الإصلاح في شمال أفريقيا واستراتيجيات عبر الأطلسي.
ملخص و مقدمة حول الإصلاح في شمال إفريقيا و بالخصوص دول المغرب العربي التي سنتطرق لكل دولة على حدى في موضوع واحد.
الأفكار الواردة في الموضوع تعبر عن آراء كتابها لا أكثر.
..............................................
شبكة النبأ: بعد انهيار حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي في أعقاب انتفاضة شعبية، استجابت دول يرشحها المحللون للانضمام الى قائمة البلدان التي تهددها اضطرابات شبيهة بما حدث في تونس، مثل الأردن وليبيا، بخطوات للحد من ارتفاع الاسعار.
هذه الدراسة المقتضبة تبحث التطورات الاقتصادية والسياسية في أربع دول شمال أفريقية هي المغرب والجزائر وليبيا وتونس، والآليات التي سعى بموجبها مجتمع عبر الأطلسي توجيه التغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في هذه الدول -- جيدة كانت أم سيئة.
كما تقدم الدراسة توصيات لتعزيز مشاركة الولايات المتحدة مع أوروبا للمساعدة في تأمين اتجاهات إيجابية في الشؤون الاقتصادية والحوكمة". بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
ملخص تنفيذي.
تجاهلت الولايات المتحدة منطقة شمال أفريقيا على مدار التاريخ، حيث نظرت إليها بأنها تُعد بصورة أكثر طبيعية كـ "الفناء الخلفي" لأوروبا. وفي الواقع، لم تُبدِ الولايات المتحدة أي اهتمام حقيقي بالمخاطر الهيكلية المتنامية المرتبطة بالمنطقة ككل إلا بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، حيث عمدت إلى تطوير الإطارات الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف على درجات أهميتها المتفاوتة لمواجهة التحديات التي تصورتها لاحقاً.
ومع ذلك، بقيت [دول] شمال أفريقيا جزءاً صغيراً فقط من منطقة الشرق الأوسط الأوسع، ولم يتم منحها الأولوية كمنطقة فرعية حيوية. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فقد كان الوضع عكس ذلك على وجه التحديد؛ إذ تم إعطاء الأولوية للدول الواقعة على حدود الاتحاد الأوروبي مع البحر الأبيض المتوسط. وفي عام 1995، أطلق الاتحاد الأوروبي "عملية برشلونة" بهدف معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي أوجدت مخاطر تؤثر سلباً على الأمن الأوروبي.
وبعد عشر سنوات، خلص الاتحاد الأوروبي إلى أن النهج الإقليمي لم يحقق -- إلى حد كبير -- أي شيء مماثل للإنجازات غير العادية التي تحققت في الشرق. وكان من بين استجابته السياسية التالية أن عمد إلى مد "سياسة الجوار الأوروبي" إلى شمال أفريقيا، إدراكاً منه بأنه قد تكون للنهج الثنائي مكاسب أكبر. ومع ذلك، ففي عام 2007 أدخل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سياسة إضافية هي "إتحاد البحر الأبيض المتوسط" [أو "إتحاد المتوسطي"] وجرى دمجها لاحقاً في إطار "[عملية] برشلونة". بيد، لم يتم بعد الشعور بتأثير "الإتحاد المتوسطي".
واليوم، لا تزال السياسة الأوروبية والأمريكية تجاه المنطقة مشتتة ومجزأة وتفتقر إلى التنسيق بشكل كبير، حيث أن كلاً من الولايات المتحدة وأوروبا ترى المنطقة من خلال منظورها الخاص ولا تمتلك أي منها المقدرة الدبلوماسية لمعالجة الأسباب الرئيسية للعلل الاقتصادية والسياسية المستمرة. ومع ذلك، فإن أربع دول شمال أفريقية -- المغرب والجزائر وليبيا وتونس -- تمثل معاً فرصة للولايات المتحدة وأوروبا لكي تتعاونا مع حكومات هذه الدول وشعوبها ومع كل منهما الأخرى لتعميق الإصلاح الاقتصادي الجاري وتأمين تلك الإصلاحات من خلال حوكمة أفضل وربما أكثر ديمقراطية. وعلى الجانب الآخر، فإن إتاحة [الفرصة] لاستمرار الوضع الراهن يشكل خطورة بأن يتم السماح بنشوء أزمة شرعية متنامية في كل دولة تؤدي إلى الإطاحة بالإصلاح غير المكتمل والتحول إلى عدم استقرار كامل الأركان -- ويرجح أن يحدث ذلك من خلال اضطرابات العمال -- مع عواقب وخيمة بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين.
