الجزائر...اضطرابات ما قبل التغيير
........
بعد عودة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من رحلة علاج في فرنسا دامت قرابة ثلاثة أشهر بدا متعبا وعلى كرسي متحرك، مما اثار علامات استفهام عديدة حول أمكانية بوتفليقة على تسيير البلد خلال الاونة المقلبة.
فلم تعد ثقة الجزائريين بسلامة وضعه الصحي وقدرته على ممارسة مهامه، لاسيما وان هناك تسعة أشهر تفصل الجزائر عن موعد الانتخابات الرئاسية، وبينما ترى أطراف كثيرة أن الجزائر دخلت في مرحلة ما بعد بوتفليقة، تعيش الساحة السياسية الجزائرية حالة غليان بسبب صراع يجري خلف الكواليس الذي يتعلق بالانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجري في العام المقبل، والتي تشكل ساحة مواجهات خفية بين أطراف كثيرة لا يمكنها إلا أن تؤثر وبعمق على الوضع العام في البلد، فيما تتداول الساحة السياسية مجموعة أسماء لخلافته أكثرها تشكل خيارات أمام المؤسسة العسكرية، وحينما يذكر المراقبون قائمة الشخصيات المرشحة للرئاسيات المقبلة لطالما ذكر فيها عبد القادر بن صالح، وهو الأمين العام بالنيابة للتجمع الوطني الديموقراطي، ثاني أكبر أحزاب الموالاة من حيث عدد المقاعد في البرلمان.
ويشار إلى أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وصل إلى سدة الحكم بالجزائر بعد الحرب الأهلية الطاحنة ضد الإسلاميين في البلاد والتي يعتقد أنه راح ضحيتها نحو 200 ألف شخص، وأن المخاوف تتزايد داخل الشارع الجزائري بأن رحيل بوتفليقة سيعني عودة البلاد إلى المواجهة مع الإسلاميين وخصوصا بعد وصول جماعات إسلامية للسلطة في دول مجاورة شهدت الربيع العربي، وعليه تلوح العديد من التحديات بشأن قيادة البلاد الجزائرية خلال الآونة القليلة المقلبة في ظل الحالة الصحية الصعبة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مما اثار تكهنات وتساؤلات كثيرة حول كيفية ادارة البلاد في المرحلة المقلبة.
........
التساؤلات مطروحة
فقد عاد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الى بلاده بعد ثمانين يوما من العلاج في فرنسا ما يسمح بتمرير بعض الملفات التي تحتاج انعقاد مجلس الوزراء تحت رئاسته، لكن ذلك لم يمنع التساؤلات عن قدرته على اتمام ولايته الرئاسية تسعة اشهر اخرى اوحتى القيام بالواجبات التي يفرضها منصبه، وبث التلفزيون الحكومي صورا لبوتفليقة بعد عودته داخل قاعة الشرف في المطار العسكري ببوفاريك (30 كلم غلاب الجزائر) لكن لم يتم بث صور له وهو ينزل من الطائرة كما في 2005 عند عودته من رحلة العلاج الاولى.
وظهر الرئيس الجزائري في الصور التي بثها التلفزيون جالسا على كرسي متحرك، وحرك يده اليمنى قليلا كما سمع صوته الخافت وهو يرد على رئيس الوزراء بالقول "ان شاء الله" دون ان يفهم ما قاله الاول، وكانت صور مشابهة للرئيس الجزائري بثها التلفزيون خلال زيارة الوزير الاول عبد المالك سلال له يرافقه رئيس اركان الجيش الفريق قايد صالح في 11 حزيران/يونيو، لطمأنة الراي العام بعد نشر اخبار حول تدهور حالته الصحية ودخوله في غيبوبة.
لكن الصور كان لها رد فعل عكسي لدى الجزائريين، خاصة ان البيان الطبي حول صحة الرئيس بوتفليقة الذي سبق بث الصور تحدث لاول مرة عن اصابته بجلطة دماغية طفيفة، وكان لصور عودته نفس رد الفعل في الصحف الجزائرية الصادرة، حيث تساءلت عن مدى قدرته على الاستمرار في الحكم ، بعد ان اكد بيان رئاسة الجمهورية انه "سيكمل فترة راحة واعادة تاهيل" في الجزائر، دون تحديد لمدة هذه الفترة ولا مكان خلوده للراحة. بحسب فرانس برس.
