قراءة القرآن بين التغني به و تحسين الصوت.
د.زهير سليمان.
......
الحديث في القرآن هو الحديث عن الكون و الحياة,لكن الحديث عن القرآن هو وظيفة إسلامية و إنسانية يقتضي معها الإعتنداء بهذا الكتاب الخالد النقي المحفوظ,و السير في كنهه و جوهره,و الحرص على آدابه المتعددة,في قراءته,أو التعامل معه,أو التعريف به,أو دراسته,لاسيما حينما نعلم أنه الكتاب السماوي الخاتم للوحي,و المتضمن لب اللباب لما ينطوي عليه من أسرار و جواهر مكنونة رواء للصادي,و بلاغته التي اعجزت البلغاء عن الوصول اليها,و قصرت أقلام الأدباء عن بيان علو مقامه,و كيف و هو كتاب الله تعالى الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) بل إضافة الى تحديه للعرب و خبراء بلاغتهم انه امتاز على كل المعجزات بأنه باق حجة في كل زمان و مكان .
و لا غزو من الإعتناء الواقي و الحرص الكبير على كتاب وصفه الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق,حينما سأله رجل,بقوله " ما بال القرآن لا يزداد على النشر و الدرس الا غضاضة ؟
فقال : لأن الله تبارك و تعالى لم يجعله لزمان دون زمان,و لا لناس دون ناس,فهو في كل زمان جديد ,و عند كل قوم غض الى يوم القيامة " و كما تصفه الزهراء البتول سيدة نساء العالمين " كتاب بينه بصائره و آي منكشفة سرائره,و برهان متجلية ظواهره,مديم للبرية استماعه,و قائد الى الرضوان اتباعه,و مؤد الى النجاة أشياعه.....".
فكان الإعتناء بالقرآن من أول نزوله على نبي العرب و العجم ( صلى الله عليه و على آله و صحبه) حين أمر " عليه و آله السلام " أن يكتب,و يحفظ,ثم اعتناء أمير المؤمنين علي بالقرآن و انشغاله بجمعه و عمل حاشية له بالتبيان لبعض موارده.و لذا يقول,في إحدى وصاياه " إعلموا أن القرآن نور الليل المظلم على ما كان من جهد وفاقه ".و لذا فقد أعتنى المسلمون بجمعه حتى كان هذا الذي بين الدفتين من دون زيادة و لا نقصان,كما يعتقده أتباع مذهب أهل البيت
( الشيعة ) و قسم كبير من المسلمين الآخرين .
و اعتني في تفسيره و نال هذا الجانب الدرجة الأولى بعد جمعه,حيث باشر في تفسيره الصحابة الأوائل كإبن عباس الذي " نمى هذا الإستعداد في نفسه ملازمته للإمام علي بن أبي طالب بعد انتقال الرسول الى الرفيق الأعلى و " علي " كما نعلم باب هذا المنهل الفياض من علوم النبوة و واضع حجر الأساس في الحضارة الروحية الإسلامية " ثم من تلاه من المفسرين,على أختلاف طبقاتهم,و تباين آرائهم و مذاهبهم,سواء آثر جانب المنقول,و اكتفى بما جاء في الحديث و التفسير بالأثر و كما فعل ابن جرير الطبري,و الجلال السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثورة " أو من انتهج مذهب الجدل و الفلسفة كتفسير الفخر الرازي,أو من اعتنى بعلوم العربية و بلاغتها, أو من ذهب بالمناهج الفكرية او الفقهية,أو من جعل من تفسيره دائرة معارف عامة شاملة..الخ .
و كذلك اعتني بقراءة القرآن الكريم,و حفظه,و تجويده,و إظهاره بالمظهر اللائق,لأن القراءة الوسيلة الناجحة في فهم القرآن الكريم, حيث نص القرآن المجيد نفسه على ذلك,حيث يقول سبحانه..الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته اولئك يؤمنون به و من يكفر به فأولئك هم الخاسرون .
و قوله جلت قدرته ( إن الذين يتلون كتاب الله و اقاموا الصلاة و انفقوا مما رزقناهم سراً و علانية يرجون تجارة لن تبور و ليوفيهم أجورهم و يزيدهم من فضله إنه غفور شكور ).
........
القرآن افضل العبادة.
جاء عن نبي الرحمة كما في مجمع البيان أنه ( صلى الله عليه و على آله و صحبه),قال: " أفضل العبادة قراءة القرآن " .
كما جاء عن الإمام أبي جعفر الباقر في صفات اتباع مذهب اهل البيت : " إنما شيعة علي الناحلون,الشاحبون,الذابلون,ذابلة شفاههم من الصيام...."
الى أن يقول " كثيرة صلاتهم,كثيرة تلاوتهم للقرآن,يفرح الناس و يحزنون ".
بل كان المسلمون يتبارون بقراءة القرآن و يستشهدون فيه و يتحاجون عنده,و لا يقرأونه بالطريقة التي درج عليها المسلمون الان,فضلاً عمن لا يعرف قراءته,و كانوا يتشوقون اليه و يجلونه كثيراً و يستفتحون به,و يرافقونه دائماً,و ينامون عليه و يصبحون فيه,شوقاً لمقامه و ما يأملون به,حيث قال أبو عبد الله " يدعى ابن آدم المؤمن أمامه للحساب فيتقدم القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول : يا رب أنا القرآن و هذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي,و يطيل ليله بترتيلي,و تفيض عيناه اذا تهجد فأرضه كما أرضاني.
قال : فيقول العزيز الجبار : عبدي أبسط يمينك فاملأها من رضوان الله,و يملأ شماله من رحمة الله,ثم يقال : هذه الجنة مباحة لك فاقرأ و اصعد,فإذا قرأ آية صعد درجة ".