المقدمة.
بالنسبة لمعظم صانعي السياسات الأمريكيين والأوروبيين، تمثل المغرب وتونس والجزائر وليبيا بصورة جماعية نصف الكوب الممتلئ الذي يدعو إلى التفاؤل. وعند مقارنتها بالتحديات الكبيرة التي تواجه المجتمع الدولي في العراق وأفغانستان وفلسطين وباكستان واليمن، على سبيل المثال لا الحصر، فإن التحديات التي تواجه شمال أفريقيا (الجزائر وليبيا والمغرب وتونس) تكاد لا تُذكر بالمقارنة. كما يتضح أن ضباب اللامبالة والعنف الذي اكتنف المنطقة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي قد بدأ في الانقشاع. فقد انتهت الحرب الأهلية الدموية في الجزائر، كما تستيقظ ليبيا ببطء من غيبوبتها التي دامت عقوداً. ولدى الجزائر وليبيا معاً احتياطيات مؤكدة من النفط تعادل 4.6 بالمائة من الإجمالي العالمي أو نحو 61.5 مليار برميل، تحوز منها ليبيا وحدها على الثلثين. ولا تزال الجزائر أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي بقدراتها الاستيعابية غير المعروفة.
إن انفتاح هاتين الدولتين مؤخراً تجاه شركات النفط العالمية يبشِّر بأن هذا الوضع يساعد أوروبا على تنويع إمداداتها من الطاقة بعيداً عن اعتمادها الحالي على روسيا مع توفيرها في الوقت نفسه موارد هائلة للاستثمار في رأس المال البشري.
وقد شهدت البلدان الأربعة جميعاً، خلال السنوات الأخيرة، نمواً اقتصادياً متواضعاً ولكن قوياً، إذ تجاوز متوسط معدلات النمو 5.6 بالمائة في الفترة من 2003 إلى 2008. وبصرف النظر عن الارتفاع الهائل في معدلات التضخم في أواخر 2008، تدنت هذه المعدلات في البلدان الأربعة جميعاً، وهو الأمر فيما يتعلق بانفخاض نسبة الدين إلى "الناتج المحلي الإجمالي".
لقد كانت التجارة عاملاً هاماً مُحفزاً لحدوث النمو، إذ وقعت المغرب اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة وتفاوضت جميع الدول الأربع أو تُجري مفاوضات حالياً مع الولايات المتحدة بشأن "الاتفاقيات الإطارية للتجارة والاستثمار" (تيفا).
وتشكل البلدان الأربعة مجتمعة سوقاً محتملة لنحو 82 مليون شخص مع إمكانية الوصول إلى الأسواق في كل من الغرب وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وعلاوة على ذلك، تتطلع ثلاثة من بين البلدان الأربعة إلى الغرب والشمال بقدر ما تتطلع إلى الشرق بحثاً عن نماذج للاقتداء بها. وتشارك المغرب وتونس في "الحوار المتوسطي" لمنظمة حلف شمال الأطلسي ["الناتو"] كما تشاركان بشكل روتيني في مناورات مشتركة.
وتتعاون الدول الأربع جميعاً بفعالية مع الولايات المتحدة وأوروبا في جهود مكافحة الإرهاب ومشاركة المعلومات الاستخباراتية.
وقد استضافت المغرب عدداً من الاجتماعات الدولية بشأن الإصلاح في العالم العربي. والأمر الهام أن الأمراض المرتبطة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعيدة جغرافياً، حتى وإن كان لها بعض التأثير السياسي. بيد هناك تحديات خطيرة ومستمرة تواجه هذه الجوانب الإيجابية في المنطقة. ففي المغرب والجزائر -- الدولتين الأكثر تعداداً من حيث السكان -- لا تزال معدلات الأمية مرتفعة للغاية، إذ تتجاوز 50 بالمائة و70 بالمائة في كل منهما على التوالي. كما أن تلك المعدلات أكثر ارتفاعاً بين النساء.