وكتبت صحيفة الوطن المعروفة بانتقادها للسلطة ان "الشكوك حول قدرته على تسيير البلد كاملة (...) وحتى وان كان من المؤكد ان بوتفليقة لن يترشح لولاية رئاسية رابعة، فهل يملك القدرة على الاستمرار في الحكم الى نهاية ولايته المقررة في نيسان/ابريل 2014؟".
وتراجعت فرص ترشح بوتفليقة (76 سنة) لولاية رابعة بسبب مشاكله الصحية التي بدات منذ اصابته بنزيف في المعدة في 2005 ولم تنته فعليا ابدا، على الرغم من ان مؤيديه مازالوا يعتقدون انه يمكن ان يترشح، لانه لم يعلن موقفه بعد/ فحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم والذي يرأسه بوتفليقة يرفض اي حديدث عن مرشح آخر غير الرئيس "مادام لم تعلن صراحة انه لن يترشح" كما اكد منسق المكتب السياسي في الحزب عبد الرحمان بلعياط/ كما ان وزير البيئة ورئيس حزب الحركة الشعبية عمارة بن يونس يردد في كل لقاءاته مع مناضليه انه "يدعم ترشح بوتفليقة لولاية رابعة".
وحرص بوتفليقة خلال اقامته في مستشفى فال دوغراس او ليزانفاليد على ضمان تواجده في الساحة السياسية الداخليو والخارجية من خلال التوقيع على المراسيم الرئاسية واصدار العفو عن المساجين وارسال برقيات التهاني لنظرائه في الخارج.
لكن ما اثار الانتباه هو غياب رئيس الجمهورية لاول مرة عن الاحتفالات بعيد الاستقلال في 5 تموز/يوليو وحفل تقليد الرتب والاوسمة لكبار ضباط الجيش باعتباره وزيرا للدفاع والقائد الاعلى للقوات المسلحة. وقد ناب عنه في هذه المهمة الفريق قايد صالح، ومنذ تعديل الدستور في 2008 اصبح رئيس الجمهورية هو من يراس مجلس الوزراء الذي لا ينعقد بدونه، وهو المخول بدراسة مشاريع القوانين قبل ارسالها الى البرلمان/ وكان التساؤل الاكبر هو مصير حول قانون المالية التكميلي الذي يحدد الميزانية الاضافية للدولة والذي "يمر حتميا عبر مجلس الوزراء" كما اكد ذلك رئيس مجلس الامة عبد القادر بن صالح لصحيفة الخبر، وسيكون ذلك الملف الاكثر الحاحا بالاضافة الى حركة تحويل السفراء وتعيين السفراء الجدد ووكذلك القضاة والولاة.
اما الملف الاكبر فهو مشروع تعديل الدستور الذي وعد به غداة احداث الربيع العربي والذي اسند الى لجنة فنية "انهت عملها" بحسب بن صالح، وتنتظر عودة الرئيس لتسلمه مشروع الدستور الجديد ليقرر ان كان سيعرضه للاستفتاء الشعبي اويكتفي بمصادقة البرلمان عليه، ومن اهم ما طالبت المعارضة بتعديله تحديد عدد الولايات الرئاسية باثنتين كما في دستور 1996 قبل ان يعدله بوتفليقة في 2008 ليتمكن من الترشح لولاية ثالثة في 2009.
ودفع عدم تحديد بوتفليقة موقفه من الانتخابات الرئاسية في 2014 اغلب الشخصيات التي تطمح الى الترشح، الى العزوف عن اعلان ترشحها ما عدا رئيس الوزراء السابق احمد بن بيتور الذي اختار الترشح مستقلا وبدعم من "المجتمع المدني" بعيدا عن الاحزاب السياسية، وكان بوتفليقة اعلن بنفسه في ايار/مايو 2012 ان "عهد حكم جيله قد ولى" ويجب ان يسلم المشعل، ما تم تفسيره على انه انسحاب من السلطة. لكن "الاقوال لم تتبعها الافعال" كما علق مدير صحيفة ليبرتي عبروس اوتودرت في افتتاحية الصحيفة.
.......