و هناك الكثير من الروايات الصحيحة السند و المعتبرة تشيد بقارىء القرآن,حتى لا يكون القرآن مهجوراً مضيعاً...كما فيه جوامع النعم,و الخير,الحكمة,و هو البادىء بالحمد,و الثناء,و الشكر لله الواحد الصمد .
.........
القراءة بالصوت الحسن :
و من الأمور المهمة التي أكدت عليها الشريعة المباركة هو استحباب قراءة القرآن الكريم بالصوت الحسن,لإظهار عظمته و استذاقة فنه و كما كان يفعل الرسول و الأئمة الأطهار من آله فقد ورد عن رسول الإنسانية محمد قوله " اقرأوا القرآن بألحان العرب و أصواتها,و إياكم و لحون اهل الفسق و أهل الكبائر,فإنه سيجيء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية,لا يجوز تراقيهم,قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم ".
كما جاء على لسان الرسول عن الإمام أبي عبد الله قال : قال النبي " لكل شيء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن ".
و عن الأمام الصادق قال " كان علي بن الحسين أحسن الناس صوتاً بالقرآن و كان السقاؤون يمرون فيقفون ببابه يسمعون قراءته,كما كان أبو جعفر احسن الناس صوتاً.
و لم يقرأ المسلمون كتابهم قراءة المالين بل كما قال الرسول " حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا".
.........
حرمة التغني بالقرآن :
لكن الحرمة العظمى لكتاب الله و المكانة المقدسة للقرآن المجيد توجب رفع القرآن عن المقاصد السيئة غير اللائقة به,و التي لا تتناسب و كلام الله المجيد,سواء ما يتعلق بالآداب العامة او القراءة الغنائية,فقد ورد عن الخلف الصالح و ما تعارفت عليه السنة المطهرة من حرمة الغناء ,حتى وصفوه بقول الزور الذي ورد في القرآن الشريف .
و حيث أن ما يترتب عليه الغناء لا يجوز في خط القرآن الكريم,و لا في شكل قراءته و لا يناسب مقام كلام الله قط,لما يمتاز به هذا الكلام من العلو و الرفعة,ثم الهدف المنشود فيه و النازل لأجله .
التعريف بالصوت الحسن و كذا الغناء :-
و قبل الولوج في الحديث عن الصوت الحسن و كذلك الغناء يمكن أن نعرف الإثنين,كما هو المتعارف عليه .
فتحسين الصوت يكون بتحسين اللفظ,و المكث عنده,و تقطيع التلاوة.نعم التحسين هو ما يضاف على التجويد,من إصدار الصوت بما ينبغي من التفاعل مع الذكر الحكيم,لجلب نظر السامع و توجيهه الى المعاني,بحيث يظهرالتأثير عليه علناً او ذاتاً في نفسه,فيحس بالجذب للقراءة,و يضاف الى ذلك ان يقرأ القرآن بالحزن كما ورد عن أبي عبد الله أنه قال " إن القرآن نزل بالحزن فاقرأوه بالحزن ".
و قد جاء في الكافي أيضاً عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : إن الله عز و جل أوحى الى موسى بن عمران " إذا وقفت بين يدي فقف موقف الذليل الفقير,و إذا قرأت التوراة فأسمعنيها بصوت حزين ".
( و لذلك فان قراءة القرآن بصوت حسن مندوب في الشريعة,و أن تأثير السماع للصوت الحسن الخالي من الترجيع,و من شكل الغناء كما سيأتي,يختلف أختلافاً جوهرياً و ليس فقط أختلافاً ثانوياً يتعلق بالترنيم و التنميق.
كما أن الإيقاع الموسيقي يختلف في تحسين الصوت عن الغناء.حيث إن في تحسين الصوت لا يأخذ نفس الوتيرة و القافية و الإسترجاع,كما هو المعروف في الغناء ).
أما الغناء فإن الإيقاع الموسيقي يسيطر على الحالة,و بذبذبات متناسقة و مسترجعة,تخلو من الخشوع و التأدب,بل تذهب الى أكثر من ذلك,لتسلب الأتزان و الاستقرار. فضلا عن الاهداف الإبتغاءات .
أما الغناء فقد ورد تعريفه في المعجم الوسيط : "هو التطريب و الترنم بالكلام الموزون و غيره, يكون مصحوباً بالموسيقى ".
و المغني : محترف الغناء.
و في مجمع البحرين غناء : ك( كساء ) و هو الصوت المشتمل على الترجيع المطرب,أو ما يسمى بالعرف غناء و إن لم يطرب سواء كان في شعر أو قرآن أو غيرها .
و قال الشافعي : الغناء تحسين الصوت و ترقيقه .
و في السرائر : أنه الصوت المطرب .
و في الشرائع و جامع المقاصد,أنه :الصوت المشتمل على الترجيع المطرب,و قيل أنه الصوت اللهوي .
كما قيل أيضاً و هو التعريف الذي جاء به الشيخ محمد رضا آل الشيخ في تفسير الغناء بأنه صوت الإنسان الذي من شأنه إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس .
و الطرب : هو الخفة التي تعتري الإنسان فتكاد أن تذهب بالعقل و تفعل فعل المسكر المتعارف.
و لذا لا يعتبر الحداء أو النشيد من الغناء .
و بالتالي فان القراءة الجيدة و حسن الصوت لا يرقى الى هذا الحد من التغني بالقرآن الذي لا يليق به ذلك,و من جوز التغني فأمره الى الله تعالى .
