الجانب الجمالي في الرسالة الإعلامية
* د. مصري حنورة
...................
يتفق معظم الدارسين على أن الاتصال Communication يهدف إلى تحقيق هدف أو أكثر من الأهداف التالية:
1 ـ توفير المعلومات.
2 ـ تيسير التعاون.
3 ـ تحقيق الذات.
ولكي تتحقق هذه الأهداف كلها أو بعضها، فإن هناك شروطاً ينبغي توفيرها. ومن بين هذه الشروط، ما يخص المرسل، ومنها ما يخص المستقبل، ومنها ما يخص الرسالة، مما يمكن أن نعثر عليه في معظم الكتب المهتمة بعملية الاتصال.
ووضوح الرسالة هو من أبرز الخصائص التي يوصي بها المتخصصون، إذا أريد لها أن تحقق هدفها، ولكن هذه الخاصية وجدت مَن يزعم أنها إذا تحققت في الرسالة، فإنها لن تؤدي إلى أفضل النتائج تحت ظل ظروف معينة. بمعنى أن الوضوح، وإن كان أمراً مطلوباً، إلا أن الملاحظة المباشرة تدلنا على أن الإنسان في كثير من الحالات يسعى إلى معايشة حالة من عدم الوضوح من خلال عملية اتصالية يقوم بها، كما يذكر كرونكايت ومن ذلك على سبيل المثال، مشاهدة الأفلام الملغزة، والدخول في مراهنات غير مضمونة النتيجة، والاشتراك في جدل حول قضية معقدة وذات جوانب مبهمة. صحيح أن كل الأطراف تتنافس أو تتصارع أو تتعاون من أجل حل الغموض، ولكن عملية الاتصال في حد ذاتها تمر بالفعل خلال ارتقائها بمناطق غامضة، وقد تنتهي العملية ويجد المرء نفسه لم يبرح المنطقة التي كان فيها عند بداية العملية الاتصالية.
وهناك دراسة شيقة، نشرها تيرنس مور عن خبرة شخصية اتصالية، تمثلت في إقامته لفترة من الوقت بين جماعة من الناس لا يعرف لغتهم ولا يفهمون لغته.
وقد حاول الباحث أن يحلل هذه العلاقة الاتصالية الصعبة، وتوصّل من هذا التحليل إلى وجود خصائص لمثل هذا النوع من الاتصال نوجزها فيما يلي:
1 ـ الترميز أي وضع الرسالة من قِبَل المصدر في شكل رموز معينة.
2 ـ محاولة المستقبل للفهم.
3 ـ التفاعل النفسي بين المتلقي وموقف فك الرمز.
4 ـ التعبير أي الاستجابة برموز أخرى (بداية جملة اتصال جديدة).
وقد كشف التقرير، عن أن تلك العملية الاتصالية، كانت تمضي على النحو التالي:
1 ـ عزل ا لكلمات التي يمكن التعرف عليها.
2 ـ استدعاء معاني الكلمة واكتساب المفردات.
3 ـ ترتيب معاني الكلمات في جمل ذات معنى.
4 ـ إيجاد مصطلحات تحدد بشكل مناسب، المفاهيم والعلاقات المتعلقة بموضوع الاتصال، منخ لال ما يمكن أن نطلق عليه قطار الفكر.
ومجمل ما تشير إليه هذه الدراسة، هو أن طبيعة الرسالة، فضلاً عن خصائص مَن يتلقاها، تلعب دوراً أساسياً في تشكيل، ليس فحسب الاستجابات المباشرة للفرد، ولكن أيضاً فيما يتبقى ويتراكم في البناء النفسي لهذا المتلقى.
وربما كان من الممكن الاستدلال على ذلك، مما توصل إليه باحثون متعددون، في مجال العلاقة بين التوتر النفسي وتحمل الغموض والتشتت النفسي من ناحية، ومستوى حضرية المجتمع من ناحية أخرى، بما يتضمنه ذلك من توفر وسائل الرفاهية، والمواصلات والاتصالات وشيوع أفكار متعددة ذات خصائص متباينة ودرجات متفاوتة من الاتساق والتناقض، أو بين الوضوح والغموض أو البساطة أو التركيب أو الكثافة والندرة.
فقد اتضح على سبيل المثال في دراسة نجاتي، أنه كلما ازدادت درجة المدنية، ازدادت درجة التوتر لدى الشباب.
ونتائج هذه الدراسات تشير بوجهٍ عامٍ إلى أن المجتمع الذي يتمتع بدرجة أعلى من التحضر (والاتصال دالة أساسية في هذه الدرجة)، يكون أفراده أكثر ميلاً إلى إصدار استجابات أكثر توتراً وأعلى تطرفاً.
