الجاليات في أمريكا...ما بعد بوتقة الانصهار.
مع أن معظم المهاجرين الأوروبيين وصلوا إلى الشواطئ الأميركية خلال القرن الماضي فلا زال إرثهم حياً في الأحياء الإثنية مثل غريك تاون التي تقع في وسط مدينة ديترويت، بولاية ميشيغان.
حيث يرى مارك غراي هو أستاذ في علم الأصول البشرية في جامعة نورثرن آيوا و مدير مركز آيوا لقيادة المهاجرين و دمجهم في رؤيته حول ذلك المنشورة في موقع أمريكا دوت غوف.
فيقول غراي،يبدأ ملايين المهاجرين حياتهم الأميركية الجديدة في المدن.فمنذ القرن التاسع عشر ساهم المهاجرون في دفع عجلة النمو السريع للمدن الساحلية الأميركية مثل بوسطن،و نيويورك،و سان فرانسيسكو و نظيراتها في داخل البلاد بضمنها شيكاغو،و كليفلاند،و كنزاس سيتي.
و بالنسبة لمعظم المهاجرين،يسمح لهم الاستقرار في مدن كبرى ببناء مجتمعات أهلية مع القادمين الجدد من أقرانهم الذين يتحدثون نفس اللغة،و يتمتعون بتقاليد مماثلة،و يمارسون نفس الدين.و كثيراً ما تتواجد هذه المجتمعات بالقرب من الوظائف التي تجذب المهاجرين.
فعلى سبيل المثال،نمت أحياء كبيرة مكونة من بولنديين،و تشيكيين،و أوروبيين شرقيين آخرين حول المعامل الكبرى لتعليب اللحوم في شيكاغو و كنساس سيتي.
و من الممكن الشعور بالطبيعة الحضرية للهجرة الأميركية في مدن عديدة حيث يستطيع المرء أن يزور أحياء إثنية تراثية تحمل أسماء مثل "تشاينا تاون" أو "ليتل إيتلي" هما كلمتان تعنيان المدنية الصينية و إيطالية الصغيرة تطلقان عادة على الأحياء التي تقطنها غالبية إثنية صينية أو إيطالية.
و يشير،مع أن الآلاف من المهاجرين لا يزالون يستوطنون في مدن كبرى مثل لوس أنجلوس، فقد اختار عدد متزايد من المهاجرين الإقامة في مدن أميركية أصغر حجماً،و في ضواحي المدن الكبرى و في مجتمعات أهلية ريفية.و بوجه عام،تعكس أنماط هذا الاستيطان الجديد توفّر الوظائف و لكنها تعكس أيضاً تَوفّر المساكن و المدارس الجيدة التي يمكن تحمل تكاليف رسومها.
و كثيراً ما تتواجد الأعداد المتنامية للسكان المهاجرين في المناطق التي يكون قد بدأ فيها الأميركيون من كبار السن يتقاعدون من القوى العاملة،والتي يكون فيها الأميركيون الشباب قد بدأوا يغادرون،و في أحيان كثيرة إلى المدن الساحلية الكبرى.
و يتابع غراي تحليله قائلا،تستقطب الهجرة إلى مدن أميركية أصغر حجماً وإلى مناطق ريفية سكاناً جدد كما تُجدد الحياة الاقتصادية و الثقافية في مناطق عديدة من البلاد.و لكنها تحمل معها أيضاً تحديات للقادمين الجدد و للمقيمين المستقرين.
و في أحيان كثيرة توصف الولايات المتحدة بشكل مجازي على أنها "بوتقة الانصهار الكبرى".
و يشير ذلك إلى انصهار العديد من الثقافات،و اللغات،و الأديان المختلفة لتشكيل هوية قومية واحدة.و لكن، تبقى فكرة "بوتقة الانصهار" مبسطة جداً.فقد كانت عملية التحول من بلد يضم الكثير من المهاجرين إلى دولة واحدة عملية بطيئة و معقدة في أحيان كثيرة.و بالفعل فإن العديد من مجتمعات المهاجرين الأميركيين،عملوا وعاشوا وتزوجوا بصورة حصرية مع مهاجرين من زملائهم. ومعظم مجتمعات المهاجرين اختفت في نهاية المطاف كأحياء إثنية متميزة بسبب التغيرات في الاقتصاد، والاستعمال المتزايد للغة الإنجليزية،و العدد المتنامي للزيجات خارج المجتمع الإثني.