و قراءة القرآن بالتغني حرام لدى كافة المذاهب الإسلامية,و بين الفقهاء و العلماء ذلك في كتبهم و بحوثهم,و مما جاء في " عيون الأخبار " عن الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن آبائه عن علي قال :
سمعت رسول الله يقول :أخاف عليكم استخفافاً بالدين,و بيع الحكم,و قطيعة الرحم,و أن تتخذوا القرآن مزامير,تقدمون أحدكم و ليس بأفضلكم في الدين ".
و جاء في الوسائل ايضاً,عن سليمان بن مسلم الخشاب,عن عبد الله بن جريح المكي,عن عطاء بن أبي رباح,عن عبد الله بن عباس,عن رسول الله في حديث له :
إن من أشراط الساعة إضاعة الصلوات,و إتباع الشهوات,و الميل الى الأهواء...الى أن قال ...فعندما يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله,و يتخذونه مزامير,و يكون أقوام يتفقهون لغير الله,و تكثر اولاد الزنا,و يتغنون بالقرآن,...الى أن قال : يستحسنون الكوبة و المعازف, و ينكرون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر...الى أن قال : فأولئك يدعون في ملكوت السموات الأرجاس و الأنجاس ".
و في الوسائل في باب تحريم الغناء حتى في القرآن جاء في الحديث عن النبي قوله : إذا علمت أمتي خمس عشرة خصلة حل بهم البلاء,إذا كان الفيء دولاً,و الأمانة مغنماً,و الصدقة مغرماً,و أطاع الرجل امرأته,و عصى أمه,و بر صديقه,و جفا أباه,و ارتفعت الأصوات في المساجد,و أكرم الرجل مخافة شره,و كان زعيم القوم أرذلهم,و لبسوا الحرير,و اتخذوا القينات و المعازف,و شربوا الخمور, و كثر الزنا فارتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء,و خسفاً أو مسخاً,و ظهور العدو عليكم ثم لا تنصرون ".
و هناك العديد من الروايات و الأحاديث التي تمنع ذلك و ما تظافر آراء العلماء و الفقهاء إلا إتحاد بالاتفاق .
.......
اتفاق المسلمين على حرمة التغني بالقرآن :-
و ما أجمع عليه علماء مذهب أهل البيت فقد اتفق عليه علماء أهل السنة أيضاَ,فقد ورد على لسان الكثير من العلماء و المشايخ في هذا الصدد.سيما في التعليق على قراءات ما اشتهر من المقرئين المصريين و غيرهم من القراء اللبنانيين و العراقيين الذين يمتازون بأسلوبهم و طورهم الخاص,و كذلك قراء بعض البلدان الإسلامية الأخرى كما في الجمهورية الإسلامية في ايران و الحجاز و سوريا و غيرها .
و هؤلاء القراء لكل اسلوبه و خصائصه المميزه,سواء في اتقانه للقراءات العشر المشهورة أو اقتصاره على قراءة واحدة كما هو المتعارف على رواية حفص بن سليمان الأسدي الكوفي عن عاصم بن أبي النجود الكوفي .
فمن القراء من أكد على الصوت من اجل التأثير على السامع,و تساهل في التفاعل مع القراءة نفسها و الألفاظ المجيدة للقرآن,حتى أساء الأسلوب.و انشغل بنوع الأداء,و اللحن,و الموسيقى الصوتية,و كاد أن يتناسى ما هو فيه,و لذا فقد أجمع علماء الأزهر بحرمة التغني بالقرآن,سواء من المشايخ القدامى أو الحاليين كالشيخ عبد الحليم محود مثلاً .
و كذلك من المقرئين أنفسهم كما سمعت عن المقرىء الشيخ محمود خليل الحصري,و لذا فقد يؤاخذ البعض المقرىء المشهور عبد الباسط عبد الصمد بانه يسرف بصوته,كما يذكر ذلك عنه احد زملائه القراء فيقول : إن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد لا يختلف بالقراءة و التلاوة عن اي قارىء للقرآن الكريم,إنما اذا ارادنا ان نذكر ما يتميز به عن غيره فيمكننا الاشارة الى طول نفسه في التلاوة و القراءة أكثر من غيره,بحيث يستطيع أن يقرأ من الآيات بنفس واحد,ما لا يستطيع غيره أن يقرأه,أما من حيث الأداء و التجويد فلا يتميز عن غيره من القراء في الاذاعة المصرية .
و في صدد حديثه عما يؤخذ على الشيخ عبد الباسط في التنغيم و التطريب في تلاوته و جعل المستمع يهتم بالصوت بدل الاهتمام بمضمون الايات القرآنية يقول : التطريب و التنغيم لا يخص الشيخ عبد الباسط في قراءته فذلك موجود في قراءة و تلاوة كل قراء الإذاعة المصرية و لا يختلف الشيخ عبد الباسط في قراءته عن غيره من زملائه .
و كل ما هناك ان الشيخ عبد الصمد يمتاز بطبقة عالية في الصوت فاذا ارتفع بصوته أصبح صوته نحيفاَ رفيعاً دقيقاً بحيث لا يوجد مثل له عند غيره من القراء,أما الذي يصغي الى الصوت و لا يفكر في المعنى فهذا شأنه .
........
