راتب الزوجة والأزمات الأسرية
* د. سمير يونس
بعد علاقة زوجية حميمة، وحياة أسرية سعيدة، افترق الزوجان الحبيبان، وتشرد الأولاد في عمر الزهور، وتغيّرت النفوس، وتأججت المشكلات، ولجأ الطرفان، إما لجلسات الحكم العرفية، وإما للمحاكم القضائية، فيا للحسرة والألم!!
تلكم القصة تتكرّر في بيوتنا، وتزداد يوماً بعد يوم، والسبب راتب الزوجة، والعجيب أنّها أصبحت قصة مثيرة للجدل، حتى لدى المثقفين ثقافة شرعية، الذين يتلون آيات القرآن الكريم، وأحاديث النّبي (ص)، وسيرته آناء الليلٍ وأطراف النهار، فهل للدنانير بريقها الفتان؟! وهل للدراهم سحرها الخلاب؟
وهل تُنسي المادة الزوج دينه وشرع ربّه؟!!
- وإن تعجب فعجب جشعهم!!
- إني أعجبُ لرجل يسيطر على مال زوجته، لدرجة أنّه يستولي على بطاقة الصرف من حسابها البنكي، وكأنّها أَمَةٌ ذليلة، عليها العمل، والمال لغيرها، ولا حقَّ لها، وينبغي لها أن تُسلِّم كل ما تملك لزوجها!!
- وأعجب لرجل يترك خزائن الله ملأى التي لا تنفد أبداً ثمّ ينظر إلى ما في يدّ البشر، بل ينظر إلى دنانير قليلة في يد زوجته التي كدَّت وتعبت، وعانت طوال شهر كامل، حتى يأتي هذا الحوت ليبتلع ما جمعته، دون وازع من ضمير، ولا رادع من شرع!! بل يَحْرم المسكينة من أن تشتري لأُمّها هدية، أو لأختها وذويها الاحتياجات الضرورية وهم لا يجدون حدّ الكفاف!!
مَنْ قال لك أيُّها الزوج إن من حقك أن تحجر على زوجتك في ملكيتها؟! مَنْ علَّمك هذا التصرُّف العجيب؟ مَنْ أخبرك بأنك وصيٌّ على زوجتك في مالها وأنّها سفيهة يجب الحجر عليها؟ أم أنك شحيح النفس غير واثق برزق ربّك، فتركت ما عند الله الغني، ونظرت إلى ما في يد عباده الفقراء؟!!
- الحكم الفقهي في راتب الزوجة:
يقول د. محمّد المسير الأستاذ بجامعة الأزهر :"إنّ للزوجة أن تتصرّف في مالها دون إذن زوجها، وراتب الزوجة جزء من مالها الذي تملكه، فلها أن تتصرّف فيه بما شاءت، ما دام هذا التصرّف داخل دائرة الحلال؛ لأن ذمة المرأة المالية مستقلة عن ذمة الرجل، سواء أكان أباً أم أخاً، أم زوجاً، فالشريعة الإسلامية أعطت المرأة أهلية كاملة في التملك والتصرف.
الزوجة – إذن – لها ذمتها المالية المستقلة، وراتبها جزء من مالها، فلا يجوز للزوج أن يأخذ منه شيئاً إلا برضاها، وعن طيب نفس منها، وأخْذُ الرجل مالٍ زوجته أو جزءاً منه كرهاً يعدُّ غصباً، والعصب حرام.
لقد منح الله الشرع الحنيف للمرأة ذمتها المالية، وهذا العطاء دليل على تكريم الإسلام للمرأة، وهو من مفاخر شريعة الإسلام.
وفي دراسة للدكتور عبدالعزيز محمّد الدبيش بجامعة الملك سعود بعنوان: "أثر راتب الزوجة الموظفة في الحياة الزوجية: دراسة فقهية".. أوضح أنّ المرأة سواء أكانت متزوجة أم غير متزوجة لها حقّ الملك والتصرّف فيما تملك، إذا كانت بالغة رشيدة، كما أكدت هذه الدراسة أن راتب المرأة هو جزء من مالها.
