الفساد حاضنة للعنف.
محمد علي جواد تقي.
.......
"الفساد"..نزعة إنسانية نحو الاستئثار و الكسب غير المشروع و الحصول على أكثر مما هو حق،فهو يتجسّد في الانسان الامريكي كما يتجسّد ايضاً في الانسان العراقي،و ايضاً في الانسان الاوربي و الافريقي و هكذا..يبقى التباين في حجم هذا الفساد و مدياته و آثاره على المجتمع و الاقتصاد و السياسة في ذلك البلد،و الأهم هو كيفية التعامل مع هذه النزعة – الظاهرة..؟
هل بالتطبيع و التكريس بصورة مباشرة أو غير مباشرة؟ أم بالمكافحة و المعالجة للحد منها الى مستويات دنيا؟
في البلاد التي تفتقر الى التداول السلمي للسلطة،و المشاركة السياسية و العلاقة السليمة بين الدولة و الشعب،لن يكون هنالك فاسد واحد،مثل مدير مصرف،او وزير أو حتى رئيس و زراء،إنما شريحة من المفسدين،موزعين على مختلف أجهزة الدولة و مرافقها،العسكرية منها و السياسية و الامنية و الاقتصادية،ثم تتحول الى ظاهرة اجتماعية تشد بخناقها على افراد المجتمع الذي عادة يحتل فيها ذوي الدخل المحدود نسبة كبيرة،و هذا من شأنه ان يزرع بذرة العنف في النفوس،لأن ببساطة؛مجرد شعور الناس أنهم مطالبون بدفع ثمن راحة و رفاهية شريحة معينة،لمجرد قضاء حوائجهم والوصول الى بعض حقوقهم البسيطة في معاملات رسمية او غير ذلك، يُعد بالنسبة لهم استفزاز خطير ينطوي على ردود فعل ربما تظهر عاجلاً أم آجلاً..و قد أكد الباحثين و الدارسين للتحولات في البلاد العربية،على وجود الخلفية الاجتماعية بقدر أكبر من السياسية فيما جرى من تحولات كبيرة و أساسية في بعض أنظمة الحكم،فالاوضاع الاقتصادية الخانقة،من بطالة و تضخم،بسبب الفساد الاخطبوطي في مرافق الدولة،مصحوباً بسياسات قمعية و ارهابية من السلطة،دفعت بالناس الى البحث عن البديل علّها تنجو من مستنقع الفساد و تتخلص من المفسدين.
اذا تجاوزنا خلفية هذه الظاهرة المرضية في بلادنا،و كيف ينشأ فيروس الفساد في نفوس هذا الموظف و ذاك المدير و ذلك الحزب أو الحاكم..؟ و تطلعنا الى المستقبل،نجد أنه حتى في حال زوال هؤلاء المصابين من الواجهة السياسية،و استبدالهم بآخرين،فان جذر الداء يبقى على حاله،و ربما يستفحل و يأخذ مديات أوسع و أخطر،و السبب في ذلك العلاقة المتبادلة بين الفساد و العنف، فكما أن العنف الوليد الطبيعي للفساد،فان الفساد بحاجة دائماً الى العنف و الفوضى و الاضطراب ليمضي في المزيد من الكسب و النصب و الاحتيال و الإثراء على حساب الاخرين.
مثال ذلك و بشكل بارز؛أفغانستان و العراق..فقد عقد الشعب الافغاني آمالاً طويلة و عريضة على نظام الحكم ذو الطابع الديمقراطي على أنقاض "طالبان"،بأن يبدأ البناء و الإعمار من خلال مشاركة سياسية و حياة ديمقراطية،يجرب فيها الافغان كيفية تقرير مصيرهم بأنفسهم،لكن ما لبثنا إلا أن نسمع بأرقام الاختلاسات في الجهاز الحاكم في كابول،مع العلم أن البلد ليس من الغنى بحيث يغري المفسدين،إلا السلطة و النفوذ،مشفوعة بدعم امريكي كثيف،هو الذي سوّغ للبعض من المحيطين بالرئيس حامد كرزاي لأن يمدوا أيديهم الى الاموال التي خصصت لإعمار المدارس و المستشفيات و المرافق العامة و تحسين الاقتصاد.
