إيران و إسرائيل – عداء مصطنع و عُقد تاريخية
........
منذ سنوات،و إيران و إسرائيل تبدوان في حالة من العداء المتبادل.
دراسة جديدة تتناول جذور هذا الصراع و تخلص إلى استنتاجات مذهلة عن طبيعة العداوة بين الطرفين و تطوراتها في المجتمعين الإيراني و الإسرائيلي.
إسرائيل هي "السرطان الذي لا بد من إزالته"،كما هدد مؤخرا علي خامنئي،المرشد الأعلى في إيران.
كل من هو في حالة حرب مع "النظام الصهيوني" يمكنه الاعتماد على مساعدة بلاده،يؤكد خامنئي،الذي يشغل أيضا منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية.
و على الجانب الآخر،يكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحذيره باستمرار و كأنه تعويذة: "لن نسمح لإيران بتطوير القنبلة – لأن إيران المسلحة نوويا تمثل تهديدا وجوديا لدولة إسرائيل".
و يضيف: "لن أترك شعبي يعيش تحت وطأة التهديد بانقراض وشيك".
و كخطوة أخيرة يجب أن تدافع عن نفسك بضربة استباقية،كما يستخلص نتنياهو.
........
من حلفاء إلى أعداء
و لكن لماذا يقف البلدان في موضع عداء متبادل؟ خاصة،و أن العلاقات بينهما كانت جيدة جدا حتى سنوات السبعينات من القرن الماضي.
حيث كان بينهما تعاون اقتصادي و دبلوماسي و عسكري أيضا.
الباحث جاد يائير يعمل حاليا مع زميل إيراني على دراسة اجتماعية حول هذا الموضوع.
تعرف الأكاديميان على بعضهما خلال أحد المؤتمرات في أوروبا،و هناك خطرت لهما فكرة إنجاز هذا البحث.
الدراسة المشتركة التي انتهيا من إعدادها و لم تنشر بعد،تحمل عنوان "من الصدمة الثقافية إلى الحرب النووية - توضيحات بشأن الصراع الإيراني الإسرائيلي".
و سيتم نشر الدراسة دون ذكر اسم عالم الاجتماع الإيراني،خوفا من تعرضه للقمع.
كلا الباحثين توصلا إلى استنتاج مفاده أن كلا الشعبين يعانيان من صدمة ثقافية نشأت من التاريخ الخاص بهما،رغم عدم وجود أي علاقة مع العدو المفترض. "إيران تقاتل ضد الهيمنة الأجنبية،و إسرائيل تحارب ضد الخوف من انتهاء وجودها"، كما يلخص يائير هذه الظاهرة.
إيران – كانت يوما ما إمبراطورية عملاقة – "تعاني من تأثيرات قرون طويلة من تدخل القوى الأجنبية".
المغول بقيادة جنكيز خان،و العثمانيون،و البريطانيون و الروس،كل هذه القوى ساهمت في التدخل في إيران،مثلها مثل الولايات المتحدة،التي تدخلت مرارا في شؤون البلاد بشكل فاعل،كما يقول يائير.
على سبيل المثال،تمت الإطاحة برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق عام 1953،و بمساعدة من الغرب أعيدت ديكتاتورية الشاه مجددا.
يضاف إلى هذه الإهانات ضد المواقف الوطنية تلك العقوبات التي فرضتها الدول الصناعية الغربية قبل سنوات،بسبب برنامج التسلح النووي الإيراني المفترض.
و البرنامج النووي – وفقا لدراسة الباحثين – هي محاولة من إيران لامتلاك قوة ردع تجعل منها قوة عظمى لا يمكن المساس بها.
أي كما كانت خلال "الماضي المجيد" للإمبراطورية الفارسية.
غير أن إسرائيل "كممثل غربي في الشرق الأوسط و كحليف للولايات المتحدة" أصبحت بالنسبة لإيران رمزا للعداء.و حتى احتلال الأراضي الفلسطينية يتم استغلاله باستمرار في إيران للتنديد "بالعدو إسرائيل".
........
الخوف من الانقراض
"و بالمقابل فهناك لدى الإسرائيليين شعور دائم بالخوف من الانقراض"،كما يقول الباحث يائير.
كما لم يقدم الدين مساعدة نفسية للإبتعاد عن ذلك الشعور– لأن كثيرا من الأعياد الدينية تُذكر بالرق و الطرد و النفي،حيث تتحرك في الذاكرة الجماعية صورة المذابح التي تعرض لها اليهود في القرنين التاسع عشر و العشرين،إضافة للمحرقة (الهولوكوست).
"و هكذا تصيب إيران بتهديداتها اللفظية و برنامجها النووي هذه النقطة الحساسة".
فتستيقظ ذكريات المعاناة خلال النظام النازي،لأن هناك سياسيين إيرانيين ينكرون المحرقة،مثل الرئيس المنتهية ولايته أحمدي نجاد.
و كل ذلك يؤدي إلى الموقف الثابت للسياسة الإسرائيلية،و التي تؤكد باستمرار حقها في الدفاع عن النفس.