قراءة القرآن وسيلة تربوية :
و لهذا فلا نريد للقرآن الكريم أن يكون وسيلة لهو و العياذ بالله,بعد المفهوم الكبير للقرآن من انه مدرسة الأجيال و دار تربية حتى في قراءته التي لابد أن يتلقنها الطفل و الصبي و ينشأ على أنغامها و أفكارها,و معانيها,و حلاوتها,حتى لا تفسده العاديات,و لا تؤثر عليه الناشئات من أعمال الفسقة و الشياطين,و هذا ما داب عليه آباؤنا و أجدادنا من قبل حيث ان الطفل كان يفتح عينيه على المشايخ في محلته و الكتاتيب فيتعلم القرآن,و يدرس معانيه,و يحفظه كلاً أو جزءاً,حتى تكتمل فيه معالم الجمال القرآني,فتعجن في دمه,و تخالط لحمه و عظمه,و تؤثر فيه خطوط الطور التجويدي للقرآن,فتبقى معه دائماً,بل أن الابتداء بالقرآن و تعليمه الناشئة واجب قبل دراسته للفقه و أصول الاسلام و عقائده,و حينما نرجع الى الوراء نرى الكتاتيب التي انتشرت في بلاد الاسلام,كما في النجف الأشرف,و كربلاء,و الحلة,و الكاظمية,و السليمانية,و البصرة وكذلك في قم,و مشهد و غيرها من مدن فارس,و في لبنان,و شمال افريقيا,و بالخصوص السودان,و مصر حيث يعتنى في مصر بحفظ القرآن الكريم وتعليمه وكل ما يتعلق بتجويده وتلاوته لا سيما في القاهرة عند مقام سيدنا الامام الحسين حيث يذكر أن حول المقام الطاهر لسبط المصطفى ما يقارب الخمسة عشر ألفاً من حفاظ القرآن الكريم , وهو رقم ليس بالقليل , كذلك حول مقام السيدة زينب , و السيدة نفيسة,و مقام سيدي أبو العباس المرسي بالأسكندرية .
..........
خير القراءة :
ان خير يجب ان يتمتع به القارىء للقرآن هو حسن الاداء,و التجويد المتقن,و الالتزام بأحكامه و شروطه,و التفاعل مع القراءة كعبادة اسلامية,و كوسيلة تبليغية مباشرة,حتى تصل الآيات الشريفة بكل اجلال و خشوع لقلب السامع,و كذا القارىء نفسه .
و القرآن هو الثقل الأول الذي أوصانا به نبينا الأكرم فلا ينبغي الافراط في اسلوب الاداء بما يزيد عن الحد المطلوب لا يصال المعنى الواضح و ما ينجر أو ينساب الى أن ينهدم الخشوع و الطاعة في قلب المستمع أو القارىء بخيال طربي,و انشغال تهواه النفس الأمارة بالسوء .
و لنسأل انفسنا : كيف كان الصحابة و التابعون يقرأون القرآن ؟ لماذا اشتهر الإمام السجاد أبو محمد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بحسن أدائه للقرآن,و جودة صوته و حسنه,و أن تحسين القراءة بحسن الصوت الخاشع,مع الالتزام بالقواعد المطلوبة و المفروضة من الادغام,و الأخفاء, و المد,و الوقفات,و شروط الوصل,و القطع,و تسكين الحرف,و مده,حسب موقعه في الآية,هو الهدف المطلوب و الملزم لقارىء القرآن الكريم .
إن الاتقان التام للأحكام و القواعد و الممارسة تكسب الانسان خبرة تغنيه عن التقليد,لاسيما التقليد الأعمى الذي يحصل لدى البعض من أجل اظهار أصواتهم بشكل يسمح لهم أن يقال عنهم قراء أو قادرون على القراءة و إن كان الحساب على الله و ليس لأحد على أحد أن يحكم إلا على ظاهره و كما يقال " فلنا الظاهر و على الله السرائر ".
و يذكر أحد أساتذة القراءات و هو الاستاذ محمد أسكندر يلدا,أن على القارىء.أن يرقى الى ما يجب عليه من الابتعاد عن الرياء,و حب الجاه,و السمعة,و يذكر حديثاً عن النبي قوله " أكثر منافقي امتي قراؤها,و أحد الثلاثة الذين أول ما يحاسبهم ربهم يوم القيامة هو قارىء يقرأ رياء,ليقول عنه الناس أنه قارىء فيدخل الناس و العياذ بالله,و إنما الأعمال بالنيات,و إن لكل امرىء ما نوى .
إن علماء الدين و حماة الشريعة مدعوون اليوم,أكثر من أي وقت مضىء لرفع صوتهم,و بيان آراء الاسلام في المسائل الهامة التي يعيشها الناس,هادين و مبلغين الأمم,مشخصين حاجتهم لما يجب ان يبلغوهم بها و ينبهوهم عليها .
كما أن فتح المعاهد,و المراكز العلمية الخاصة بالقرآن مهمة و ضرورة,ينبغي الاسراع فيها, و إيجاد المتخصصين بالقرآن الكريم,بكل ما يتعلق به من قراءة,و تفسير,و تبليغ,و بحث و غيرها,و أن الأمة لا تكتمل حياتها ما لم يكتمل عملها بوصية نبيها الكريم بالثقلين كتاب الله و عترته أهل بيته,و أن التخلف عن هذا المسار,و عدم التصدي له – كما ينبغي – سيفسح المجال أمام المتلاعبين ,و المنافقين,و المتسترين بالدين للقيام بأفعالهم و مخططاتهم الخبيثة.
إن الاعتناء بالقرآن,و قراءته,و تهذيبها,و تنقيتها من الشوائب و المصائب وظيفة شرعية تستدعي النهوض بها,و ليس الأمر يقتصر على شروح القرآن علومه الاخرى .
كما أن على الامة أن تعتني بثقافتها القرآنية التي تعتبر الثقافة الأصلية في الشريعة,و التي يمكن تميزها عن غيرها.
..........
المصدر : رسالة القرآن.
موقع البلاغ.
د.زهير سليمان.