- هل تساعد المرأة زوجها؟
لقد أباح الفقهاء أن تساعد المرأة زوجها، وهذا من باب الفضل لا من باب الوجوب والإلزام، وأن كلّ الصور والحالات التي يتحقّق فيها التراضي بين الزوجين – سواء فيما يتعلّق بعمل الزوجة أو راتبها – يتعامل معها الإسلام بالتيسير والسماحة، ويجوز شرعاً أن يتنازل كل واحد من الزوجين للآخر عن حقه أو بعضه، شريطة أن يكون عن طيب نفس ورضا من الطرف المتنازل، مادام ذلك يساعد على استقرار الحياة الأسرية وازدهارها، ويحقق فائدة للبيت المسلم، ولكن على الزوج أن يعي أنّ ذلك فضل من الزوجة وليس واجباً، وأنّه لا يحق له أن يجبرها على الإسهام واجباً، وأنّه لا يحق له أن يجبرها على الإسهام في نفقات البيت، حتى إن كان فقيراً محتاجاً، وكانت الزوجة ثرية، فقد بيّن القرآن الكريم أن قوامة الرجل على زوجته إنّما استحقها لطبيعة تكوينه، ولإنفاقه على زوجته وبيته، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء/ 34).
- السماح بعملها مقابل راتبها!!
بعض الأزواج يتصوّر أن أخذه للراتب هو الثمن المقابل لسماحه لزوجته بأن تعمل، وهذا خلط للأوراق، وليس من الشرع في شيء، بل لا ينسجم مع الواقع.. ناهيك عن أن منع الزوجات عن العمل سيفرغ المؤسّسات التي تحتاج إلى عمل المرأة من النساء العاملات، كالتدريس للبنات في المدارس والجامعات، وكذلك في مهنة الطب والتمريض عندما تكون المريضة أنثى.
هل من حقّ الزوج أن يمنع زوجته عن العمل؟
بداية.. لا يجوز للمرأة أن تخرج إلى العمل دون إذن زوجها، فإن خرجت دون إذنه فهي عاصية لزوجها، ومقترفة لمحرم، آثمة في فعلها هذا، وتسقط نفقتها، فلا تجب على زوجها باتفاق الأئمة الأربعة.
لكن إذا اشترطت أن تعمل، فهنالك يلزم الزوج الوفاء بذلك، وكذلك إذا شرط الزوج على زوجته في العقد أن تعمل، فيلزمها الوفاء بهذا الشرط، وإذا لم تلتزم بذلك تكون ناقضة للإتفاق، عاصية لزوجها.
- عندما يخلّ العمل بواجبات المرأة الأسرية:
إذا أدى عمل المرأة إلى الإخلال بدورها الأصلي، وهو واجباتها الأسرية نحو زوجها وألادها.. فهنالك يكون البيت أولى لها من العمل، شريطة ألا يخل ذلك باتفاق سابق، أو شرط اتفقا عليه سلفاً، تجنباً لنقض العهد، وتحقيقاً للوفاء بالوعد.
ولا بأس إن كانت المرأة ترغب في العمل ووافق زوجها – لتعويض تقصيرها من واجبات البيت – أن تتعهد بالإسهام من مالها أو راتبها في دفع راتب الخادمة، أو الإنفاق العام على البيت، فإذا اتفقت هي والزوج على ذلك، لزم أن تلتزم، وتفي بعهدها ووعدها، وهنالك يكون إنفاقها أو إسهامها من باب الوفاء بالعهد، وليس من باب وجوب إنفاقها على الزوج والبيت.
ولا يزال الخير في نسائنا، فتلك زوجة تبيع حُليها عندما كان زوجها يطبع رسالة الماجستير، وليس معه مال، ولكنّه كان وفياً، إذ اشترى لها ضعف ما باعت عندما وسّع عليه الله في رزقه، إنها فعلت ذلك، برغم رفضه الشديد لبيع جواهرها التي اشتراها لها والدها وليس زوجها.
لقد عفَّ الزوج عن مال زوجته، فوسّع الله عليه وفرج كربه، وكانت الزوجة كريمة معطاءة فاضلة فعوضها الله عزّ وجلّ، حيث اشترى لها زوجها ضعف ما باعت، وظلّ يحمل لها هذا الجميل ما دام حياً، وأثمر هذا الصنيع سعادة وحباً ووفاء.
