الحرب...عن البشاعة اللامتناهية.
اعداد: حيدر الجراح.
.........
(لقد شكلتنا الحرب جميعاً فشوهتنا،لكن يبدو أننا ننسى) دوريس ليسينج...
يمكن اعتبار العراقيين اكثر شعوب المنطقة العربية تخمة بصور الحرب و مآسيها و خسائرها على المستويات كافة..فمنذ العام 1979 و بداية الحرب العراقية الايرانية مرورا بغزو الكويت و حرب
تحريرها ثم سنوات الحصار الاقتصادي التي كانت نتيجة لذلك الغزو و انتهاءا بالحرب الاخيرة في العام 2003،كل ذلك يجعل من العراقي انسانا مسكونا بالفجيعة و الخسارات و الفقد المتواصل..
تشترك بعض الدول العربية في تجربة الحرب،مثل فلسطين،و ان كانت الحيثيات و التفاصيل مختلفة.
ثم لبنان و تجربتها في الحرب الاهلية و الغزو الاسرائيلي،ثم حرب العام 2006..
في ما عرف بالربيع العربي هناك حرب واحدة لحقت باحدى دوله و هي ليبيا الا انها كانت قصيرة و لا تقارن باي حرب خاضتها دولتان عربيتان،و هما العراق و لبنان..
كما لا يمكن عقد مقارنة مع التجربة المصرية او السورية او الاردنية،فذاكرة الحرب تعود بها الى العام 1973 و هي حرب اكتوبر باستثناء سوريا التي كانت في نزاع مستمر مع بعض الفصائل اللبنانية و مع الاسرائيليين و لكن على الارض اللبنانية و ليس على ارضها،و هي الان تشرب من كأس حرب جديدة،حرب الداخل.
...........
الحرب الملعونة.
العراقي وحده تقريبا يمتلك تلك الذاكرة الممتلئة بالبشاعة عن الحروب التي خاضها قائده الاوحد،و هي بشاعة ملعونة و مدمرة و مكلفة..رغم اني لم اخدم في المواقع الامامية للجيش العراقي في حربه مع ايران او الكويت بسبب طبيعة صنفي العسكري و هو مقاومة الطائرات الا اني ايضا في بعض الفترات كنت اعيش حالات الرعب و اقصى درجات الخوف و ذلك التشتت في التفكير و تلك اللاجدوى من الحياة و ذلك العبث الذي يضحك على العقول،ان كان ثمة عقول باقية..
كان ازيز الطائرات المغيرة شديد الرعب،و كنا يجب ان نتصدى لها و هي قادمة باتجاه مدافعنا او و هي تحاول تفادي نيرانها..كان ذلك الصوت مدويا يجعل احشاءك تكاد ان تخرج من حلقك،و حتى اليوم لازلت ارفع يداي لاسد اذاني اذا سمعت صوتا مدويا،انها من بقايا الحرب الملعونة تلك..ماهي الحرب تلك الطفلة الملعونة لجنوننا و فقدان صوت التعقل في داخلنا؟
الحرب هي البديل عن عدم وجود تشريع قانوني قوي قادر على حل النزعات بين الجماعات و الدول, و بالتالي فالحرب مسعى (غير واع ربما) لفرض قوانين بعض الجماعات (الدول) على أخرى أو لفرض قوانين جديدة.
الحرب هي النزوع إلى العنف النفسي,فالعنف أو الميل إلى السلوك العنيف كما هو في الأفراد يوجد في الجماعات و الأمم.
الحرب هي العقد العنيف لتحويل بعض الدول و الأمم إلى سوق تجارية لدول أخرى,أو لجعلها مصدرا لمواردها الخام.
..............
الحروب هي صوت مرتفع في مقابل عجز صوت الحكمة.
الحرب هي أعلى صور العنف/ الصراع الشرس/ المقاتلة/ التعبير عن النزعات الشريرة/ التعبير عن عجز القانون المنضبط الضابط/ الرغبة في فرض إرادة على إرادة أخرى/..
كتب ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في اخر كتابه (الأزمة العالمية): ان قصة الجنس البشري هي الحرب و من المؤكد انه يصعب على اي شخص اليوم تأييد الاعتقاد الحر القديم الذي يعود الى القرن التاسع عشر بأن الحروب مقاطعة مؤسفة لتطور الحضارة الانسانية السلمي المألوف و لأن نمو الديمقراطية رافقته ايضاَ على ما يبدو حروب اكبر و اكثر دموية يصعب التمسك بالرأي القائل ان الحروب لا تسببها سوى شرور الاثرياء او سوء تقدير السياسيين.