......
الحديث في القرآن هو الحديث عن الكون و الحياة,لكن الحديث عن القرآن هو وظيفة إسلامية و إنسانية يقتضي معها الإعتنداء بهذا الكتاب الخالد النقي المحفوظ,و السير في كنهه و جوهره,و الحرص على آدابه المتعددة,في قراءته,أو التعامل معه,أو التعريف به,أو دراسته,لاسيما حينما نعلم أنه الكتاب السماوي الخاتم للوحي,و المتضمن لب اللباب لما ينطوي عليه من أسرار و جواهر مكنونة رواء للصادي,و بلاغته التي اعجزت البلغاء عن الوصول اليها,و قصرت أقلام الأدباء عن بيان علو مقامه,و كيف و هو كتاب الله تعالى الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) بل إضافة الى تحديه للعرب و خبراء بلاغتهم انه امتاز على كل المعجزات بأنه باق حجة في كل زمان و مكان .
و لا غزو من الإعتناء الواقي و الحرص الكبير على كتاب وصفه الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق,حينما سأله رجل,بقوله " ما بال القرآن لا يزداد على النشر و الدرس الا غضاضة ؟
فقال : لأن الله تبارك و تعالى لم يجعله لزمان دون زمان,و لا لناس دون ناس,فهو في كل زمان جديد ,و عند كل قوم غض الى يوم القيامة " و كما تصفه الزهراء البتول سيدة نساء العالمين " كتاب بينه بصائره و آي منكشفة سرائره,و برهان متجلية ظواهره,مديم للبرية استماعه,و قائد الى الرضوان اتباعه,و مؤد الى النجاة أشياعه.....".
فكان الإعتناء بالقرآن من أول نزوله على نبي العرب و العجم ( صلى الله عليه و على آله و صحبه) حين أمر " عليه و آله السلام " أن يكتب,و يحفظ,ثم اعتناء أمير المؤمنين علي بالقرآن و انشغاله بجمعه و عمل حاشية له بالتبيان لبعض موارده.و لذا يقول,في إحدى وصاياه " إعلموا أن القرآن نور الليل المظلم على ما كان من جهد وفاقه ".و لذا فقد أعتنى المسلمون بجمعه حتى كان هذا الذي بين الدفتين من دون زيادة و لا نقصان,كما يعتقده أتباع مذهب أهل البيت
( الشيعة ) و قسم كبير من المسلمين الآخرين .
و اعتني في تفسيره و نال هذا الجانب الدرجة الأولى بعد جمعه,حيث باشر في تفسيره الصحابة الأوائل كإبن عباس الذي " نمى هذا الإستعداد في نفسه ملازمته للإمام علي بن أبي طالب بعد انتقال الرسول الى الرفيق الأعلى و " علي " كما نعلم باب هذا المنهل الفياض من علوم النبوة و واضع حجر الأساس في الحضارة الروحية الإسلامية " ثم من تلاه من المفسرين,على أختلاف طبقاتهم,و تباين آرائهم و مذاهبهم,سواء آثر جانب المنقول,و اكتفى بما جاء في الحديث و التفسير بالأثر و كما فعل ابن جرير الطبري,و الجلال السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثورة " أو من انتهج مذهب الجدل و الفلسفة كتفسير الفخر الرازي,أو من اعتنى بعلوم العربية و بلاغتها, أو من ذهب بالمناهج الفكرية او الفقهية,أو من جعل من تفسيره دائرة معارف عامة شاملة..الخ .
و كذلك اعتني بقراءة القرآن الكريم,و حفظه,و تجويده,و إظهاره بالمظهر اللائق,لأن القراءة الوسيلة الناجحة في فهم القرآن الكريم, حيث نص القرآن المجيد نفسه على ذلك,حيث يقول سبحانه..الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته اولئك يؤمنون به و من يكفر به فأولئك هم الخاسرون .
و قوله جلت قدرته ( إن الذين يتلون كتاب الله و اقاموا الصلاة و انفقوا مما رزقناهم سراً و علانية يرجون تجارة لن تبور و ليوفيهم أجورهم و يزيدهم من فضله إنه غفور شكور ).
........
القرآن افضل العبادة.
جاء عن نبي الرحمة كما في مجمع البيان أنه ( صلى الله عليه و على آله و صحبه),قال: " أفضل العبادة قراءة القرآن " .
كما جاء عن الإمام أبي جعفر الباقر في صفات اتباع مذهب اهل البيت : " إنما شيعة علي الناحلون,الشاحبون,الذابلون,ذابلة شفاههم من الصيام...."
الى أن يقول " كثيرة صلاتهم,كثيرة تلاوتهم للقرآن,يفرح الناس و يحزنون ".
بل كان المسلمون يتبارون بقراءة القرآن و يستشهدون فيه و يتحاجون عنده,و لا يقرأونه بالطريقة التي درج عليها المسلمون الان,فضلاً عمن لا يعرف قراءته,و كانوا يتشوقون اليه و يجلونه كثيراً و يستفتحون به,و يرافقونه دائماً,و ينامون عليه و يصبحون فيه,شوقاً لمقامه و ما يأملون به,حيث قال أبو عبد الله " يدعى ابن آدم المؤمن أمامه للحساب فيتقدم القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول : يا رب أنا القرآن و هذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي,و يطيل ليله بترتيلي,و تفيض عيناه اذا تهجد فأرضه كما أرضاني.
قال : فيقول العزيز الجبار : عبدي أبسط يمينك فاملأها من رضوان الله,و يملأ شماله من رحمة الله,ثم يقال : هذه الجنة مباحة لك فاقرأ و اصعد,فإذا قرأ آية صعد درجة ".
