مصر بعد الثورة...أين الخطأ؟
.....
بدا بعد سقوط حسني مبارك أن المصريين كانوا على وشك فتح باب عهد جديد في تطور بلادهم. إلا أن المجتمع المصري اليوم منقسم أكثر من ذي قبل. و لا يزال الطريق إلى الديمقراطية طويلا.
يتسم الوضع الحالي في مصر بنزاعات سياسية و اشتباكات طائفية و تدهور اقتصاد البلاد. ومن يبحث هذه الأيام في مصر عن أنباء إيجابية لن ينجح في ذلك إلا نادرا فقط، إذ يبدو أن عملية الانتقال الديمقراطية متعثرة. والتقارير عن مصر تدور بالدرجة الأولى حول أعمال عنف وأوضاع فوضوية.
وتناقض هذه التقارير تفاؤل المصريين إثر إسقاط الدكتاتور حسني مبارك قبل أكثر من سنتين، إذ أن الكثيرين اعتقدوا آنذاك أنهم يقفون أمام باب عهد جديد يتميز بالمزيد من الديمقراطية وحقوق أوسع وعدالة اجتماعية للجميع. إلا أن آمالهم هذه خابت. ويلعن الكثيرون الثورة. ولذلك يتساءل مصريون كثيرون عما ذهب بعد الثورة على نحو خاطئ.
....
الدين يستقطب الشعب.
يعتبر الكثيرون أن طرفين بشكل خاص يتحملان المسؤولية عن الأخطاء المرتكبة في عملية الانتقال. وهما العسكر والإخوان المسلمون. وكما يقول المحلل السياسي عماد جاد من مركز الأهرام في القاهرة، فإن هذين الطرفين اتخذا من البداية قرارات خاطئة، فبدلا من تشكيل مجلس تأسيسي يضع دستورا جديدا، أصر الجيش والإسلاميون على إجراء انتخابات برلمانية في أسرع وقت ممكن. والشعب وافق على رأيهم في استفتاء جرى في آذار/مارس عام 2011. وهكذا بدأت في مصر اللعب بالديمقراطية بدون تحديد قواعد هذه اللعبة قبل ذلك. وما هو أسوأ من ذلك، هو أن هذه الخطوة عجلت تقسيم المجتمع، كما يقول جاد، إذ منذ ذلك الحين تتسم المناقشة السياسية في مصر باستقطاب الإسلاميين والعلمانيين.
من البداية علق الإخوان المسلمون الذين حصلوا في الانتخابات البرلمانية في أواخر عام 2011 على حوالي نصف الأصوات، أكبر أهمية على الدين، كما يقول جاد. ويضيف: "يشكل الدين في مصر أبسط وسيلة لكسب أصوات الناخبين، فنسبة 40 بالمائة من السكان أميون. ولذلك، فإن التأثير عليهم ليس صعبا". ويتهم جاد الإخوان المسلمين بأنهم ضحوا بتوحيد المجتمع لصالح نجاح حزبهم.
.......
الافتقار إلى فهم معنى الديمقراطية.
ينتقد أيضا الخبير في شؤون مصر شتيفان رول من معهد العلوم والسياسة في برلين سياسة الاستقطاب التي ينتهجها الإخوان المسلمون. وفي الوقت نفسه يوجه انتقادات شديدة ضد المعارضة أيضا. "تريد القوى العلمانية المشاركة في الحكم على نفس المستوى الذي يحكم عليه الإسلاميون. وهذا يعني أنهم يتجاهلون نتائج الانتخابات". والإسلاميون من جهتهم يرون في فوزهم بها مبررا لحكمهم على أساس سلطة مطلقة، كما يقول رول. ويضيف: "يظهر ذلك افتقار كلا الطرفين إلى فهم معنى الديمقراطية".
منذ النجاح الواضح الذي حققته القوى الإسلامية في الانتخابات البرلمانية، لا تدور المناقشة السياسية في مصر إلا حول دور الدين في الدستور ووسائل الإعلام والمجتمع، في حين لا تلعب مطالبة الثورة بالعدالة الاجتماعية دورا يذكر. وفيما يخص المشاكل الاقتصادية في البلاد، فإن السياسيين يتجاهلونها ببساطة. ويرى رول في ذلك إحدى أكبر الصعوبات في عملية الانتقال، مشيرا إلى أن الطبقة السياسية لم تنجح حتى الآن في ممارسة سياسة براغماتية يومية بمعزل عن المناقشات بشأن القضايا الأساسية. إلا أنه لا يمكن أن تتطور البلاد إلى الأمام بدون ذلك.
.......
مقاومة الفلول.