و كان آخر ما كشف عنه الامريكيون اختلاس كبير في أروقة الحكم،و تحديداً في البيت الرئاسي،حيث نقل مسؤول امريكي أن أكداس الدولارات كانت تنقل الى مكتب كرزاي بالحقائب،ول م يعرف مصيرها..!
و هذا لم يكن،لولا الأجواء الأمنية الملبدة و الضبابية في افغانستان،حيث الجميع يفكر بكيفية تحاشي العمليات الارهابية لـ "طالبان" بالعبوات الناسفة أو السيارات المفخخة.
إذن؛تخلّص الشعب الافغاني من العقلية الجاهلية "الطالبانية" و النهج القمعي و التعسفي، ليُبتلى بنهج جديد يشرعن التلاعب بالسلطة و الأموال بحجة "مواجهة الارهاب"،أو العمل على البناء و الإعمار و غير ذلك.
و في العراق،ذاق الشعب العراقي مرارة الفساد المالي و الاداري في ظل نظام الطاغية.
فخلال عقد التسعينات عاش العراقيون ظروفاً ربما لا تتكرر،حيث الفساد الاداري و المالي في الدوائر و المدارس و المستشفيات و المحاكم و حتى في الاجهزة الامنية العليا،بحيث كانت الرشوة قادرة على الافراج عن مجرم محكوم بالاعدام..فانتشر الفقر و البطالة و الحرمان بشكل مريع،كل ذلك على خلفية الحروب الكارثية التي خاضها نظام صدام البائد و دفع ثمنها الشعب العراقي.. لكن العبرة في مرحلة ما بعد السقوط.ففي الوقت كانت الآمال معلقة على التغيير و إسقاط نظام صدام لتشكيل نظام حكم منبثق من الشعب العراقي،لوجود جماعات و تيارات معارضة،و تدير الحكم وفق نظام تعددي – ديمقراطي و عادل الى حدٍ ما،يعوّض ما عاناه و لاقاه العراقيون طيلة العقود الماضية.
لكن الصدمة كانت في مشاهد السرقة من الدوائر الحكومية و المراكز العسكرية،حيث تعرضت هذه الأماكن الى نهب الممتلكات العامة،و ايضاً أنواع مختلفة من السلاح و الذخيرة.
و النتيجة؛أن صداماً زال و مات،لكنه خلّف من جملة ما خلفه،هذا الداء الاجتماعي الوبيل.
و ما يثير اكثر من تساؤل؛لامبالاة فصائل المعارضة التي تحولت الى أطراف سياسية حاكمة في الدولة الجديدة،إزاء استمرار داء الفساد مستشرياً في الكيان العراقي،حتى و إن كان مسبباً لأعمال العنف و اللااستقرار على المدى البعيد.
نعم؛بعد بضعة سنين من الإطاحة بنظام صدام،وجد أهل الحكم في العراق،أن أرقام الاختلاسات في الوزارات باتت تُعد بالمليارات من الدولارات،فيما الشباب المتخرج من الجامعة يبحث عن فرصة عمل،و ما تزال المدارس الطينية تضم بين جدرانها التلاميذ،و الفقر و البطالة و انعدام الخدمات و التخلف يخيّم على العراق بشكل عام.
بدأت مساعي جديدة للتخفيف من وطأة هذه المظاهر المحزنة و السيئة عن وجه العراقيين،لكن ليس لمعالجة داء الفساد و اجثاثه من جذوره،كما يجتثون من يتهمونه بالانتماء الى "حزب البعث" البائد..! فبدأت الحكومة بإغداق الوظائف و فرص العمل و المنح و المساعدات بأعداد هائلة،حتى بدا للمتابع أن الهدف و الغاية من كل ذلك،هو تهدئة الخواطر مما يسمعه الناس من أرقام الاختلاس الضخمة،و هم جالسون في بيوتهم يندبون حظهم العاثر مع هذا النظام الحاكم.
