الجهل واللامبالاة والأنانية من أقوى أعداء الانسان
شبكة النبأ: عندما وطأ الإنسان الأرض وجد نفسه
وجها لوجه مع أخطار الطبيعة التي تكاد تستعصي
على الاحصاء او الرصد، وأُجبر الانسان أن
يمارس نشاطاته مع كائنات متنوعة منها ما يشكل
خطرا كبيرا على وجوده ومنها ما هو اقل من
قدراته وذكائه، ومع تعاقب السنوات والحقب
تراكمت خبرات الانسان وتناقلتها الاجيال تباعا
حتى أصبح سيدا على الارض وباحثا أوحدا في
خفايا وأسرار الكون.
وكلما كان نشاطه العقلي والجسدي متواصلا
ودقيقا كلما حقق نجاحات ملموسة على الارض،
و لعل اكتشافه للغة بدلا من الاشارات ثم الكتابة ثم
التجمعات البشرية الهائلة التي تكونت منها الامم
والشعوب والدول، لعل كل هذه حققت قفزات
نوعية في رحلة الانسان على الارض، غير أن
ثمة مشكلة لا تزال قائمة حتى اليوم تتعلق
بالجانب الاجتماعي وتعاني منها الشعوب الاشد
فقرا والاكثر جهلا على المعمورة.
هذه المشكلة تتمثل بتخلف بعض المجتمعات عن
ركب التحضّر والتور الذي وصلته المجتمعات
البشرية الراقية، ولعلنا نتفق على ان الانسان
الفرد هو العضو الأساسي والذي يشكل بدوره
المكوِّن الأصغر للكيان الاجتماعي ومن مجموعه
تتكون المجتمعات ومن مواصفاته وتلاقحها مع
مواصفات الاعضاء الآخرين تأخذ المجتمعات
صفاتها ومهاراتها وسماتها التي قد تضعها في
مصاف المجتمعات الراقية أو العكس، فحين يكون
العضو الاجتماعي جاهلا سيؤدي ذلك بالضرورة
الى مجتمع جاهل وهنا تكمن خطورة الفرد الجاهل
لأنه سيكون لبنة من لبنات البناء الاجتماعي
فيتمخض ذلك عن نشوء مجتمع فاشل وكثيرا ما
يتحول مثل هذا الفرد الى عنصر هدم للمجتمع،
ويرى أحد الكتاب ان الاسباب التي تجعل من
الانسان هدّما تتعلق ببعض الصفات منها:
1ـ الجهل :إنّ السبب الأوّل في هذه السلوكية
العدوانية الخطرة على حياة الفرد والجماعة هو
الجهل .
وليس معنى الجهل، هو أن يكون الشخص الهدّام
اُمّياً، أو من أنصاف المتعلّمين، فقد يكون هذا
العنصر متعلّماً، وحاملاً شهادات عليا، ويملك
خبرات وتجارب في الحياة . فقد يكون حاكماً أو
سياسياً أو نشطاً اجتماعياً وثقافياً، أو صاحب
كفاءة واختصاص علمي..
انّ الجهل الذي يعاني منه هذا الصنف من الناس
هو الجهل بمعنى الحياة أو بالهدف الذي يجب أن
يسعى إليه الإنسان، أو الجهل بما سينتج عنه فعله
الهدّام، وما سترتد عليه وعلى الجماعة، وعلى
مشروع العمل والنشاط والقضيّة التي يمارسها
من ضرر وتخريب .
2ـ غياب الإحساس بالمسؤوليّة :ومن دواعي
التحوّل إلى الهدم والتخريب، وتغليب المصلحة
الشخصية على مصلحة الجماعة المشروعة، أو
الخيرية العامّة، هو غياب الإحساس بالمسؤوليّة
بغياب روح التقوى، ومخافة الله تعالى، وضعف
الشعور الأخلاقي، فمثل هذه الأنماط من الناس
تتصرّف وكأنّ حساباً ومسؤولية لم تحدث، وان
ليس هناك لقاء مع الله سبحانه، فقد جعل كل همّه
الدّنيا، وما يتوهّمه من مكاسب الحطام .
