أوروبا و الحجاب...حقد أم تاريخ منسي؟
.............
شبكة النبأ:ينتقد الكاتب و الصحافي رشيد بوطيب في مقالته التالية "التسطيح الإعلامي" للجدل حول الحجاب في الخطاب السائد في غالبية دول الغرب و يشير إلى هيمنة النظرة الثقافوية التي سادت الاستشراق التقليدي عليه،كما يشير إلى أنها رؤية تدخل في إطار أكبر: النزعة الكولونيالية التي سبق لإدوار سعيد أن فضح عنفها الرمزي و رفضها المرضي للمختلف و المغاير.بحسب ما ينقله موقع قنطرة.
...........
ففي أجواء أبعد ما تكون عن النقد و النقد الذاتي،انتشرت و تنتشر في أوروبا رؤى و قراءات للمرأة المسلمة و وضعيتها،تتلون في غالب الأحيان بالأيديولوجيا و تنحو إلى التسرع و تستند إلى أحكام مسبقة بدل أن تعمد إلى تفكيك الفرضيات التي تنطلق منها في قراءتها للآخر.
و ساهم في خلق هذه الأجواء غير النقدية و المتخمة بالحقد شخصيات لها حضور إعلامي قوي،و على رأسها اللاجئة الصومالية "أيان حرسي علي" و في ألمانيا الكاتبة التركية الأصل "نيكلا كيليك" و كتاب و صحافيون آخرون،في حين تغيب كليا عن المشهد الإعلامي الألماني مثلا،شخصيات تتبنى مقاربة نقدية لقضية الإسلام،إلا فيما ندر و في حيز ضيق أو هامشي فقط.
إن الفكرة الأساسية التي تتمحور حولها طروحات هذه الشخصيات التي ذكرناها سابقا،تتلخص في كلمات البرلمانية الهولندية و الصومالية أيان حرسي علي التي تدعي "باستحالة الجمع بين الإسلام و الديمقراطية"،و أن "الإسلام عدو للتنوير"،و أن "المشكلة تكمن في الإسلام و ليس في المسلمين"،و أن "الحجاب تعبير عن القمع الذكوري للمرأة في الإسلام"،إلخ..مزاعم لا تصمد أمام نقد علمي.
......
مزاعم لا تصمد البتة أمام نقد علمي.
و طبعا فإنها مزاعم لا تصمد البتة أمام نقد علمي،فالاتهامات نفسها يمكننا أن نكيلها لبقية الأديان التوحيدية،إن لم يكن لكل الأديان الأخرى،و هي في نهاية المطاف اتهامات تنطلق من واقع الإسلام في مرحلة تاريخية معينة،يعيش فيها العالم الإسلامي تخلفا على جميع المستويات،و بدلا من أن تبحث في الأسباب التاريخية لهذا التخلف،تلصقه بالدين.
إنها النظرة الثقافوية التي سادت الاستشراق التقليدي و التي يتبناها اليوم "التسطيح الإعلامي" في الغرب عند حديثه عن الإسلام،لأنها تتوافق مع النموذج الإعلامي السائد،القائم على تقديم وجبات سريعة على حد تعبير بيير بورديو،تعيد إنتاج الكليشيهات و الرؤى السطحية،غير الديمقراطية،عن الآخر.
و يظهر كتاب كريستينا فون براون و بيتينا ماتيس:"الواقع المحتجب: المرأة،الإسلام و الغرب" ليفكك المسلمات،التي تنطلق منها الرؤية الغربية في قراءتها للإسلام و لوضعية المرأة المسلمة خصوصا.
إن الأطروحة الأساسية التي يدافع عنها هذا الكتاب،الذي يمكن أن نعتبره استمرارا لكتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد،لكن بوسائل نسوية،تقول بأن المرأة الغربية في رغبتها المحمومة إلى نزع حجاب المرأة الشرقية أو "تحريرها" كما تزعم،يجب النظر إليها أيضا في سياق النظام الجنسي الغربي،و بالنظر إلى وضعية المرأة الغربية نفسها في المجتمعات الغربية.
إن الباحثتين تلتقيان في ذلك مع الفكرة التي دافعت عنها الإثنولوجية ماريون باومغارت في كتابها: "كيف تنظر النساء إلى النساء: باحثات غربيات لدى النساء العربيات" و التي ترى بأن صورة "المرأة الشرقية"،التي انتشرت في هذه الكتابات الغربية منذ القرن التاسع عشر "تتوافق صميميا مع القطائع و الاستمراريات المتعلقة بصور النساء في البلدان الأوروبية الأصلية لهاته الباحثات".