وربما كان هناك تفسير آخر لهذه النتائج، مؤداه، أن زيادة درجة الحضرية، يقابلها ازدياد مستوى النشاط والدافعية لدى الأفراد، بما يرتبط بذلك من مستوى مرتفع من التوتر.
وأياً كان التفسير المقدم، فهناك علاقة واضحة بين كمية وأنواع المعلومات المطروحة وحالة الدافعية وارتفاع مستوى النشاط وعدم اليقين والشك والتوتر والأحكام التفضيلية لدى الأفراد.
والعملية الإبداعية المصاحبة لصنع الرسالة، عبارة عن جهد مركب يبذله المبدع (صانع الرسالة)، لاقتحام عالم مليء بالغموض والأسرار.
يؤكد ذلك ما يقرره تشيلد من أن الأسلوب الذي يستخدمه الفنان لعرض موضوعه، ذو أثر كبير في تشكيل طبيعة الخبرة التي تتحقق لدى المتلقي. ويشير هذا الباحث، إلى رأي أرنهيم، الذي يذهب فيه إلى أن العمل الفني يعكس الفهم الخاص للعالم. كما هو متحقق لدى الفنان (صانع الرسالة). والموضوع الإدراكي، يجعل المتلقي قادراً على أن يجرب بنفسه مثل هذا الفهم الذي يحمله الفنان ـ صانع الرسالة ـ للعالم.
من كل ما سبق، يمكن لنا أن نتصور أن الرسالة، والرسالة الإعلامية على وجه الخصوص، تحمل بين طياتها، وتملك ضمن خصائصها، ما يمكن أن يؤثر إلى درجة كبيرة في استجابات الأفراد.
يوضح ذلك أكثر، ما يشير إليه سويف، من أن العمل الفني رسالة موجهة من الأنا إلى الآخر بقصد استعادة (النحن).
ولكن هذا كله، يفسر لنا الأبعاد الكبرى ولا يقترب كثيراً من خصائص نوعية المنبهات المعروضة على الإنسان وطريقة عرضها. ألا يمكن أن يكون اختلاف طبيعة المنبهات وطريقة بثها وأساليب تلقيها، مما يترتب عليه آثار في جانب أو آخر من جوانب العملية الاتصالية؟
يجيب على هذا السؤال، دراسة أجراها وولفولك، ناقش فيها بعمق، طريقة تقديم وعرض المعلومات في عملية الاتصال، فقد قارن بين ما أسماه الأسلوب التأكيدي التقليدي في العرض، وأسلوب اللامعقول: الأسلوب التأكيدي يعرض المنبهات عرضاً متتالياً فيه اتساق ووضوح ومباشرة وتأكيد، وأسلوب اللامعقول يعرض المنبهات عرضاً شاذاً غير متسق لا يستجيب مباشرة للمنبهات أو الرسائل الأسبق منه.
وقد توصل هذا الباحث، إلى أن أسلوب اللامعقول Absurd في العرض، كان أكثر تشويقاً وأكثر فاعلية، من حيث إنه يستفز قدرات الإنسان ويستثير فضوله،ويشد انتباهه، ويحد من سلطان التمادي أو القصور الذاتي والتلقي المسترخي للمعلومات، على حين أن الأسلوب التأكيدي المباشر، كثيراً ما يحمل معه الملل والشعور بالاكتفاء وعدم الرغبة في الاستكشاف.
ومن المفروغ منه، أن لا معقولية العرض، تتعلق في جانب أساسي منها، بالطريقة التي تتسلسل بها العناصر والمكونات، والتي تتشكل بصورة غير معتادة لدى مَن يتلقاها.
من كل ما سبق، يمكن أن نخلص إلى الأفكار التالية:
ـ أن عملية الاتصال تعتمد ليس فحسب على مضمون المنبهات أو على وسيلة البث أو على خصائص المتلقي، بل هي عملية ذات طبيعة تركيبية ارتقائية متشعبة أيضاً.
ـ أن الحاجة إلى الوضوح، كخاصية مميزة للعمل ا لمعروض ومميزة للنشاط المبذول، ليست في جميع الأحوال بذات الفاعلية الأكبر في العائد المأمول من العملية الاتصالية، بل ربما كان عدم اليقين والغموض وخصوبة عناصر الرسالة، مما ينتج أثراً أعمق وأبقى.
ـ أن الخصائص الإبداعية في العملية الاتصالية، تمتد فتشمل الرسالة وصانعها ومتلقيها والقناة الحاملة لها.