ورغم النمو الاقتصادي في الآونة الأخيرة، لا يزال الفقر يمثل مشكلة خطيرة في كلا الدولتين أيضاً. كما أن الدخل السنوي للفرد في المغرب يكاد لا يتجاوز 4000 دولار ويعيش 20 في المائة من السكان تحت خط الفقر. وتتجاوز معدلات البطالة في المناطق الحضرية في الجزائر 30 في المائة.
وتوفر حكومة ليبيا 60 بالمائة من جميع الوظائف في البلاد. ولا تزال ليبيا والجزائر الغنيتان بالنفط والغاز تعتمدان إلى حد كبير على سعر النفط لتحقيق استقرار اقتصادهما الكلي. وفي الوقت نفسه، ترتبط اقتصاديات المغرب وتونس الأكثر تنوعاً بدورة الأعمال في أوروبا حيث تمارسان معها الغالبية العظمى من نشاطهما التجاري.
ولا يزال النزاع الدائر حول الصحراء الغربية يشكل عائقاً خطيراً أمام التكامل الإقليمي. فقد بقيت الحدود بين الجزائر والمغرب مغلقة منذ عام 1994 مما خيب آمال الجزائريين والمغربيين أصحاب الأعمال الحرة وصناع السياسات عبر الأطلسي على حد سواء.
ولا يزال التطرف الإسلامي والإرهاب المرتبط به يشكلان تهديداً للتقدم الإقليمي. ففي الآونة الأخيرة شهدت جميع هذه الدول تصعيداً في الهجمات الإرهابية. وربما ليس من المستغرب أن تشهد الجزائر على وجه الخصوص كيف أن تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» قد أصبح أكثر جرأة بعد فترة من الهدوء النسبي. كما شهدت تونس موجة من الهجمات المخططة في عامي 2006 و2007 نتج عنها معارك بالأسلحة النارية هزت البلاد والدبلوماسيين الأمريكيين على حد سواء.
لقد كان أخطر تحد يواجه هذه الحكومات حتى الآن، هو التطور البطيء للمؤسسات السياسية، مما أدى إلى تزايد العجز المنطقي الذي يهدد بإخراج الإصلاح الاقتصادي عن مساره وتوسيع الفجوات في "التعهدات الاجتماعية" التي ظهرت بعد أن حازت تلك الدول على استقلالها. ووفقاً لمؤسسة «فريدوم هاوس» ومجموعة من المؤشرات الأخرى، تعاني الحوكمة، في كل بلد من هذه البلدان، من علل لا تعد ولا تحصى. وتصنف المغرب كالدولة الوحيدة التي هي حرة جزئياً.
كما أن أزمات الخلافة التي ستواجه الجزائر وليبيا وتونس على مدى السنوات العشر القادمة سوف تزيد من الغموض السياسي. وباستثناء المغرب، فإن كافة الدول الأخرى موبوءة بقيادة طاعنة في السن ليست على اتصال بشعوبها وتفتقر إلى الرؤية.
وبدون إجراء إصلاحات سياسية، إن لم تكن دبلوماسية، أكثر عمقاً ترافق الإصلاح الاقتصادي المستمر، تتزايد احتمالات عدم الاستقرار الخطير في المنطقة. وهناك مخاطر من أن تعود الجزائر إلى الأيام المروعة من عقدها الضائع الذي لم تصحو منه سوى مؤخراً.
كما أن تونس معرضة لمخاطر فقدان قدرتها على الاستفادة من المكاسب الثمينة التي حققتها في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وليبيا هي الأخرى معرضة لمخاطر إهدار فرصة الاندماج في المجتمع الدولي الذي تحقَّق من خلال انفتاحها مؤخراً على باقي العالم. وفضلاً عن ذلك، فإن المغرب هي الأخرى معرضة لمخاطر انجراف تغييرها التقدمي والتطوري في تيار التوقعات المرتفعة التي لا يمكن الوفاء بها. ورغم أن معظم الخوف يتمثل في صعود المعارضة الإسلامية، فمن المرجح على الأقل أن تحدث الاضطرابات في صفوف العمال بشكل عام، وربما -- بالإضافة إلى غضب الإسلاميين -- آلية الانتقال لعدم استقرار أوسع نطاقاً.