و بدلا من أن توجه الباحثات الغربيات سهام نقدهن للفكر التنويري الذي رغم "دفاعه عن أولوية العقل على الإيمان و اعترافه بالفردية،إلا أنه يقوم على فهم للعلاقة بين الجنسين،ترى في الرجل ممثلا للذات الشاملة،في حين تبقى المرأة تجسيدا للانحراف و اللاعقل و الطبيعة"،لجأن إلى التحايل على وضعيتهن في المجتمع الغربي،عن طريق إسقاط كل القمع الذي تعانينه في هذه المجتمعات على المرأة الشرقية.
...........
رؤية كولونيالية جديدة.
إن العلاقة مع المرأة الشرقية تمنح المرأة الغربية إحساسا بالتفوق و الحرية و الكونية،أي تحقق أمنيتها في أن تخرج من الطبيعة إلى الثقافة.
كما أن "تحرير" المرأة الشرقية يعني قدرتها على أن تمارس سلطة مفهومية،هي لا تملكها داخل ثقافتها،إن ذلك يحولها إلى مركز و يخرجها من الهامش الذي تعيش فيه داخل مجتمعاتها: "و لهذا ليس من الخطأ ـ نقرأ في "الواقع المحتجب"ـ أن نزعم بأن الاعتراف بالمرأة الغربية كذات لم يتحقق إلا خارج حدودها الوطنية،في التقاءها بنظيرتها جنسيا،و لكن المختلفة عنها ثقافيا.
و هنا تتحقق الاستمرارية بين نساء القرن التاسع عشر اللواتي فتحن أبواب الحريم أمام أعين غربية و الناشطات النسويات اللواتي يعشن في الغرب و اللواتي يحاولن اليوم تحرير المسلمات من الحجاب"،استمرارية تؤكد استمرار الأحكام المسبقة نفسها التي بلورتها الحركة التنويرية في الغرب ضد الدين و الإسلام خاصة من جهة،و من جهة ثانية تفضح نزوع المرأة الغربية إلى إسقاط العنف الرمزي الذي تعيشه في مجتمعها،و الذي يظل خفيا و محتجبا و لكن ناجعا في آن،على المرأة المسلمة المتحجبة.
لقد أكدت ذلك جوليا كريستيفا و هي تتحدث عن المرأة الغربية كغريبة في ثقافتها،إنها آخر العقل أو آخر الثقافة،المسجونة في الطبيعة التي طمح عقل الأنوار إلى تجاوزها كما طمح إلى ذلك الدين من قبله.
........
نظرة عنصرية تنكر على المرأة المسلمة إنسانيتها.
إن زيارة الرحالات الغربيات إلى الحريم في القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين لم تكن مسكونة برغبة في التعرف على الآخر،و لكن بنزوع إلى التحرر من الذات،و إسقاط إخفاقاتهن على المرأة "الأخرى"،و تأكيد انتماءهن إلى "الثقافة" مقابل "الطبيعة" أو مقابل "الطبيعة الخالصة للنساء الشرقيات".
و لتحقيق ذلك تطلق المرأة الغربية العنان لأحكامها المسبقة و أمراضها الداخلية و صورها العنصرية،التي تنكر على المرأة المسلمة إنسانيتها.
فها هي الرحالة الألمانية إيدا فون هنهان تكتب في رسالة إلى أخيها عن زيارتها للحريم قائلة: "أمر مرعب بالنسبة لي أن أرى هذه الكمية من الإناث المتوحشات" و تابعت: "أفضل رؤية قطيع من البقر أو الغنم،الحريم ينزل بالمرأة إلى مستوى الحيوان".
يشعر القارئ و هو يتابع كتابات الرحالات الغربيات عن الشرق بهذه الرغبة المرضية في نزع صفة الإنسانية عن الآخر،و هي رغبة مازالت حاضرة بقوة في كتابات الحركة النسوية في الغرب عن النساء المسلمات،و من يسير على طريقها،و في الخطاب الإعلامي السائد،و هي رؤية تدخل في إطار أكبر: النزعة الكولونيالية التي سبق لإدوار سعيد أن فضح عنفها الرمزي و رفضها المرضي للمختلف و المغاير.
.............
