تعلم المهارات اللغوية من خلال القصة
الحاجة إلى تعلم المهارات اللغوية لا يكون فقط في تعلم اللغة العربية أو
اللغات عموما، بل هي حاجة يعتمد عليها اكتساب المعارف والمعلومات. فإن كان
حديثنا عن الطفل هنا، فحاجته لتعلم المهارات اللغوية يكون لكافة المواد
الدراسية التي يحتاج أن يتعلمها في المدرسة.
التعريف الاصطلاحي
للمهارات اللغوية «الأداء (صوتي كالقراءة والتعبير الشفهي، غير صوتي
كالاستماع والكتابة) يتميز بالسرعة والكفاءة والفهم، مع مراعاة القواعد
اللغوية المنطوقة والمكتوبة».
والمهارات اللغوية هي (الاستماع والتحدث
والقراءة والكتابة) ولاتقان لغة ما يجب الإلمام بتلك العناصر الأربعة.
كيف
تساعد القصة في تعلم الطفل المهارات اللغوية؟
طفلٌ في العائلة درج على مناداة أمه باسمها، وحيث أنه الطفل الأول فهو
لم يسمع كلمة ماما إلا لُمامًا..وهذي التي تحمله وترضعه يناديها كل من في
المنزل باسمها، وحين تذمرت من الأمر أخبرتها السبب، ففطنت، ولكن أصبح من في
المنزل ينادونها «ماما» حتى تعلّم ذلك الطفل كلمة ماما وأصبح يناديها بها.
السمع
هي الحاسة الأولى في تعرف الطفل على العالم حوله ووسيلته في تعلم اللغة،
وما الفرحة والاستبشار في نطقِهِِ «غو» إلا نتيجة جهد متواصل ممن حوله في
مناغاته واستماعه إليهم!
ولا أبالغ إن قلتُ إنّ تعلّم الطفل
الاستماع سيكون طريق الطفل لعلاقة جميلة وبهية مع الطبيعة حوله والاستمتاع
بكل ما فيها من أصوات كهدير البحر وحفيف الشجر وزقزقة العصافير وخرير
الماء...
والاستماع وهو نعمة أنعم بها الله علينا من خلال الأذن لكن
يحتاج الأمر بعض الجهد لتكون هذه المهارة فعالة وتؤدي أثرها المطلوب لأن
عدم معرفتها أو إتقانها قد يكون سببا لإعاقة ذهنية أو تأخر دراسي أو صعوبة
في التعلم في حياة الطفل القادمة.
وليس كالقصة -متى ما كانت مناسبة
لعمر الطفل وتحمل التشويق والإثارة بين سطورها وأحداثها- ما يشد انتباه
الطفل ويجعله هادئا منصتا. فالقصة تعوده على التركيز ومتابعة الأحداث
والربط بين الأفكار وتحليل تلك الأفكار واستدعاء خبرات سابقة شبيهة بها
كذلك المشاركة الوجدانية والانفعال والتذكر والمفاضلة بل وتوقّع النتائج
وابتكار الحلول وهذا ما يأخذنا للمهارة الثانية:
إن التوقف أثناء قراءة القصة أو البطء في قراءتها وتبادل الحوار مع
الطفل حول الأحداث أو التركيز على مهارة ما فيها من شأنه أن يطلق العنان
للكلام على لسان الطفل.
ومناقشة الطفل في أحداث القصة وربط القصة
بخبرة سابقة مرت على الطفل وسؤاله عن رأيه وحثه على إعادة سرد القصة
بألفاظها الجديدة أو مرادفاتها من قاموسه اللغوي من شأنه أن يطلق لسان
الطفل في الكلام والتعبير عن الأحداث وتعلم تلك المفردات الجديدة وزيادة
حصيلته اللغوية.
ليس أكثر بؤسا من طفل يرى طائرة ورقية تحلق في
السماء ويرفع إصبعه مشيرا إليها دون أن تتناثر من كفيه علامات البهجة
والتعجب أو الاستغراب ودون أن ينطلق في الحديث عن طائرة لو امتلكها يوما
وأين سيذهب بها.. فما الفرق بين الطفل المعاق والطفل السليم إذا لم ينطلق
في الحديث والكلام.