وبينما تعالج الحكومات مواضيع الإصلاح المدعوم والخصخصة الأكثر عمقاً، تتزايد المخاطر، لا سيما أن الإصلاح في هذه الجوانب يتعلق بالعناصر الجوهرية لرعاية النظام ومن ثم بقائه. وفي حالة ظهور أي من هذه السيناريوهات الأسوأ، ستكون التبعات على أوروبا والولايات المتحدة خطيرة، لا سيما من حيث الهجرة وانتشار الاتجاهات المتطرفة والزيادة الشاسعة في الأراضي غير الخاضعة للسيطرة والتي يزدهر فيها تنظيم «القاعدة» والجماعات المتطرفة الأخرى. وعلى الجانب الآخر، فإن قيام الغرب ببذل جهود متواضعة ولكن متضافرة من أجل إشراك حكومات وشعوب البلدان الأربعة قد يحقق فوائد جمّة ويحوِّل دائرة مفرغة محتملة إلى حلقة مثمرة.
سباق مع الزمن.
منذ أواخر التسعينيات، سلكت كل دولة في المنطقة -- حتى ليبيا التي خرجت من عزلتها في 2003-2004 -- طريق الإصلاح الاقتصادي، باعتباره استراتيجية للحفاظ على النظام بصفة أساسية. بيد أن التقاعس، بل وإخفاق الإصلاحات في زيادة إحساس المواطن المتوسط العادي بالرفاهية قد أضافت إلى التحديات الديموغرافية، مما زاد من الضغوط الداخلية على الأنظمة الحاكمة. وبدون إصلاح سياسي أكثر عمقاً في المغرب وتونس، قد تتعرض الإصلاحات الاقتصادية لانتكاسة. أما في ليبيا والجزائر، حيث تتسم الرؤية السياسية بالندرة، فإن غياب اتجاه سياسي واضح ينذر بحدوث دمار في الإصلاح الهيكلي قبل أن يثبت على طريقه.
ملخص و مقدمة حول الإصلاح في شمال إفريقيا و بالخصوص دول المغرب العربي التي سنتطرق لكل دولة على حدى في موضوع واحد.
الأفكار الواردة في الموضوع تعبر عن آراء كتابها لا أكثر.
..............................................
شبكة النبأ: بعد انهيار حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي في أعقاب انتفاضة شعبية، استجابت دول يرشحها المحللون للانضمام الى قائمة البلدان التي تهددها اضطرابات شبيهة بما حدث في تونس، مثل الأردن وليبيا، بخطوات للحد من ارتفاع الاسعار.
هذه الدراسة المقتضبة تبحث التطورات الاقتصادية والسياسية في أربع دول شمال أفريقية هي المغرب والجزائر وليبيا وتونس، والآليات التي سعى بموجبها مجتمع عبر الأطلسي توجيه التغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في هذه الدول -- جيدة كانت أم سيئة.
كما تقدم الدراسة توصيات لتعزيز مشاركة الولايات المتحدة مع أوروبا للمساعدة في تأمين اتجاهات إيجابية في الشؤون الاقتصادية والحوكمة". بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
ملخص تنفيذي.
تجاهلت الولايات المتحدة منطقة شمال أفريقيا على مدار التاريخ، حيث نظرت إليها بأنها تُعد بصورة أكثر طبيعية كـ "الفناء الخلفي" لأوروبا. وفي الواقع، لم تُبدِ الولايات المتحدة أي اهتمام حقيقي بالمخاطر الهيكلية المتنامية المرتبطة بالمنطقة ككل إلا بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، حيث عمدت إلى تطوير الإطارات الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف على درجات أهميتها المتفاوتة لمواجهة التحديات التي تصورتها لاحقاً.