و إلا ما الفرق بين الاختلاس الذي كان بطله حازم الشعلان،أول وزير الدفاع في "النظام الديمقراطي" و يقدر بمليار دولار عام 2004،و بين الاختلاس المريع بملايين الدولارات في صفقة شراء أجهزة السونار المزيفة في الآونة الاخيرة..؟
و الحقيقة؛ليس بوسع الإعلام الوقوف باطمئنان على أرقام دقيقة و حقيقية لحجم الاختلاس الذي ارتكبه المسؤولون في العراق خلال السنوات الماضية،نذكر منها ما ورد في موقع "عراق الغد" على شبكة الانترنيت ليوم 26/2/2012 و هي تصريحات لعدد من الاشخاص حول الفساد و منها ما ذكره السيد احمد الجلبي حيث قال بأن ميزانية الدولة بلغت نحو 400 مليار دولار في خمس سنوات و الناتجة عن ارتفاع الاسعار العالمية للنفط،و تساءل العديد من الاشخاص بضمنهم الجلبي،ترى أين ذهبت هذه الاموال؟ انه رقم كبير و ضخم للغاية،تتحسّر عليه دول كثيرة في العالم محرومة من ثروة النفط، بينما ما تزال أبسط خدمة تواجه عقدة عجيبة و مستعصية،و هي خدمة الكهرباء في العراق،كما تعجز الحكومة عن توفير المفردات الأساسية للبطاقة التموينية،رغم تقليصها في الآونة الاخيرة.
إن الخبراء و المتابعين للشأن الاجتماعي و السياسي في العراق،بل في سائر البلاد الاسلامية المبتلاة بهذا الداء،يؤكدون أن الفساد الاداري و المالي إن لم يجتث من جذوره فانه يسبب بنشوء و استفحال داء آخر،و هو العنف و القسوة بين أوساط الناس،و هذا يبدو أمراً بديهياً،فالمسؤول المتنفذ و القادر على الابتزاز و الضغط،سيدفع المواطن العادي الى التعويض عما لحق به خسارة معنوية في كرامته و حقوقه،بممارسة نفس الابتزاز و الضغط بأشكاله المختلفة على الآخرين،و النتيجة استمرار الفساد و معه ايضاً حالة العنف و الاضطراب و اللا استقرار في البلد.
.........
من هنا نجد الباحثون يشيرون على عوامل عدة لابد ان تجتمع لمعالجة هذه الداء منها:
1- العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ما أمكن،و تضييق الفجوة الطبقية.
2- إعادة النظر بالحصانة الوظيفية التي يمارسها رؤساء الدوائر في حماية موظفيهم من المحاسبة، حيث يبالغ البعض في توفير الحماية،مما يجعل ذلك حجر عثرة في الجهود الرامية لمكافحة الفساد، فالحصانة هنا،لتوفير الحماية القانونية للموظفين من الدعاوى الكيدية المرفوعة ضدهم،على أن لا يتم استغلال ذلك لحماية المفسدين.
3- سن قوانين جديدة تضع أطر خاصة و محددة لصرف الاموال العامة.
4- تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في محاسبة و مكافحة الفساد الاداري،و عدم الوقوف بوجهها بحجة التسييس او غير ذلك.
و إلا فان هذه المنظمات في النظام الديمقراطي تبقى إطاراً دون محتوى،ما لم تترك أثرها على السلوك الاجتماعي و الأداء الحكومي،و التأثير على سياسات الدولة بالضغط عليها لسن تشريعات و إجراءات تحد من الفساد و الغش و التلاعب بالمال العام.
5- ثم يأتي دور الإعلام ليكون مكملاً لكل هذه الجهود و غيرها،على شرط ان تتوفر لديه الاجواء المهنية كاملة ليمارس دوره في نشر الحقيقة و إشاعة الوعي و الثقافة البناءة،بحيث يخشاها كل من تسوّل له نفسه التطاول على حقوق الشعب،مهما كان منصبه و الجهة التي تقف خلفه.
و لابد من القول هنا؛أن الشعب العراقي،و ربما سائر الشعوب الاسلامية،ليست ميّالة بالأساس و الفطرة الى العنف و القسوة،إنما الظروف الاقتصادية و المعيشية القاسية هي التي تلقي بظلالها على الوضع النفسي لهم..فنحن لم نشهد في بلادنا ما يسمى في الغرب بـ "عصابات الجريمة المنظمة"،و لا السرّاق و اللصوص المحترفين،إنما هي ردود فعل لضغوط تمارس عليهم و لابد أن تزول إذا كانت هنالك حقاً نوايا صادقة لتحقيق الاستقرار و الأمان و البناء في العراق.
......
شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 25/آيار/2013
محمد علي جواد تقي.
.......
"الفساد"..نزعة إنسانية نحو الاستئثار و الكسب غير المشروع و الحصول على أكثر مما هو حق،فهو يتجسّد في الانسان الامريكي كما يتجسّد ايضاً في الانسان العراقي،و ايضاً في الانسان الاوربي و الافريقي و هكذا..يبقى التباين في حجم هذا الفساد و مدياته و آثاره على المجتمع و الاقتصاد و السياسة في ذلك البلد،و الأهم هو كيفية التعامل مع هذه النزعة – الظاهرة..؟
هل بالتطبيع و التكريس بصورة مباشرة أو غير مباشرة؟ أم بالمكافحة و المعالجة للحد منها الى مستويات دنيا؟
في البلاد التي تفتقر الى التداول السلمي للسلطة،و المشاركة السياسية و العلاقة السليمة بين الدولة و الشعب،لن يكون هنالك فاسد واحد،مثل مدير مصرف،او وزير أو حتى رئيس و زراء،إنما شريحة من المفسدين،موزعين على مختلف أجهزة الدولة و مرافقها،العسكرية منها و السياسية و الامنية و الاقتصادية،ثم تتحول الى ظاهرة اجتماعية تشد بخناقها على افراد المجتمع الذي عادة يحتل فيها ذوي الدخل المحدود نسبة كبيرة،و هذا من شأنه ان يزرع بذرة العنف في النفوس،لأن ببساطة؛مجرد شعور الناس أنهم مطالبون بدفع ثمن راحة و رفاهية شريحة معينة،لمجرد قضاء حوائجهم والوصول الى بعض حقوقهم البسيطة في معاملات رسمية او غير ذلك، يُعد بالنسبة لهم استفزاز خطير ينطوي على ردود فعل ربما تظهر عاجلاً أم آجلاً..و قد أكد الباحثين و الدارسين للتحولات في البلاد العربية،على وجود الخلفية الاجتماعية بقدر أكبر من السياسية فيما جرى من تحولات كبيرة و أساسية في بعض أنظمة الحكم،فالاوضاع الاقتصادية الخانقة،من بطالة و تضخم،بسبب الفساد الاخطبوطي في مرافق الدولة،مصحوباً بسياسات قمعية و ارهابية من السلطة،دفعت بالناس الى البحث عن البديل علّها تنجو من مستنقع الفساد و تتخلص من المفسدين.
اذا تجاوزنا خلفية هذه الظاهرة المرضية في بلادنا،و كيف ينشأ فيروس الفساد في نفوس هذا الموظف و ذاك المدير و ذلك الحزب أو الحاكم..؟ و تطلعنا الى المستقبل،نجد أنه حتى في حال زوال هؤلاء المصابين من الواجهة السياسية،و استبدالهم بآخرين،فان جذر الداء يبقى على حاله،و ربما يستفحل و يأخذ مديات أوسع و أخطر،و السبب في ذلك العلاقة المتبادلة بين الفساد و العنف، فكما أن العنف الوليد الطبيعي للفساد،فان الفساد بحاجة دائماً الى العنف و الفوضى و الاضطراب ليمضي في المزيد من الكسب و النصب و الاحتيال و الإثراء على حساب الاخرين.
مثال ذلك و بشكل بارز؛أفغانستان و العراق..فقد عقد الشعب الافغاني آمالاً طويلة و عريضة على نظام الحكم ذو الطابع الديمقراطي على أنقاض "طالبان"،بأن يبدأ البناء و الإعمار من خلال مشاركة سياسية و حياة ديمقراطية،يجرب فيها الافغان كيفية تقرير مصيرهم بأنفسهم،لكن ما لبثنا إلا أن نسمع بأرقام الاختلاسات في الجهاز الحاكم في كابول،مع العلم أن البلد ليس من الغنى بحيث يغري المفسدين،إلا السلطة و النفوذ،مشفوعة بدعم امريكي كثيف،هو الذي سوّغ للبعض من المحيطين بالرئيس حامد كرزاي لأن يمدوا أيديهم الى الاموال التي خصصت لإعمار المدارس و المستشفيات و المرافق العامة و تحسين الاقتصاد.
