لماذا نخشى الآخرين ولا نتعلم منهم؟
علي حسين عبيد
.................
شبكة النبأ: في محاولتنا لفهم الحياة وفحواها ثمة الكثير مما يستلزم المعرفة والاطلاع، فليس بمقدور الانسان فهم ماهية الحياة وكل ما تنطوي عليه من أسرار وغوامض من دون التعاون المعرفي المتبادل بين الامم والشعوب التي تقطن المعمورة منذ آلاف السنين، أما الاسباب التي تدفع الانسان بهذا الاتجاه (أي نحو فهم الحياة) فإنها تتركز في محاولته على تحسين أنماط العيش من دون التوقف عند حد معين.
فقناعة الانسان بنمط معيشي معين تعني تحجّر الفكر وانطفاء ملكة الابداع واجترار أنماط العيش السالفة وهو أمر لم يعد يقنع طموحات الانسان وتطلعاته المتأججة على الدوام من اجل الوصول الى أنماط معيشية أرقى مما توصل إليه الاسلاف أو الاقران وما شابه، فالسكون عند حد معين في هذا المجال يعني الاقرار سلفا بالعجز عن الابتكار وتحييد الملكات الخلاقة التي حباها الله تعالى للانسان كي يبقى نازعا الى التطور والتقدم الحياتي المتواصل.
وهذا يعني أهمية أن يطلع الانسان فردا أو مجتمعا على تجارب غيره من الافراد والمجتمعات التي سبقته في التجربة او زامنته لكنها تقدمت عليه بسبب بحثها الدؤوب عن الجديد ومحاولاتها التي لا تتوقف عند قناعة معينة وبالتالي تجنبت نضوب الموهبة وموت أو تحييد الملَكة الخلاقة التي تحث على التطور والتقدم الدائم.
لذا فإن الامر يستدعي التلاقح مع تجارب الآخرين وعدم الخوف أو التردد في هذا المجال، لأن الانكماش على الذات يؤدي الى التقوقع والانغلاق بحجة الاعتداد بالنفس وبالحصيلة المعرفية التي نمتلكها، لهذا غالبا ما نرى الأفراد او الجماعات المنغلقة تغالي كثيرا بثقتها بنفسها وبمقدار الحصيلة المعرفة والفكرية التي تتمتع بها وهو أمر لا يستند الى الواقع الفعلي في الغالب.
في حين نرى من جانب آخر أن جميع الامم والشعوب وحتى الافراد الذين انفتحوا على الآخر وتمازجوا وتداخلوا معه واخذوا منه واعطوه وتبادلوا معه الخبرة والتجارب المتنوعة حققوا أفضل النتائج في مجال تحسين الانماط الحياتية التي يمارسون فيها طبيعة العيش المتنوع، وهذا دليل قاطع على أن التقوقع والانغلاق يحرم الانسان من مزايا كثيرة وكبيرة.
في حين يبقى من يعتقد بمعرفته ويغالي بابتعاده وتحرزه من تجارب الآخرين والتداخل معهم، حبيس المعرفة الذاتية القارّة وغير القابلة للتجدد والعصرنة التي تتسق مع شروط العصر القائمة على التنوع والتجديد الدائم، لهذا لم يعد مقبولا ولا صحيحا أن تعزل المجتمعات نفسها عن غيرها بحجة (الأصالة) أو أهمية الحفاظ على الهوية، مع أننا لا نرى ضيرا في هذا الجانب بل على الانسان فردا او أمة أن يسعى للحفاظ على الاصالة والتفرد والهوية لكن بعيدا عن مسالك التحجر والانغلاق وعدم التعاطي مع التجارب الانسانية الاخرى.
وحين يعتقد الانسان بأنه يفهم كل شيء وأنه مكتف بنفسه وخبراته وافكاره وتجاربه وليس بحاجة الى غيره من الناس فإنه سيقع في مطب الانطواء والتحجر والانغلاق الذي سيقوده الى الفشل القاطع في تحقيق النمط المعيشي المعاصر، وهذا هو ديدن الافراد والمجتمعات التي تخاف غيرها ولا تبذل ما ينبغي للتفاعل المتبادل مع الخبرات الانسانية الاخرى على تعددها وغناها.
