أبو العلاء
المعري.................اللزوميات الشهيرة
المعري.................اللزوميات الشهيرة
يمكن
القول بأن قصائد أبي العلاء المعري من الشعر الذي اصطلح على تسميته الشعر الميتافيزيقي، باعتباره يشكل دراما صغيرة تدور حول
حقيقة كونية تؤكد ضعف الإنسان و هوانه،وأنه لا فرار له من هذا العالم،لأنه محكوم عليه بالبقاء
فيه وبالموت فيه ،ولأنه شعر ينزع إلى الحرية المطلقة و لكن هناك دائما من يصادر -كما يقول المناطقة-على هذه الحرية،ومن هنا لا يبقى أمام
الشاعر غير الأنين، وغير تلك الحيرة التي شكلت وجود الشاعر...و شعر الشاعر.
لقد كان أبو العلاء المعري جبريا ،يرى أن الإنسان مقهور في هذه الحياة ،وأنه ريشة في هواء،و هذا يتفق مع صميم تجربته في فترة من
الفترات، ومن المعروف أن أبا العلاء تردد بين الجبر والإختيار،ثم انتهى إلى رأي ثالث، يقول:
إذا ثم فيما تؤنس العين مضجعي....فزدني
هداك الله من سعة شبرا
وإن سألوا عن مذهبي فهو
خشية....من الله..لا طوقا أبث ولا جبرا.
الطوق: الطاقة،أي حرية الإختيار،ضد
الجبرية.
ومن المعروف أن أبا العلاء لم يقف عند حد القوافي السهلة،وإنما
فاض في كل القوافي فيضا لإحساسه بقدرته على اللغة،
ومهما يكن من شيء فقد رأى أبو العلاء كل شيء في زمنه يتهيأ للحظة
الإنهيار الأخيرة،كما رأى الشيء ونقيضه في كل شيء ،بحيث استحالت الرؤية
الحقيقية لكل ما هو حق،ولكل ما هو باطل،وبحيث أصبحت التفرقة بين المتشابهات
أمرا يكاد يكون مستحيلا،بل يمكن القول أن الناس قد وصلوا إلى ما يسمى
تكافؤ الأدلة.أمام كل هذه المرحلة العدمية كان لابد لأبي العلاء أن يقول كلمته،لا كسياسي أو مصلح
اجتماعي أو شاعر متهيج العواطف،و إنما كشاعر متفلسف،و لقد كانت الكلمة التي
تليق به في هده الفترة هي الدعوة إلى التمسك بالعقل وقوانينه.و في ضوء ه
ذه المقولة
الراقية نراه يسقط الملوك من حسابه،بل نراه-كعادته في السخرية اللاذعة-يعلن يأسه التام منهم،لأنهم لا يرون
طرق المعالي،ولأنهم لا يسيرون إلا في الطرق المسدودة..مع أن بعض الذين لا ينتظر منهم الشجاعة قد تنقلب
بهم الأمور فيسيرون إلى الحروب على غير العادة،بل ما أشد السخرية بهم حين
يقول لهم وهو الأعمى:
مالكم لا ترون؟!طرق
المعاني....قد يزور الهيجاء زير نساء.القافية مكونة من ثلاث أحرف.
اللزوميات -أكثر من حرفين-
فغاية ما يؤمن به هو شيء
كبير اسمه العقل ،وهذا لا يتعارض مع حيرة الشاعر و شكه
وقلقه،ذلك لأن كل هذا لا يأخد بنفس الشاعر إلا حينما
يكون التفكير فيما هو ميتافيزيقي ،على أنه في الوقت نفسه يقول لنا في شعره
بأن هناك أشياء يقف دونها العقل بلا حل!.
المرجع :دراسات في النص الشعري العصر
العباسي،تأليف الكاتب الكبير عبده بدوي،منشورات دار الرفاعي للنشر والطباعة
و التوزيع،الرياض.