يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَ مَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ مَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ.البقرة269.
إخوتي الكرام أعضاء و زوار منتديات جوهرة تيسمسيلت.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أسعد الله أوقاتكم بكل خير.
........
الأمة المسلمة هي الأمة الوسط.
*السيد محمد حسين فضل الله.
....
(و كَذلكَ جَعلناكم أمّةً وسطاً لِتكُونوا شُهداءَ على النّاسِ و يكونَ الرسولُ عليكُم شهيداً)[البقرة/ 143].
في هذه الآية حديث عن الأمة المسلمة بأنها "وسط" فيما جعله الله للمسلمين من موقع قيادي في الحياة،و انها شاهدة على الناس،و حديث عن الرسول بأنه شاهد على الأمة..فكيف نفهم هذه "الوسطية" و هذه الشهادة.
و قد جرى بعض المفسرين في تفسير هذه الكلمة من المعنى اللغوي فأخذوا منه معنى العدل و التوازن على أساس ما تمثله الشريعة الاسلامية من الوسطية بين الاتجاه الروحي المتطرف الذي يمثله النصارى و بين الاتجاه المادي المتطرف الذي يمثله المشركون و اليهود لأن الاسلام يأخذ من الروح جانباً و من المادة جانباً لتكون الحياة _كما خلقها الله_ نتيجة التزاوج بين الروح و المادة،و تتمثل في التوازن بين الاتجاه الجماعي المتطرف الذي يلغي دور الفرد و الاتجاه الفردي المطلق الذي يلغي دور المجتمع في الحياة،فأعطى للفرد دوره فيما يحقق ذاته دون أن يغمط حق الجماعة في نطاق قضاياها العامة،و أعطى للجماعة دورها فيما لا يلغي للفرد نوازعه الذاتية الطبيعة.
و يمتد الخط الوسطي الى التوازن بين الدنيا و الآخرة فللمسلم أن يقبل على الدنيا و يستمتع بطيباتها من دون أن يسيء الى خط الآخرة في السير مع شريعة الله فيما يفعل و فيما يترك،و له أن يستغرق في الآخرة بما لا يمنعه من بناء الحياة و الاندفاع معها على الأسس التي يريدها الله.
و في ضوء ذلك يمكن للأمة أن تؤدي دور الشهادة على الناس باعتبارها تقف في نقطة التوازن التي ترجع إليها بقية الأطراف،كما يكون النبي شهيداً على الأمة لأنه المثال الأكمل الذي يوزن به حال الأجاد من الأمة..
و يعلّق صاحب تفسير الميزان على هذا التفسير للآية بأن هذا المعنى في نفسه صحيح و لا يخلو من دقة إلا انه غير منطبق على لفظ الآية فان كون الأمة وسطاً إنما يصحح كونها مرجعاً يرجع إليه الطرفان و ميزاناً يوزن به الجانبان لا كونها شاهدة تشهد على الطرفين أو تشاهد الطرفين فلا تناسب بين الوسطية بذاك المعنى و الشهادة و هو ظاهر على انه لا وجه حينئذ للتعرض بكون رسول الله شهيداً على الأمة،إذ لا يترتب شهادة الرسول على الأمة على جعل الأمة وسطاً كما يترتب الغاية على المغيّ و الغرض على ذيه.
و نحن نرى أن هذه الآيات تتحرك في نطاق الإيحاء للمسلمين بأصالة موقعهم في الحياة من خلال الدور الذي أعدّه الله لهم في قيادة البشرية إلى الأهداف الكبيرة التي تتمثل في الاسلام،الأمر الذي يجعلهم يتحركون في الحياة من هذا الموقع ليكونوا شهداء على الناس في أفكارهم و أعمالهم باعتبار أنهم يدخلون في ضمن مسؤوليتهم،كما كان الرسول شهيداً على المسلمين من خلال مسؤوليته الرسالية عنهم فيما بلغهم أيّاه و فيما أرشدهم إليه...