في حين تحمل المعارضة المصرية الإسلاميين المسؤولية عن الركود السياسي والاقتصادي، يحمل الإسلاميون بقايا النظام السابق المسؤولية عن ذلك. ويقولون إن الفلول من أنصار مبارك يعرقلون تقدم البلاد. ويجري حاليا جدل حاد حول مدى نفوذ النظام القديم في واقع الأمر. ورغم أن عماد جاد يعتبر أن مخلفات مبارك لا تزال ملحوظة جدا على شكل الفساد والتعذيب ومحاباة الأقارب. إلا أنه لم يلاحظ حتى الآن أي مقاومة منسقة من قبل الفلول. وعليه، فإنه يرى في مقاومة الفلول المزعومة "حجة بحتة يلجأ إليها الإخوان المسلمون غير المستعدين لإجراء الإصلاحات".
وعلى العكس من جاد يعتبر رول أنه تتم الاستهانة بمدى النفوذ الذي حافظ النظام القديم عليه حتى الآن، مشيرا إلى أن نظام مبارك لم يتألف فقط من عائلتين أو ثلاث عائلات، وإنما هو لا يزال موجودا في أوساط معينة من النخبة الاقتصادية والقضاء والجهاز الأمني. ويمكن اعتبار حقيقة أن رئيس الوزراء السابق في حكومة مبارك أحمد شفيق حصل في اقتراع الرئاسة بينه وبين مرسي على نسبة 48 بالمائة من الأصوات دليلا على ذلك. وينطبق هذا أيضا على قرار المحكمة العليا بحل البرلمان الذي هيمن الإسلاميون عليه.
.....
لا مصالح.
أدى الارتياب السائد بين جميع الأطراف إلى توقف عملية الانتقال تقريبا. ويعتبر الكثيرون أن تغيير الوضع الحالي جذريا يتطلب شخصية بارزة أو مرجعا وطنيا يتولى القيام بدور المصالح بين الأطراف المختلفة، أي أنه من الضروري أن تكون هناك جهة تعيد "الأطفال المتشاجرين" إلى طاولة المفاوضات، كما يقول رول.
ورغم أن جامعة الأزهر أُعتبرت في البداية الجهة المناسبة لتولي هذا الدور، إلا أنها انتقلت سريعا إلى دعم مناهضي الإخوان المسلمين. وبالنظر إلى حقيقة أنه لا يوجد سياسي مصري يمكن مقارنته بنيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا مثلا، يرى الكثيرون في الجيش منقذ الشعب. إلا أن عماد جاد يعتبر أن الأمل في تدخل الجيش خطير جدا، مشيرا إلى أن "الأشهر إثر سقوط مبارك التي حكم فيها العسكريون، كانت كارثية"، إذ يبدو أن الجنرالات لا يهتمون إلا بالحفاظ على سلطتهم وثروتهم في العهد الجديد أيضا.
......
18.05.2013
موقع صوت المانيا.
.....
بدا بعد سقوط حسني مبارك أن المصريين كانوا على وشك فتح باب عهد جديد في تطور بلادهم. إلا أن المجتمع المصري اليوم منقسم أكثر من ذي قبل. و لا يزال الطريق إلى الديمقراطية طويلا.
يتسم الوضع الحالي في مصر بنزاعات سياسية و اشتباكات طائفية و تدهور اقتصاد البلاد. ومن يبحث هذه الأيام في مصر عن أنباء إيجابية لن ينجح في ذلك إلا نادرا فقط، إذ يبدو أن عملية الانتقال الديمقراطية متعثرة. والتقارير عن مصر تدور بالدرجة الأولى حول أعمال عنف وأوضاع فوضوية.
وتناقض هذه التقارير تفاؤل المصريين إثر إسقاط الدكتاتور حسني مبارك قبل أكثر من سنتين، إذ أن الكثيرين اعتقدوا آنذاك أنهم يقفون أمام باب عهد جديد يتميز بالمزيد من الديمقراطية وحقوق أوسع وعدالة اجتماعية للجميع. إلا أن آمالهم هذه خابت. ويلعن الكثيرون الثورة. ولذلك يتساءل مصريون كثيرون عما ذهب بعد الثورة على نحو خاطئ.
....
الدين يستقطب الشعب.
يعتبر الكثيرون أن طرفين بشكل خاص يتحملان المسؤولية عن الأخطاء المرتكبة في عملية الانتقال. وهما العسكر والإخوان المسلمون. وكما يقول المحلل السياسي عماد جاد من مركز الأهرام في القاهرة، فإن هذين الطرفين اتخذا من البداية قرارات خاطئة، فبدلا من تشكيل مجلس تأسيسي يضع دستورا جديدا، أصر الجيش والإسلاميون على إجراء انتخابات برلمانية في أسرع وقت ممكن. والشعب وافق على رأيهم في استفتاء جرى في آذار/مارس عام 2011. وهكذا بدأت في مصر اللعب بالديمقراطية بدون تحديد قواعد هذه اللعبة قبل ذلك. وما هو أسوأ من ذلك، هو أن هذه الخطوة عجلت تقسيم المجتمع، كما يقول جاد، إذ منذ ذلك الحين تتسم المناقشة السياسية في مصر باستقطاب الإسلاميين والعلمانيين.