هل حان الرحيل؟
على الصعيد نفسه نقل تقرير نشر على مجلة تايم الأمريكية على لسان المحلل السياسي رشيد غريم تصريحه لصحيفة الوطن الجزائرية: "هناك ما هو جديد في تصريح الرئاسة عن صحة بوتفليقة البالغ من العمر 76 عاما هذه المرة،" مشيرا إلى أن الأمور والوعكات الصحية السابقة لم يتم الإعلان عنها للعامة بهذا الشكل، وأضاف غريم: "يُفهم من هذه الرسالة أنه مريض، ولكن حياته ليست في خطر،" مشيرا إلى أنه يعتقد أن النظام الجزائري قد اختار مسبقا شخصا ليتولى زمام السلطة في حال فقد بوتفليقة أهليته للحكم. بحسب السي ان ان.
ومن جهته قال المحلل السياسي، ريكاردو فابيانو: "مؤسسة الاستخبارات الجزائرية تريد لخليفة بوتفليقة أن يسير على طريقتها،" حيث أن خليفة بوتفليقة يعتبر بغاية الأهمية لمستقبل البلاد الغنية بموارد النفط والغاز، في الوقت ذاته تعاني من مشاكل اقتصادية عديدة في مقدمتها البطالة، وهو الأمر الذي قد يشعل فتيل احتجاجات واسعة ضد الرئيس المقبل لتدخل الجزائر ضمن دول ما بات يعرف بـ"الربيع العربي".
........
من يخلف بوتفليقة؟
في سياق متصل يعود اسم علي بن فليس منافس بوتفليقة في رئاسيات 2004 إلى الواجهة، أعلن أحمد بن بيتور رئيس الحكومة السابق رسميا عن نيته الترشح لانتخابات أبريل/نيسان المقبل، بينما تطالب عدة أحزاب جزائرية بما فيها أحزاب كانت ضمن الائتلاف الرئاسي بضرورة إعلان حالة شغور منصب الرئيس، ودعت تلك الأحزاب وبينها حركة مجتمع السلم التي تمثل الإخوان المسلمين في الجزائر إلى انتخابات مبكرة، فيما يعتبر عبد المالك من أقوى مرشحي السلطة الساسية والعسكرية لخلافة بوتفليقة حتى الآن،
وفي الوقت الذي تتحفظ فيه الأحزاب ذاتها عن الافصاح عن مرشحها مفضلة انتظار التعديلات التي ستقترحها لجنة تعديل الدستور، كان أحمد بن بيتور رئيس الحكومة الجزائرية السابق أول من بادر إلى الإعلان عن نيته الترشح لرئاسية أبريل/نيسان 2014.
وقال بن بيتور لبي بي سي إنه حضّر للانتخابات الرئاسية منذ شهر ديسمبر/كانون الأول من السنة الماضية، نافيا أن "يأتي التعديل الدستوري بأي جديد، لأن التغيير سيأتي لصالح النظام الذي أحدثه"، وأضاف رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق قائلا "لا ننسى أن الدولة الجزائرية اليوم هي دولة مميعة لذلك لا يمكن للنظام ولا للأوضاع أن تبقى في نفس الحالة، بل يجب أن يحدث تغيير، وأنا مستعد لهذا التغيير ولدي وسائلي وأرى أن الانتخابات القادمة ستكون شفافة لأن النظام لا يملك بديلا".
لكن أصواتا أخرى في الجزائر تقول إن ترشح بن بيتور "سابق لأوانه"، فمؤهلات رجل الدولة العصري التي يتمتع بها لا تتناسب وواقع الرئاسيات القادمة التي ستعتمد على "رئيس تصريف أمور".
ويقول العربي زواق، الاعلامي والمحلل السياسي الجزائري، في حديث لبي بي سي "إن السمة الغالبة للسلطة الجزائرية منذ مرض الرئيس هي الهروب إلى الأمام إذ لا يعرف أحد في هذا البلد حقيقة وضعه بينما تحول عبد المالك سلال رئيس الوزراء الجزائري إلى رئيس فعلي يقوم بمهام بوتفليقة في الميدان"، ويضيف بأن "الرئيس الذي سينتخب السنة القادمة سيسير أول مرحلة انتقالية في تاريخ البلد منذ أحداث 1988 بعد أن عاشت الجزائر منذ ذلك التاريخ وحتى الآن في حالة ترقب"، وتمثل سنة 1988 بداية منعرج سياسي حاسم فتح أبواب التعددية أمام الجزائريين قبل أن يسقط البلد في حرب أهلية دامية استمرت أكثر من عقد من الزمن، "لو كان الاختيار بيد بوتفليقة وحده لكان الجنرال عبد الغني الهامل رئيس الجزائر المقبل".