البلاغ
* د. مصري حنورة
...................
يتفق معظم الدارسين على أن الاتصال Communication يهدف إلى تحقيق هدف أو أكثر من الأهداف التالية:
1 ـ توفير المعلومات.
2 ـ تيسير التعاون.
3 ـ تحقيق الذات.
ولكي تتحقق هذه الأهداف كلها أو بعضها، فإن هناك شروطاً ينبغي توفيرها. ومن بين هذه الشروط، ما يخص المرسل، ومنها ما يخص المستقبل، ومنها ما يخص الرسالة، مما يمكن أن نعثر عليه في معظم الكتب المهتمة بعملية الاتصال.
ووضوح الرسالة هو من أبرز الخصائص التي يوصي بها المتخصصون، إذا أريد لها أن تحقق هدفها، ولكن هذه الخاصية وجدت مَن يزعم أنها إذا تحققت في الرسالة، فإنها لن تؤدي إلى أفضل النتائج تحت ظل ظروف معينة. بمعنى أن الوضوح، وإن كان أمراً مطلوباً، إلا أن الملاحظة المباشرة تدلنا على أن الإنسان في كثير من الحالات يسعى إلى معايشة حالة من عدم الوضوح من خلال عملية اتصالية يقوم بها، كما يذكر كرونكايت ومن ذلك على سبيل المثال، مشاهدة الأفلام الملغزة، والدخول في مراهنات غير مضمونة النتيجة، والاشتراك في جدل حول قضية معقدة وذات جوانب مبهمة. صحيح أن كل الأطراف تتنافس أو تتصارع أو تتعاون من أجل حل الغموض، ولكن عملية الاتصال في حد ذاتها تمر بالفعل خلال ارتقائها بمناطق غامضة، وقد تنتهي العملية ويجد المرء نفسه لم يبرح المنطقة التي كان فيها عند بداية العملية الاتصالية.
وهناك دراسة شيقة، نشرها تيرنس مور عن خبرة شخصية اتصالية، تمثلت في إقامته لفترة من الوقت بين جماعة من الناس لا يعرف لغتهم ولا يفهمون لغته.
وقد حاول الباحث أن يحلل هذه العلاقة الاتصالية الصعبة، وتوصّل من هذا التحليل إلى وجود خصائص لمثل هذا النوع من الاتصال نوجزها فيما يلي:
1 ـ الترميز أي وضع الرسالة من قِبَل المصدر في شكل رموز معينة.
2 ـ محاولة المستقبل للفهم.
3 ـ التفاعل النفسي بين المتلقي وموقف فك الرمز.
4 ـ التعبير أي الاستجابة برموز أخرى (بداية جملة اتصال جديدة).
وقد كشف التقرير، عن أن تلك العملية الاتصالية، كانت تمضي على النحو التالي:
1 ـ عزل ا لكلمات التي يمكن التعرف عليها.
2 ـ استدعاء معاني الكلمة واكتساب المفردات.
3 ـ ترتيب معاني الكلمات في جمل ذات معنى.
4 ـ إيجاد مصطلحات تحدد بشكل مناسب، المفاهيم والعلاقات المتعلقة بموضوع الاتصال، منخ لال ما يمكن أن نطلق عليه قطار الفكر.
ومجمل ما تشير إليه هذه الدراسة، هو أن طبيعة الرسالة، فضلاً عن خصائص مَن يتلقاها، تلعب دوراً أساسياً في تشكيل، ليس فحسب الاستجابات المباشرة للفرد، ولكن أيضاً فيما يتبقى ويتراكم في البناء النفسي لهذا المتلقى.
وربما كان من الممكن الاستدلال على ذلك، مما توصل إليه باحثون متعددون، في مجال العلاقة بين التوتر النفسي وتحمل الغموض والتشتت النفسي من ناحية، ومستوى حضرية المجتمع من ناحية أخرى، بما يتضمنه ذلك من توفر وسائل الرفاهية، والمواصلات والاتصالات وشيوع أفكار متعددة ذات خصائص متباينة ودرجات متفاوتة من الاتساق والتناقض، أو بين الوضوح والغموض أو البساطة أو التركيب أو الكثافة والندرة.
فقد اتضح على سبيل المثال في دراسة نجاتي، أنه كلما ازدادت درجة المدنية، ازدادت درجة التوتر لدى الشباب.
ونتائج هذه الدراسات تشير بوجهٍ عامٍ إلى أن المجتمع الذي يتمتع بدرجة أعلى من التحضر (والاتصال دالة أساسية في هذه الدرجة)، يكون أفراده أكثر ميلاً إلى إصدار استجابات أكثر توتراً وأعلى تطرفاً.