الحروب تمثل تعبيرا عنيفا عن تناقض القوى المحركة للإفراد و المجتمعات المؤطرة ماديا أو عقليا و الحروب في العادة تبدأ عند تناقض المصالح المادية أو القومية و لكنها قابلة للحدوث أيضا بسبب تناقض المفاهيم الشمولية و الأخلاقية أو تعارض الفهم العام لأسس المجتمع،و الحروب تحتاج إلى تجمعات بشرية تشترك ببعض المفاهيم و المصالح- ضد مجتمعات أخرى تختلف معها.
و يمكن لأساس واحد تفجير الحرب مثل الصراعات الطبقية و الاستعمارية أو الصراعات القومية و القبلية أو الفكرية الأيدلوجية.
................
كيف صور الادب العالمي و العربي منه تلك الحرب؟
يكتب الشاعر عبد الوهاب عزاوي من قصيدة طويلة حملت عنوان (يوميات على جدار الحرب)
هرولت الطلقات كالقطط/ قالت الطفلة: أمي..هل يشيخ الموتى حقاً..؟
صمتت الأم..ثم قالت: هنا..يقاس العمر بعيون أحبابنا/ الحاضرين بيننا/ أو الغائبين في الحياة/ دمعت عيناها..و غطت وجهها بالكفن.
..
و للشاعر بلند الحيدري من قصيدة (طفل من الحرب الأولى) يقول فيها:
في عالم الخبز الأسمر/ في عالم ليال نهمات كجراد اصفر/ و دلت أمي/ وجهي المدمي/ و كبرت مع الحرب الأولى جرحا/ و لعقت دمي/ و كبرت…كبرت…و صار أسمي/ رقما لا يعرف ما اسمي/ و عرفت الحرب الأولى/ في الخبز الأسمر/ في عيني ميت لم يقبر/ و بألف ذراع صلبت في دفتر/ و حزنت لأمي/ و لوجهي المدمى الملفوف بخبز أسمر/ و الملقى وعدا لجراد أصفر.
..
و للشاعر شابير بانوباي من جنوب افريقيا يقول في قصيدة له:
من نعزي حين يموت الأطفال/ في أحضان امهاتهم؟ من نؤاسي حين نضيء شمعة/ في أرض مشى عليها إنسان ذات مرة؟ كيف نملأ الفراغ/ كيف نردم المساحات الخالية/ التي تولد/ كلّما اشعلنا ناراً لنعتّم الأرض؟ تحت اي ظلال نرقد/ حين يدهمنا النعاس/ بعد أن يدمروا عالمنا/ في حرب باسم السلام؟
......
و لا يقتصر تصوير الحرب و بشاعتها على الشعر وحده بل يمتد الى القصة و الرواية و المسرح و هو ما يعرف على الاجمال بادب الحرب الذي يعرفه السيد نجم بانه (التعبير عن هول التجربة ذاتها: يكفى القول بأن النفس البشرية جبلت على حب الحياة,بينما يخوض الأفراد التجربة الحربية مدفوعا بأمر الجماعة (المجتمع) و بناء على رغبتهم,و قد يباركون موته.
فالتجربة الحربية ليست ذاتية بالكامل,و تحمل بين طياتها التناقض,فالمقاتل يسعى لاثبات الوجود و تحقيق الأهداف السامية,بينما الواقع المعاش فظ و قاس).
..........
كثيرة هي الحروب التي استوحت منها السينما.
و لا يقتصر تصوير موضوعة الحرب على الادب بانواعه المتعددة بل يتعدى ذلك ايضا الى السينما حيث الافلام العديدة التي جعلت ثيمتها الرئيسية الحرب.
ليس من نزاع مسلّح بين طرفين متخاصمين لم ينقل الى الشاشة الى حدّ ان الفيلم الحربي بات صنفاً سينمائياً في ذاته.
هذه السينما قدمت تحفاً،بعدما وجدت في الحرب انعكاساً لذروة التراجيديا الانسانية و عنواناً لافتاً لجماليات الخراب و الدمار و نهاية البشرية المنتظرة.
معظمها أظهر ان التناقض سمة آدمية بامتياز و كيف ان العقل يعمل حيناً للخلق و البناء و التطوير،و حيناً آخر للارهاب و القتل و التدمير.