و هناك الكثير من الروايات الصحيحة السند و المعتبرة تشيد بقارىء القرآن,حتى لا يكون القرآن مهجوراً مضيعاً...كما فيه جوامع النعم,و الخير,الحكمة,و هو البادىء بالحمد,و الثناء,و الشكر لله الواحد الصمد .
.........
القراءة بالصوت الحسن :
و من الأمور المهمة التي أكدت عليها الشريعة المباركة هو استحباب قراءة القرآن الكريم بالصوت الحسن,لإظهار عظمته و استذاقة فنه و كما كان يفعل الرسول و الأئمة الأطهار من آله فقد ورد عن رسول الإنسانية محمد قوله " اقرأوا القرآن بألحان العرب و أصواتها,و إياكم و لحون اهل الفسق و أهل الكبائر,فإنه سيجيء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية,لا يجوز تراقيهم,قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم ".
كما جاء على لسان الرسول عن الإمام أبي عبد الله قال : قال النبي " لكل شيء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن ".
و عن الأمام الصادق قال " كان علي بن الحسين أحسن الناس صوتاً بالقرآن و كان السقاؤون يمرون فيقفون ببابه يسمعون قراءته,كما كان أبو جعفر احسن الناس صوتاً.
و لم يقرأ المسلمون كتابهم قراءة المالين بل كما قال الرسول " حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا".
.........
حرمة التغني بالقرآن :
لكن الحرمة العظمى لكتاب الله و المكانة المقدسة للقرآن المجيد توجب رفع القرآن عن المقاصد السيئة غير اللائقة به,و التي لا تتناسب و كلام الله المجيد,سواء ما يتعلق بالآداب العامة او القراءة الغنائية,فقد ورد عن الخلف الصالح و ما تعارفت عليه السنة المطهرة من حرمة الغناء ,حتى وصفوه بقول الزور الذي ورد في القرآن الشريف .
و حيث أن ما يترتب عليه الغناء لا يجوز في خط القرآن الكريم,و لا في شكل قراءته و لا يناسب مقام كلام الله قط,لما يمتاز به هذا الكلام من العلو و الرفعة,ثم الهدف المنشود فيه و النازل لأجله .
التعريف بالصوت الحسن و كذا الغناء :-
و قبل الولوج في الحديث عن الصوت الحسن و كذلك الغناء يمكن أن نعرف الإثنين,كما هو المتعارف عليه .
فتحسين الصوت يكون بتحسين اللفظ,و المكث عنده,و تقطيع التلاوة.نعم التحسين هو ما يضاف على التجويد,من إصدار الصوت بما ينبغي من التفاعل مع الذكر الحكيم,لجلب نظر السامع و توجيهه الى المعاني,بحيث يظهرالتأثير عليه علناً او ذاتاً في نفسه,فيحس بالجذب للقراءة,و يضاف الى ذلك ان يقرأ القرآن بالحزن كما ورد عن أبي عبد الله أنه قال " إن القرآن نزل بالحزن فاقرأوه بالحزن ".
و قد جاء في الكافي أيضاً عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : إن الله عز و جل أوحى الى موسى بن عمران " إذا وقفت بين يدي فقف موقف الذليل الفقير,و إذا قرأت التوراة فأسمعنيها بصوت حزين ".
( و لذلك فان قراءة القرآن بصوت حسن مندوب في الشريعة,و أن تأثير السماع للصوت الحسن الخالي من الترجيع,و من شكل الغناء كما سيأتي,يختلف أختلافاً جوهرياً و ليس فقط أختلافاً ثانوياً يتعلق بالترنيم و التنميق.
كما أن الإيقاع الموسيقي يختلف في تحسين الصوت عن الغناء.حيث إن في تحسين الصوت لا يأخذ نفس الوتيرة و القافية و الإسترجاع,كما هو المعروف في الغناء ).
أما الغناء فإن الإيقاع الموسيقي يسيطر على الحالة,و بذبذبات متناسقة و مسترجعة,تخلو من الخشوع و التأدب,بل تذهب الى أكثر من ذلك,لتسلب الأتزان و الاستقرار. فضلا عن الاهداف الإبتغاءات .
أما الغناء فقد ورد تعريفه في المعجم الوسيط : "هو التطريب و الترنم بالكلام الموزون و غيره, يكون مصحوباً بالموسيقى ".
و المغني : محترف الغناء.
و في مجمع البحرين غناء : ك( كساء ) و هو الصوت المشتمل على الترجيع المطرب,أو ما يسمى بالعرف غناء و إن لم يطرب سواء كان في شعر أو قرآن أو غيرها .
و قال الشافعي : الغناء تحسين الصوت و ترقيقه .
و في السرائر : أنه الصوت المطرب .
و في الشرائع و جامع المقاصد,أنه :الصوت المشتمل على الترجيع المطرب,و قيل أنه الصوت اللهوي .
كما قيل أيضاً و هو التعريف الذي جاء به الشيخ محمد رضا آل الشيخ في تفسير الغناء بأنه صوت الإنسان الذي من شأنه إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس .
و الطرب : هو الخفة التي تعتري الإنسان فتكاد أن تذهب بالعقل و تفعل فعل المسكر المتعارف.
و لذا لا يعتبر الحداء أو النشيد من الغناء .
و بالتالي فان القراءة الجيدة و حسن الصوت لا يرقى الى هذا الحد من التغني بالقرآن الذي لا يليق به ذلك,و من جوز التغني فأمره الى الله تعالى .
