خدمة الآخرين طريق السعادة.
* السيد فاضل النوري.
.........
إنّ النظرة المتأملة في أهداف الشريعة و مقاصدها تعطي البصير صورة باهرة عن تأكيدها على دور التعاطي الإنساني في سعادة البشرية في عاجلها و آجلها،و أن بحث الإنسان عن راحة أخيه الإنسان، و سعيه في عونه على رفع أعبائه و حل مشاكله هو المسلك الأقصر المؤدي إلى بركات الدنيا و الآخرة.
و إن حقيقة العبادة المطلوبة الموصلة إلى رضا الله هي تلك التي يكون فيها الإنسان خيراً على الآخرين،و لا يصلهم من يده و لسانه إلاّ البر و الإحسان و المعروف،فيعايشهم بحسن الأخلاق،و طيب المعاشرة،و يسعى في حوائجهم،و يؤدي إليهم ما افترض عليه لهم من التعامل النبيل،فيكون نصيب والديه منه البر و لا العقوق،و زوجته اللطف و الوداد لا القسوة،و أولاده الحنان و الرعاية لا التضييع،و أرحامه الصلة لا القطيعة،و جيرانه حسن الجوار لا الجفاء،و إخوانه المؤمنين
المواصلة لا المتاركة،و عامة المسلمين الإهتمام لا التناسي،فإن هو أدى ما افترض عليه ازاءهم كان له في ذلك مأموله من رضا ربّه و كرمه و تأييده،و كان بذلك صادق الإيمان،سليم التوجهات،مرضي العبادة،مكلوءً باللطف و التسديد و الحماية و الكفاية،و إن هو خالف إلى غير ذلك فقد خسر ربّه،و عوائده و بركاته،و إن كان حِلْس المحراب،مشغولاً بالصلوات و الأوراد،مادامت عبادة السلوك البنّاء النافع للناس هي المطلوب الأساس الذي دارت عليه لحمايته كل التكاليف و الأحكام و الفرائض و القيم و الأصول التي جاءت بها الرسالة التي اختصر أمينها الكريم هدفه من كل جهده و جهاده بمسؤولية التتميم لمكارم الأخلاق،و رسم المنهج العملي الذي يكون فيه المسلمون عباد ربهم بالخطى الخدوم،و المساعي المعطاء،و الجهود المحسنة،منطلقة من بصيرة نقية مفعمة بالمعارف الإلهية التي انطلقت من فم الرسالة الخاتمة مبادئ تجسد فيها الإنسانية حقيقة المطلوب لها من العروج الملائكي بمحاسن الشيم،و حميد الصفات،و سني الفعال.
.........
و إن وقفة مع بعض المحاور الواردة في الدِّين الحنيف لتحديد الصيغة السلوكية المنشودة للبشرية تكفي لبيان ذلك المجد التنظيمي الفريد الذي تميّز به هذا المنهج الرباني العظيم،حين نتأمل في قوانين و مبادئ سامية مثل:
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه،و يكره له ما يكره لها).
(وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر/ 9).
(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران/ 92)،(وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر/9).
(ما آمن بي مَن بات شبعان و جاره جائع).
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10).
(وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة/ 83).
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الإحْسَانِ وَ إِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ) (النحل/ 90).
(وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَ بِذِي الْقُرْبَى وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ وَ الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَ الْجَارِ الْجُنُبِ وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)(النساء/ 36).
(وَ عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء/19).
(وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة/228).
نجد أنّ هذه المبادئ الشامخة التي يقف على رأسها الشعار المستغرق في التكرار و الذي يربط الإيمان بالعمل الصالح (الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) (البقرة/ 25)،تملأ ضمير المسلم بالحقيقة الكبرى القائلة:
إنّ الإسلام هو السلوك السوي مع الناس،و حسن التعاطي مع خلق الله،و طيب المعاشرة معهم،و إنّ الباب إلى رحمة الله في الدنيا و رضوانه يوم الحشر هو التدين الواقعي الذي تنسجم فيه العقيدة القلبية مع حركة الجوارح و الأركان لنشاط الخدمة انسجام التلازم الحدي الذي يشكل وحدة لا انفكاك لها إلاّ إذا أريد للإيمان الحق أن يبقى اسماً على غير مسمى و إطاراً فارغاً بلا مضمون.
