تعليمنا بين العوز المادي و الخلل الموضوعي.
علي حسين عبيد.
........
من بداهة القول ان نتوقع فوائد لا تحصى للتعليم حين نستقصي دوره في ارتقاء الانسان و تطوره، و سنتفق جميعا على ان ما وصلت إليه الانسانية من رقي و سمو ما هو إلاّ جهد تعليمي متنوع أنتجه الانسان منذ نشأته حتى الآن،و لعل الدور الأهم الذي تعهد به التعليم من بين كل الأنشطة الانسانية،انه شذب و لا يزال نزعة الشر و التوحش المتأصلة في النفس البشرية و قفز بها الى درجات رقي متتابعة.
فلقد نشأ الانسان و بدأ رحلته مع الارض و الكون بنفس متذبذبة تكتظ بغرائز متناقضة تصارع بعضها البعض لتصل الى عصارة من الافكار و الافعال تمسك بمقود الانسان و هو يغذُّ خطاه في سبل الحياة الوعرة،و بسبب الاخطار التي أحاطت بالانسان و تنوعها حيث اخطار الطبيعة و المخلوقات التي قاسمته الارض و خطر المجهول الذي ظل محيقا به منذ نشأته،بسبب هذا و ذاك تصاعدت عنده نزعة الخوف من الآخر و رافقته نزعة متصاعدة للشر هي سلاحه في الحفاظ على كيانه الفردي و الجمعي حين كان التعليم ضامرا،و مع تطور أدوات (التهذيب و التشذيب) الكثيرة التي ابتكرها الانسان ليقارع بها نزعة الشر في دواخله.
و مع تطور هذه الادوات كان للتعليم قصب السبق والقدح المعلّى في عملية تهذيب النفس و ترويضها ثم التحليق بها الى مصاف النفوس الخلاّقة التي تعطي أكثر مما تأخذ و تتحمل الأذى من دون ان يصدر منها أي نوع من الأذى،فالكل (و نقصد هنا غالبية الأمم الحية المفكرة) تعمل و تجِدُّ من أجل أن تتسيّد النفس المعطاء الرفيعة المنتجة مشهد الحراك الانساني برمته و بطبيعة الحال لن يتحقق هذا الهدف إلاّ ضمن شروط صعبة المنال و منها التعليم الحقيقي الناجح الذي يقف وراءه جهد انساني غاية في الجدية و الاخلاص و المثابرة ليبدأ مشواره مع الغرس الأول (حيث الطفولة هي الأساس) ثم يتواصل الى الكبير ثم الأكبر.
ذلك اننا نتفق بغض النظر عن اختلاف المرجعيات المعرفية و الاخلاقية و الدينية و غيرها على خطورة النفس البشرية و تركيبتها المتناقضة الأمر الذي يتطلب جهدا (أبدياً) لمراقبتها و تحصينها بوسائل تعليمية متجددة تنبع من واقع الانسان الأصغر (بيته و مدينته....ألخ) و من محيطه الأكبر (العالم الواسع) الذي أخذ يتداخل ويتشابك لتصبح الأرض بفضائها محيطا متقاربا و مفروضا على الانسان شاء أم أبى.
و بهذا سنتفق على أن التعليم هو الوسيلة او الوسائل الناجعة التي تسمو بالانسان و تحد من سطوة الشر التي تسكن أعماقه و لكن كيف يتحقق هدف التعليم ؟!
و ما هي الشروط التي تساعد الانسان في الاستفادة القصوى من عملية التعليم؟.
ثمة من يرى جانبين في هذا الصدد،الأول مادي و الآخر موضوعي بحت،و هذان الجانبان هما الركيزتان الرئيستان اللتان يستند إليهما التعليم لكي يصل الى أهدافه و من دونهما كل الجهود ستذهب هباء،فلو توفر الجانب المادي و عزَّ علينا الجانب الموضوعي أو تردّى فستغدو مسارات التعليم شكلية خالية من المعنى و لو انعكس الامر و خسرنا الجانب المادي فعملية التعليم ستكون كمن يسير نحو ضالته على ساق واحدة،إذن ثمة تكامل بين المادي و الموضوعي ينبغي أن يتوفر في العملية التعليمية طالما كانت قائمة او متحركة،و هنا نتساءل هل توفر هذان الجانبان في مسارات التعليم في العراق على سبيل المثال ؟؟
و عندما نحدد العراق مختبرا لهذا التساءل فإننا نستند في ذلك الى قرب التجربة و توفر حالة الاحتكاك المباشر مع المحيط.