ويعتبر زواق أن "خمسة أسماء رئيسية مطروحة اليوم لخلافة بوتفليقة أهمها عبد المالك سلال رئيس الوزراء الحالي، ثم الشريف رحماني وزير الصناعة، وأحمد أويحيى رئيس الوزراء الأسبق، مع تسجيل عودة علي بن فليس رئيس الحكومة السابق إلى الواجهة، وأخيرا الجنرال عبد الغني الهامل المدير العام للأمن الوطني"، ويرى أن "عبد المالك سلال هو المرشح الأقوى باعتباره محل اتفاق بين الجيش وبوتفليقة ذلك أن مرشح الوفاق هو ما يناسب المرحلة الانتقالية المقبلة للجزائر"، ويعزي زواق سبب قوة سلال إلى أنه "ليس مثيرا للمشاكل وعلى علاقة سلمية بالعسكر كما أنه أيضا على علاقة جيدة بالرئيس بوتفليقة وسيضمن له ولعائلته خروجا هادئا من السلطة".
وغير بعيد عن سلال يتداول بقوة اسم الشريف رحماني، وزير الصناعة الحالي الذي تقلد عدة مناصب وزارية واستراتيجية في الدولة من بينها محافظ الجزائر الكبرى، كما طرح اسمه أكثر من مرة لخلافة أحمد أويحيى على رئاسة حزب التجمع الوطني الديموقراطي (أرندي) أحد الأحزاب الرئيسية في السلطة، وهو يشتهر بكفاءته كرجل إدارة.
أما أحمد أويحيى رئيس الوزراء السابق فيشكل بدوره أحد الخيارات المطروحة على قائمة العسكر وهو معروف بقربه من المؤسسة العسكرية وتنفيذه لسياسة بوتفليقة الذي أبقاه في منصبه كرئيس حكومة مرتين قبل أن يعينه وزيرا أولا. وشغل أويحي منصب رئيس الحكومة أربع مرات منذ سنة 1995 وحتى 2012.
لكن الصحافة المحلية تصف أويحيى بأنه "رجل المهمات القذرة" كما تصفه الصحافة المحلية، ويأخذ عليه عدم شعبيته لدى الجزائريين الذين يحملونه مسؤولية الأزمة الاجتماعية الطاحنة التي عاشوها سنوات التسعينات عندما أغلق أويحيى عدة شركات حكومية وسرح مئات العمال وأجرى اقتطاعات مالية من أجور من نجا من البطالة منهم.
كما تسجل عودة اسم علي بن فليس إلى الساحة السياسية الجزائرية يدعمه تيار قوي داخل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم.
إلى ذلك تضاف أسماء أقل وزنا وأهمية و"بالتالي حظا" في قائمة خيارات السلطة السياسية والعسكرية مثل عبد العزيز بلخادم رئيس الحكومة السابق الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الذي فقد منصبه في الحزب بعد سحب الثقة منه في يناير /كانون الثاني من السنة الجارية. بحسب البي بي سي.
إلى جانب عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة والرقم الثاني في الدولة الجزائرية دستوريا، لكن حظوظه في تولي رئاسة الجمهورية قليل نتيجة "عدم حيازته على جنسية جزائرية أصلية" حيث يقول زواق إن "جنسيته الأصلية مغربية"، ويلاحظ أن أغلب الأسماء المتداولة هي من الجيل الثاني من السياسيين الذين لا تربطهم علاقة مباشرة بـ"جيل الثورة" الذي قاد مقاليد الحكم في الجزائر منذ استقلالها، لكن العربي زواق وآخرين يراهنون على انتخابات 2018 ويرون بأنها ستكون أول انتخابات رئاسية يختار فيها الجزائريون رئيسهم حقا لأنها ستكون خالية من "رموز النظام" فخارطة السلطة في الجزائر حينها ستتغير بحكم الواقع وفعل الزمن.
.......
شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/تموز/2013
........
بعد عودة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من رحلة علاج في فرنسا دامت قرابة ثلاثة أشهر بدا متعبا وعلى كرسي متحرك، مما اثار علامات استفهام عديدة حول أمكانية بوتفليقة على تسيير البلد خلال الاونة المقلبة.
فلم تعد ثقة الجزائريين بسلامة وضعه الصحي وقدرته على ممارسة مهامه، لاسيما وان هناك تسعة أشهر تفصل الجزائر عن موعد الانتخابات الرئاسية، وبينما ترى أطراف كثيرة أن الجزائر دخلت في مرحلة ما بعد بوتفليقة، تعيش الساحة السياسية الجزائرية حالة غليان بسبب صراع يجري خلف الكواليس الذي يتعلق بالانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجري في العام المقبل، والتي تشكل ساحة مواجهات خفية بين أطراف كثيرة لا يمكنها إلا أن تؤثر وبعمق على الوضع العام في البلد، فيما تتداول الساحة السياسية مجموعة أسماء لخلافته أكثرها تشكل خيارات أمام المؤسسة العسكرية، وحينما يذكر المراقبون قائمة الشخصيات المرشحة للرئاسيات المقبلة لطالما ذكر فيها عبد القادر بن صالح، وهو الأمين العام بالنيابة للتجمع الوطني الديموقراطي، ثاني أكبر أحزاب الموالاة من حيث عدد المقاعد في البرلمان.
ويشار إلى أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وصل إلى سدة الحكم بالجزائر بعد الحرب الأهلية الطاحنة ضد الإسلاميين في البلاد والتي يعتقد أنه راح ضحيتها نحو 200 ألف شخص، وأن المخاوف تتزايد داخل الشارع الجزائري بأن رحيل بوتفليقة سيعني عودة البلاد إلى المواجهة مع الإسلاميين وخصوصا بعد وصول جماعات إسلامية للسلطة في دول مجاورة شهدت الربيع العربي، وعليه تلوح العديد من التحديات بشأن قيادة البلاد الجزائرية خلال الآونة القليلة المقلبة في ظل الحالة الصحية الصعبة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مما اثار تكهنات وتساؤلات كثيرة حول كيفية ادارة البلاد في المرحلة المقلبة.
........
التساؤلات مطروحة
فقد عاد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الى بلاده بعد ثمانين يوما من العلاج في فرنسا ما يسمح بتمرير بعض الملفات التي تحتاج انعقاد مجلس الوزراء تحت رئاسته، لكن ذلك لم يمنع التساؤلات عن قدرته على اتمام ولايته الرئاسية تسعة اشهر اخرى اوحتى القيام بالواجبات التي يفرضها منصبه، وبث التلفزيون الحكومي صورا لبوتفليقة بعد عودته داخل قاعة الشرف في المطار العسكري ببوفاريك (30 كلم غلاب الجزائر) لكن لم يتم بث صور له وهو ينزل من الطائرة كما في 2005 عند عودته من رحلة العلاج الاولى.
وظهر الرئيس الجزائري في الصور التي بثها التلفزيون جالسا على كرسي متحرك، وحرك يده اليمنى قليلا كما سمع صوته الخافت وهو يرد على رئيس الوزراء بالقول "ان شاء الله" دون ان يفهم ما قاله الاول، وكانت صور مشابهة للرئيس الجزائري بثها التلفزيون خلال زيارة الوزير الاول عبد المالك سلال له يرافقه رئيس اركان الجيش الفريق قايد صالح في 11 حزيران/يونيو، لطمأنة الراي العام بعد نشر اخبار حول تدهور حالته الصحية ودخوله في غيبوبة.
لكن الصور كان لها رد فعل عكسي لدى الجزائريين، خاصة ان البيان الطبي حول صحة الرئيس بوتفليقة الذي سبق بث الصور تحدث لاول مرة عن اصابته بجلطة دماغية طفيفة، وكان لصور عودته نفس رد الفعل في الصحف الجزائرية الصادرة، حيث تساءلت عن مدى قدرته على الاستمرار في الحكم ، بعد ان اكد بيان رئاسة الجمهورية انه "سيكمل فترة راحة واعادة تاهيل" في الجزائر، دون تحديد لمدة هذه الفترة ولا مكان خلوده للراحة. بحسب فرانس برس.