كثيرة هي الحروب التي استوحت منها السينما،فلكل حرب أفلامها،و لكل حرب متخصصوها من مخرجين تداركوا حقيقة الامر عبر اللغة السينمائية،خدمة للذاكرة الجماعية،لذا لا نشاهد فلما من أفلام الحروب إلا و يكون معه موضوع اخر.
يعد الفيلم العنصري «مولد أمة» من أهم الأفلام التي ظهرت في بدايات القرن العشرين و تحديدا عام 1915،و كان يدور حول الحرب الأهلية الأمريكية و حرب تحرير العبيد،الأمر الذي كان يذمه مخرج الفيلم «دي دبليو غريفيث»،ظهر خلال تلك الفترة فيلم (كل شيء هادئ على الجبهة) الذي يعد من الافلام المناهضة للحروب،و بهذا يجب ان نعتبر السينما جاءت لتعرض لنا بشاعة الحروب و اثارها النفسية و الاجتماعية باعتبار ان اثارها تمتد لسنوات و نذكر هنا رائعة السينما العالمية، "ذهب مع الريح" عام 1939 الذي يؤرخ كذلك حرب تحرير العبيد في أمريكا،
و يحضر فلم المراسل الاجنبي لهتشكوك عام 1940 لياتي شارلي شابلن في فلم "الدكتاتور العظيم" عام 1940 الذي قلد فيه شخصية هتلر بسخرية لدرجة جعلت هتلر يمنع الشعب الألماني من مشاهدته.
و توالت افلام الحروب العالمية الاولى و الثانية و حرب البوسنة و الهرسك حتى اخر ما انتجته السينما في حرب الصحراء و غيرها،لذا فان السينما و ان كانت قد اخذت من الحروب مادة لها الا انها كانت توجه رسائل لوقفها و تصور حياة الجنود و هم يذهبون الى الحروب و هم لا يعرفون مصيرهم.
و لطالما إرتبطت الأعمال الحربية بقيم كالشجاعة و التضحية و الوفاء و أيضا الخيانة و الخداع على طرف نقيض في البداية قبل أن يظهر تيار من الأفلام يناهض الحرب و يدينها و يدعو إلى نبذها و خاصة في حقبة السبعينيات التى تعتبر أزهى فترات السينما الحربية و أيضا التسعينيات التي وصلت فيها الأعمال الحربية إلى أوجها تقنيا.
و لعل أبرز الحروب التي تطرقت إليها السينما بشكل عام الحربين العالميتين الأولى و الثانية و حرب الفيتنام التي تلقى فيها الأمريكيين هزيمة نكراء !
و الحرب الباردة و كذلك الحرب الأهلية الأمريكية و حروب أخرى كحرب العراق مثلا.
و في مقدمة تلك الأفلام يأتي فيلم المخرج الأسطورة فرانسيس فورد كوبولا القيام الأن الذي يدين بشدة حرب أمريكا على الفيتنام و صنف كواحد من أعظم الأفلام الحربية في التاريخ و في صفه هناك أيضا تحفة أوليفر ستون الفصيلة و نذكر أيضا فيلم المخرج الأسطورة ستانلي كيوبريك السترة المعدنية اللذان يتقاسمان مع فيلم كوبولا نفس الموضوع.
و بعيداَ عن حرب الفيتنام نجد مجموعة من الأعمال السينمائية التي عالجت الحرب العالمية الأولى و الثانية بكل تفاصيلها و أبرزها فيلم المحرقة الشهير لائحة شندلر للمبدع ستيفن سبيلبيرغ الذي له عمل آخر لا يقل شأن هو الآخر عن فيلمه الأول و هو "إنقاذ الجندي رايان".
.........
السينما الأوربية.
و على غرار السينما الأمريكية ساهمت السينما الأوربية بدورها في صنع أمجاد سينما الحرب و قدمت أعمال مهمة جدا من أمثلتها العمل الألماني الرائع "السقوط" و نظيره "السفينة" ثم "عازف البيانو" للقدير بولانسكي.
هذا و توجد عدة أفلام تناولت حروب أخرى كالفيلم الحديث الإنتاج "المنطقة الخضراء" الذي يدين سياسة البيت الأبيض تجاه العراق و يكشف خدعة السلاح النووي المزعومة.
و لم يتوقف موضوع الحرب عند حد الأفلام الروائية و الوثائقية بل تجاوز ذلك إلى أفلام الأنمي كالفيلم الياباني الصادم "قبر لليراعات".
.........
شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 29/أيلول/2012
اعداد: حيدر الجراح.
.........
(لقد شكلتنا الحرب جميعاً فشوهتنا،لكن يبدو أننا ننسى) دوريس ليسينج...
يمكن اعتبار العراقيين اكثر شعوب المنطقة العربية تخمة بصور الحرب و مآسيها و خسائرها على المستويات كافة..فمنذ العام 1979 و بداية الحرب العراقية الايرانية مرورا بغزو الكويت و حرب
تحريرها ثم سنوات الحصار الاقتصادي التي كانت نتيجة لذلك الغزو و انتهاءا بالحرب الاخيرة في العام 2003،كل ذلك يجعل من العراقي انسانا مسكونا بالفجيعة و الخسارات و الفقد المتواصل..
تشترك بعض الدول العربية في تجربة الحرب،مثل فلسطين،و ان كانت الحيثيات و التفاصيل مختلفة.
ثم لبنان و تجربتها في الحرب الاهلية و الغزو الاسرائيلي،ثم حرب العام 2006..
في ما عرف بالربيع العربي هناك حرب واحدة لحقت باحدى دوله و هي ليبيا الا انها كانت قصيرة و لا تقارن باي حرب خاضتها دولتان عربيتان،و هما العراق و لبنان..
كما لا يمكن عقد مقارنة مع التجربة المصرية او السورية او الاردنية،فذاكرة الحرب تعود بها الى العام 1973 و هي حرب اكتوبر باستثناء سوريا التي كانت في نزاع مستمر مع بعض الفصائل اللبنانية و مع الاسرائيليين و لكن على الارض اللبنانية و ليس على ارضها،و هي الان تشرب من كأس حرب جديدة،حرب الداخل.
...........
الحرب الملعونة.
العراقي وحده تقريبا يمتلك تلك الذاكرة الممتلئة بالبشاعة عن الحروب التي خاضها قائده الاوحد،و هي بشاعة ملعونة و مدمرة و مكلفة..رغم اني لم اخدم في المواقع الامامية للجيش العراقي في حربه مع ايران او الكويت بسبب طبيعة صنفي العسكري و هو مقاومة الطائرات الا اني ايضا في بعض الفترات كنت اعيش حالات الرعب و اقصى درجات الخوف و ذلك التشتت في التفكير و تلك اللاجدوى من الحياة و ذلك العبث الذي يضحك على العقول،ان كان ثمة عقول باقية..
كان ازيز الطائرات المغيرة شديد الرعب،و كنا يجب ان نتصدى لها و هي قادمة باتجاه مدافعنا او و هي تحاول تفادي نيرانها..كان ذلك الصوت مدويا يجعل احشاءك تكاد ان تخرج من حلقك،و حتى اليوم لازلت ارفع يداي لاسد اذاني اذا سمعت صوتا مدويا،انها من بقايا الحرب الملعونة تلك..ماهي الحرب تلك الطفلة الملعونة لجنوننا و فقدان صوت التعقل في داخلنا؟
الحرب هي البديل عن عدم وجود تشريع قانوني قوي قادر على حل النزعات بين الجماعات و الدول, و بالتالي فالحرب مسعى (غير واع ربما) لفرض قوانين بعض الجماعات (الدول) على أخرى أو لفرض قوانين جديدة.
الحرب هي النزوع إلى العنف النفسي,فالعنف أو الميل إلى السلوك العنيف كما هو في الأفراد يوجد في الجماعات و الأمم.
الحرب هي العقد العنيف لتحويل بعض الدول و الأمم إلى سوق تجارية لدول أخرى,أو لجعلها مصدرا لمواردها الخام.
..............
الحروب هي صوت مرتفع في مقابل عجز صوت الحكمة.
الحرب هي أعلى صور العنف/ الصراع الشرس/ المقاتلة/ التعبير عن النزعات الشريرة/ التعبير عن عجز القانون المنضبط الضابط/ الرغبة في فرض إرادة على إرادة أخرى/..
كتب ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في اخر كتابه (الأزمة العالمية): ان قصة الجنس البشري هي الحرب و من المؤكد انه يصعب على اي شخص اليوم تأييد الاعتقاد الحر القديم الذي يعود الى القرن التاسع عشر بأن الحروب مقاطعة مؤسفة لتطور الحضارة الانسانية السلمي المألوف و لأن نمو الديمقراطية رافقته ايضاَ على ما يبدو حروب اكبر و اكثر دموية يصعب التمسك بالرأي القائل ان الحروب لا تسببها سوى شرور الاثرياء او سوء تقدير السياسيين.