ومع ذلك، بقيت [دول] شمال أفريقيا جزءاً صغيراً فقط من منطقة الشرق الأوسط الأوسع، ولم يتم منحها الأولوية كمنطقة فرعية حيوية. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فقد كان الوضع عكس ذلك على وجه التحديد؛ إذ تم إعطاء الأولوية للدول الواقعة على حدود الاتحاد الأوروبي مع البحر الأبيض المتوسط. وفي عام 1995، أطلق الاتحاد الأوروبي "عملية برشلونة" بهدف معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي أوجدت مخاطر تؤثر سلباً على الأمن الأوروبي.
وبعد عشر سنوات، خلص الاتحاد الأوروبي إلى أن النهج الإقليمي لم يحقق -- إلى حد كبير -- أي شيء مماثل للإنجازات غير العادية التي تحققت في الشرق. وكان من بين استجابته السياسية التالية أن عمد إلى مد "سياسة الجوار الأوروبي" إلى شمال أفريقيا، إدراكاً منه بأنه قد تكون للنهج الثنائي مكاسب أكبر. ومع ذلك، ففي عام 2007 أدخل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سياسة إضافية هي "إتحاد البحر الأبيض المتوسط" [أو "إتحاد المتوسطي"] وجرى دمجها لاحقاً في إطار "[عملية] برشلونة". بيد، لم يتم بعد الشعور بتأثير "الإتحاد المتوسطي".
واليوم، لا تزال السياسة الأوروبية والأمريكية تجاه المنطقة مشتتة ومجزأة وتفتقر إلى التنسيق بشكل كبير، حيث أن كلاً من الولايات المتحدة وأوروبا ترى المنطقة من خلال منظورها الخاص ولا تمتلك أي منها المقدرة الدبلوماسية لمعالجة الأسباب الرئيسية للعلل الاقتصادية والسياسية المستمرة. ومع ذلك، فإن أربع دول شمال أفريقية -- المغرب والجزائر وليبيا وتونس -- تمثل معاً فرصة للولايات المتحدة وأوروبا لكي تتعاونا مع حكومات هذه الدول وشعوبها ومع كل منهما الأخرى لتعميق الإصلاح الاقتصادي الجاري وتأمين تلك الإصلاحات من خلال حوكمة أفضل وربما أكثر ديمقراطية. وعلى الجانب الآخر، فإن إتاحة [الفرصة] لاستمرار الوضع الراهن يشكل خطورة بأن يتم السماح بنشوء أزمة شرعية متنامية في كل دولة تؤدي إلى الإطاحة بالإصلاح غير المكتمل والتحول إلى عدم استقرار كامل الأركان -- ويرجح أن يحدث ذلك من خلال اضطرابات العمال -- مع عواقب وخيمة بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين.
المقدمة.
بالنسبة لمعظم صانعي السياسات الأمريكيين والأوروبيين، تمثل المغرب وتونس والجزائر وليبيا بصورة جماعية نصف الكوب الممتلئ الذي يدعو إلى التفاؤل. وعند مقارنتها بالتحديات الكبيرة التي تواجه المجتمع الدولي في العراق وأفغانستان وفلسطين وباكستان واليمن، على سبيل المثال لا الحصر، فإن التحديات التي تواجه شمال أفريقيا (الجزائر وليبيا والمغرب وتونس) تكاد لا تُذكر بالمقارنة. كما يتضح أن ضباب اللامبالة والعنف الذي اكتنف المنطقة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي قد بدأ في الانقشاع. فقد انتهت الحرب الأهلية الدموية في الجزائر، كما تستيقظ ليبيا ببطء من غيبوبتها التي دامت عقوداً. ولدى الجزائر وليبيا معاً احتياطيات مؤكدة من النفط تعادل 4.6 بالمائة من الإجمالي العالمي أو نحو 61.5 مليار برميل، تحوز منها ليبيا وحدها على الثلثين. ولا تزال الجزائر أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي بقدراتها الاستيعابية غير المعروفة.
إن انفتاح هاتين الدولتين مؤخراً تجاه شركات النفط العالمية يبشِّر بأن هذا الوضع يساعد أوروبا على تنويع إمداداتها من الطاقة بعيداً عن اعتمادها الحالي على روسيا مع توفيرها في الوقت نفسه موارد هائلة للاستثمار في رأس المال البشري.