وكتبت صحيفة الوطن المعروفة بانتقادها للسلطة ان "الشكوك حول قدرته على تسيير البلد كاملة (...) وحتى وان كان من المؤكد ان بوتفليقة لن يترشح لولاية رئاسية رابعة، فهل يملك القدرة على الاستمرار في الحكم الى نهاية ولايته المقررة في نيسان/ابريل 2014؟".
وتراجعت فرص ترشح بوتفليقة (76 سنة) لولاية رابعة بسبب مشاكله الصحية التي بدات منذ اصابته بنزيف في المعدة في 2005 ولم تنته فعليا ابدا، على الرغم من ان مؤيديه مازالوا يعتقدون انه يمكن ان يترشح، لانه لم يعلن موقفه بعد/ فحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم والذي يرأسه بوتفليقة يرفض اي حديدث عن مرشح آخر غير الرئيس "مادام لم تعلن صراحة انه لن يترشح" كما اكد منسق المكتب السياسي في الحزب عبد الرحمان بلعياط/ كما ان وزير البيئة ورئيس حزب الحركة الشعبية عمارة بن يونس يردد في كل لقاءاته مع مناضليه انه "يدعم ترشح بوتفليقة لولاية رابعة".
وحرص بوتفليقة خلال اقامته في مستشفى فال دوغراس او ليزانفاليد على ضمان تواجده في الساحة السياسية الداخليو والخارجية من خلال التوقيع على المراسيم الرئاسية واصدار العفو عن المساجين وارسال برقيات التهاني لنظرائه في الخارج.
لكن ما اثار الانتباه هو غياب رئيس الجمهورية لاول مرة عن الاحتفالات بعيد الاستقلال في 5 تموز/يوليو وحفل تقليد الرتب والاوسمة لكبار ضباط الجيش باعتباره وزيرا للدفاع والقائد الاعلى للقوات المسلحة. وقد ناب عنه في هذه المهمة الفريق قايد صالح، ومنذ تعديل الدستور في 2008 اصبح رئيس الجمهورية هو من يراس مجلس الوزراء الذي لا ينعقد بدونه، وهو المخول بدراسة مشاريع القوانين قبل ارسالها الى البرلمان/ وكان التساؤل الاكبر هو مصير حول قانون المالية التكميلي الذي يحدد الميزانية الاضافية للدولة والذي "يمر حتميا عبر مجلس الوزراء" كما اكد ذلك رئيس مجلس الامة عبد القادر بن صالح لصحيفة الخبر، وسيكون ذلك الملف الاكثر الحاحا بالاضافة الى حركة تحويل السفراء وتعيين السفراء الجدد ووكذلك القضاة والولاة.
اما الملف الاكبر فهو مشروع تعديل الدستور الذي وعد به غداة احداث الربيع العربي والذي اسند الى لجنة فنية "انهت عملها" بحسب بن صالح، وتنتظر عودة الرئيس لتسلمه مشروع الدستور الجديد ليقرر ان كان سيعرضه للاستفتاء الشعبي اويكتفي بمصادقة البرلمان عليه، ومن اهم ما طالبت المعارضة بتعديله تحديد عدد الولايات الرئاسية باثنتين كما في دستور 1996 قبل ان يعدله بوتفليقة في 2008 ليتمكن من الترشح لولاية ثالثة في 2009.
ودفع عدم تحديد بوتفليقة موقفه من الانتخابات الرئاسية في 2014 اغلب الشخصيات التي تطمح الى الترشح، الى العزوف عن اعلان ترشحها ما عدا رئيس الوزراء السابق احمد بن بيتور الذي اختار الترشح مستقلا وبدعم من "المجتمع المدني" بعيدا عن الاحزاب السياسية، وكان بوتفليقة اعلن بنفسه في ايار/مايو 2012 ان "عهد حكم جيله قد ولى" ويجب ان يسلم المشعل، ما تم تفسيره على انه انسحاب من السلطة. لكن "الاقوال لم تتبعها الافعال" كما علق مدير صحيفة ليبرتي عبروس اوتودرت في افتتاحية الصحيفة.
.......