- لنقرأ معاً و نتأمّل:
(ما من شيء أفضل عند الله من سرور تدخله على المؤمن،أو تطرد عنه جوعاً،أو تكشف عنه كرباً).
(أحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله).
(أول مَن يدخل الجنة أهل المعروف).
(أقربكم غداً مني في الموقف أصدقكم للحديث،و آداكم للأمانة،و أوفاكم بالعهد،و أحسنكم خلقاً،و أقربكم من الناس).
(خصلتان ليس فوقهما خير منهما: الإيمان بالله،و النفع لعباد الله).
أليس باهراً في الدلالة على الإرتباط الوثيق بين رضا الله و عفوه و بين خدمة عباده،إن نجد الله سبحانه جعل عون الناس و غوثهم أولى السبل المؤدية إلى رحمته و ستره و إحسانه،فكان في فقه الشرع ذلك الباب المعروف بباب الكفارات التي يكون فيها تحرير العبيد و إطعام المساكين أو كسوتهم أحمد الوسائل إلى العفو و الغفران عند الممارسات المحددة التي يُعصى فيها الله،و تنتهك حرمة منهياته.
و نجد في البيانات القرآنية الرفيعة ما يجعل محور الإحجام عن عون الناس بعد محور الكفر بالله سببين إلى فتح باب جهنم أمام مَن هو من أصحاب الشمال.
(خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَ لا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الحاقة/ 30-34).
و نستوحي من الهدي القرآني الكريم الربط الوثيق بين حجب العون عن الناس و بين التسبيب للكفر بالدين و الدنيونة،و حجب لطف الله بالهداية.
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَ لا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الماعون/ 1-3).
و نرى تضييع حق الله بعد تضييع حق عباده علتين مباشرتين لورود العذاب بإقرار المعذبين أنفسهم حين يجيبون على سؤال.
(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (المدثر/ 42-44).
و نرى إنّ الإيمان السليم هو ذلك الذي يستتبع سلوكاً يجسم صدق الإعتقاد بالله و اليوم الآخر،و لا يكون إلاّ بأداء حق الله و حق عباده:
(إِلا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَ الَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ) (المعارج/ 22-25).
..........
موقع البلاغ.
* السيد فاضل النوري.
.........
إنّ النظرة المتأملة في أهداف الشريعة و مقاصدها تعطي البصير صورة باهرة عن تأكيدها على دور التعاطي الإنساني في سعادة البشرية في عاجلها و آجلها،و أن بحث الإنسان عن راحة أخيه الإنسان، و سعيه في عونه على رفع أعبائه و حل مشاكله هو المسلك الأقصر المؤدي إلى بركات الدنيا و الآخرة.
و إن حقيقة العبادة المطلوبة الموصلة إلى رضا الله هي تلك التي يكون فيها الإنسان خيراً على الآخرين،و لا يصلهم من يده و لسانه إلاّ البر و الإحسان و المعروف،فيعايشهم بحسن الأخلاق،و طيب المعاشرة،و يسعى في حوائجهم،و يؤدي إليهم ما افترض عليه لهم من التعامل النبيل،فيكون نصيب والديه منه البر و لا العقوق،و زوجته اللطف و الوداد لا القسوة،و أولاده الحنان و الرعاية لا التضييع،و أرحامه الصلة لا القطيعة،و جيرانه حسن الجوار لا الجفاء،و إخوانه المؤمنين
المواصلة لا المتاركة،و عامة المسلمين الإهتمام لا التناسي،فإن هو أدى ما افترض عليه ازاءهم كان له في ذلك مأموله من رضا ربّه و كرمه و تأييده،و كان بذلك صادق الإيمان،سليم التوجهات،مرضي العبادة،مكلوءً باللطف و التسديد و الحماية و الكفاية،و إن هو خالف إلى غير ذلك فقد خسر ربّه،و عوائده و بركاته،و إن كان حِلْس المحراب،مشغولاً بالصلوات و الأوراد،مادامت عبادة السلوك البنّاء النافع للناس هي المطلوب الأساس الذي دارت عليه لحمايته كل التكاليف و الأحكام و الفرائض و القيم و الأصول التي جاءت بها الرسالة التي اختصر أمينها الكريم هدفه من كل جهده و جهاده بمسؤولية التتميم لمكارم الأخلاق،و رسم المنهج العملي الذي يكون فيه المسلمون عباد ربهم بالخطى الخدوم،و المساعي المعطاء،و الجهود المحسنة،منطلقة من بصيرة نقية مفعمة بالمعارف الإلهية التي انطلقت من فم الرسالة الخاتمة مبادئ تجسد فيها الإنسانية حقيقة المطلوب لها من العروج الملائكي بمحاسن الشيم،و حميد الصفات،و سني الفعال.