وقد يسأل أحدهم: هل هناك إنسان يفكر بهذه الطريقة في عالم اليوم ؟، وللإجابة نقول لا يقتصر الامر على الافراد بل توجد مجتمعات كاملة من هذا النوع تخضع لسلطة اجتماعية او سياسية أو عرفية متجبرة تحصرها في حيّز محدد وتمنعها من الخروج نحو فضاءات الآخر وتجاربه تحت حجج لا ترقى للحقيقة او الصحة بشيء، ولعل المشكلة لا تنحصر بالسلطة وحدها ومحاولاتها الهادفة الى عزل المجتمع للسيطرة عليه، بل المشكلة أننا قد نجد إستعدادا لدى المجتمع او الفرد نفسه في هذا الاتجاه.
بمعنى ثمة مجتمعات او افراد لهم الاستعداد والقابلية على الانغلاق والتقوقع، وقد لا يرون ضرورة للتفاعل مع الآخر بل هناك من يرى عيبا وخطورة في ذلك، والكارثة أن مثل هذه المجتمعات وهؤلاء الافراد لا يجدون من يصحح لهم رؤيتهم الخاطئة في الغالب تحت تأثير السلطات التي ترغب بل وتعمل على تعميق الانغلاق والتحجر كونه الوسيلة الناجعة لاخضاع الناس لها بسهولة ويسر.
لهذا على المجتمع والفرد معا أن يعوا خطورة العزلة الطوعية او القسرية من لدن السلطة، وعليهم أن يعرفوا خطورة المغالاة في القبلية والتعصب بحجة الاصالة او غيرها، وعليهم التخلص من مخاوف الاختلاط والاستفادة من التجارب الانسانية المتنوعة ونبذ ما لا يليق بهم والأخذ بما يفيدهم منها.
وبذا نكون قد أسهمنا بصنع مجتمع متنور وواثق من نفسه وجامع بين المعرفة والخبرة والاعتداد بالنفس مع التناغم الحاصل بينه وبين الخبرات الانسانية التي حصل عليها من تجارب وخبرات الآخرين المتنوعة.
علي حسين عبيد
.................
شبكة النبأ: في محاولتنا لفهم الحياة وفحواها ثمة الكثير مما يستلزم المعرفة والاطلاع، فليس بمقدور الانسان فهم ماهية الحياة وكل ما تنطوي عليه من أسرار وغوامض من دون التعاون المعرفي المتبادل بين الامم والشعوب التي تقطن المعمورة منذ آلاف السنين، أما الاسباب التي تدفع الانسان بهذا الاتجاه (أي نحو فهم الحياة) فإنها تتركز في محاولته على تحسين أنماط العيش من دون التوقف عند حد معين.
فقناعة الانسان بنمط معيشي معين تعني تحجّر الفكر وانطفاء ملكة الابداع واجترار أنماط العيش السالفة وهو أمر لم يعد يقنع طموحات الانسان وتطلعاته المتأججة على الدوام من اجل الوصول الى أنماط معيشية أرقى مما توصل إليه الاسلاف أو الاقران وما شابه، فالسكون عند حد معين في هذا المجال يعني الاقرار سلفا بالعجز عن الابتكار وتحييد الملكات الخلاقة التي حباها الله تعالى للانسان كي يبقى نازعا الى التطور والتقدم الحياتي المتواصل.
وهذا يعني أهمية أن يطلع الانسان فردا أو مجتمعا على تجارب غيره من الافراد والمجتمعات التي سبقته في التجربة او زامنته لكنها تقدمت عليه بسبب بحثها الدؤوب عن الجديد ومحاولاتها التي لا تتوقف عند قناعة معينة وبالتالي تجنبت نضوب الموهبة وموت أو تحييد الملَكة الخلاقة التي تحث على التطور والتقدم الدائم.
لذا فإن الامر يستدعي التلاقح مع تجارب الآخرين وعدم الخوف أو التردد في هذا المجال، لأن الانكماش على الذات يؤدي الى التقوقع والانغلاق بحجة الاعتداد بالنفس وبالحصيلة المعرفية التي نمتلكها، لهذا غالبا ما نرى الأفراد او الجماعات المنغلقة تغالي كثيرا بثقتها بنفسها وبمقدار الحصيلة المعرفة والفكرية التي تتمتع بها وهو أمر لا يستند الى الواقع الفعلي في الغالب.