و قراءة القرآن بالتغني حرام لدى كافة المذاهب الإسلامية,و بين الفقهاء و العلماء ذلك في كتبهم و بحوثهم,و مما جاء في " عيون الأخبار " عن الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن آبائه عن علي قال :
سمعت رسول الله يقول :أخاف عليكم استخفافاً بالدين,و بيع الحكم,و قطيعة الرحم,و أن تتخذوا القرآن مزامير,تقدمون أحدكم و ليس بأفضلكم في الدين ".
و جاء في الوسائل ايضاً,عن سليمان بن مسلم الخشاب,عن عبد الله بن جريح المكي,عن عطاء بن أبي رباح,عن عبد الله بن عباس,عن رسول الله في حديث له :
إن من أشراط الساعة إضاعة الصلوات,و إتباع الشهوات,و الميل الى الأهواء...الى أن قال ...فعندما يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله,و يتخذونه مزامير,و يكون أقوام يتفقهون لغير الله,و تكثر اولاد الزنا,و يتغنون بالقرآن,...الى أن قال : يستحسنون الكوبة و المعازف, و ينكرون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر...الى أن قال : فأولئك يدعون في ملكوت السموات الأرجاس و الأنجاس ".
و في الوسائل في باب تحريم الغناء حتى في القرآن جاء في الحديث عن النبي قوله : إذا علمت أمتي خمس عشرة خصلة حل بهم البلاء,إذا كان الفيء دولاً,و الأمانة مغنماً,و الصدقة مغرماً,و أطاع الرجل امرأته,و عصى أمه,و بر صديقه,و جفا أباه,و ارتفعت الأصوات في المساجد,و أكرم الرجل مخافة شره,و كان زعيم القوم أرذلهم,و لبسوا الحرير,و اتخذوا القينات و المعازف,و شربوا الخمور, و كثر الزنا فارتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء,و خسفاً أو مسخاً,و ظهور العدو عليكم ثم لا تنصرون ".
و هناك العديد من الروايات و الأحاديث التي تمنع ذلك و ما تظافر آراء العلماء و الفقهاء إلا إتحاد بالاتفاق .
.......
اتفاق المسلمين على حرمة التغني بالقرآن :-
و ما أجمع عليه علماء مذهب أهل البيت فقد اتفق عليه علماء أهل السنة أيضاَ,فقد ورد على لسان الكثير من العلماء و المشايخ في هذا الصدد.سيما في التعليق على قراءات ما اشتهر من المقرئين المصريين و غيرهم من القراء اللبنانيين و العراقيين الذين يمتازون بأسلوبهم و طورهم الخاص,و كذلك قراء بعض البلدان الإسلامية الأخرى كما في الجمهورية الإسلامية في ايران و الحجاز و سوريا و غيرها .
و هؤلاء القراء لكل اسلوبه و خصائصه المميزه,سواء في اتقانه للقراءات العشر المشهورة أو اقتصاره على قراءة واحدة كما هو المتعارف على رواية حفص بن سليمان الأسدي الكوفي عن عاصم بن أبي النجود الكوفي .
فمن القراء من أكد على الصوت من اجل التأثير على السامع,و تساهل في التفاعل مع القراءة نفسها و الألفاظ المجيدة للقرآن,حتى أساء الأسلوب.و انشغل بنوع الأداء,و اللحن,و الموسيقى الصوتية,و كاد أن يتناسى ما هو فيه,و لذا فقد أجمع علماء الأزهر بحرمة التغني بالقرآن,سواء من المشايخ القدامى أو الحاليين كالشيخ عبد الحليم محود مثلاً .
و كذلك من المقرئين أنفسهم كما سمعت عن المقرىء الشيخ محمود خليل الحصري,و لذا فقد يؤاخذ البعض المقرىء المشهور عبد الباسط عبد الصمد بانه يسرف بصوته,كما يذكر ذلك عنه احد زملائه القراء فيقول : إن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد لا يختلف بالقراءة و التلاوة عن اي قارىء للقرآن الكريم,إنما اذا ارادنا ان نذكر ما يتميز به عن غيره فيمكننا الاشارة الى طول نفسه في التلاوة و القراءة أكثر من غيره,بحيث يستطيع أن يقرأ من الآيات بنفس واحد,ما لا يستطيع غيره أن يقرأه,أما من حيث الأداء و التجويد فلا يتميز عن غيره من القراء في الاذاعة المصرية .
و في صدد حديثه عما يؤخذ على الشيخ عبد الباسط في التنغيم و التطريب في تلاوته و جعل المستمع يهتم بالصوت بدل الاهتمام بمضمون الايات القرآنية يقول : التطريب و التنغيم لا يخص الشيخ عبد الباسط في قراءته فذلك موجود في قراءة و تلاوة كل قراء الإذاعة المصرية و لا يختلف الشيخ عبد الباسط في قراءته عن غيره من زملائه .
و كل ما هناك ان الشيخ عبد الصمد يمتاز بطبقة عالية في الصوت فاذا ارتفع بصوته أصبح صوته نحيفاَ رفيعاً دقيقاً بحيث لا يوجد مثل له عند غيره من القراء,أما الذي يصغي الى الصوت و لا يفكر في المعنى فهذا شأنه .
........
