الحرب أو المرض عليهما فمن الجلي المحتم أن تفغر البيوت...ولايختلف اثنان على القول أن تلافي ذلك منوط بنا وحدنا,إنا بتغيير ما هو هدف التنافس بيننا وإما باعتماد شرائع ترغم على تربية الأولاد الذين يبصرون النور".
وقد استمرت موجة الدعوة الى تحديد النسل في المجتمع الروماني حيث ثبت "أن الانحطاط في الذكاء والقوة والنشاط والثقافة الذي ظهرت بوادره في دولة الروم في القرن الثاني والثالث والرابع مازال غير مفهوم عبى مرور الزمان,إلا أن هناك اسساً قوية لتعليله بأنه لم يحدث في ذلك الزمان الأمثل ما قد حدث في حضارتنا الحاضرة,اي مازالت العناصر المثقفة الذكية في كل جيل من أجيال الروم فاشلة من إنجاب الأطفال على قدر عدد أفرادها وما زالت الزيادة لاتحصل في الروم إلا بالعناصر التي كانت على خط زهيد من الذكاء وقوة العمل والنشاط".
2- فلسفة تحديد النسل في العصر الحديث
بدأت بذور الدعوات الى تحديد النسل تظهر في القرون الوسطى وكان أول من دعى إليها وسميت هذه الدعوة باسمه هو "مالتوس" الذي تخوف من أزدياد عدد السكان في أوروبا,وخاصة بريطانيا التي تضاعف عدد سكانها بشكل سريع,ففيما كان في عام 1400م.مليونين فقط,بلغ عام 1500م.الثلاثة ملايين,وفي عام 1600م.
وصل هذا العدد الى خمسة ملايين,وارتفع في القرن الذي يليه الى عشرة ملايين.
فقام مالتوس,نتيجة تخوفه من هذا الازدياد في عدد السكان,بنشر مقالة تحت عنوان "تزايد السكان وأثره في تقدم المجتمع" عام 1798م بين فيها الخطر الذي يهدد الكون نتيجة زيادة النسل,وبين عجز الأرض عن تلبية حاجات الأجيال الجديدة الى الطعام.
وبعد مالتوس "تكاثرت النظريات التي تدعو الدعوة نفسها,حتى أن بعض المنظرين كانوا من الأطباء الذين شجعوا على إيجاد السياسات السكانية التي تعين على التقيد بهذا الحد مثل توزيع وسائل منع الحمل,ومن هؤلاء:
1- فرانسيس بالاس الذي ظهر في فرنسا ونادى بضرورة الحد من تزايد السكان,ولكن كان اقتراحه الذي تقدم به لتحقيق هذا الغرض,هو منع الحمل بالآلات والعقاقير دون الوسائل الخلقية المجردة.
2- تشارلس نورتون الذي ظهر في سنة 1833م.في أمريكا,وكان طبيباً مشهوراً ورفع صوته تأييداً لفكرة "فرانسيس بالاس" ولعل كتابه ثمرات الفلسفة هو أول كتاب جاء فيه شرح تفصيلي للتدابير الطبية لمنع الحمل وأشير فيه بذكر منافعها الاقتصادية.
3- دريسديل الطبيب الذي قاد في إنكلترا سنة 1877م.الحركة النيوماتوسية الجديدة,وأسس جمعية خاصة تنشر الكتب والرسائل تاييداً لحركة تحديد النسل,وبعد ذلك "ظهر كتاب" قانون عدد السكان "للسيدة "بيسانت" ونفذت منه 175 ألف نسخة خلال سنته الأولى فقط,وفي سنة 1881م.وصلت هذه الحركة الى هولندا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا,وانتشرت بعد ذلك شيئاً فشيئاً في سائر البلاد المتحضرة في أوروبا وأمريكا".