الحروب تمثل تعبيرا عنيفا عن تناقض القوى المحركة للإفراد و المجتمعات المؤطرة ماديا أو عقليا و الحروب في العادة تبدأ عند تناقض المصالح المادية أو القومية و لكنها قابلة للحدوث أيضا بسبب تناقض المفاهيم الشمولية و الأخلاقية أو تعارض الفهم العام لأسس المجتمع،و الحروب تحتاج إلى تجمعات بشرية تشترك ببعض المفاهيم و المصالح- ضد مجتمعات أخرى تختلف معها.
و يمكن لأساس واحد تفجير الحرب مثل الصراعات الطبقية و الاستعمارية أو الصراعات القومية و القبلية أو الفكرية الأيدلوجية.
................
كيف صور الادب العالمي و العربي منه تلك الحرب؟
يكتب الشاعر عبد الوهاب عزاوي من قصيدة طويلة حملت عنوان (يوميات على جدار الحرب)
هرولت الطلقات كالقطط/ قالت الطفلة: أمي..هل يشيخ الموتى حقاً..؟
صمتت الأم..ثم قالت: هنا..يقاس العمر بعيون أحبابنا/ الحاضرين بيننا/ أو الغائبين في الحياة/ دمعت عيناها..و غطت وجهها بالكفن.
..
و للشاعر بلند الحيدري من قصيدة (طفل من الحرب الأولى) يقول فيها:
في عالم الخبز الأسمر/ في عالم ليال نهمات كجراد اصفر/ و دلت أمي/ وجهي المدمي/ و كبرت مع الحرب الأولى جرحا/ و لعقت دمي/ و كبرت…كبرت…و صار أسمي/ رقما لا يعرف ما اسمي/ و عرفت الحرب الأولى/ في الخبز الأسمر/ في عيني ميت لم يقبر/ و بألف ذراع صلبت في دفتر/ و حزنت لأمي/ و لوجهي المدمى الملفوف بخبز أسمر/ و الملقى وعدا لجراد أصفر.
..
و للشاعر شابير بانوباي من جنوب افريقيا يقول في قصيدة له:
من نعزي حين يموت الأطفال/ في أحضان امهاتهم؟ من نؤاسي حين نضيء شمعة/ في أرض مشى عليها إنسان ذات مرة؟ كيف نملأ الفراغ/ كيف نردم المساحات الخالية/ التي تولد/ كلّما اشعلنا ناراً لنعتّم الأرض؟ تحت اي ظلال نرقد/ حين يدهمنا النعاس/ بعد أن يدمروا عالمنا/ في حرب باسم السلام؟
......
و لا يقتصر تصوير الحرب و بشاعتها على الشعر وحده بل يمتد الى القصة و الرواية و المسرح و هو ما يعرف على الاجمال بادب الحرب الذي يعرفه السيد نجم بانه (التعبير عن هول التجربة ذاتها: يكفى القول بأن النفس البشرية جبلت على حب الحياة,بينما يخوض الأفراد التجربة الحربية مدفوعا بأمر الجماعة (المجتمع) و بناء على رغبتهم,و قد يباركون موته.
فالتجربة الحربية ليست ذاتية بالكامل,و تحمل بين طياتها التناقض,فالمقاتل يسعى لاثبات الوجود و تحقيق الأهداف السامية,بينما الواقع المعاش فظ و قاس).
..........
كثيرة هي الحروب التي استوحت منها السينما.
و لا يقتصر تصوير موضوعة الحرب على الادب بانواعه المتعددة بل يتعدى ذلك ايضا الى السينما حيث الافلام العديدة التي جعلت ثيمتها الرئيسية الحرب.
ليس من نزاع مسلّح بين طرفين متخاصمين لم ينقل الى الشاشة الى حدّ ان الفيلم الحربي بات صنفاً سينمائياً في ذاته.
هذه السينما قدمت تحفاً،بعدما وجدت في الحرب انعكاساً لذروة التراجيديا الانسانية و عنواناً لافتاً لجماليات الخراب و الدمار و نهاية البشرية المنتظرة.
معظمها أظهر ان التناقض سمة آدمية بامتياز و كيف ان العقل يعمل حيناً للخلق و البناء و التطوير،و حيناً آخر للارهاب و القتل و التدمير.
