د.شلتاغ عبود شرّاد
الصبر وما كتب عنه الشعراء
من أكثر الصفات القرآنية التي تنسب للأنبياء والمؤمنين هي صفة الصبر. ونحن حين نتحدث عن هذه الصفة في الشعر، لا نتحدث عنها بعيداً عن الجو القرآني الذي تستحضره ذاكرة الشاعر لحظة التعبير عن التجربة.
ولعظمة هذه الصفة، وشدة ما يلقاه الصابر المحتسب، فقد أعظم الله الأجر للصابرين، ووعدهم وعداً حسناً (إنما يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر/ 10.
وهي صفة تكاد تشتمل على الفضائل كلها، فهناك صبر على الطاعة، أي تمسك بأدائها كالصبر على الصلاة والجهاد، وصبر عن المعصية بحفظ الجوارح عن ارتكاب ما يغضب الله، وصبر على الابتلاء..
وقد جمع القرآن هذه الأنواع من الصبر في قوله تعالى: (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا، وأولئك هم المتقون) البقرة/ 177.
هذا الاهتمام القرآني بمعنى الصبر، وجد سبيله إلى شعر الاحيائيين حتى أكثروا من القول فيه، ملتصقين بالمفردة القرآنية والجو القرآني.
فشوقي، عندما يصف الجنود الأتراك، وانتصاراتهم على اليونانيين، يأخذ المعنى القرآني في الصبر على البلاء والشدة، ويقول:
الصابرين إذا حلّ البلاء بهم
كالليث عَض على نابيه في النُّوَب
بينما يستعين الرصافي بالوصايا القرنية، حين يتحدث على لسان امرأة تخاطب ابنها الذي حكم عليه بالسجن، وهو بريء، فتوصيه بالاستعانة بالصبر على الضر الذي مسّه:
بُنيّ أظنُ السجنَ مَسَّكَ ضُرُّةُ
بُنيّ بنفسي حلَّ ما بِكَ مِن ضُرِّ
بُنيّ استعن بالصبر ما كنت جانياً
وهل يخذل الله البريء من الوِزِرِ
وهذا لا يخرج عن التوجيهات القرآنية مثل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة) البقرة/ 153.
ويكثر الشعراء من ذكر عاقبة الصابرين، حين يقترن صبرهم بالعمل والإيمان، حتى ليصبح ذلك الاقتران قانوناً شرطياً في القرآن (إن تصبروا وتتقوا… لا يضرّكم كيدهم شيئاً) آل عمران/ 120. وأحمد سحنون يتناول هذه الاقتران بين الصبر والإيمان. وينظر إلى هذا النوع من الصبر على أنه النصر الحقيقي:
ما النصر إلا الصبر أن يقرن إلى
الإيمان يجن النصر كلُّ مريدِ
ولا يقف الشعراء، حين يقلّبون النظر في هذه المعاني، على صورة واحدة، بل يستهدون بمعاني الصبر القرآنية في مديحهم وإخوانياتهم، وفي رثائهم وغزلهم والحديث من سجلاتهم الذاتية.
وهم، إنما يصدرون عن روح القرآن، عندما يثورون على جملة من المفاهيم التي يحملها بعض الناس الذين يتذرعون بالصبر في استكانتهم، ورضاهم بالعيش الذليل، في ظل الأنظمة الطاغوتية الجائرة مثلما كانا يفهمون فكرة القضاء والقدر، وكما فهموا فكرة التوكل على الله خطأ. وهذا الموقف من هؤلاء يقفه الجواهري في قوله:
سلام، على حاقد ثائر
على لاحب وبن دم سائر
وليس على خاشع خانع
مقيم على ذلة صابر
عفا الصبر من طلل دائر
ومن متجر كاسد بائر
يغل يد الشعب عن أن تمد
لكسر يد الحاكم الجائر
إذ أن النفس الذليلة الضعيفة تبحث عن مبرر لاستكانتها وخنوعها، وتجد ذلك في المفهوم السلبي للصبر، بل إنها لتذهب إلى تفسير الآيات القرآنية بما يناسب هذا المنزع السلبي. بينما نجد القرآن يعطي للصبر مفهوماً إيجابياً، فيه حركة، وفيه تطلع إلى التغيير الشامل لحالة الانسان الفردية والجماعية.
بل أن القرآن ليصف عاقبة بعض المسلمين، بأن مأواهم جهنم وبئس المصير، لأنهم لم يهاجروا بدينهم وأنفسهم، حين كانت الهجرة فريضة وذلك في قوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم. قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ فأولئك مأواهم جهنم، وساءت مصيراً) النساء/ 97، ولكنه يستثني من ذلك المستضعفين من الرجال والنساء والولدان أولئك الذين لا يستطيعون حيلة في تغيير واقعهم، ولا يملكون سبيلاً للتمرد عليه.
المصدر : أثر القران في الشعر العربي الحديث.