شبكة النبأ:ينتقد الكاتب و الصحافي رشيد بوطيب في مقالته التالية "التسطيح الإعلامي" للجدل حول الحجاب في الخطاب السائد في غالبية دول الغرب و يشير إلى هيمنة النظرة الثقافوية التي سادت الاستشراق التقليدي عليه،كما يشير إلى أنها رؤية تدخل في إطار أكبر: النزعة الكولونيالية التي سبق لإدوار سعيد أن فضح عنفها الرمزي و رفضها المرضي للمختلف و المغاير.بحسب ما ينقله موقع قنطرة.
...........
ففي أجواء أبعد ما تكون عن النقد و النقد الذاتي،انتشرت و تنتشر في أوروبا رؤى و قراءات للمرأة المسلمة و وضعيتها،تتلون في غالب الأحيان بالأيديولوجيا و تنحو إلى التسرع و تستند إلى أحكام مسبقة بدل أن تعمد إلى تفكيك الفرضيات التي تنطلق منها في قراءتها للآخر.
و ساهم في خلق هذه الأجواء غير النقدية و المتخمة بالحقد شخصيات لها حضور إعلامي قوي،و على رأسها اللاجئة الصومالية "أيان حرسي علي" و في ألمانيا الكاتبة التركية الأصل "نيكلا كيليك" و كتاب و صحافيون آخرون،في حين تغيب كليا عن المشهد الإعلامي الألماني مثلا،شخصيات تتبنى مقاربة نقدية لقضية الإسلام،إلا فيما ندر و في حيز ضيق أو هامشي فقط.
إن الفكرة الأساسية التي تتمحور حولها طروحات هذه الشخصيات التي ذكرناها سابقا،تتلخص في كلمات البرلمانية الهولندية و الصومالية أيان حرسي علي التي تدعي "باستحالة الجمع بين الإسلام و الديمقراطية"،و أن "الإسلام عدو للتنوير"،و أن "المشكلة تكمن في الإسلام و ليس في المسلمين"،و أن "الحجاب تعبير عن القمع الذكوري للمرأة في الإسلام"،إلخ..مزاعم لا تصمد أمام نقد علمي.
......
مزاعم لا تصمد البتة أمام نقد علمي.
و طبعا فإنها مزاعم لا تصمد البتة أمام نقد علمي،فالاتهامات نفسها يمكننا أن نكيلها لبقية الأديان التوحيدية،إن لم يكن لكل الأديان الأخرى،و هي في نهاية المطاف اتهامات تنطلق من واقع الإسلام في مرحلة تاريخية معينة،يعيش فيها العالم الإسلامي تخلفا على جميع المستويات،و بدلا من أن تبحث في الأسباب التاريخية لهذا التخلف،تلصقه بالدين.
إنها النظرة الثقافوية التي سادت الاستشراق التقليدي و التي يتبناها اليوم "التسطيح الإعلامي" في الغرب عند حديثه عن الإسلام،لأنها تتوافق مع النموذج الإعلامي السائد،القائم على تقديم وجبات سريعة على حد تعبير بيير بورديو،تعيد إنتاج الكليشيهات و الرؤى السطحية،غير الديمقراطية،عن الآخر.
و يظهر كتاب كريستينا فون براون و بيتينا ماتيس:"الواقع المحتجب: المرأة،الإسلام و الغرب" ليفكك المسلمات،التي تنطلق منها الرؤية الغربية في قراءتها للإسلام و لوضعية المرأة المسلمة خصوصا.
إن الأطروحة الأساسية التي يدافع عنها هذا الكتاب،الذي يمكن أن نعتبره استمرارا لكتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد،لكن بوسائل نسوية،تقول بأن المرأة الغربية في رغبتها المحمومة إلى نزع حجاب المرأة الشرقية أو "تحريرها" كما تزعم،يجب النظر إليها أيضا في سياق النظام الجنسي الغربي،و بالنظر إلى وضعية المرأة الغربية نفسها في المجتمعات الغربية.
إن الباحثتين تلتقيان في ذلك مع الفكرة التي دافعت عنها الإثنولوجية ماريون باومغارت في كتابها: "كيف تنظر النساء إلى النساء: باحثات غربيات لدى النساء العربيات" و التي ترى بأن صورة "المرأة الشرقية"،التي انتشرت في هذه الكتابات الغربية منذ القرن التاسع عشر "تتوافق صميميا مع القطائع و الاستمراريات المتعلقة بصور النساء في البلدان الأوروبية الأصلية لهاته الباحثات".