"لن يقبل اليهود أبدا بالاستسلام مرة أخرى دون أن يقاتلوا حتى النهاية"،كما يصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
نتيجة لشعورهما بالصدمة التي تسببت بها أطراف ثالثة،فكلا الشعبين يعانيان من عدم القدرة على تصويب صورة الآخر،كما تؤكد الدراسة الاجتماعية.
و هكذا يقول أستاذ علم الاجتماع يائير: "إن أشباح الماضي أقوى من التهديد الفعلي".
و للخروج من هذه المعضلة،"يجب على المجتمع الدولي إعطاء إيران سيادتها.كما إن إسرائيل تحتاج إلى التزام واضح من قبل القيادة الإيرانية،و الاعتراف بوجودها و مستقبلها".
و رغم الوضع السياسي يمكن الحديث عن رابط بين الإيرانيين و الإسرائيليين،و هذا ما أكدته حملة الفيسبوك،التي أطلقها مصمم الغرافيك روني إدري من تل أبيب عام 2012 و الذي قال:"تعبتُ من أن أكون كرةً يتقاذفها السياسيون".
ثم يضيف قائلا: "كلا الجانبين يستغلان مخاوف الشعب".
و من هنا انطلقت فكرته البسيطة و المؤثرة عندما وضع صورة شخصية له على شبكة الانترنت بعنوان: "أيها الإيرانيون – لن نقوم بقصف بلدكم – نحن نحبكم".
و جاء في النص الذي كتبه إدري: "حتى يتم الوصول أصلا إلى حرب،من المفترض أن يكون هناك وضع يتسم بالخوف و الكراهية بيننا.غير أني لست خائفا منكم،و أنا لا أكرهكم.أنا لا أعرفكم لكي أكرهكم !".
و كان نجاح هذه الحملة ساحقا،و لازال مستمرا حتى اليوم.و بذلك "نشأ حوار بين شعبي البلدين"،حسب قول إدري (41 عاما).
قد ينتقد بعض الناس مثل هذه المبادرة و يصفها بالسذاجة.
و لكن روني إدري لا يأبه بذلك النقد،و يضيف: "إن الناس في كلا البلدين يكنون الاحترام و التقدير لبعضهم البعض.و هذا يساهم في تغيير صورة الآخر لديهم".
و عبر ذلك يمكن التخلص من المواقف العدائية.
.........
03.07.2013
موقع صوت ألمانيا
عالم الاجتماع جاد يائير: واحد من باحثين اثنين،أعدا دارسة تحليلية للصدمة الوطنية في كل من إيران و إسرائيل
روني إدري: "لست كرة يتقاذفها السياسيون"
........
منذ سنوات،و إيران و إسرائيل تبدوان في حالة من العداء المتبادل.
دراسة جديدة تتناول جذور هذا الصراع و تخلص إلى استنتاجات مذهلة عن طبيعة العداوة بين الطرفين و تطوراتها في المجتمعين الإيراني و الإسرائيلي.
إسرائيل هي "السرطان الذي لا بد من إزالته"،كما هدد مؤخرا علي خامنئي،المرشد الأعلى في إيران.
كل من هو في حالة حرب مع "النظام الصهيوني" يمكنه الاعتماد على مساعدة بلاده،يؤكد خامنئي،الذي يشغل أيضا منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية.
و على الجانب الآخر،يكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحذيره باستمرار و كأنه تعويذة: "لن نسمح لإيران بتطوير القنبلة – لأن إيران المسلحة نوويا تمثل تهديدا وجوديا لدولة إسرائيل".
و يضيف: "لن أترك شعبي يعيش تحت وطأة التهديد بانقراض وشيك".
و كخطوة أخيرة يجب أن تدافع عن نفسك بضربة استباقية،كما يستخلص نتنياهو.
........
من حلفاء إلى أعداء
و لكن لماذا يقف البلدان في موضع عداء متبادل؟ خاصة،و أن العلاقات بينهما كانت جيدة جدا حتى سنوات السبعينات من القرن الماضي.
حيث كان بينهما تعاون اقتصادي و دبلوماسي و عسكري أيضا.
الباحث جاد يائير يعمل حاليا مع زميل إيراني على دراسة اجتماعية حول هذا الموضوع.
تعرف الأكاديميان على بعضهما خلال أحد المؤتمرات في أوروبا،و هناك خطرت لهما فكرة إنجاز هذا البحث.
الدراسة المشتركة التي انتهيا من إعدادها و لم تنشر بعد،تحمل عنوان "من الصدمة الثقافية إلى الحرب النووية - توضيحات بشأن الصراع الإيراني الإسرائيلي".
و سيتم نشر الدراسة دون ذكر اسم عالم الاجتماع الإيراني،خوفا من تعرضه للقمع.
كلا الباحثين توصلا إلى استنتاج مفاده أن كلا الشعبين يعانيان من صدمة ثقافية نشأت من التاريخ الخاص بهما،رغم عدم وجود أي علاقة مع العدو المفترض. "إيران تقاتل ضد الهيمنة الأجنبية،و إسرائيل تحارب ضد الخوف من انتهاء وجودها"، كما يلخص يائير هذه الظاهرة.