البلاغ
الصبر وما كتب عنه الشعراء
من أكثر الصفات القرآنية التي تنسب للأنبياء والمؤمنين هي صفة الصبر. ونحن حين نتحدث عن هذه الصفة في الشعر، لا نتحدث عنها بعيداً عن الجو القرآني الذي تستحضره ذاكرة الشاعر لحظة التعبير عن التجربة.
ولعظمة هذه الصفة، وشدة ما يلقاه الصابر المحتسب، فقد أعظم الله الأجر للصابرين، ووعدهم وعداً حسناً (إنما يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر/ 10.
وهي صفة تكاد تشتمل على الفضائل كلها، فهناك صبر على الطاعة، أي تمسك بأدائها كالصبر على الصلاة والجهاد، وصبر عن المعصية بحفظ الجوارح عن ارتكاب ما يغضب الله، وصبر على الابتلاء..
وقد جمع القرآن هذه الأنواع من الصبر في قوله تعالى: (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا، وأولئك هم المتقون) البقرة/ 177.
هذا الاهتمام القرآني بمعنى الصبر، وجد سبيله إلى شعر الاحيائيين حتى أكثروا من القول فيه، ملتصقين بالمفردة القرآنية والجو القرآني.
فشوقي، عندما يصف الجنود الأتراك، وانتصاراتهم على اليونانيين، يأخذ المعنى القرآني في الصبر على البلاء والشدة، ويقول:
الصابرين إذا حلّ البلاء بهم
كالليث عَض على نابيه في النُّوَب
بينما يستعين الرصافي بالوصايا القرنية، حين يتحدث على لسان امرأة تخاطب ابنها الذي حكم عليه بالسجن، وهو بريء، فتوصيه بالاستعانة بالصبر على الضر الذي مسّه:
بُنيّ أظنُ السجنَ مَسَّكَ ضُرُّةُ
بُنيّ بنفسي حلَّ ما بِكَ مِن ضُرِّ
بُنيّ استعن بالصبر ما كنت جانياً
وهل يخذل الله البريء من الوِزِرِ
وهذا لا يخرج عن التوجيهات القرآنية مثل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة) البقرة/ 153.
ويكثر الشعراء من ذكر عاقبة الصابرين، حين يقترن صبرهم بالعمل والإيمان، حتى ليصبح ذلك الاقتران قانوناً شرطياً في القرآن (إن تصبروا وتتقوا… لا يضرّكم كيدهم شيئاً) آل عمران/ 120. وأحمد سحنون يتناول هذه الاقتران بين الصبر والإيمان. وينظر إلى هذا النوع من الصبر على أنه النصر الحقيقي:
ما النصر إلا الصبر أن يقرن إلى
الإيمان يجن النصر كلُّ مريدِ
ولا يقف الشعراء، حين يقلّبون النظر في هذه المعاني، على صورة واحدة، بل يستهدون بمعاني الصبر القرآنية في مديحهم وإخوانياتهم، وفي رثائهم وغزلهم والحديث من سجلاتهم الذاتية.
وهم، إنما يصدرون عن روح القرآن، عندما يثورون على جملة من المفاهيم التي يحملها بعض الناس الذين يتذرعون بالصبر في استكانتهم، ورضاهم بالعيش الذليل، في ظل الأنظمة الطاغوتية الجائرة مثلما كانا يفهمون فكرة القضاء والقدر، وكما فهموا فكرة التوكل على الله خطأ. وهذا الموقف من هؤلاء يقفه الجواهري في قوله:
سلام، على حاقد ثائر
على لاحب وبن دم سائر
وليس على خاشع خانع
مقيم على ذلة صابر
عفا الصبر من طلل دائر
ومن متجر كاسد بائر
يغل يد الشعب عن أن تمد
لكسر يد الحاكم الجائر
إذ أن النفس الذليلة الضعيفة تبحث عن مبرر لاستكانتها وخنوعها، وتجد ذلك في المفهوم السلبي للصبر، بل إنها لتذهب إلى تفسير الآيات القرآنية بما يناسب هذا المنزع السلبي. بينما نجد القرآن يعطي للصبر مفهوماً إيجابياً، فيه حركة، وفيه تطلع إلى التغيير الشامل لحالة الانسان الفردية والجماعية.
بل أن القرآن ليصف عاقبة بعض المسلمين، بأن مأواهم جهنم وبئس المصير، لأنهم لم يهاجروا بدينهم وأنفسهم، حين كانت الهجرة فريضة وذلك في قوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم. قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ فأولئك مأواهم جهنم، وساءت مصيراً) النساء/ 97، ولكنه يستثني من ذلك المستضعفين من الرجال والنساء والولدان أولئك الذين لا يستطيعون حيلة في تغيير واقعهم، ولا يملكون سبيلاً للتمرد عليه.
المصدر : أثر القران في الشعر العربي الحديث.
البلاغ