هل حان الرحيل؟
على الصعيد نفسه نقل تقرير نشر على مجلة تايم الأمريكية على لسان المحلل السياسي رشيد غريم تصريحه لصحيفة الوطن الجزائرية: "هناك ما هو جديد في تصريح الرئاسة عن صحة بوتفليقة البالغ من العمر 76 عاما هذه المرة،" مشيرا إلى أن الأمور والوعكات الصحية السابقة لم يتم الإعلان عنها للعامة بهذا الشكل، وأضاف غريم: "يُفهم من هذه الرسالة أنه مريض، ولكن حياته ليست في خطر،" مشيرا إلى أنه يعتقد أن النظام الجزائري قد اختار مسبقا شخصا ليتولى زمام السلطة في حال فقد بوتفليقة أهليته للحكم. بحسب السي ان ان.
ومن جهته قال المحلل السياسي، ريكاردو فابيانو: "مؤسسة الاستخبارات الجزائرية تريد لخليفة بوتفليقة أن يسير على طريقتها،" حيث أن خليفة بوتفليقة يعتبر بغاية الأهمية لمستقبل البلاد الغنية بموارد النفط والغاز، في الوقت ذاته تعاني من مشاكل اقتصادية عديدة في مقدمتها البطالة، وهو الأمر الذي قد يشعل فتيل احتجاجات واسعة ضد الرئيس المقبل لتدخل الجزائر ضمن دول ما بات يعرف بـ"الربيع العربي".
........
من يخلف بوتفليقة؟
في سياق متصل يعود اسم علي بن فليس منافس بوتفليقة في رئاسيات 2004 إلى الواجهة، أعلن أحمد بن بيتور رئيس الحكومة السابق رسميا عن نيته الترشح لانتخابات أبريل/نيسان المقبل، بينما تطالب عدة أحزاب جزائرية بما فيها أحزاب كانت ضمن الائتلاف الرئاسي بضرورة إعلان حالة شغور منصب الرئيس، ودعت تلك الأحزاب وبينها حركة مجتمع السلم التي تمثل الإخوان المسلمين في الجزائر إلى انتخابات مبكرة، فيما يعتبر عبد المالك من أقوى مرشحي السلطة الساسية والعسكرية لخلافة بوتفليقة حتى الآن،
وفي الوقت الذي تتحفظ فيه الأحزاب ذاتها عن الافصاح عن مرشحها مفضلة انتظار التعديلات التي ستقترحها لجنة تعديل الدستور، كان أحمد بن بيتور رئيس الحكومة الجزائرية السابق أول من بادر إلى الإعلان عن نيته الترشح لرئاسية أبريل/نيسان 2014.
وقال بن بيتور لبي بي سي إنه حضّر للانتخابات الرئاسية منذ شهر ديسمبر/كانون الأول من السنة الماضية، نافيا أن "يأتي التعديل الدستوري بأي جديد، لأن التغيير سيأتي لصالح النظام الذي أحدثه"، وأضاف رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق قائلا "لا ننسى أن الدولة الجزائرية اليوم هي دولة مميعة لذلك لا يمكن للنظام ولا للأوضاع أن تبقى في نفس الحالة، بل يجب أن يحدث تغيير، وأنا مستعد لهذا التغيير ولدي وسائلي وأرى أن الانتخابات القادمة ستكون شفافة لأن النظام لا يملك بديلا".
لكن أصواتا أخرى في الجزائر تقول إن ترشح بن بيتور "سابق لأوانه"، فمؤهلات رجل الدولة العصري التي يتمتع بها لا تتناسب وواقع الرئاسيات القادمة التي ستعتمد على "رئيس تصريف أمور".
ويقول العربي زواق، الاعلامي والمحلل السياسي الجزائري، في حديث لبي بي سي "إن السمة الغالبة للسلطة الجزائرية منذ مرض الرئيس هي الهروب إلى الأمام إذ لا يعرف أحد في هذا البلد حقيقة وضعه بينما تحول عبد المالك سلال رئيس الوزراء الجزائري إلى رئيس فعلي يقوم بمهام بوتفليقة في الميدان"، ويضيف بأن "الرئيس الذي سينتخب السنة القادمة سيسير أول مرحلة انتقالية في تاريخ البلد منذ أحداث 1988 بعد أن عاشت الجزائر منذ ذلك التاريخ وحتى الآن في حالة ترقب"، وتمثل سنة 1988 بداية منعرج سياسي حاسم فتح أبواب التعددية أمام الجزائريين قبل أن يسقط البلد في حرب أهلية دامية استمرت أكثر من عقد من الزمن، "لو كان الاختيار بيد بوتفليقة وحده لكان الجنرال عبد الغني الهامل رئيس الجزائر المقبل".