و يضيف،عندما يتحدث العديد من الناس حول الهجرة يستعملون كلمة "استيعاب"لوصف كيف أصبحت الأجيال السابقة من القادمين الجدد جزءاً من المجتمع الأميركي،و بذلك لعبت دورها في "بوتقة الانصهار".
غير أن عبارة "استيعاب" تكون خادعة في أحيان كثيرة،فهي أولاً تفترض أن العديد من أسلافنا المهاجرين غيروا بسرعة و بصورة طواعية ممارساتهم الثقافية و أجادوا التحدث باللغة الإنجليزية.
و ينوه غراي الى ان الواقع هو أن التاريخ أظهر لنا أن العديد من المجتمعات الأهلية المهاجرة ظلت متميزة لأجيال طويلة من الزمن.و ثانياً،إن التشديد على استيعاب القادمين الجدد يفترض أن تكون عملية دمجهم عملية باتجاه واحد يقوم خلالها القادمون الجدد بإدخال تغييرات على أسلوب حياتهم،و ممارساتهم الثقافية،و لغتهم.و لكنه ليس هناك أي شيء ابعد عن الحقيقة من هذا الطرح.
إن عملية دمج المهاجرين في الولايات المتحدة عملية ديناميكية نابضة بالحيوية لا تشمل المهاجرين فحسب بل تؤثر في تلك التجمعات الأهلية،و المؤسسات العامة و المنظمات الخاصة المستقبلية للمهاجرين.
صحيح أن على القادمين الجدد تعلم اللغة الإنجليزية والتمكن من فهم أساليب حياة الأميركيين وممارساتهم الثقافية وإيجاد عمل.هذا التكيف قد يكون بالغ الصعوبة و قد يستغرق تنفيذه عدة سنوات،إن لم يكن عدة عقود،و بالأخص بالنسبة لأولئك الذين لا يملكون المهارات الوظيفية التي تؤهلهم للدخول إلى مجالات العمل الأميركية و الذين يصعب عليهم تعلم اللغة الإنجليزية.
فكثيراً ما يجد هؤلاء القادمون الجدد أنفسهم يعملون في وظائف لا يرغبون كثيراً فيها و يكسبون من خلالها أجوراً متدنية نسبياً.
المقيمون المستقرون و مؤسساتهم هم أيضاً مسؤولون عن دمج المهاجرين.فكلمة "تكيُّف" تكون ربما أفضل طريقة لوصف عملية الأخذ والعطاء.فالمدارس،على سبيل المثال، تقدم مترجمين للاتصال مع الأهالي القادمين الجدد.كما تقدم المستشفيات و العيادات الطبية إشارات تعكس المعدلات الأدنى من معرفة القراءة والكتابة لدى القادمين الجدد إضافة إلى خدمات الترجمة.يلقن المسؤولون عن فرض تطبيق القانون معلومات حول السكان القادمين الجدد من خلال التدريب على الكفاءة الثقافية.و يساعد المواطنون الأفراد أيضاً في تعليم القادمين الجدد اللغة الإنجليزية و توجيههم نحو الموارد المحلية. يقوم عدد متنامٍ من أماكن العمل الأميركية بعمليات تكييف معقولة لتلبية الاحتياجات الدينية للقادمين الجدد طالما لا تتأثر السلامة بذلك.و مثال واحد على ذلك هو السماح للنساء المسلمات بارتداء الحجاب في المصانع،طالما كان ارتداء الحجاب ممكناً تحت القبعة الصلبة و غير ذلك من أجهزة الرأس الوقائية.
و يؤكد غراي،كما أن إدراك و إدارة التوقعات من جانب القادمين الجدد والمواطنين على حدٍ سواء مهم أيضاً.يتعلم المهاجرون بسرعة أن الشوارع "ليست معبدة بالذهب".و تتطلب معرفة كيفية العيش والعمل في الولايات المتحدة قدراً كبيراً من المثابرة.كما أن الصبر مطلوب أيضاً من المواطنين الأميركيين.