و كان آخر ما كشف عنه الامريكيون اختلاس كبير في أروقة الحكم،و تحديداً في البيت الرئاسي،حيث نقل مسؤول امريكي أن أكداس الدولارات كانت تنقل الى مكتب كرزاي بالحقائب،ول م يعرف مصيرها..!
و هذا لم يكن،لولا الأجواء الأمنية الملبدة و الضبابية في افغانستان،حيث الجميع يفكر بكيفية تحاشي العمليات الارهابية لـ "طالبان" بالعبوات الناسفة أو السيارات المفخخة.
إذن؛تخلّص الشعب الافغاني من العقلية الجاهلية "الطالبانية" و النهج القمعي و التعسفي، ليُبتلى بنهج جديد يشرعن التلاعب بالسلطة و الأموال بحجة "مواجهة الارهاب"،أو العمل على البناء و الإعمار و غير ذلك.
و في العراق،ذاق الشعب العراقي مرارة الفساد المالي و الاداري في ظل نظام الطاغية.
فخلال عقد التسعينات عاش العراقيون ظروفاً ربما لا تتكرر،حيث الفساد الاداري و المالي في الدوائر و المدارس و المستشفيات و المحاكم و حتى في الاجهزة الامنية العليا،بحيث كانت الرشوة قادرة على الافراج عن مجرم محكوم بالاعدام..فانتشر الفقر و البطالة و الحرمان بشكل مريع،كل ذلك على خلفية الحروب الكارثية التي خاضها نظام صدام البائد و دفع ثمنها الشعب العراقي.. لكن العبرة في مرحلة ما بعد السقوط.ففي الوقت كانت الآمال معلقة على التغيير و إسقاط نظام صدام لتشكيل نظام حكم منبثق من الشعب العراقي،لوجود جماعات و تيارات معارضة،و تدير الحكم وفق نظام تعددي – ديمقراطي و عادل الى حدٍ ما،يعوّض ما عاناه و لاقاه العراقيون طيلة العقود الماضية.
لكن الصدمة كانت في مشاهد السرقة من الدوائر الحكومية و المراكز العسكرية،حيث تعرضت هذه الأماكن الى نهب الممتلكات العامة،و ايضاً أنواع مختلفة من السلاح و الذخيرة.
و النتيجة؛أن صداماً زال و مات،لكنه خلّف من جملة ما خلفه،هذا الداء الاجتماعي الوبيل.
و ما يثير اكثر من تساؤل؛لامبالاة فصائل المعارضة التي تحولت الى أطراف سياسية حاكمة في الدولة الجديدة،إزاء استمرار داء الفساد مستشرياً في الكيان العراقي،حتى و إن كان مسبباً لأعمال العنف و اللااستقرار على المدى البعيد.
نعم؛بعد بضعة سنين من الإطاحة بنظام صدام،وجد أهل الحكم في العراق،أن أرقام الاختلاسات في الوزارات باتت تُعد بالمليارات من الدولارات،فيما الشباب المتخرج من الجامعة يبحث عن فرصة عمل،و ما تزال المدارس الطينية تضم بين جدرانها التلاميذ،و الفقر و البطالة و انعدام الخدمات و التخلف يخيّم على العراق بشكل عام.
بدأت مساعي جديدة للتخفيف من وطأة هذه المظاهر المحزنة و السيئة عن وجه العراقيين،لكن ليس لمعالجة داء الفساد و اجثاثه من جذوره،كما يجتثون من يتهمونه بالانتماء الى "حزب البعث" البائد..! فبدأت الحكومة بإغداق الوظائف و فرص العمل و المنح و المساعدات بأعداد هائلة،حتى بدا للمتابع أن الهدف و الغاية من كل ذلك،هو تهدئة الخواطر مما يسمعه الناس من أرقام الاختلاس الضخمة،و هم جالسون في بيوتهم يندبون حظهم العاثر مع هذا النظام الحاكم.