إن المتابع لحركة التعليم في العراق سيلمس خللا في الجانبين المادي و الموضوعي و سنحاول تلخيص هذا الخلل برؤية لاتبغي إحراج السياسيين او غيرهم،انما هي وقائع و تأشيرات نتمنى من خلالها معالجة الاخطاء او تقليلها قدر المستطاع،ففي الجانب المادي حصلت و لا زالت تحصل نواقص مريعة تخص مستلزمات التعليم المادية و منها على سبيل المثال (أمكنة الدراسة) كالمدارس على اختلاف مراحلها و المعاهد و الكليات و الجامعات التي تقل كثيرا عما هو مطلوب لاستيعاب الطلبة بمراحلهم المتعددة ناهيك عن طبيعة تصاميم هذه المرافق التعليمية و صلاحيتها كأماكن دراسية لمختلف الفئات العمرية سيما الاطفال و هم في أول المشوار التعليمي،كذلك ما يخص متطلبات و مستلزمات التعليم كالمختبرات بأنواعها و وسائل الايضاح و الحواسيب و ما شابه ذلك،و اذا تحدثنا عن العوز الذي يرافق التلاميذ في مسيرتهم الدراسية فإننا سنؤشر خللا لا يستهان به سيما اننا من البلدان الغنية بثرواتها (الضائعة).
و لو تحدثنا عن الجانب الموضوعي فإننا سنقرّ بغياب المناهج التعليمية السليمة أو المتأرجحة بين السلبي و الايجابي و يشمل هذا العلوم الانسانية بفروعها و انواعها ناهيك عن التوظيف القسري لبعض المناهج التعليمية كي تقع في خانة الأدلجة المقيتة ذات الاهداف المتطرفة التي تخدم هذا الحزب السياسي او ذاك او هذا النظام السياسي او ذاك كما حدث و يحدث لدى الأنظمة العربية التي تحصر التعليم و مساراته في مدارها كي يصب في روافدها و مصالحها،و هكذا علينا الاعتراف بمواطئ الخلل في عملية التعليم و تعثرها و من باب الاسهام بتحمل المسؤولية الأخلاقية نقترح هنا بعض الخطوات الاجرائية لعلها تسهم في دفع عجلة التعليم الى أمام إذا ما تنبَّهَ لها من يهمه أمر التعليم والمتعلمين:
............
أولا: الجانب المادي.
أ- تفعيل دور الوزارات المعنية لرصد النقص الحاصل في المنشآت و المختبرات و وسائل الإيضاح لجميع المراحل الدراسية و العمل الجاد على توفيرها.
ب- مساعدة التلاميذ من ذوي الدخل المحدود بتخصيص مبالغ شهرية او اسبوعية تحفزهم على مواصلة مسيرتهم الدراسية من دون تلكؤ او تسرّب قطعي.
ت- تحفيز الكادر التعليمي بجميع مراحله من خلال استخدام اسلوب المكافآت ناهيك عن تخصيص المرتّب اللائق لهم.
ث- التدخل الرسمي في تذليل مصاعب السكن و النقل وما شابه.
ج- تشجيع القطاع الخاص للدخول في العملية التعليمية بقوة من خلال تسهيل الاجراءات الرسمية و المالية و ما يترتب عليها من معوقات قد تبعد هذا القطاع عن دوره المهم بصدد التعليم.
ح- استثمار العلاقات الثنائية مع الجامعات و المؤسسات التدرسية العالمي بما يحقق كسبا ماديا لمؤسساتنا التعليمية.
.........
ثانيا: الجانب الموضوعي:
أ- حتمية الفصل بين التعليم و مناهجه و بين الايديولوجيا.
ب- إعادة النظر بالمناهج ذات المنحى المتطرف أو الهابط من خلال تأليف لجان خبراء متخصصة في هذا الجانب و يمكن الاستفادة بخبرات خارجية متطورة في هذا المجال.
ت- الاهتمام بطبع المناهج و تحسين تصاميمها بما يقربها من ميول الطلاب على اختلاف مراحلهم.
ث- تفعيل نظام الطالب الأذكى سيما في المراحل التدريسية الأولية لما يشكل للطلبة من دافع جيد لمواصلة تعليمهم.
ج- العمل بعدالة و مساواة بنظام البعثات الدراسية الى الجامعات و المؤسسات التعليمية الاجنبية التي تتقدمنا بأشواط في مجالات التعليم شكلا و جوهرا.
ح- الافادة من طرق التدريس والتعليم التي تنتهجها المؤسسات التعليمية المتطورة عربيا و عالميا.