فلا يمكن التوقع من المهاجرين الجدد أن يتقنوا اللغة الإنجليزية بين ليلة وضحاها،أو أن "يستوعبوا" العادات و أساليب الحياة الأميركية و يتأقلموا معها خلال بضعة أسابيع قصيرة.فلا شك أن المهاجرين يتحولون عبر الاستقرار في الولايات المتحدة،و لكن مجتمعاتهم الأهلية الجديدة تتغير أيضاً معهم.
و يستشهد غراي قائلا،في حي "تشاينا تاون" بمدينة سان فرانسيسكو تعكس المناظرات والتوترات الاجتماعية حول الهجرة في الولايات المتحدة في أحيان كثيرة توقعات غير عملية بأن يتمكن القادمون الجدد من تعلم اللغة الإنجليزية بسرعة والتحدث بها بطلاقة.تقلل هذه التوقعات كثيراً من تقدير الوقت الذي يتطلبه تعلم اللغة الإنجليزية،و لا سيما لدى الراشدين.و كثيراً ما يتم التعبير عن شعور مناهض للمهاجرين بتقديم شكاوى حول المهاجرين الذين "يرفضون تعلم اللغة الإنجليزية" أو حول الإشارات الثنائية اللغة الموضوعة في المتاجر والمستشفيات.و يقود هذا الشعور بالإحباط أحياناً إلى تبني قوانين تجعل من اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية في بعض المجتمعات الأهلية والولايات.و يستمر هذا التناظر في البروز والغياب لأجيال طويلة.
و قد تركز آخر جدل يجري على وجود مهاجرين غير قانونيين.تتغير التقديرات و لكن الإجماع العام يشير إلى أنه يوجد حوالي 10 ملايين مهاجر يعيشون في الولايات المتحدة اليوم و قد دخلوا إلى البلاد بصورة غير قانونية،أو أنهم تجاوزوا المدة المقررة لزيارتهم.يترافق الغضب حول الهجرة غير القانونية في أحيان كثيرة مع شعور المواطنين الأميركيين بأن المهاجرين ينافسونهم في المهن التي يحتاج إليها المواطنون الأميركيون،و يساهمون في ارتفاع معدلات الجريمة و يستعملون الخدمات العامة المحدودة كالمدارس والمستشفيات.
إن الأبحاث حول هذه المواضيع لا تؤدي في أحيان كثيرة إلى نتائج حاسمة،ولكن عندما يعتبر العديد من الأميركيين أن المهاجرين غير القانونين مسؤولون عن تدهور نوعية حياتهم،أو أن المهاجرين يأخذون أكثر مما يعطون،فإن الشعور بالإحباط يعبر عن نفسه بطرق شتى و متنوعة.و يشعر العديد من الأميركيين بالإحباط لان الكونغرس لم يصادق على قوانين هجرة شاملة لمعالجة مشكلة الهجرة غير القانونية.
و يرى،إن غياب اتخاذ إجراءات من جانب الكونغرس لمعالجة الهجرة غير القانونية،دفع عدداً متنامياً من الولايات و المدن الأميركية إلى إصدار قوانين خاصة بها.فمثلاً، جعلت بعض المجتمعات الأهلية تأجير منازل و شقق إلى مهاجرين لا يملكون إثباتاً رسمياً حول الوضع القانوني لهجرتهم عملاً غير قانوني.كما جعلت بعض الولايات من المستحيل على مهاجر غير قانوني الحصول على رخصة قيادة سيارة.كما أن بعض الأماكن تحرم حتى تقديم عناية صحية ممولة من الخزينة العامة إلى مهاجرين غير القانونيين و أطفالهم ما عدا في الحالات الطارئة.
و مؤخراً طلبت ولاية أريزونا من مسؤولي فرض تطبيق القانون التحقق من وضع الهجرة لأي فرد يشكون في أنه قد يكون متواجداً بصورة غير قانونية في الولايات المتحدة.و قد ألغت محكمة فدرالية أحد أحكام هذا القانون و لكن التقاضي لا يزال مستمراً كما المناظرات القومية حول الهجرة لا تزال محتدمة.