كثيرة هي الحروب التي استوحت منها السينما،فلكل حرب أفلامها،و لكل حرب متخصصوها من مخرجين تداركوا حقيقة الامر عبر اللغة السينمائية،خدمة للذاكرة الجماعية،لذا لا نشاهد فلما من أفلام الحروب إلا و يكون معه موضوع اخر.
يعد الفيلم العنصري «مولد أمة» من أهم الأفلام التي ظهرت في بدايات القرن العشرين و تحديدا عام 1915،و كان يدور حول الحرب الأهلية الأمريكية و حرب تحرير العبيد،الأمر الذي كان يذمه مخرج الفيلم «دي دبليو غريفيث»،ظهر خلال تلك الفترة فيلم (كل شيء هادئ على الجبهة) الذي يعد من الافلام المناهضة للحروب،و بهذا يجب ان نعتبر السينما جاءت لتعرض لنا بشاعة الحروب و اثارها النفسية و الاجتماعية باعتبار ان اثارها تمتد لسنوات و نذكر هنا رائعة السينما العالمية، "ذهب مع الريح" عام 1939 الذي يؤرخ كذلك حرب تحرير العبيد في أمريكا،
و يحضر فلم المراسل الاجنبي لهتشكوك عام 1940 لياتي شارلي شابلن في فلم "الدكتاتور العظيم" عام 1940 الذي قلد فيه شخصية هتلر بسخرية لدرجة جعلت هتلر يمنع الشعب الألماني من مشاهدته.
و توالت افلام الحروب العالمية الاولى و الثانية و حرب البوسنة و الهرسك حتى اخر ما انتجته السينما في حرب الصحراء و غيرها،لذا فان السينما و ان كانت قد اخذت من الحروب مادة لها الا انها كانت توجه رسائل لوقفها و تصور حياة الجنود و هم يذهبون الى الحروب و هم لا يعرفون مصيرهم.
و لطالما إرتبطت الأعمال الحربية بقيم كالشجاعة و التضحية و الوفاء و أيضا الخيانة و الخداع على طرف نقيض في البداية قبل أن يظهر تيار من الأفلام يناهض الحرب و يدينها و يدعو إلى نبذها و خاصة في حقبة السبعينيات التى تعتبر أزهى فترات السينما الحربية و أيضا التسعينيات التي وصلت فيها الأعمال الحربية إلى أوجها تقنيا.
و لعل أبرز الحروب التي تطرقت إليها السينما بشكل عام الحربين العالميتين الأولى و الثانية و حرب الفيتنام التي تلقى فيها الأمريكيين هزيمة نكراء !
و الحرب الباردة و كذلك الحرب الأهلية الأمريكية و حروب أخرى كحرب العراق مثلا.
و في مقدمة تلك الأفلام يأتي فيلم المخرج الأسطورة فرانسيس فورد كوبولا القيام الأن الذي يدين بشدة حرب أمريكا على الفيتنام و صنف كواحد من أعظم الأفلام الحربية في التاريخ و في صفه هناك أيضا تحفة أوليفر ستون الفصيلة و نذكر أيضا فيلم المخرج الأسطورة ستانلي كيوبريك السترة المعدنية اللذان يتقاسمان مع فيلم كوبولا نفس الموضوع.
و بعيداَ عن حرب الفيتنام نجد مجموعة من الأعمال السينمائية التي عالجت الحرب العالمية الأولى و الثانية بكل تفاصيلها و أبرزها فيلم المحرقة الشهير لائحة شندلر للمبدع ستيفن سبيلبيرغ الذي له عمل آخر لا يقل شأن هو الآخر عن فيلمه الأول و هو "إنقاذ الجندي رايان".
.........
السينما الأوربية.
و على غرار السينما الأمريكية ساهمت السينما الأوربية بدورها في صنع أمجاد سينما الحرب و قدمت أعمال مهمة جدا من أمثلتها العمل الألماني الرائع "السقوط" و نظيره "السفينة" ثم "عازف البيانو" للقدير بولانسكي.
هذا و توجد عدة أفلام تناولت حروب أخرى كالفيلم الحديث الإنتاج "المنطقة الخضراء" الذي يدين سياسة البيت الأبيض تجاه العراق و يكشف خدعة السلاح النووي المزعومة.
و لم يتوقف موضوع الحرب عند حد الأفلام الروائية و الوثائقية بل تجاوز ذلك إلى أفلام الأنمي كالفيلم الياباني الصادم "قبر لليراعات".
.........
شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 29/أيلول/2012