قراءة القرآن وسيلة تربوية :
و لهذا فلا نريد للقرآن الكريم أن يكون وسيلة لهو و العياذ بالله,بعد المفهوم الكبير للقرآن من انه مدرسة الأجيال و دار تربية حتى في قراءته التي لابد أن يتلقنها الطفل و الصبي و ينشأ على أنغامها و أفكارها,و معانيها,و حلاوتها,حتى لا تفسده العاديات,و لا تؤثر عليه الناشئات من أعمال الفسقة و الشياطين,و هذا ما داب عليه آباؤنا و أجدادنا من قبل حيث ان الطفل كان يفتح عينيه على المشايخ في محلته و الكتاتيب فيتعلم القرآن,و يدرس معانيه,و يحفظه كلاً أو جزءاً,حتى تكتمل فيه معالم الجمال القرآني,فتعجن في دمه,و تخالط لحمه و عظمه,و تؤثر فيه خطوط الطور التجويدي للقرآن,فتبقى معه دائماً,بل أن الابتداء بالقرآن و تعليمه الناشئة واجب قبل دراسته للفقه و أصول الاسلام و عقائده,و حينما نرجع الى الوراء نرى الكتاتيب التي انتشرت في بلاد الاسلام,كما في النجف الأشرف,و كربلاء,و الحلة,و الكاظمية,و السليمانية,و البصرة وكذلك في قم,و مشهد و غيرها من مدن فارس,و في لبنان,و شمال افريقيا,و بالخصوص السودان,و مصر حيث يعتنى في مصر بحفظ القرآن الكريم وتعليمه وكل ما يتعلق بتجويده وتلاوته لا سيما في القاهرة عند مقام سيدنا الامام الحسين حيث يذكر أن حول المقام الطاهر لسبط المصطفى ما يقارب الخمسة عشر ألفاً من حفاظ القرآن الكريم , وهو رقم ليس بالقليل , كذلك حول مقام السيدة زينب , و السيدة نفيسة,و مقام سيدي أبو العباس المرسي بالأسكندرية .
..........
خير القراءة :
ان خير يجب ان يتمتع به القارىء للقرآن هو حسن الاداء,و التجويد المتقن,و الالتزام بأحكامه و شروطه,و التفاعل مع القراءة كعبادة اسلامية,و كوسيلة تبليغية مباشرة,حتى تصل الآيات الشريفة بكل اجلال و خشوع لقلب السامع,و كذا القارىء نفسه .
و القرآن هو الثقل الأول الذي أوصانا به نبينا الأكرم فلا ينبغي الافراط في اسلوب الاداء بما يزيد عن الحد المطلوب لا يصال المعنى الواضح و ما ينجر أو ينساب الى أن ينهدم الخشوع و الطاعة في قلب المستمع أو القارىء بخيال طربي,و انشغال تهواه النفس الأمارة بالسوء .
و لنسأل انفسنا : كيف كان الصحابة و التابعون يقرأون القرآن ؟ لماذا اشتهر الإمام السجاد أبو محمد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بحسن أدائه للقرآن,و جودة صوته و حسنه,و أن تحسين القراءة بحسن الصوت الخاشع,مع الالتزام بالقواعد المطلوبة و المفروضة من الادغام,و الأخفاء, و المد,و الوقفات,و شروط الوصل,و القطع,و تسكين الحرف,و مده,حسب موقعه في الآية,هو الهدف المطلوب و الملزم لقارىء القرآن الكريم .
إن الاتقان التام للأحكام و القواعد و الممارسة تكسب الانسان خبرة تغنيه عن التقليد,لاسيما التقليد الأعمى الذي يحصل لدى البعض من أجل اظهار أصواتهم بشكل يسمح لهم أن يقال عنهم قراء أو قادرون على القراءة و إن كان الحساب على الله و ليس لأحد على أحد أن يحكم إلا على ظاهره و كما يقال " فلنا الظاهر و على الله السرائر ".
و يذكر أحد أساتذة القراءات و هو الاستاذ محمد أسكندر يلدا,أن على القارىء.أن يرقى الى ما يجب عليه من الابتعاد عن الرياء,و حب الجاه,و السمعة,و يذكر حديثاً عن النبي قوله " أكثر منافقي امتي قراؤها,و أحد الثلاثة الذين أول ما يحاسبهم ربهم يوم القيامة هو قارىء يقرأ رياء,ليقول عنه الناس أنه قارىء فيدخل الناس و العياذ بالله,و إنما الأعمال بالنيات,و إن لكل امرىء ما نوى .
إن علماء الدين و حماة الشريعة مدعوون اليوم,أكثر من أي وقت مضىء لرفع صوتهم,و بيان آراء الاسلام في المسائل الهامة التي يعيشها الناس,هادين و مبلغين الأمم,مشخصين حاجتهم لما يجب ان يبلغوهم بها و ينبهوهم عليها .
كما أن فتح المعاهد,و المراكز العلمية الخاصة بالقرآن مهمة و ضرورة,ينبغي الاسراع فيها, و إيجاد المتخصصين بالقرآن الكريم,بكل ما يتعلق به من قراءة,و تفسير,و تبليغ,و بحث و غيرها,و أن الأمة لا تكتمل حياتها ما لم يكتمل عملها بوصية نبيها الكريم بالثقلين كتاب الله و عترته أهل بيته,و أن التخلف عن هذا المسار,و عدم التصدي له – كما ينبغي – سيفسح المجال أمام المتلاعبين ,و المنافقين,و المتسترين بالدين للقيام بأفعالهم و مخططاتهم الخبيثة.
إن الاعتناء بالقرآن,و قراءته,و تهذيبها,و تنقيتها من الشوائب و المصائب وظيفة شرعية تستدعي النهوض بها,و ليس الأمر يقتصر على شروح القرآن علومه الاخرى .
كما أن على الامة أن تعتني بثقافتها القرآنية التي تعتبر الثقافة الأصلية في الشريعة,و التي يمكن تميزها عن غيرها.
..........
المصدر : رسالة القرآن.
موقع البلاغ.
عدل سابقا من قبل In The Zone في الثلاثاء مايو 29, 2012 10:49 pm عدل 1 مرات