و يختتم غراي،رغم هذه التوترات السياسية و الاجتماعية،فإن المناظرات –والضغينة- حول الهجرة ليست بأمر جديد أو لا يمكن العمل من خلالها.فقد برزت مناظرات مماثلة عبر التاريخ الأميركي ثم اختفت.و هي تعكس عادة التغييرات العريضة في الاقتصاد وأسواق العمل.فأحياناً سعى المتحدرون من المهاجرين الأوائل إلى الحد من هجرة السكان الجدد.فعلى سبيل المثال،تم التحريض في أحيان كثيرة على إصدار قوانين تحد من الهجرة من الصين و أيرلندا على المستويين الفدرالي و المحلي من جانب مواطنين من أهل البلاد كانوا هم بأنفسهم أولاد أو أحفاد مهاجرين.
و قد بلغ هذا الشعور الذي يسمى بشعور "أهل البلاد" ذروته عدة مرات في التاريخ الأميركي،و مع ذلك سادت عمليات الدمج في نهاية المطاف مع أن العملية كانت في أحيان كثيرة تتحدى بنفس الوقت القادمين الجدد كما المواطنين "الأصليين" على حد سواء.
خلال مجرى التاريخ الأميركي تغيرت دول المنشأ للمهاجرين و كذلك اللغات،والعادات،والثقافات التي يأتون بها معهم.و يواجه المهاجرون اليوم نفس التحديات التي واجهها القادمون الجدد قبلهم في التأقلم مع المجتمع الأميركي والثقافة الأميركية.
و يظهر بعض المواطنين الأميركيين نفس المواقف السلبية تجاه المهاجرين كالتي واجهها أسلافهم المهاجرون بالذات.مع ذلك،ورغم التحديات المتبادلة في التأقلم والدمج يستمر المهاجرون في السعي إلى تحقيق حياة أفضل لهم في الولايات المتحدة كما يستمر المجتمع الأميركي في التحول بسببهم.
شبكة النبأ المعلوماتية-12/آذار/2011
مع أن معظم المهاجرين الأوروبيين وصلوا إلى الشواطئ الأميركية خلال القرن الماضي فلا زال إرثهم حياً في الأحياء الإثنية مثل غريك تاون التي تقع في وسط مدينة ديترويت، بولاية ميشيغان.
حيث يرى مارك غراي هو أستاذ في علم الأصول البشرية في جامعة نورثرن آيوا و مدير مركز آيوا لقيادة المهاجرين و دمجهم في رؤيته حول ذلك المنشورة في موقع أمريكا دوت غوف.
فيقول غراي،يبدأ ملايين المهاجرين حياتهم الأميركية الجديدة في المدن.فمنذ القرن التاسع عشر ساهم المهاجرون في دفع عجلة النمو السريع للمدن الساحلية الأميركية مثل بوسطن،و نيويورك،و سان فرانسيسكو و نظيراتها في داخل البلاد بضمنها شيكاغو،و كليفلاند،و كنزاس سيتي.
و بالنسبة لمعظم المهاجرين،يسمح لهم الاستقرار في مدن كبرى ببناء مجتمعات أهلية مع القادمين الجدد من أقرانهم الذين يتحدثون نفس اللغة،و يتمتعون بتقاليد مماثلة،و يمارسون نفس الدين.و كثيراً ما تتواجد هذه المجتمعات بالقرب من الوظائف التي تجذب المهاجرين.
فعلى سبيل المثال،نمت أحياء كبيرة مكونة من بولنديين،و تشيكيين،و أوروبيين شرقيين آخرين حول المعامل الكبرى لتعليب اللحوم في شيكاغو و كنساس سيتي.
و من الممكن الشعور بالطبيعة الحضرية للهجرة الأميركية في مدن عديدة حيث يستطيع المرء أن يزور أحياء إثنية تراثية تحمل أسماء مثل "تشاينا تاون" أو "ليتل إيتلي" هما كلمتان تعنيان المدنية الصينية و إيطالية الصغيرة تطلقان عادة على الأحياء التي تقطنها غالبية إثنية صينية أو إيطالية.