و في هذا الجو لا نجد للوسطية معنى فيما حاوله هؤلاء المفسرون من الحديث عن التوازن الفكري و التشريعي في المواجهة الاسلامية للحياة،لأن القضية ليست هي قضية المضمون الاسلامي في صياغة الشخصية للانسان المسلم،بل هي قضية الإيحاء للمسلمين بأن عليهم أن لا يستسلموا للآخرين في الحصول على الثقة بالتشريع و بالمسار العملي،لأنهم لا يمثلون التبعية للآخرين،في مواقعهم بل القضية هي أن الآخرين يدخلون في نطاق مسؤوليتهم باعتبار انهم يحملون الرسالة القائدة،و الدور القائد في التبليغ و التنفيذ..
كما كان الرسول بالنسبة اليهم فيما يبلغه و فيما يهدي إليه..
و لعل طبيعة الشهادة على الآخرين أمام الله تقتضي أن يكون الشاهد في الموقع الأفضل من حيث الدور الذي أوكل إليه،و من حيث السلوك الذي سار فيه كما هو الحال في الانبياء بالنسبة الى أممهم...و هذا ما يؤكد المعنى الذي ألمحنا إليه...
و ربما يؤكد ذلك و يوضحه ما ورد في الآية الكريمة.
(يا أيُّها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا و اعبدوا ربّكم و افعلوا الخيرَ لعلكم تفلحون و جاهدوا في اللهِ حقّ جهادهِ هُوَ اجتباكم و ما جعل عليكم في الدين من حرج ملّة أبيكم إبراهيمَ هُوَ سمّاكُم المسلمين من قبلُ ليكونَ الرسولُ شهيداً عليكم و تكونوا شُهداء على النّاسِ فأقيموا الصّلاة و آتوا الزكاة و اعتصموا بالله هو مَولاكُم فَنِعمَ المولى و نعمَ النصير) (الحج/ 78).
فإننا نلاحظ تفريع شهادة الرسول عليهم و شهادتهم على الناس على اجتباء الله لهم و انضباطهم على الخط و قيامهم بالدور الموكل اليهم في العمل لأنفسهم و للأخرين..
أمّا الحديث عن التوازن في الاسلام فهو حقّ و لكن ذلك لا يعني أن الآية تسير في هذا الاتجاه في مضمونها الفكري.
........
كيف نفهم الشهادة على الناس؟
أمّا الشهادة..فقد ذكر لها عدة معان "منها" ان المعنى لتشهدوا على الناس باعمالهم التي خالفوا فيها الحق في الدنيا و في الآخرة.
كما قال "و جيء بالنّبيينَ و الشهداءِ" و قال "و يومَ يَقومُ الأشهاد".
و قد أثار المفسرون اعتراضا في هذا المجال و خلاصته ان الشهادة تفرض الموقع المتميز للشاهد على المشهود عليه،و نحن نعلم أن الأمة تجمع في جماعتها المطيع و العاصي و الجاهل و العالم فكيف يمكن أن يكون الجميع شهوداً في موقع الشهادة و الجواب ان الاسلوب القرآني قد جرى على الحديث عن البعض بصفة الكل باعتبار اشتمال الكل عليه،تماماً كما قد حدثنا عن بني اسرائيل مع أن الصفات التي ذكرها كانت صفات البعض...
و على هذا فان كون الأمة شاهدة يتحرك في نطاق وجود العناصر الكثيرة في داخلها ممن يصلحون لمثل هذا الموقع الكبير و هم الطليعة الواعية المؤمنة التقية المنضبطة التي تفهم الاسلام حق الفهم و تعيه حق الوعي و تمارسه حق الممارسة و تحمله بروح رسولية رائدة.
.......
المصدر: كتاب من وحي القرآن/ حلقة 3
موقع البلاغ.