وقد شهدت البلدان الأربعة جميعاً، خلال السنوات الأخيرة، نمواً اقتصادياً متواضعاً ولكن قوياً، إذ تجاوز متوسط معدلات النمو 5.6 بالمائة في الفترة من 2003 إلى 2008. وبصرف النظر عن الارتفاع الهائل في معدلات التضخم في أواخر 2008، تدنت هذه المعدلات في البلدان الأربعة جميعاً، وهو الأمر فيما يتعلق بانفخاض نسبة الدين إلى "الناتج المحلي الإجمالي".
لقد كانت التجارة عاملاً هاماً مُحفزاً لحدوث النمو، إذ وقعت المغرب اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة وتفاوضت جميع الدول الأربع أو تُجري مفاوضات حالياً مع الولايات المتحدة بشأن "الاتفاقيات الإطارية للتجارة والاستثمار" (تيفا).
وتشكل البلدان الأربعة مجتمعة سوقاً محتملة لنحو 82 مليون شخص مع إمكانية الوصول إلى الأسواق في كل من الغرب وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وعلاوة على ذلك، تتطلع ثلاثة من بين البلدان الأربعة إلى الغرب والشمال بقدر ما تتطلع إلى الشرق بحثاً عن نماذج للاقتداء بها. وتشارك المغرب وتونس في "الحوار المتوسطي" لمنظمة حلف شمال الأطلسي ["الناتو"] كما تشاركان بشكل روتيني في مناورات مشتركة.
وتتعاون الدول الأربع جميعاً بفعالية مع الولايات المتحدة وأوروبا في جهود مكافحة الإرهاب ومشاركة المعلومات الاستخباراتية.
وقد استضافت المغرب عدداً من الاجتماعات الدولية بشأن الإصلاح في العالم العربي. والأمر الهام أن الأمراض المرتبطة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعيدة جغرافياً، حتى وإن كان لها بعض التأثير السياسي. بيد هناك تحديات خطيرة ومستمرة تواجه هذه الجوانب الإيجابية في المنطقة. ففي المغرب والجزائر -- الدولتين الأكثر تعداداً من حيث السكان -- لا تزال معدلات الأمية مرتفعة للغاية، إذ تتجاوز 50 بالمائة و70 بالمائة في كل منهما على التوالي. كما أن تلك المعدلات أكثر ارتفاعاً بين النساء.
ورغم النمو الاقتصادي في الآونة الأخيرة، لا يزال الفقر يمثل مشكلة خطيرة في كلا الدولتين أيضاً. كما أن الدخل السنوي للفرد في المغرب يكاد لا يتجاوز 4000 دولار ويعيش 20 في المائة من السكان تحت خط الفقر. وتتجاوز معدلات البطالة في المناطق الحضرية في الجزائر 30 في المائة.
وتوفر حكومة ليبيا 60 بالمائة من جميع الوظائف في البلاد. ولا تزال ليبيا والجزائر الغنيتان بالنفط والغاز تعتمدان إلى حد كبير على سعر النفط لتحقيق استقرار اقتصادهما الكلي. وفي الوقت نفسه، ترتبط اقتصاديات المغرب وتونس الأكثر تنوعاً بدورة الأعمال في أوروبا حيث تمارسان معها الغالبية العظمى من نشاطهما التجاري.
ولا يزال النزاع الدائر حول الصحراء الغربية يشكل عائقاً خطيراً أمام التكامل الإقليمي. فقد بقيت الحدود بين الجزائر والمغرب مغلقة منذ عام 1994 مما خيب آمال الجزائريين والمغربيين أصحاب الأعمال الحرة وصناع السياسات عبر الأطلسي على حد سواء.
ولا يزال التطرف الإسلامي والإرهاب المرتبط به يشكلان تهديداً للتقدم الإقليمي. ففي الآونة الأخيرة شهدت جميع هذه الدول تصعيداً في الهجمات الإرهابية. وربما ليس من المستغرب أن تشهد الجزائر على وجه الخصوص كيف أن تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» قد أصبح أكثر جرأة بعد فترة من الهدوء النسبي. كما شهدت تونس موجة من الهجمات المخططة في عامي 2006 و2007 نتج عنها معارك بالأسلحة النارية هزت البلاد والدبلوماسيين الأمريكيين على حد سواء.