و يشير،مع أن الآلاف من المهاجرين لا يزالون يستوطنون في مدن كبرى مثل لوس أنجلوس، فقد اختار عدد متزايد من المهاجرين الإقامة في مدن أميركية أصغر حجماً،و في ضواحي المدن الكبرى و في مجتمعات أهلية ريفية.و بوجه عام،تعكس أنماط هذا الاستيطان الجديد توفّر الوظائف و لكنها تعكس أيضاً تَوفّر المساكن و المدارس الجيدة التي يمكن تحمل تكاليف رسومها.
و كثيراً ما تتواجد الأعداد المتنامية للسكان المهاجرين في المناطق التي يكون قد بدأ فيها الأميركيون من كبار السن يتقاعدون من القوى العاملة،والتي يكون فيها الأميركيون الشباب قد بدأوا يغادرون،و في أحيان كثيرة إلى المدن الساحلية الكبرى.
و يتابع غراي تحليله قائلا،تستقطب الهجرة إلى مدن أميركية أصغر حجماً وإلى مناطق ريفية سكاناً جدد كما تُجدد الحياة الاقتصادية و الثقافية في مناطق عديدة من البلاد.و لكنها تحمل معها أيضاً تحديات للقادمين الجدد و للمقيمين المستقرين.
و في أحيان كثيرة توصف الولايات المتحدة بشكل مجازي على أنها "بوتقة الانصهار الكبرى".
و يشير ذلك إلى انصهار العديد من الثقافات،و اللغات،و الأديان المختلفة لتشكيل هوية قومية واحدة.و لكن، تبقى فكرة "بوتقة الانصهار" مبسطة جداً.فقد كانت عملية التحول من بلد يضم الكثير من المهاجرين إلى دولة واحدة عملية بطيئة و معقدة في أحيان كثيرة.و بالفعل فإن العديد من مجتمعات المهاجرين الأميركيين،عملوا وعاشوا وتزوجوا بصورة حصرية مع مهاجرين من زملائهم. ومعظم مجتمعات المهاجرين اختفت في نهاية المطاف كأحياء إثنية متميزة بسبب التغيرات في الاقتصاد، والاستعمال المتزايد للغة الإنجليزية،و العدد المتنامي للزيجات خارج المجتمع الإثني.
و يضيف،عندما يتحدث العديد من الناس حول الهجرة يستعملون كلمة "استيعاب"لوصف كيف أصبحت الأجيال السابقة من القادمين الجدد جزءاً من المجتمع الأميركي،و بذلك لعبت دورها في "بوتقة الانصهار".
غير أن عبارة "استيعاب" تكون خادعة في أحيان كثيرة،فهي أولاً تفترض أن العديد من أسلافنا المهاجرين غيروا بسرعة و بصورة طواعية ممارساتهم الثقافية و أجادوا التحدث باللغة الإنجليزية.
و ينوه غراي الى ان الواقع هو أن التاريخ أظهر لنا أن العديد من المجتمعات الأهلية المهاجرة ظلت متميزة لأجيال طويلة من الزمن.و ثانياً،إن التشديد على استيعاب القادمين الجدد يفترض أن تكون عملية دمجهم عملية باتجاه واحد يقوم خلالها القادمون الجدد بإدخال تغييرات على أسلوب حياتهم،و ممارساتهم الثقافية،و لغتهم.و لكنه ليس هناك أي شيء ابعد عن الحقيقة من هذا الطرح.
إن عملية دمج المهاجرين في الولايات المتحدة عملية ديناميكية نابضة بالحيوية لا تشمل المهاجرين فحسب بل تؤثر في تلك التجمعات الأهلية،و المؤسسات العامة و المنظمات الخاصة المستقبلية للمهاجرين.
صحيح أن على القادمين الجدد تعلم اللغة الإنجليزية والتمكن من فهم أساليب حياة الأميركيين وممارساتهم الثقافية وإيجاد عمل.هذا التكيف قد يكون بالغ الصعوبة و قد يستغرق تنفيذه عدة سنوات،إن لم يكن عدة عقود،و بالأخص بالنسبة لأولئك الذين لا يملكون المهارات الوظيفية التي تؤهلهم للدخول إلى مجالات العمل الأميركية و الذين يصعب عليهم تعلم اللغة الإنجليزية.