إخوتي الكرام أعضاء و زوار منتديات جوهرة تيسمسيلت.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أسعد الله أوقاتكم بكل خير.
........
الأمة المسلمة هي الأمة الوسط.
*السيد محمد حسين فضل الله.
....
(و كَذلكَ جَعلناكم أمّةً وسطاً لِتكُونوا شُهداءَ على النّاسِ و يكونَ الرسولُ عليكُم شهيداً)[البقرة/ 143].
في هذه الآية حديث عن الأمة المسلمة بأنها "وسط" فيما جعله الله للمسلمين من موقع قيادي في الحياة،و انها شاهدة على الناس،و حديث عن الرسول بأنه شاهد على الأمة..فكيف نفهم هذه "الوسطية" و هذه الشهادة.
و قد جرى بعض المفسرين في تفسير هذه الكلمة من المعنى اللغوي فأخذوا منه معنى العدل و التوازن على أساس ما تمثله الشريعة الاسلامية من الوسطية بين الاتجاه الروحي المتطرف الذي يمثله النصارى و بين الاتجاه المادي المتطرف الذي يمثله المشركون و اليهود لأن الاسلام يأخذ من الروح جانباً و من المادة جانباً لتكون الحياة _كما خلقها الله_ نتيجة التزاوج بين الروح و المادة،و تتمثل في التوازن بين الاتجاه الجماعي المتطرف الذي يلغي دور الفرد و الاتجاه الفردي المطلق الذي يلغي دور المجتمع في الحياة،فأعطى للفرد دوره فيما يحقق ذاته دون أن يغمط حق الجماعة في نطاق قضاياها العامة،و أعطى للجماعة دورها فيما لا يلغي للفرد نوازعه الذاتية الطبيعة.
و يمتد الخط الوسطي الى التوازن بين الدنيا و الآخرة فللمسلم أن يقبل على الدنيا و يستمتع بطيباتها من دون أن يسيء الى خط الآخرة في السير مع شريعة الله فيما يفعل و فيما يترك،و له أن يستغرق في الآخرة بما لا يمنعه من بناء الحياة و الاندفاع معها على الأسس التي يريدها الله.
و في ضوء ذلك يمكن للأمة أن تؤدي دور الشهادة على الناس باعتبارها تقف في نقطة التوازن التي ترجع إليها بقية الأطراف،كما يكون النبي شهيداً على الأمة لأنه المثال الأكمل الذي يوزن به حال الأجاد من الأمة..
و يعلّق صاحب تفسير الميزان على هذا التفسير للآية بأن هذا المعنى في نفسه صحيح و لا يخلو من دقة إلا انه غير منطبق على لفظ الآية فان كون الأمة وسطاً إنما يصحح كونها مرجعاً يرجع إليه الطرفان و ميزاناً يوزن به الجانبان لا كونها شاهدة تشهد على الطرفين أو تشاهد الطرفين فلا تناسب بين الوسطية بذاك المعنى و الشهادة و هو ظاهر على انه لا وجه حينئذ للتعرض بكون رسول الله شهيداً على الأمة،إذ لا يترتب شهادة الرسول على الأمة على جعل الأمة وسطاً كما يترتب الغاية على المغيّ و الغرض على ذيه.
و نحن نرى أن هذه الآيات تتحرك في نطاق الإيحاء للمسلمين بأصالة موقعهم في الحياة من خلال الدور الذي أعدّه الله لهم في قيادة البشرية إلى الأهداف الكبيرة التي تتمثل في الاسلام،الأمر الذي يجعلهم يتحركون في الحياة من هذا الموقع ليكونوا شهداء على الناس في أفكارهم و أعمالهم باعتبار أنهم يدخلون في ضمن مسؤوليتهم،كما كان الرسول شهيداً على المسلمين من خلال مسؤوليته الرسالية عنهم فيما بلغهم أيّاه و فيما أرشدهم إليه...