و إلا ما الفرق بين الاختلاس الذي كان بطله حازم الشعلان،أول وزير الدفاع في "النظام الديمقراطي" و يقدر بمليار دولار عام 2004،و بين الاختلاس المريع بملايين الدولارات في صفقة شراء أجهزة السونار المزيفة في الآونة الاخيرة..؟
و الحقيقة؛ليس بوسع الإعلام الوقوف باطمئنان على أرقام دقيقة و حقيقية لحجم الاختلاس الذي ارتكبه المسؤولون في العراق خلال السنوات الماضية،نذكر منها ما ورد في موقع "عراق الغد" على شبكة الانترنيت ليوم 26/2/2012 و هي تصريحات لعدد من الاشخاص حول الفساد و منها ما ذكره السيد احمد الجلبي حيث قال بأن ميزانية الدولة بلغت نحو 400 مليار دولار في خمس سنوات و الناتجة عن ارتفاع الاسعار العالمية للنفط،و تساءل العديد من الاشخاص بضمنهم الجلبي،ترى أين ذهبت هذه الاموال؟ انه رقم كبير و ضخم للغاية،تتحسّر عليه دول كثيرة في العالم محرومة من ثروة النفط، بينما ما تزال أبسط خدمة تواجه عقدة عجيبة و مستعصية،و هي خدمة الكهرباء في العراق،كما تعجز الحكومة عن توفير المفردات الأساسية للبطاقة التموينية،رغم تقليصها في الآونة الاخيرة.
إن الخبراء و المتابعين للشأن الاجتماعي و السياسي في العراق،بل في سائر البلاد الاسلامية المبتلاة بهذا الداء،يؤكدون أن الفساد الاداري و المالي إن لم يجتث من جذوره فانه يسبب بنشوء و استفحال داء آخر،و هو العنف و القسوة بين أوساط الناس،و هذا يبدو أمراً بديهياً،فالمسؤول المتنفذ و القادر على الابتزاز و الضغط،سيدفع المواطن العادي الى التعويض عما لحق به خسارة معنوية في كرامته و حقوقه،بممارسة نفس الابتزاز و الضغط بأشكاله المختلفة على الآخرين،و النتيجة استمرار الفساد و معه ايضاً حالة العنف و الاضطراب و اللا استقرار في البلد.
.........
من هنا نجد الباحثون يشيرون على عوامل عدة لابد ان تجتمع لمعالجة هذه الداء منها:
1- العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ما أمكن،و تضييق الفجوة الطبقية.
2- إعادة النظر بالحصانة الوظيفية التي يمارسها رؤساء الدوائر في حماية موظفيهم من المحاسبة، حيث يبالغ البعض في توفير الحماية،مما يجعل ذلك حجر عثرة في الجهود الرامية لمكافحة الفساد، فالحصانة هنا،لتوفير الحماية القانونية للموظفين من الدعاوى الكيدية المرفوعة ضدهم،على أن لا يتم استغلال ذلك لحماية المفسدين.
3- سن قوانين جديدة تضع أطر خاصة و محددة لصرف الاموال العامة.
4- تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في محاسبة و مكافحة الفساد الاداري،و عدم الوقوف بوجهها بحجة التسييس او غير ذلك.
و إلا فان هذه المنظمات في النظام الديمقراطي تبقى إطاراً دون محتوى،ما لم تترك أثرها على السلوك الاجتماعي و الأداء الحكومي،و التأثير على سياسات الدولة بالضغط عليها لسن تشريعات و إجراءات تحد من الفساد و الغش و التلاعب بالمال العام.
5- ثم يأتي دور الإعلام ليكون مكملاً لكل هذه الجهود و غيرها،على شرط ان تتوفر لديه الاجواء المهنية كاملة ليمارس دوره في نشر الحقيقة و إشاعة الوعي و الثقافة البناءة،بحيث يخشاها كل من تسوّل له نفسه التطاول على حقوق الشعب،مهما كان منصبه و الجهة التي تقف خلفه.
و لابد من القول هنا؛أن الشعب العراقي،و ربما سائر الشعوب الاسلامية،ليست ميّالة بالأساس و الفطرة الى العنف و القسوة،إنما الظروف الاقتصادية و المعيشية القاسية هي التي تلقي بظلالها على الوضع النفسي لهم..فنحن لم نشهد في بلادنا ما يسمى في الغرب بـ "عصابات الجريمة المنظمة"،و لا السرّاق و اللصوص المحترفين،إنما هي ردود فعل لضغوط تمارس عليهم و لابد أن تزول إذا كانت هنالك حقاً نوايا صادقة لتحقيق الاستقرار و الأمان و البناء في العراق.
......
شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 25/آيار/2013