فكثيراً ما يجد هؤلاء القادمون الجدد أنفسهم يعملون في وظائف لا يرغبون كثيراً فيها و يكسبون من خلالها أجوراً متدنية نسبياً.
المقيمون المستقرون و مؤسساتهم هم أيضاً مسؤولون عن دمج المهاجرين.فكلمة "تكيُّف" تكون ربما أفضل طريقة لوصف عملية الأخذ والعطاء.فالمدارس،على سبيل المثال، تقدم مترجمين للاتصال مع الأهالي القادمين الجدد.كما تقدم المستشفيات و العيادات الطبية إشارات تعكس المعدلات الأدنى من معرفة القراءة والكتابة لدى القادمين الجدد إضافة إلى خدمات الترجمة.يلقن المسؤولون عن فرض تطبيق القانون معلومات حول السكان القادمين الجدد من خلال التدريب على الكفاءة الثقافية.و يساعد المواطنون الأفراد أيضاً في تعليم القادمين الجدد اللغة الإنجليزية و توجيههم نحو الموارد المحلية. يقوم عدد متنامٍ من أماكن العمل الأميركية بعمليات تكييف معقولة لتلبية الاحتياجات الدينية للقادمين الجدد طالما لا تتأثر السلامة بذلك.و مثال واحد على ذلك هو السماح للنساء المسلمات بارتداء الحجاب في المصانع،طالما كان ارتداء الحجاب ممكناً تحت القبعة الصلبة و غير ذلك من أجهزة الرأس الوقائية.
و يؤكد غراي،كما أن إدراك و إدارة التوقعات من جانب القادمين الجدد والمواطنين على حدٍ سواء مهم أيضاً.يتعلم المهاجرون بسرعة أن الشوارع "ليست معبدة بالذهب".و تتطلب معرفة كيفية العيش والعمل في الولايات المتحدة قدراً كبيراً من المثابرة.كما أن الصبر مطلوب أيضاً من المواطنين الأميركيين.
فلا يمكن التوقع من المهاجرين الجدد أن يتقنوا اللغة الإنجليزية بين ليلة وضحاها،أو أن "يستوعبوا" العادات و أساليب الحياة الأميركية و يتأقلموا معها خلال بضعة أسابيع قصيرة.فلا شك أن المهاجرين يتحولون عبر الاستقرار في الولايات المتحدة،و لكن مجتمعاتهم الأهلية الجديدة تتغير أيضاً معهم.
و يستشهد غراي قائلا،في حي "تشاينا تاون" بمدينة سان فرانسيسكو تعكس المناظرات والتوترات الاجتماعية حول الهجرة في الولايات المتحدة في أحيان كثيرة توقعات غير عملية بأن يتمكن القادمون الجدد من تعلم اللغة الإنجليزية بسرعة والتحدث بها بطلاقة.تقلل هذه التوقعات كثيراً من تقدير الوقت الذي يتطلبه تعلم اللغة الإنجليزية،و لا سيما لدى الراشدين.و كثيراً ما يتم التعبير عن شعور مناهض للمهاجرين بتقديم شكاوى حول المهاجرين الذين "يرفضون تعلم اللغة الإنجليزية" أو حول الإشارات الثنائية اللغة الموضوعة في المتاجر والمستشفيات.و يقود هذا الشعور بالإحباط أحياناً إلى تبني قوانين تجعل من اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية في بعض المجتمعات الأهلية والولايات.و يستمر هذا التناظر في البروز والغياب لأجيال طويلة.
و قد تركز آخر جدل يجري على وجود مهاجرين غير قانونيين.تتغير التقديرات و لكن الإجماع العام يشير إلى أنه يوجد حوالي 10 ملايين مهاجر يعيشون في الولايات المتحدة اليوم و قد دخلوا إلى البلاد بصورة غير قانونية،أو أنهم تجاوزوا المدة المقررة لزيارتهم.يترافق الغضب حول الهجرة غير القانونية في أحيان كثيرة مع شعور المواطنين الأميركيين بأن المهاجرين ينافسونهم في المهن التي يحتاج إليها المواطنون الأميركيون،و يساهمون في ارتفاع معدلات الجريمة و يستعملون الخدمات العامة المحدودة كالمدارس والمستشفيات.