البلاغ
* د. سمير يونس
بعد علاقة زوجية حميمة، وحياة أسرية سعيدة، افترق الزوجان الحبيبان، وتشرد الأولاد في عمر الزهور، وتغيّرت النفوس، وتأججت المشكلات، ولجأ الطرفان، إما لجلسات الحكم العرفية، وإما للمحاكم القضائية، فيا للحسرة والألم!!
تلكم القصة تتكرّر في بيوتنا، وتزداد يوماً بعد يوم، والسبب راتب الزوجة، والعجيب أنّها أصبحت قصة مثيرة للجدل، حتى لدى المثقفين ثقافة شرعية، الذين يتلون آيات القرآن الكريم، وأحاديث النّبي (ص)، وسيرته آناء الليلٍ وأطراف النهار، فهل للدنانير بريقها الفتان؟! وهل للدراهم سحرها الخلاب؟
وهل تُنسي المادة الزوج دينه وشرع ربّه؟!!
- وإن تعجب فعجب جشعهم!!
- إني أعجبُ لرجل يسيطر على مال زوجته، لدرجة أنّه يستولي على بطاقة الصرف من حسابها البنكي، وكأنّها أَمَةٌ ذليلة، عليها العمل، والمال لغيرها، ولا حقَّ لها، وينبغي لها أن تُسلِّم كل ما تملك لزوجها!!
- وأعجب لرجل يترك خزائن الله ملأى التي لا تنفد أبداً ثمّ ينظر إلى ما في يدّ البشر، بل ينظر إلى دنانير قليلة في يد زوجته التي كدَّت وتعبت، وعانت طوال شهر كامل، حتى يأتي هذا الحوت ليبتلع ما جمعته، دون وازع من ضمير، ولا رادع من شرع!! بل يَحْرم المسكينة من أن تشتري لأُمّها هدية، أو لأختها وذويها الاحتياجات الضرورية وهم لا يجدون حدّ الكفاف!!
مَنْ قال لك أيُّها الزوج إن من حقك أن تحجر على زوجتك في ملكيتها؟! مَنْ علَّمك هذا التصرُّف العجيب؟ مَنْ أخبرك بأنك وصيٌّ على زوجتك في مالها وأنّها سفيهة يجب الحجر عليها؟ أم أنك شحيح النفس غير واثق برزق ربّك، فتركت ما عند الله الغني، ونظرت إلى ما في يد عباده الفقراء؟!!
- الحكم الفقهي في راتب الزوجة:
يقول د. محمّد المسير الأستاذ بجامعة الأزهر :"إنّ للزوجة أن تتصرّف في مالها دون إذن زوجها، وراتب الزوجة جزء من مالها الذي تملكه، فلها أن تتصرّف فيه بما شاءت، ما دام هذا التصرّف داخل دائرة الحلال؛ لأن ذمة المرأة المالية مستقلة عن ذمة الرجل، سواء أكان أباً أم أخاً، أم زوجاً، فالشريعة الإسلامية أعطت المرأة أهلية كاملة في التملك والتصرف.
الزوجة – إذن – لها ذمتها المالية المستقلة، وراتبها جزء من مالها، فلا يجوز للزوج أن يأخذ منه شيئاً إلا برضاها، وعن طيب نفس منها، وأخْذُ الرجل مالٍ زوجته أو جزءاً منه كرهاً يعدُّ غصباً، والعصب حرام.
لقد منح الله الشرع الحنيف للمرأة ذمتها المالية، وهذا العطاء دليل على تكريم الإسلام للمرأة، وهو من مفاخر شريعة الإسلام.
وفي دراسة للدكتور عبدالعزيز محمّد الدبيش بجامعة الملك سعود بعنوان: "أثر راتب الزوجة الموظفة في الحياة الزوجية: دراسة فقهية".. أوضح أنّ المرأة سواء أكانت متزوجة أم غير متزوجة لها حقّ الملك والتصرّف فيما تملك، إذا كانت بالغة رشيدة، كما أكدت هذه الدراسة أن راتب المرأة هو جزء من مالها.