أما مفهوم تحديد النسل والذي يقصد به على مستوى الأسرة,إيقاف الانجاب على عدد محدد من الأطفال,وعلى مستوى المجتمع يقصد به الإجراءات التي "تقوم بها الدولة ضمن سياسة سكانية تستهدف الوصول بمعدلات الخصوبة الى مستوى يتلازم مع إمكانيات المجتمع",فقد بدأ في الظهور في مطلع القرن الماضي عندما فكرت الممرضة مارغريت سونغر من الولايات المتحدة الأمريكية في مساعدة نساء يبحثن عن وسائل لوقف الإنجاب أو المباعدة بين الحمول,وقد سجنت عدة مرات في عام 1916م.بسبب موقفها الداعي الى الحد من حجم الأسرة,فقد كان تقديم مثل هذه المساعدة في تلك البلاد ضد القانون,وبعد ذلك تحسن الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية,فأخذت برامج تنظيم الأسرة تتزايد باضطراد,وازداد عدد الدول التي تدعم تنطيم الأسرة من 21 دولة عام 1965م.الى 127 دولة عام 1983م.
البلاغ
د.نهى القاطرجي
إذا كانت الرسالات السماوية تمجد النسل وتدعو الى التكاثر وعمارة الأرض,وتؤكد عدم وجود رابط بين الجوع وبين الزيادة السكانية,كما ورد في قوله تعالى: (ولاتقتلوا أولادكم من أملاق نحن نرزقكم وإياهم).
فإن الفلسفات الفكرية الملحدة التي مرت البشرية على مر العصور كفرت بوجود الله عز وجل وشككت في قدرته سبحانه وتعالى على رزق عباده ومخلوقاته الإنسية والحيوانية,مع كون هذه الحقيقة عبر عنها الله سبحانه وتعالى بقوله: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) (هود /6).
1- فلسفة تحديد النسل في العصور القديمة
رأت هذه الفلسفات بناء على نظريات مؤسسيها ومفكريها الإلحادية,أن استمرار التناسل من دون وجود ضوابط سيؤدي في المدى البعيد الى نقص في الموارد,يؤدي بدوره الى الكوارث والمجاعات.
ومن الفلاسفة الذين آمنوا بهذه العقيدة:
أ- كونفوشيوس في الصين القديمة الذي اعتبر أن الزيادة غير المنضبطة في السكان كالنقص فيه.
ب- الفيلسوف اليوناني أفلاطون الذي حدد العدد الأمثل لسكان أثينا ب 5040 شخصاً فقط!! والذي اقترح في كتابه "الجمهورية" أن "يقوم الحكام بتنطيم عقود الزواج ويثبتوا عدد السكان,فإذا انخفض السكان عن الحد الأمثل الذي وضعه.شجعوا الزواج والتناسل,ومنحوا الجنسية اليونانية للأجانب!! أما إذا زاد السكان على الحد المعين فعليهم أن يرفعوا سن الزواج ويشجعوا على الهجرة خارج المدينة".
وكان من نتائج الدعوات الى تقليل عدد السكان في المجتمع اليوناني,انتشار الشذوذ الجنسي,وعزوف الشباب عن الزواج,وكان الرجل في حال زواجه يعزف عن الإنجاب ويقتصر على ولدين كحد أقصى,وقد وصف "بوليب" الكاتب الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد الوضع بقوله:"نلاحظ اليوم,في كافة أنحاء اليونان نقصاً في الأولاد والرجال تفغر معه المدن ويشل إنتاجها...أما السبب فواضح والدواء ففي أنفسنا,إن الرجال يعزفون عن الزواج وعن تربية أولادهم حباً بالتظاهر وحباً بالمال وجبناً,فهم أن ربوا لايربون أكثر من ولدين حرصاً منهم على الحفاظ على الثروة وعلى تربيتهما في ظل حياة هانئة متخنثة,وهكذا فإن الداء الخفي قد برز فجأة,فإذا لم يكن هنالك سوى ولد أو ولدين,وإذا ما قضت الحرب أو المرض عليهما فمن الجلي المحتم أن تفغر البيوت...ولايختلف اثنان على القول أن تلافي ذلك منوط بنا وحدنا,إنا بتغيير ما هو هدف التنافس بيننا وإما باعتماد شرائع ترغم على تربية الأولاد الذين يبصرون النور".