.........
و إن وقفة مع بعض المحاور الواردة في الدِّين الحنيف لتحديد الصيغة السلوكية المنشودة للبشرية تكفي لبيان ذلك المجد التنظيمي الفريد الذي تميّز به هذا المنهج الرباني العظيم،حين نتأمل في قوانين و مبادئ سامية مثل:
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه،و يكره له ما يكره لها).
(وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر/ 9).
(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران/ 92)،(وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر/9).
(ما آمن بي مَن بات شبعان و جاره جائع).
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10).
(وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة/ 83).
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الإحْسَانِ وَ إِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ) (النحل/ 90).
(وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَ بِذِي الْقُرْبَى وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ وَ الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَ الْجَارِ الْجُنُبِ وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)(النساء/ 36).
(وَ عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء/19).
(وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة/228).
نجد أنّ هذه المبادئ الشامخة التي يقف على رأسها الشعار المستغرق في التكرار و الذي يربط الإيمان بالعمل الصالح (الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) (البقرة/ 25)،تملأ ضمير المسلم بالحقيقة الكبرى القائلة:
إنّ الإسلام هو السلوك السوي مع الناس،و حسن التعاطي مع خلق الله،و طيب المعاشرة معهم،و إنّ الباب إلى رحمة الله في الدنيا و رضوانه يوم الحشر هو التدين الواقعي الذي تنسجم فيه العقيدة القلبية مع حركة الجوارح و الأركان لنشاط الخدمة انسجام التلازم الحدي الذي يشكل وحدة لا انفكاك لها إلاّ إذا أريد للإيمان الحق أن يبقى اسماً على غير مسمى و إطاراً فارغاً بلا مضمون.
- لنقرأ معاً و نتأمّل:
(ما من شيء أفضل عند الله من سرور تدخله على المؤمن،أو تطرد عنه جوعاً،أو تكشف عنه كرباً).
(أحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله).
(أول مَن يدخل الجنة أهل المعروف).
(أقربكم غداً مني في الموقف أصدقكم للحديث،و آداكم للأمانة،و أوفاكم بالعهد،و أحسنكم خلقاً،و أقربكم من الناس).
(خصلتان ليس فوقهما خير منهما: الإيمان بالله،و النفع لعباد الله).
أليس باهراً في الدلالة على الإرتباط الوثيق بين رضا الله و عفوه و بين خدمة عباده،إن نجد الله سبحانه جعل عون الناس و غوثهم أولى السبل المؤدية إلى رحمته و ستره و إحسانه،فكان في فقه الشرع ذلك الباب المعروف بباب الكفارات التي يكون فيها تحرير العبيد و إطعام المساكين أو كسوتهم أحمد الوسائل إلى العفو و الغفران عند الممارسات المحددة التي يُعصى فيها الله،و تنتهك حرمة منهياته.
و نجد في البيانات القرآنية الرفيعة ما يجعل محور الإحجام عن عون الناس بعد محور الكفر بالله سببين إلى فتح باب جهنم أمام مَن هو من أصحاب الشمال.
(خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَ لا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الحاقة/ 30-34).
و نستوحي من الهدي القرآني الكريم الربط الوثيق بين حجب العون عن الناس و بين التسبيب للكفر بالدين و الدنيونة،و حجب لطف الله بالهداية.
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَ لا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الماعون/ 1-3).
و نرى تضييع حق الله بعد تضييع حق عباده علتين مباشرتين لورود العذاب بإقرار المعذبين أنفسهم حين يجيبون على سؤال.
(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (المدثر/ 42-44).
و نرى إنّ الإيمان السليم هو ذلك الذي يستتبع سلوكاً يجسم صدق الإعتقاد بالله و اليوم الآخر،و لا يكون إلاّ بأداء حق الله و حق عباده:
(إِلا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَ الَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ) (المعارج/ 22-25).
..........
موقع البلاغ.