- هل تساعد المرأة زوجها؟
لقد أباح الفقهاء أن تساعد المرأة زوجها، وهذا من باب الفضل لا من باب الوجوب والإلزام، وأن كلّ الصور والحالات التي يتحقّق فيها التراضي بين الزوجين – سواء فيما يتعلّق بعمل الزوجة أو راتبها – يتعامل معها الإسلام بالتيسير والسماحة، ويجوز شرعاً أن يتنازل كل واحد من الزوجين للآخر عن حقه أو بعضه، شريطة أن يكون عن طيب نفس ورضا من الطرف المتنازل، مادام ذلك يساعد على استقرار الحياة الأسرية وازدهارها، ويحقق فائدة للبيت المسلم، ولكن على الزوج أن يعي أنّ ذلك فضل من الزوجة وليس واجباً، وأنّه لا يحق له أن يجبرها على الإسهام واجباً، وأنّه لا يحق له أن يجبرها على الإسهام في نفقات البيت، حتى إن كان فقيراً محتاجاً، وكانت الزوجة ثرية، فقد بيّن القرآن الكريم أن قوامة الرجل على زوجته إنّما استحقها لطبيعة تكوينه، ولإنفاقه على زوجته وبيته، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء/ 34).
- السماح بعملها مقابل راتبها!!
بعض الأزواج يتصوّر أن أخذه للراتب هو الثمن المقابل لسماحه لزوجته بأن تعمل، وهذا خلط للأوراق، وليس من الشرع في شيء، بل لا ينسجم مع الواقع.. ناهيك عن أن منع الزوجات عن العمل سيفرغ المؤسّسات التي تحتاج إلى عمل المرأة من النساء العاملات، كالتدريس للبنات في المدارس والجامعات، وكذلك في مهنة الطب والتمريض عندما تكون المريضة أنثى.
هل من حقّ الزوج أن يمنع زوجته عن العمل؟
بداية.. لا يجوز للمرأة أن تخرج إلى العمل دون إذن زوجها، فإن خرجت دون إذنه فهي عاصية لزوجها، ومقترفة لمحرم، آثمة في فعلها هذا، وتسقط نفقتها، فلا تجب على زوجها باتفاق الأئمة الأربعة.
لكن إذا اشترطت أن تعمل، فهنالك يلزم الزوج الوفاء بذلك، وكذلك إذا شرط الزوج على زوجته في العقد أن تعمل، فيلزمها الوفاء بهذا الشرط، وإذا لم تلتزم بذلك تكون ناقضة للإتفاق، عاصية لزوجها.
- عندما يخلّ العمل بواجبات المرأة الأسرية:
إذا أدى عمل المرأة إلى الإخلال بدورها الأصلي، وهو واجباتها الأسرية نحو زوجها وألادها.. فهنالك يكون البيت أولى لها من العمل، شريطة ألا يخل ذلك باتفاق سابق، أو شرط اتفقا عليه سلفاً، تجنباً لنقض العهد، وتحقيقاً للوفاء بالوعد.
ولا بأس إن كانت المرأة ترغب في العمل ووافق زوجها – لتعويض تقصيرها من واجبات البيت – أن تتعهد بالإسهام من مالها أو راتبها في دفع راتب الخادمة، أو الإنفاق العام على البيت، فإذا اتفقت هي والزوج على ذلك، لزم أن تلتزم، وتفي بعهدها ووعدها، وهنالك يكون إنفاقها أو إسهامها من باب الوفاء بالعهد، وليس من باب وجوب إنفاقها على الزوج والبيت.
ولا يزال الخير في نسائنا، فتلك زوجة تبيع حُليها عندما كان زوجها يطبع رسالة الماجستير، وليس معه مال، ولكنّه كان وفياً، إذ اشترى لها ضعف ما باعت عندما وسّع عليه الله في رزقه، إنها فعلت ذلك، برغم رفضه الشديد لبيع جواهرها التي اشتراها لها والدها وليس زوجها.
لقد عفَّ الزوج عن مال زوجته، فوسّع الله عليه وفرج كربه، وكانت الزوجة كريمة معطاءة فاضلة فعوضها الله عزّ وجلّ، حيث اشترى لها زوجها ضعف ما باعت، وظلّ يحمل لها هذا الجميل ما دام حياً، وأثمر هذا الصنيع سعادة وحباً ووفاء.
البلاغ