ويعتبر زواق أن "خمسة أسماء رئيسية مطروحة اليوم لخلافة بوتفليقة أهمها عبد المالك سلال رئيس الوزراء الحالي، ثم الشريف رحماني وزير الصناعة، وأحمد أويحيى رئيس الوزراء الأسبق، مع تسجيل عودة علي بن فليس رئيس الحكومة السابق إلى الواجهة، وأخيرا الجنرال عبد الغني الهامل المدير العام للأمن الوطني"، ويرى أن "عبد المالك سلال هو المرشح الأقوى باعتباره محل اتفاق بين الجيش وبوتفليقة ذلك أن مرشح الوفاق هو ما يناسب المرحلة الانتقالية المقبلة للجزائر"، ويعزي زواق سبب قوة سلال إلى أنه "ليس مثيرا للمشاكل وعلى علاقة سلمية بالعسكر كما أنه أيضا على علاقة جيدة بالرئيس بوتفليقة وسيضمن له ولعائلته خروجا هادئا من السلطة".
وغير بعيد عن سلال يتداول بقوة اسم الشريف رحماني، وزير الصناعة الحالي الذي تقلد عدة مناصب وزارية واستراتيجية في الدولة من بينها محافظ الجزائر الكبرى، كما طرح اسمه أكثر من مرة لخلافة أحمد أويحيى على رئاسة حزب التجمع الوطني الديموقراطي (أرندي) أحد الأحزاب الرئيسية في السلطة، وهو يشتهر بكفاءته كرجل إدارة.
أما أحمد أويحيى رئيس الوزراء السابق فيشكل بدوره أحد الخيارات المطروحة على قائمة العسكر وهو معروف بقربه من المؤسسة العسكرية وتنفيذه لسياسة بوتفليقة الذي أبقاه في منصبه كرئيس حكومة مرتين قبل أن يعينه وزيرا أولا. وشغل أويحي منصب رئيس الحكومة أربع مرات منذ سنة 1995 وحتى 2012.
لكن الصحافة المحلية تصف أويحيى بأنه "رجل المهمات القذرة" كما تصفه الصحافة المحلية، ويأخذ عليه عدم شعبيته لدى الجزائريين الذين يحملونه مسؤولية الأزمة الاجتماعية الطاحنة التي عاشوها سنوات التسعينات عندما أغلق أويحيى عدة شركات حكومية وسرح مئات العمال وأجرى اقتطاعات مالية من أجور من نجا من البطالة منهم.
كما تسجل عودة اسم علي بن فليس إلى الساحة السياسية الجزائرية يدعمه تيار قوي داخل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم.
إلى ذلك تضاف أسماء أقل وزنا وأهمية و"بالتالي حظا" في قائمة خيارات السلطة السياسية والعسكرية مثل عبد العزيز بلخادم رئيس الحكومة السابق الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الذي فقد منصبه في الحزب بعد سحب الثقة منه في يناير /كانون الثاني من السنة الجارية. بحسب البي بي سي.
إلى جانب عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة والرقم الثاني في الدولة الجزائرية دستوريا، لكن حظوظه في تولي رئاسة الجمهورية قليل نتيجة "عدم حيازته على جنسية جزائرية أصلية" حيث يقول زواق إن "جنسيته الأصلية مغربية"، ويلاحظ أن أغلب الأسماء المتداولة هي من الجيل الثاني من السياسيين الذين لا تربطهم علاقة مباشرة بـ"جيل الثورة" الذي قاد مقاليد الحكم في الجزائر منذ استقلالها، لكن العربي زواق وآخرين يراهنون على انتخابات 2018 ويرون بأنها ستكون أول انتخابات رئاسية يختار فيها الجزائريون رئيسهم حقا لأنها ستكون خالية من "رموز النظام" فخارطة السلطة في الجزائر حينها ستتغير بحكم الواقع وفعل الزمن.
.......
شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/تموز/2013