وربما كان هناك تفسير آخر لهذه النتائج، مؤداه، أن زيادة درجة الحضرية، يقابلها ازدياد مستوى النشاط والدافعية لدى الأفراد، بما يرتبط بذلك من مستوى مرتفع من التوتر.
وأياً كان التفسير المقدم، فهناك علاقة واضحة بين كمية وأنواع المعلومات المطروحة وحالة الدافعية وارتفاع مستوى النشاط وعدم اليقين والشك والتوتر والأحكام التفضيلية لدى الأفراد.
والعملية الإبداعية المصاحبة لصنع الرسالة، عبارة عن جهد مركب يبذله المبدع (صانع الرسالة)، لاقتحام عالم مليء بالغموض والأسرار.
يؤكد ذلك ما يقرره تشيلد من أن الأسلوب الذي يستخدمه الفنان لعرض موضوعه، ذو أثر كبير في تشكيل طبيعة الخبرة التي تتحقق لدى المتلقي. ويشير هذا الباحث، إلى رأي أرنهيم، الذي يذهب فيه إلى أن العمل الفني يعكس الفهم الخاص للعالم. كما هو متحقق لدى الفنان (صانع الرسالة). والموضوع الإدراكي، يجعل المتلقي قادراً على أن يجرب بنفسه مثل هذا الفهم الذي يحمله الفنان ـ صانع الرسالة ـ للعالم.
من كل ما سبق، يمكن لنا أن نتصور أن الرسالة، والرسالة الإعلامية على وجه الخصوص، تحمل بين طياتها، وتملك ضمن خصائصها، ما يمكن أن يؤثر إلى درجة كبيرة في استجابات الأفراد.
يوضح ذلك أكثر، ما يشير إليه سويف، من أن العمل الفني رسالة موجهة من الأنا إلى الآخر بقصد استعادة (النحن).
ولكن هذا كله، يفسر لنا الأبعاد الكبرى ولا يقترب كثيراً من خصائص نوعية المنبهات المعروضة على الإنسان وطريقة عرضها. ألا يمكن أن يكون اختلاف طبيعة المنبهات وطريقة بثها وأساليب تلقيها، مما يترتب عليه آثار في جانب أو آخر من جوانب العملية الاتصالية؟
يجيب على هذا السؤال، دراسة أجراها وولفولك، ناقش فيها بعمق، طريقة تقديم وعرض المعلومات في عملية الاتصال، فقد قارن بين ما أسماه الأسلوب التأكيدي التقليدي في العرض، وأسلوب اللامعقول: الأسلوب التأكيدي يعرض المنبهات عرضاً متتالياً فيه اتساق ووضوح ومباشرة وتأكيد، وأسلوب اللامعقول يعرض المنبهات عرضاً شاذاً غير متسق لا يستجيب مباشرة للمنبهات أو الرسائل الأسبق منه.
وقد توصل هذا الباحث، إلى أن أسلوب اللامعقول Absurd في العرض، كان أكثر تشويقاً وأكثر فاعلية، من حيث إنه يستفز قدرات الإنسان ويستثير فضوله،ويشد انتباهه، ويحد من سلطان التمادي أو القصور الذاتي والتلقي المسترخي للمعلومات، على حين أن الأسلوب التأكيدي المباشر، كثيراً ما يحمل معه الملل والشعور بالاكتفاء وعدم الرغبة في الاستكشاف.
ومن المفروغ منه، أن لا معقولية العرض، تتعلق في جانب أساسي منها، بالطريقة التي تتسلسل بها العناصر والمكونات، والتي تتشكل بصورة غير معتادة لدى مَن يتلقاها.
من كل ما سبق، يمكن أن نخلص إلى الأفكار التالية:
ـ أن عملية الاتصال تعتمد ليس فحسب على مضمون المنبهات أو على وسيلة البث أو على خصائص المتلقي، بل هي عملية ذات طبيعة تركيبية ارتقائية متشعبة أيضاً.
ـ أن الحاجة إلى الوضوح، كخاصية مميزة للعمل ا لمعروض ومميزة للنشاط المبذول، ليست في جميع الأحوال بذات الفاعلية الأكبر في العائد المأمول من العملية الاتصالية، بل ربما كان عدم اليقين والغموض وخصوبة عناصر الرسالة، مما ينتج أثراً أعمق وأبقى.
ـ أن الخصائص الإبداعية في العملية الاتصالية، تمتد فتشمل الرسالة وصانعها ومتلقيها والقناة الحاملة لها.
البلاغ