في حين نرى من جانب آخر أن جميع الامم والشعوب وحتى الافراد الذين انفتحوا على الآخر وتمازجوا وتداخلوا معه واخذوا منه واعطوه وتبادلوا معه الخبرة والتجارب المتنوعة حققوا أفضل النتائج في مجال تحسين الانماط الحياتية التي يمارسون فيها طبيعة العيش المتنوع، وهذا دليل قاطع على أن التقوقع والانغلاق يحرم الانسان من مزايا كثيرة وكبيرة.
في حين يبقى من يعتقد بمعرفته ويغالي بابتعاده وتحرزه من تجارب الآخرين والتداخل معهم، حبيس المعرفة الذاتية القارّة وغير القابلة للتجدد والعصرنة التي تتسق مع شروط العصر القائمة على التنوع والتجديد الدائم، لهذا لم يعد مقبولا ولا صحيحا أن تعزل المجتمعات نفسها عن غيرها بحجة (الأصالة) أو أهمية الحفاظ على الهوية، مع أننا لا نرى ضيرا في هذا الجانب بل على الانسان فردا او أمة أن يسعى للحفاظ على الاصالة والتفرد والهوية لكن بعيدا عن مسالك التحجر والانغلاق وعدم التعاطي مع التجارب الانسانية الاخرى.
وحين يعتقد الانسان بأنه يفهم كل شيء وأنه مكتف بنفسه وخبراته وافكاره وتجاربه وليس بحاجة الى غيره من الناس فإنه سيقع في مطب الانطواء والتحجر والانغلاق الذي سيقوده الى الفشل القاطع في تحقيق النمط المعيشي المعاصر، وهذا هو ديدن الافراد والمجتمعات التي تخاف غيرها ولا تبذل ما ينبغي للتفاعل المتبادل مع الخبرات الانسانية الاخرى على تعددها وغناها.
وقد يسأل أحدهم: هل هناك إنسان يفكر بهذه الطريقة في عالم اليوم ؟، وللإجابة نقول لا يقتصر الامر على الافراد بل توجد مجتمعات كاملة من هذا النوع تخضع لسلطة اجتماعية او سياسية أو عرفية متجبرة تحصرها في حيّز محدد وتمنعها من الخروج نحو فضاءات الآخر وتجاربه تحت حجج لا ترقى للحقيقة او الصحة بشيء، ولعل المشكلة لا تنحصر بالسلطة وحدها ومحاولاتها الهادفة الى عزل المجتمع للسيطرة عليه، بل المشكلة أننا قد نجد إستعدادا لدى المجتمع او الفرد نفسه في هذا الاتجاه.
بمعنى ثمة مجتمعات او افراد لهم الاستعداد والقابلية على الانغلاق والتقوقع، وقد لا يرون ضرورة للتفاعل مع الآخر بل هناك من يرى عيبا وخطورة في ذلك، والكارثة أن مثل هذه المجتمعات وهؤلاء الافراد لا يجدون من يصحح لهم رؤيتهم الخاطئة في الغالب تحت تأثير السلطات التي ترغب بل وتعمل على تعميق الانغلاق والتحجر كونه الوسيلة الناجعة لاخضاع الناس لها بسهولة ويسر.
لهذا على المجتمع والفرد معا أن يعوا خطورة العزلة الطوعية او القسرية من لدن السلطة، وعليهم أن يعرفوا خطورة المغالاة في القبلية والتعصب بحجة الاصالة او غيرها، وعليهم التخلص من مخاوف الاختلاط والاستفادة من التجارب الانسانية المتنوعة ونبذ ما لا يليق بهم والأخذ بما يفيدهم منها.
وبذا نكون قد أسهمنا بصنع مجتمع متنور وواثق من نفسه وجامع بين المعرفة والخبرة والاعتداد بالنفس مع التناغم الحاصل بينه وبين الخبرات الانسانية التي حصل عليها من تجارب وخبرات الآخرين المتنوعة.