و بدلا من أن توجه الباحثات الغربيات سهام نقدهن للفكر التنويري الذي رغم "دفاعه عن أولوية العقل على الإيمان و اعترافه بالفردية،إلا أنه يقوم على فهم للعلاقة بين الجنسين،ترى في الرجل ممثلا للذات الشاملة،في حين تبقى المرأة تجسيدا للانحراف و اللاعقل و الطبيعة"،لجأن إلى التحايل على وضعيتهن في المجتمع الغربي،عن طريق إسقاط كل القمع الذي تعانينه في هذه المجتمعات على المرأة الشرقية.
...........
رؤية كولونيالية جديدة.
إن العلاقة مع المرأة الشرقية تمنح المرأة الغربية إحساسا بالتفوق و الحرية و الكونية،أي تحقق أمنيتها في أن تخرج من الطبيعة إلى الثقافة.
كما أن "تحرير" المرأة الشرقية يعني قدرتها على أن تمارس سلطة مفهومية،هي لا تملكها داخل ثقافتها،إن ذلك يحولها إلى مركز و يخرجها من الهامش الذي تعيش فيه داخل مجتمعاتها: "و لهذا ليس من الخطأ ـ نقرأ في "الواقع المحتجب"ـ أن نزعم بأن الاعتراف بالمرأة الغربية كذات لم يتحقق إلا خارج حدودها الوطنية،في التقاءها بنظيرتها جنسيا،و لكن المختلفة عنها ثقافيا.
و هنا تتحقق الاستمرارية بين نساء القرن التاسع عشر اللواتي فتحن أبواب الحريم أمام أعين غربية و الناشطات النسويات اللواتي يعشن في الغرب و اللواتي يحاولن اليوم تحرير المسلمات من الحجاب"،استمرارية تؤكد استمرار الأحكام المسبقة نفسها التي بلورتها الحركة التنويرية في الغرب ضد الدين و الإسلام خاصة من جهة،و من جهة ثانية تفضح نزوع المرأة الغربية إلى إسقاط العنف الرمزي الذي تعيشه في مجتمعها،و الذي يظل خفيا و محتجبا و لكن ناجعا في آن،على المرأة المسلمة المتحجبة.
لقد أكدت ذلك جوليا كريستيفا و هي تتحدث عن المرأة الغربية كغريبة في ثقافتها،إنها آخر العقل أو آخر الثقافة،المسجونة في الطبيعة التي طمح عقل الأنوار إلى تجاوزها كما طمح إلى ذلك الدين من قبله.
........
نظرة عنصرية تنكر على المرأة المسلمة إنسانيتها.
إن زيارة الرحالات الغربيات إلى الحريم في القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين لم تكن مسكونة برغبة في التعرف على الآخر،و لكن بنزوع إلى التحرر من الذات،و إسقاط إخفاقاتهن على المرأة "الأخرى"،و تأكيد انتماءهن إلى "الثقافة" مقابل "الطبيعة" أو مقابل "الطبيعة الخالصة للنساء الشرقيات".
و لتحقيق ذلك تطلق المرأة الغربية العنان لأحكامها المسبقة و أمراضها الداخلية و صورها العنصرية،التي تنكر على المرأة المسلمة إنسانيتها.
فها هي الرحالة الألمانية إيدا فون هنهان تكتب في رسالة إلى أخيها عن زيارتها للحريم قائلة: "أمر مرعب بالنسبة لي أن أرى هذه الكمية من الإناث المتوحشات" و تابعت: "أفضل رؤية قطيع من البقر أو الغنم،الحريم ينزل بالمرأة إلى مستوى الحيوان".
يشعر القارئ و هو يتابع كتابات الرحالات الغربيات عن الشرق بهذه الرغبة المرضية في نزع صفة الإنسانية عن الآخر،و هي رغبة مازالت حاضرة بقوة في كتابات الحركة النسوية في الغرب عن النساء المسلمات،و من يسير على طريقها،و في الخطاب الإعلامي السائد،و هي رؤية تدخل في إطار أكبر: النزعة الكولونيالية التي سبق لإدوار سعيد أن فضح عنفها الرمزي و رفضها المرضي للمختلف و المغاير.
عدل سابقا من قبل In The Zone في السبت سبتمبر 15, 2012 1:29 pm عدل 2 مرات