و في هذا الجو لا نجد للوسطية معنى فيما حاوله هؤلاء المفسرون من الحديث عن التوازن الفكري و التشريعي في المواجهة الاسلامية للحياة،لأن القضية ليست هي قضية المضمون الاسلامي في صياغة الشخصية للانسان المسلم،بل هي قضية الإيحاء للمسلمين بأن عليهم أن لا يستسلموا للآخرين في الحصول على الثقة بالتشريع و بالمسار العملي،لأنهم لا يمثلون التبعية للآخرين،في مواقعهم بل القضية هي أن الآخرين يدخلون في نطاق مسؤوليتهم باعتبار انهم يحملون الرسالة القائدة،و الدور القائد في التبليغ و التنفيذ..
كما كان الرسول بالنسبة اليهم فيما يبلغه و فيما يهدي إليه..
و لعل طبيعة الشهادة على الآخرين أمام الله تقتضي أن يكون الشاهد في الموقع الأفضل من حيث الدور الذي أوكل إليه،و من حيث السلوك الذي سار فيه كما هو الحال في الانبياء بالنسبة الى أممهم...و هذا ما يؤكد المعنى الذي ألمحنا إليه...
و ربما يؤكد ذلك و يوضحه ما ورد في الآية الكريمة.
(يا أيُّها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا و اعبدوا ربّكم و افعلوا الخيرَ لعلكم تفلحون و جاهدوا في اللهِ حقّ جهادهِ هُوَ اجتباكم و ما جعل عليكم في الدين من حرج ملّة أبيكم إبراهيمَ هُوَ سمّاكُم المسلمين من قبلُ ليكونَ الرسولُ شهيداً عليكم و تكونوا شُهداء على النّاسِ فأقيموا الصّلاة و آتوا الزكاة و اعتصموا بالله هو مَولاكُم فَنِعمَ المولى و نعمَ النصير) (الحج/ 78).
فإننا نلاحظ تفريع شهادة الرسول عليهم و شهادتهم على الناس على اجتباء الله لهم و انضباطهم على الخط و قيامهم بالدور الموكل اليهم في العمل لأنفسهم و للأخرين..
أمّا الحديث عن التوازن في الاسلام فهو حقّ و لكن ذلك لا يعني أن الآية تسير في هذا الاتجاه في مضمونها الفكري.
........
كيف نفهم الشهادة على الناس؟
أمّا الشهادة..فقد ذكر لها عدة معان "منها" ان المعنى لتشهدوا على الناس باعمالهم التي خالفوا فيها الحق في الدنيا و في الآخرة.
كما قال "و جيء بالنّبيينَ و الشهداءِ" و قال "و يومَ يَقومُ الأشهاد".
و قد أثار المفسرون اعتراضا في هذا المجال و خلاصته ان الشهادة تفرض الموقع المتميز للشاهد على المشهود عليه،و نحن نعلم أن الأمة تجمع في جماعتها المطيع و العاصي و الجاهل و العالم فكيف يمكن أن يكون الجميع شهوداً في موقع الشهادة و الجواب ان الاسلوب القرآني قد جرى على الحديث عن البعض بصفة الكل باعتبار اشتمال الكل عليه،تماماً كما قد حدثنا عن بني اسرائيل مع أن الصفات التي ذكرها كانت صفات البعض...
و على هذا فان كون الأمة شاهدة يتحرك في نطاق وجود العناصر الكثيرة في داخلها ممن يصلحون لمثل هذا الموقع الكبير و هم الطليعة الواعية المؤمنة التقية المنضبطة التي تفهم الاسلام حق الفهم و تعيه حق الوعي و تمارسه حق الممارسة و تحمله بروح رسولية رائدة.
.......
المصدر: كتاب من وحي القرآن/ حلقة 3
موقع البلاغ.
عدل سابقا من قبل In The Zone في الجمعة يناير 18, 2013 8:51 pm عدل 1 مرات