وقد استمرت موجة الدعوة الى تحديد النسل في المجتمع الروماني حيث ثبت "أن الانحطاط في الذكاء والقوة والنشاط والثقافة الذي ظهرت بوادره في دولة الروم في القرن الثاني والثالث والرابع مازال غير مفهوم عبى مرور الزمان,إلا أن هناك اسساً قوية لتعليله بأنه لم يحدث في ذلك الزمان الأمثل ما قد حدث في حضارتنا الحاضرة,اي مازالت العناصر المثقفة الذكية في كل جيل من أجيال الروم فاشلة من إنجاب الأطفال على قدر عدد أفرادها وما زالت الزيادة لاتحصل في الروم إلا بالعناصر التي كانت على خط زهيد من الذكاء وقوة العمل والنشاط".
2- فلسفة تحديد النسل في العصر الحديث
بدأت بذور الدعوات الى تحديد النسل تظهر في القرون الوسطى وكان أول من دعى إليها وسميت هذه الدعوة باسمه هو "مالتوس" الذي تخوف من أزدياد عدد السكان في أوروبا,وخاصة بريطانيا التي تضاعف عدد سكانها بشكل سريع,ففيما كان في عام 1400م.مليونين فقط,بلغ عام 1500م.الثلاثة ملايين,وفي عام 1600م.
وصل هذا العدد الى خمسة ملايين,وارتفع في القرن الذي يليه الى عشرة ملايين.
فقام مالتوس,نتيجة تخوفه من هذا الازدياد في عدد السكان,بنشر مقالة تحت عنوان "تزايد السكان وأثره في تقدم المجتمع" عام 1798م بين فيها الخطر الذي يهدد الكون نتيجة زيادة النسل,وبين عجز الأرض عن تلبية حاجات الأجيال الجديدة الى الطعام.
وبعد مالتوس "تكاثرت النظريات التي تدعو الدعوة نفسها,حتى أن بعض المنظرين كانوا من الأطباء الذين شجعوا على إيجاد السياسات السكانية التي تعين على التقيد بهذا الحد مثل توزيع وسائل منع الحمل,ومن هؤلاء:
1- فرانسيس بالاس الذي ظهر في فرنسا ونادى بضرورة الحد من تزايد السكان,ولكن كان اقتراحه الذي تقدم به لتحقيق هذا الغرض,هو منع الحمل بالآلات والعقاقير دون الوسائل الخلقية المجردة.
2- تشارلس نورتون الذي ظهر في سنة 1833م.في أمريكا,وكان طبيباً مشهوراً ورفع صوته تأييداً لفكرة "فرانسيس بالاس" ولعل كتابه ثمرات الفلسفة هو أول كتاب جاء فيه شرح تفصيلي للتدابير الطبية لمنع الحمل وأشير فيه بذكر منافعها الاقتصادية.
3- دريسديل الطبيب الذي قاد في إنكلترا سنة 1877م.الحركة النيوماتوسية الجديدة,وأسس جمعية خاصة تنشر الكتب والرسائل تاييداً لحركة تحديد النسل,وبعد ذلك "ظهر كتاب" قانون عدد السكان "للسيدة "بيسانت" ونفذت منه 175 ألف نسخة خلال سنته الأولى فقط,وفي سنة 1881م.وصلت هذه الحركة الى هولندا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا,وانتشرت بعد ذلك شيئاً فشيئاً في سائر البلاد المتحضرة في أوروبا وأمريكا".
أما مفهوم تحديد النسل والذي يقصد به على مستوى الأسرة,إيقاف الانجاب على عدد محدد من الأطفال,وعلى مستوى المجتمع يقصد به الإجراءات التي "تقوم بها الدولة ضمن سياسة سكانية تستهدف الوصول بمعدلات الخصوبة الى مستوى يتلازم مع إمكانيات المجتمع",فقد بدأ في الظهور في مطلع القرن الماضي عندما فكرت الممرضة مارغريت سونغر من الولايات المتحدة الأمريكية في مساعدة نساء يبحثن عن وسائل لوقف الإنجاب أو المباعدة بين الحمول,وقد سجنت عدة مرات في عام 1916م.بسبب موقفها الداعي الى الحد من حجم الأسرة,فقد كان تقديم مثل هذه المساعدة في تلك البلاد ضد القانون,وبعد ذلك تحسن الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية,فأخذت برامج تنظيم الأسرة تتزايد باضطراد,وازداد عدد الدول التي تدعم تنطيم الأسرة من 21 دولة عام 1965م.الى 127 دولة عام 1983م.
البلاغ