إيران – كانت يوما ما إمبراطورية عملاقة – "تعاني من تأثيرات قرون طويلة من تدخل القوى الأجنبية".
المغول بقيادة جنكيز خان،و العثمانيون،و البريطانيون و الروس،كل هذه القوى ساهمت في التدخل في إيران،مثلها مثل الولايات المتحدة،التي تدخلت مرارا في شؤون البلاد بشكل فاعل،كما يقول يائير.
على سبيل المثال،تمت الإطاحة برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق عام 1953،و بمساعدة من الغرب أعيدت ديكتاتورية الشاه مجددا.
يضاف إلى هذه الإهانات ضد المواقف الوطنية تلك العقوبات التي فرضتها الدول الصناعية الغربية قبل سنوات،بسبب برنامج التسلح النووي الإيراني المفترض.
و البرنامج النووي – وفقا لدراسة الباحثين – هي محاولة من إيران لامتلاك قوة ردع تجعل منها قوة عظمى لا يمكن المساس بها.
أي كما كانت خلال "الماضي المجيد" للإمبراطورية الفارسية.
غير أن إسرائيل "كممثل غربي في الشرق الأوسط و كحليف للولايات المتحدة" أصبحت بالنسبة لإيران رمزا للعداء.و حتى احتلال الأراضي الفلسطينية يتم استغلاله باستمرار في إيران للتنديد "بالعدو إسرائيل".
........
الخوف من الانقراض
"و بالمقابل فهناك لدى الإسرائيليين شعور دائم بالخوف من الانقراض"،كما يقول الباحث يائير.
كما لم يقدم الدين مساعدة نفسية للإبتعاد عن ذلك الشعور– لأن كثيرا من الأعياد الدينية تُذكر بالرق و الطرد و النفي،حيث تتحرك في الذاكرة الجماعية صورة المذابح التي تعرض لها اليهود في القرنين التاسع عشر و العشرين،إضافة للمحرقة (الهولوكوست).
"و هكذا تصيب إيران بتهديداتها اللفظية و برنامجها النووي هذه النقطة الحساسة".
فتستيقظ ذكريات المعاناة خلال النظام النازي،لأن هناك سياسيين إيرانيين ينكرون المحرقة،مثل الرئيس المنتهية ولايته أحمدي نجاد.
و كل ذلك يؤدي إلى الموقف الثابت للسياسة الإسرائيلية،و التي تؤكد باستمرار حقها في الدفاع عن النفس.
"لن يقبل اليهود أبدا بالاستسلام مرة أخرى دون أن يقاتلوا حتى النهاية"،كما يصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
نتيجة لشعورهما بالصدمة التي تسببت بها أطراف ثالثة،فكلا الشعبين يعانيان من عدم القدرة على تصويب صورة الآخر،كما تؤكد الدراسة الاجتماعية.
و هكذا يقول أستاذ علم الاجتماع يائير: "إن أشباح الماضي أقوى من التهديد الفعلي".
و للخروج من هذه المعضلة،"يجب على المجتمع الدولي إعطاء إيران سيادتها.كما إن إسرائيل تحتاج إلى التزام واضح من قبل القيادة الإيرانية،و الاعتراف بوجودها و مستقبلها".
و رغم الوضع السياسي يمكن الحديث عن رابط بين الإيرانيين و الإسرائيليين،و هذا ما أكدته حملة الفيسبوك،التي أطلقها مصمم الغرافيك روني إدري من تل أبيب عام 2012 و الذي قال:"تعبتُ من أن أكون كرةً يتقاذفها السياسيون".
ثم يضيف قائلا: "كلا الجانبين يستغلان مخاوف الشعب".
و من هنا انطلقت فكرته البسيطة و المؤثرة عندما وضع صورة شخصية له على شبكة الانترنت بعنوان: "أيها الإيرانيون – لن نقوم بقصف بلدكم – نحن نحبكم".
و جاء في النص الذي كتبه إدري: "حتى يتم الوصول أصلا إلى حرب،من المفترض أن يكون هناك وضع يتسم بالخوف و الكراهية بيننا.غير أني لست خائفا منكم،و أنا لا أكرهكم.أنا لا أعرفكم لكي أكرهكم !".
و كان نجاح هذه الحملة ساحقا،و لازال مستمرا حتى اليوم.و بذلك "نشأ حوار بين شعبي البلدين"،حسب قول إدري (41 عاما).
قد ينتقد بعض الناس مثل هذه المبادرة و يصفها بالسذاجة.
و لكن روني إدري لا يأبه بذلك النقد،و يضيف: "إن الناس في كلا البلدين يكنون الاحترام و التقدير لبعضهم البعض.و هذا يساهم في تغيير صورة الآخر لديهم".
و عبر ذلك يمكن التخلص من المواقف العدائية.
.........
03.07.2013
موقع صوت ألمانيا
عالم الاجتماع جاد يائير: واحد من باحثين اثنين،أعدا دارسة تحليلية للصدمة الوطنية في كل من إيران و إسرائيل
روني إدري: "لست كرة يتقاذفها السياسيون"