شبكة النبأ المعلوماتية-17/تشرين الثاني/2008
علي حسين عبيد.
........
من بداهة القول ان نتوقع فوائد لا تحصى للتعليم حين نستقصي دوره في ارتقاء الانسان و تطوره، و سنتفق جميعا على ان ما وصلت إليه الانسانية من رقي و سمو ما هو إلاّ جهد تعليمي متنوع أنتجه الانسان منذ نشأته حتى الآن،و لعل الدور الأهم الذي تعهد به التعليم من بين كل الأنشطة الانسانية،انه شذب و لا يزال نزعة الشر و التوحش المتأصلة في النفس البشرية و قفز بها الى درجات رقي متتابعة.
فلقد نشأ الانسان و بدأ رحلته مع الارض و الكون بنفس متذبذبة تكتظ بغرائز متناقضة تصارع بعضها البعض لتصل الى عصارة من الافكار و الافعال تمسك بمقود الانسان و هو يغذُّ خطاه في سبل الحياة الوعرة،و بسبب الاخطار التي أحاطت بالانسان و تنوعها حيث اخطار الطبيعة و المخلوقات التي قاسمته الارض و خطر المجهول الذي ظل محيقا به منذ نشأته،بسبب هذا و ذاك تصاعدت عنده نزعة الخوف من الآخر و رافقته نزعة متصاعدة للشر هي سلاحه في الحفاظ على كيانه الفردي و الجمعي حين كان التعليم ضامرا،و مع تطور أدوات (التهذيب و التشذيب) الكثيرة التي ابتكرها الانسان ليقارع بها نزعة الشر في دواخله.
و مع تطور هذه الادوات كان للتعليم قصب السبق والقدح المعلّى في عملية تهذيب النفس و ترويضها ثم التحليق بها الى مصاف النفوس الخلاّقة التي تعطي أكثر مما تأخذ و تتحمل الأذى من دون ان يصدر منها أي نوع من الأذى،فالكل (و نقصد هنا غالبية الأمم الحية المفكرة) تعمل و تجِدُّ من أجل أن تتسيّد النفس المعطاء الرفيعة المنتجة مشهد الحراك الانساني برمته و بطبيعة الحال لن يتحقق هذا الهدف إلاّ ضمن شروط صعبة المنال و منها التعليم الحقيقي الناجح الذي يقف وراءه جهد انساني غاية في الجدية و الاخلاص و المثابرة ليبدأ مشواره مع الغرس الأول (حيث الطفولة هي الأساس) ثم يتواصل الى الكبير ثم الأكبر.
ذلك اننا نتفق بغض النظر عن اختلاف المرجعيات المعرفية و الاخلاقية و الدينية و غيرها على خطورة النفس البشرية و تركيبتها المتناقضة الأمر الذي يتطلب جهدا (أبدياً) لمراقبتها و تحصينها بوسائل تعليمية متجددة تنبع من واقع الانسان الأصغر (بيته و مدينته....ألخ) و من محيطه الأكبر (العالم الواسع) الذي أخذ يتداخل ويتشابك لتصبح الأرض بفضائها محيطا متقاربا و مفروضا على الانسان شاء أم أبى.
و بهذا سنتفق على أن التعليم هو الوسيلة او الوسائل الناجعة التي تسمو بالانسان و تحد من سطوة الشر التي تسكن أعماقه و لكن كيف يتحقق هدف التعليم ؟!
و ما هي الشروط التي تساعد الانسان في الاستفادة القصوى من عملية التعليم؟.
ثمة من يرى جانبين في هذا الصدد،الأول مادي و الآخر موضوعي بحت،و هذان الجانبان هما الركيزتان الرئيستان اللتان يستند إليهما التعليم لكي يصل الى أهدافه و من دونهما كل الجهود ستذهب هباء،فلو توفر الجانب المادي و عزَّ علينا الجانب الموضوعي أو تردّى فستغدو مسارات التعليم شكلية خالية من المعنى و لو انعكس الامر و خسرنا الجانب المادي فعملية التعليم ستكون كمن يسير نحو ضالته على ساق واحدة،إذن ثمة تكامل بين المادي و الموضوعي ينبغي أن يتوفر في العملية التعليمية طالما كانت قائمة او متحركة،و هنا نتساءل هل توفر هذان الجانبان في مسارات التعليم في العراق على سبيل المثال ؟؟
و عندما نحدد العراق مختبرا لهذا التساءل فإننا نستند في ذلك الى قرب التجربة و توفر حالة الاحتكاك المباشر مع المحيط.