ومن المفيد أن يكون في القصة دليل أو صفحة
للوالدين لإعانتهم في ما تحتويه القصة وكيفية إثارة الأسئلة مع الطفل
ونوعية المعلومات التي يجب أن يتعلمها، وأن يكون مدركا لها في مثل عمره.
حين ترتبط الكلمة بالصورة يسهل على الطفل تعلمها وقراءتها في حين لو
قرأها مجردة أو حروفا مركبة فقط، سيكون من الصعب عليه استرجاعها وتذكرها.
إن
ربط الكلمات بالصور من شأنه أن يساعد الطفل على التذكر والاسترجاع
للكلمات، لذا من مميزات القصة الناجحة وجود الصور الواضحة الملونة الدالة
على الكلمات. ولا نملّ نعيد المثل الصيني القديم «الصورة بألف كلمة» وليس
أسهل من جعل هذا العنوان في زاوية من الفصل الدراسي تقوم المعلمة بتعليق
صورة ويقوم الأطفال باختيار الكلمات التي تناسبها فصورة عصفور على شجرة
سيكون مقابلها : عصفور، شجرة، سماء، أرض، جناح، أوراق، ثمار، عش،
أزرق،أصفر، أخضر، دائرة، منقار، طعام، أعلى، أسفل.. وهكذا تتسع الكلمات
التي تتوالد من صورة واحدة، وتكرار رؤيتها وسماع صوتها يجعل من السهل على
الطفل قراءتها وحفظها.
يبدأ الطفل في حمل القلم والخربشة على الجدران، خطوط طولية ودوائر،
تستطيع أن تتبع خط سيره، نزوله على الدرج، ولوجه لصالة المنزل، ثم العودة
وصعود الدرج ودخول غرفة أحد إخوته.. قد يتوقف فجأة الخط.. وتجد قلما على
الأرض وآثارا هاربة.. وكأننا لن نستدل عليه أو لن نعرف من عاث بصمت الجدران
مرحا وفرحا.
حتى عهد قريب كان تعليم الطفل الكتابة يؤجل حتى يبلغ
الطفل سن المدرسة الابتدائية تحديدا الصف الأول الابتدائي، وذلك تحت دعوى
أن عضلات كفه مازالت طرية وأنه يتعب بسرعة.. ولكن من الملاحظ أنه كلما أمسك
الطفل القلم في وقت مبكر في سنين عمره الأولى كان قادرا على الكتابة
ومحاكاة منحنيات الحروف، لذا يكون من الأفضل وضع القلم في يده منذ السنة
الثانية من عمره، وكذلك تشكيل الصلصال، لتقوى عضلات اليد ويكون قادرا على
الإمساك بالقلم وكذلك تتبع الحروف بإصبعه وملاحظة طريقة الرسم والتفريق بين
أشكال الحروف. وأيضا التوصيل بين الأرقام بالقلم ورسم المستقيم والمنحنيات
كلها تسهم في مساعدة الطفل على الكتابة.
بالإمكان في القصة أن
تلوّن الحروف المتشابهة في الكلمات فيلاحظ الطفل أن أصواتها متشابهة، أو أن
تكتب الكلمات بحروف كبيرة ويكون الحرف المطلوب مظللا فيعيد الطفل رسمه
وهكذا...، لن نعجز لو أردنا هذا الطفل أن يتعلم الكتابة والسبل كثيرة.
ومتى
ما كان أسلوب القصة مباشرا، يستخدم الحوار في جمله القصيرة البسيطة،
معتمدا على التكرار والإيقاع وبعض الأساليب البلاغية المحببة للطفل كالجناس
والطباق كانت القصة الأكثر قدرة على إكساب الطفل المهارات اللغوية التي
يحتاجها.
صحيفة أوان
أمهات بلا حدود