لقد كان أخطر تحد يواجه هذه الحكومات حتى الآن، هو التطور البطيء للمؤسسات السياسية، مما أدى إلى تزايد العجز المنطقي الذي يهدد بإخراج الإصلاح الاقتصادي عن مساره وتوسيع الفجوات في "التعهدات الاجتماعية" التي ظهرت بعد أن حازت تلك الدول على استقلالها. ووفقاً لمؤسسة «فريدوم هاوس» ومجموعة من المؤشرات الأخرى، تعاني الحوكمة، في كل بلد من هذه البلدان، من علل لا تعد ولا تحصى. وتصنف المغرب كالدولة الوحيدة التي هي حرة جزئياً.
كما أن أزمات الخلافة التي ستواجه الجزائر وليبيا وتونس على مدى السنوات العشر القادمة سوف تزيد من الغموض السياسي. وباستثناء المغرب، فإن كافة الدول الأخرى موبوءة بقيادة طاعنة في السن ليست على اتصال بشعوبها وتفتقر إلى الرؤية.
وبدون إجراء إصلاحات سياسية، إن لم تكن دبلوماسية، أكثر عمقاً ترافق الإصلاح الاقتصادي المستمر، تتزايد احتمالات عدم الاستقرار الخطير في المنطقة. وهناك مخاطر من أن تعود الجزائر إلى الأيام المروعة من عقدها الضائع الذي لم تصحو منه سوى مؤخراً.
كما أن تونس معرضة لمخاطر فقدان قدرتها على الاستفادة من المكاسب الثمينة التي حققتها في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وليبيا هي الأخرى معرضة لمخاطر إهدار فرصة الاندماج في المجتمع الدولي الذي تحقَّق من خلال انفتاحها مؤخراً على باقي العالم. وفضلاً عن ذلك، فإن المغرب هي الأخرى معرضة لمخاطر انجراف تغييرها التقدمي والتطوري في تيار التوقعات المرتفعة التي لا يمكن الوفاء بها. ورغم أن معظم الخوف يتمثل في صعود المعارضة الإسلامية، فمن المرجح على الأقل أن تحدث الاضطرابات في صفوف العمال بشكل عام، وربما -- بالإضافة إلى غضب الإسلاميين -- آلية الانتقال لعدم استقرار أوسع نطاقاً.
وبينما تعالج الحكومات مواضيع الإصلاح المدعوم والخصخصة الأكثر عمقاً، تتزايد المخاطر، لا سيما أن الإصلاح في هذه الجوانب يتعلق بالعناصر الجوهرية لرعاية النظام ومن ثم بقائه. وفي حالة ظهور أي من هذه السيناريوهات الأسوأ، ستكون التبعات على أوروبا والولايات المتحدة خطيرة، لا سيما من حيث الهجرة وانتشار الاتجاهات المتطرفة والزيادة الشاسعة في الأراضي غير الخاضعة للسيطرة والتي يزدهر فيها تنظيم «القاعدة» والجماعات المتطرفة الأخرى. وعلى الجانب الآخر، فإن قيام الغرب ببذل جهود متواضعة ولكن متضافرة من أجل إشراك حكومات وشعوب البلدان الأربعة قد يحقق فوائد جمّة ويحوِّل دائرة مفرغة محتملة إلى حلقة مثمرة.
سباق مع الزمن.
منذ أواخر التسعينيات، سلكت كل دولة في المنطقة -- حتى ليبيا التي خرجت من عزلتها في 2003-2004 -- طريق الإصلاح الاقتصادي، باعتباره استراتيجية للحفاظ على النظام بصفة أساسية. بيد أن التقاعس، بل وإخفاق الإصلاحات في زيادة إحساس المواطن المتوسط العادي بالرفاهية قد أضافت إلى التحديات الديموغرافية، مما زاد من الضغوط الداخلية على الأنظمة الحاكمة. وبدون إصلاح سياسي أكثر عمقاً في المغرب وتونس، قد تتعرض الإصلاحات الاقتصادية لانتكاسة. أما في ليبيا والجزائر، حيث تتسم الرؤية السياسية بالندرة، فإن غياب اتجاه سياسي واضح ينذر بحدوث دمار في الإصلاح الهيكلي قبل أن يثبت على طريقه.