ولو انّه عرض نفسه للمحاسبة، والوقوف بين
يدي الله تعالى وقفة تأمّل، وعودة إلى الصواب،
لاكتشف الخطر الكبير على نفسه وغيره من تلك
المواقف الهدّامة تجاه شخصيات الآخرين
وأعمالهم ومشاريعهم وجهودهم .
إنّ الإنسان المسلم ينطلق في عمله ونشاطه
الاجتماعي وفق القيم والموازين الشرعية لخدمة
المجتمع، وهذا الانطلاق يجعل من عمله
الاصلاحي والخيري عملاً تعبّدياً يرجو به وجه
الله، ومع غياب هذه الروح والتوجيهات يتحوّل
العمل والنشاط الخيري إلى مغنم شخصي يتصارع
عليه اُولئك الذين استحكمت فيهم هذه النزعة
الذاتية والأنانية .
3ـ الأنانية :والسبب الأخطر في عصرنا، عصر
العلم والمعرفة، الذي يمكن فيه الحصول على
دراسـات ومعلومات تجنّب الإنسان مخاطر الجهل،
الأنانية العمياء، التي لا تبصر حتّى مصلحتها في
حركة الجماعة ونشاط المجتمع، وعطاء المشاريع
والجهد الجماعي، خدمياً كان، أو فكرياً، أو
اجتماعياً، أو غير ذلك .. فكم من المتعلمين
والمثقّفين لا يمكن التعامل معه عند ما يكون
عضواً في جمعية أو ناد، أو حركة اجتماعية، أو
مؤسّسة خيرية أو ثقافية أو علمية أو مالية،
يتحوّل جهده ونشاطه وذكاؤه وقدرته على
التخطيط والإبداع إلى الاستحواذ الأناني، وإلغاء
الآخـرين، وتحجيم دورهم، فيتحـوّل الجهد والعمل
في داخل تلك المؤسّسة، وذلك المشروع، من عمل
تعاوني، ونشاط بنّاء، إلى هدم وصراع وتخريب،
واستهلاك للطاقة والجهد والوقت، فيبدأ التآكل في
المشروع والنشاط والاستهلاك الذاتي حين تتحوّل
تلك الظاهرة إلى مرض يستعصي علاجه .
وهكذا نستطيع أن نقول بأن الفرد الذي لا يعاني
من عقدة الجهل ويتمتع بسمة الحرص المتوازن،
ولا ينتهج الانانية سلوكا في اداء دوره الفكري او
العملي في الحياة سيشكل لبنة ناجحة لكيان
اجتماعي يمضي مع الزمن باتجاه الرقي والتحضّر
ويتميز بالنزعة المدنية التي غالبا ما تسودها
اجواء التحرر والحيوية والأنشطة المنتجة على
المستويات الفكرية والعملية ايضا.
وقد يسأل أحدهم كيف يمكن الوصول الى بناء
مجتمع من طراز المجتنعات المتحضرة، والجواب
يكم في ان الاسلام وتعاليمه السمحاء الواضحة
قدم للانسان وليس المسلم حصرا خطوات فكرية
عمليه فيما لو اخذ بها وطبقها كما ينبغي فإن ذلك
من شأنه أن يحقق للانسان ما يصبو إليه، ولعل
المشكلة التي يعاني منها المسلمون تكمن في عدم
الإلتزام بجوهر الاسلام، الذي يقدم للبشرية حلولا
ناجعة ضد الجهل واللامبالاة والانانية، هذه
العناصر التي تعتبر من ألد أعداء الانسان كونها
تمنعه من الوصول الى بناء اجتماعي له القدرة
على مجاراة العصر مع احتفاظه بسماته الانسانية
الراقية.