إن الأبحاث حول هذه المواضيع لا تؤدي في أحيان كثيرة إلى نتائج حاسمة،ولكن عندما يعتبر العديد من الأميركيين أن المهاجرين غير القانونين مسؤولون عن تدهور نوعية حياتهم،أو أن المهاجرين يأخذون أكثر مما يعطون،فإن الشعور بالإحباط يعبر عن نفسه بطرق شتى و متنوعة.و يشعر العديد من الأميركيين بالإحباط لان الكونغرس لم يصادق على قوانين هجرة شاملة لمعالجة مشكلة الهجرة غير القانونية.
و يرى،إن غياب اتخاذ إجراءات من جانب الكونغرس لمعالجة الهجرة غير القانونية،دفع عدداً متنامياً من الولايات و المدن الأميركية إلى إصدار قوانين خاصة بها.فمثلاً، جعلت بعض المجتمعات الأهلية تأجير منازل و شقق إلى مهاجرين لا يملكون إثباتاً رسمياً حول الوضع القانوني لهجرتهم عملاً غير قانوني.كما جعلت بعض الولايات من المستحيل على مهاجر غير قانوني الحصول على رخصة قيادة سيارة.كما أن بعض الأماكن تحرم حتى تقديم عناية صحية ممولة من الخزينة العامة إلى مهاجرين غير القانونيين و أطفالهم ما عدا في الحالات الطارئة.
و مؤخراً طلبت ولاية أريزونا من مسؤولي فرض تطبيق القانون التحقق من وضع الهجرة لأي فرد يشكون في أنه قد يكون متواجداً بصورة غير قانونية في الولايات المتحدة.و قد ألغت محكمة فدرالية أحد أحكام هذا القانون و لكن التقاضي لا يزال مستمراً كما المناظرات القومية حول الهجرة لا تزال محتدمة.
و يختتم غراي،رغم هذه التوترات السياسية و الاجتماعية،فإن المناظرات –والضغينة- حول الهجرة ليست بأمر جديد أو لا يمكن العمل من خلالها.فقد برزت مناظرات مماثلة عبر التاريخ الأميركي ثم اختفت.و هي تعكس عادة التغييرات العريضة في الاقتصاد وأسواق العمل.فأحياناً سعى المتحدرون من المهاجرين الأوائل إلى الحد من هجرة السكان الجدد.فعلى سبيل المثال،تم التحريض في أحيان كثيرة على إصدار قوانين تحد من الهجرة من الصين و أيرلندا على المستويين الفدرالي و المحلي من جانب مواطنين من أهل البلاد كانوا هم بأنفسهم أولاد أو أحفاد مهاجرين.
و قد بلغ هذا الشعور الذي يسمى بشعور "أهل البلاد" ذروته عدة مرات في التاريخ الأميركي،و مع ذلك سادت عمليات الدمج في نهاية المطاف مع أن العملية كانت في أحيان كثيرة تتحدى بنفس الوقت القادمين الجدد كما المواطنين "الأصليين" على حد سواء.
خلال مجرى التاريخ الأميركي تغيرت دول المنشأ للمهاجرين و كذلك اللغات،والعادات،والثقافات التي يأتون بها معهم.و يواجه المهاجرون اليوم نفس التحديات التي واجهها القادمون الجدد قبلهم في التأقلم مع المجتمع الأميركي والثقافة الأميركية.
و يظهر بعض المواطنين الأميركيين نفس المواقف السلبية تجاه المهاجرين كالتي واجهها أسلافهم المهاجرون بالذات.مع ذلك،ورغم التحديات المتبادلة في التأقلم والدمج يستمر المهاجرون في السعي إلى تحقيق حياة أفضل لهم في الولايات المتحدة كما يستمر المجتمع الأميركي في التحول بسببهم.
شبكة النبأ المعلوماتية-12/آذار/2011
عدل سابقا من قبل In The Zone في الخميس يوليو 05, 2012 1:05 am عدل 1 مرات