إن المتابع لحركة التعليم في العراق سيلمس خللا في الجانبين المادي و الموضوعي و سنحاول تلخيص هذا الخلل برؤية لاتبغي إحراج السياسيين او غيرهم،انما هي وقائع و تأشيرات نتمنى من خلالها معالجة الاخطاء او تقليلها قدر المستطاع،ففي الجانب المادي حصلت و لا زالت تحصل نواقص مريعة تخص مستلزمات التعليم المادية و منها على سبيل المثال (أمكنة الدراسة) كالمدارس على اختلاف مراحلها و المعاهد و الكليات و الجامعات التي تقل كثيرا عما هو مطلوب لاستيعاب الطلبة بمراحلهم المتعددة ناهيك عن طبيعة تصاميم هذه المرافق التعليمية و صلاحيتها كأماكن دراسية لمختلف الفئات العمرية سيما الاطفال و هم في أول المشوار التعليمي،كذلك ما يخص متطلبات و مستلزمات التعليم كالمختبرات بأنواعها و وسائل الايضاح و الحواسيب و ما شابه ذلك،و اذا تحدثنا عن العوز الذي يرافق التلاميذ في مسيرتهم الدراسية فإننا سنؤشر خللا لا يستهان به سيما اننا من البلدان الغنية بثرواتها (الضائعة).
و لو تحدثنا عن الجانب الموضوعي فإننا سنقرّ بغياب المناهج التعليمية السليمة أو المتأرجحة بين السلبي و الايجابي و يشمل هذا العلوم الانسانية بفروعها و انواعها ناهيك عن التوظيف القسري لبعض المناهج التعليمية كي تقع في خانة الأدلجة المقيتة ذات الاهداف المتطرفة التي تخدم هذا الحزب السياسي او ذاك او هذا النظام السياسي او ذاك كما حدث و يحدث لدى الأنظمة العربية التي تحصر التعليم و مساراته في مدارها كي يصب في روافدها و مصالحها،و هكذا علينا الاعتراف بمواطئ الخلل في عملية التعليم و تعثرها و من باب الاسهام بتحمل المسؤولية الأخلاقية نقترح هنا بعض الخطوات الاجرائية لعلها تسهم في دفع عجلة التعليم الى أمام إذا ما تنبَّهَ لها من يهمه أمر التعليم والمتعلمين:
............
أولا: الجانب المادي.
أ- تفعيل دور الوزارات المعنية لرصد النقص الحاصل في المنشآت و المختبرات و وسائل الإيضاح لجميع المراحل الدراسية و العمل الجاد على توفيرها.
ب- مساعدة التلاميذ من ذوي الدخل المحدود بتخصيص مبالغ شهرية او اسبوعية تحفزهم على مواصلة مسيرتهم الدراسية من دون تلكؤ او تسرّب قطعي.
ت- تحفيز الكادر التعليمي بجميع مراحله من خلال استخدام اسلوب المكافآت ناهيك عن تخصيص المرتّب اللائق لهم.
ث- التدخل الرسمي في تذليل مصاعب السكن و النقل وما شابه.
ج- تشجيع القطاع الخاص للدخول في العملية التعليمية بقوة من خلال تسهيل الاجراءات الرسمية و المالية و ما يترتب عليها من معوقات قد تبعد هذا القطاع عن دوره المهم بصدد التعليم.
ح- استثمار العلاقات الثنائية مع الجامعات و المؤسسات التدرسية العالمي بما يحقق كسبا ماديا لمؤسساتنا التعليمية.
.........
ثانيا: الجانب الموضوعي:
أ- حتمية الفصل بين التعليم و مناهجه و بين الايديولوجيا.
ب- إعادة النظر بالمناهج ذات المنحى المتطرف أو الهابط من خلال تأليف لجان خبراء متخصصة في هذا الجانب و يمكن الاستفادة بخبرات خارجية متطورة في هذا المجال.
ت- الاهتمام بطبع المناهج و تحسين تصاميمها بما يقربها من ميول الطلاب على اختلاف مراحلهم.
ث- تفعيل نظام الطالب الأذكى سيما في المراحل التدريسية الأولية لما يشكل للطلبة من دافع جيد لمواصلة تعليمهم.
ج- العمل بعدالة و مساواة بنظام البعثات الدراسية الى الجامعات و المؤسسات التعليمية الاجنبية التي تتقدمنا بأشواط في مجالات التعليم شكلا و جوهرا.
ح- الافادة من طرق التدريس والتعليم التي تنتهجها المؤسسات التعليمية المتطورة عربيا و عالميا.
شبكة النبأ المعلوماتية-17/تشرين الثاني/2008