من البداية علق الإخوان المسلمون الذين حصلوا في الانتخابات البرلمانية في أواخر عام 2011 على حوالي نصف الأصوات، أكبر أهمية على الدين، كما يقول جاد. ويضيف: "يشكل الدين في مصر أبسط وسيلة لكسب أصوات الناخبين، فنسبة 40 بالمائة من السكان أميون. ولذلك، فإن التأثير عليهم ليس صعبا". ويتهم جاد الإخوان المسلمين بأنهم ضحوا بتوحيد المجتمع لصالح نجاح حزبهم.
.......
الافتقار إلى فهم معنى الديمقراطية.
ينتقد أيضا الخبير في شؤون مصر شتيفان رول من معهد العلوم والسياسة في برلين سياسة الاستقطاب التي ينتهجها الإخوان المسلمون. وفي الوقت نفسه يوجه انتقادات شديدة ضد المعارضة أيضا. "تريد القوى العلمانية المشاركة في الحكم على نفس المستوى الذي يحكم عليه الإسلاميون. وهذا يعني أنهم يتجاهلون نتائج الانتخابات". والإسلاميون من جهتهم يرون في فوزهم بها مبررا لحكمهم على أساس سلطة مطلقة، كما يقول رول. ويضيف: "يظهر ذلك افتقار كلا الطرفين إلى فهم معنى الديمقراطية".
منذ النجاح الواضح الذي حققته القوى الإسلامية في الانتخابات البرلمانية، لا تدور المناقشة السياسية في مصر إلا حول دور الدين في الدستور ووسائل الإعلام والمجتمع، في حين لا تلعب مطالبة الثورة بالعدالة الاجتماعية دورا يذكر. وفيما يخص المشاكل الاقتصادية في البلاد، فإن السياسيين يتجاهلونها ببساطة. ويرى رول في ذلك إحدى أكبر الصعوبات في عملية الانتقال، مشيرا إلى أن الطبقة السياسية لم تنجح حتى الآن في ممارسة سياسة براغماتية يومية بمعزل عن المناقشات بشأن القضايا الأساسية. إلا أنه لا يمكن أن تتطور البلاد إلى الأمام بدون ذلك.
.......
مقاومة الفلول.
في حين تحمل المعارضة المصرية الإسلاميين المسؤولية عن الركود السياسي والاقتصادي، يحمل الإسلاميون بقايا النظام السابق المسؤولية عن ذلك. ويقولون إن الفلول من أنصار مبارك يعرقلون تقدم البلاد. ويجري حاليا جدل حاد حول مدى نفوذ النظام القديم في واقع الأمر. ورغم أن عماد جاد يعتبر أن مخلفات مبارك لا تزال ملحوظة جدا على شكل الفساد والتعذيب ومحاباة الأقارب. إلا أنه لم يلاحظ حتى الآن أي مقاومة منسقة من قبل الفلول. وعليه، فإنه يرى في مقاومة الفلول المزعومة "حجة بحتة يلجأ إليها الإخوان المسلمون غير المستعدين لإجراء الإصلاحات".
وعلى العكس من جاد يعتبر رول أنه تتم الاستهانة بمدى النفوذ الذي حافظ النظام القديم عليه حتى الآن، مشيرا إلى أن نظام مبارك لم يتألف فقط من عائلتين أو ثلاث عائلات، وإنما هو لا يزال موجودا في أوساط معينة من النخبة الاقتصادية والقضاء والجهاز الأمني. ويمكن اعتبار حقيقة أن رئيس الوزراء السابق في حكومة مبارك أحمد شفيق حصل في اقتراع الرئاسة بينه وبين مرسي على نسبة 48 بالمائة من الأصوات دليلا على ذلك. وينطبق هذا أيضا على قرار المحكمة العليا بحل البرلمان الذي هيمن الإسلاميون عليه.
.....
لا مصالح.
أدى الارتياب السائد بين جميع الأطراف إلى توقف عملية الانتقال تقريبا. ويعتبر الكثيرون أن تغيير الوضع الحالي جذريا يتطلب شخصية بارزة أو مرجعا وطنيا يتولى القيام بدور المصالح بين الأطراف المختلفة، أي أنه من الضروري أن تكون هناك جهة تعيد "الأطفال المتشاجرين" إلى طاولة المفاوضات، كما يقول رول.
ورغم أن جامعة الأزهر أُعتبرت في البداية الجهة المناسبة لتولي هذا الدور، إلا أنها انتقلت سريعا إلى دعم مناهضي الإخوان المسلمين. وبالنظر إلى حقيقة أنه لا يوجد سياسي مصري يمكن مقارنته بنيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا مثلا، يرى الكثيرون في الجيش منقذ الشعب. إلا أن عماد جاد يعتبر أن الأمل في تدخل الجيش خطير جدا، مشيرا إلى أن "الأشهر إثر سقوط مبارك التي حكم فيها العسكريون، كانت كارثية"، إذ يبدو أن الجنرالات لا يهتمون إلا بالحفاظ على سلطتهم وثروتهم في العهد الجديد أيضا.
......
18.05.2013
موقع صوت المانيا.