الإصلاح في شمال أفريقيا و استراتيجيات عبر الأطلسي.
تقييم صافي.
................
تفهم الحكومات في كل بلد من البلدان الأربعة،بدرجات متفاوتة،الحاجة إلى إنشاء اقتصاديات حديثة توفر الوظائف لشبابها و تُؤمِّن بقاء النظام.
و تحقق جميع هذه الدول في الوقت الراهن نجاحات في علاج مواطن الداء.
و مع ذلك فقد أخفقت معاً في استغلال فرصة التخصص الإقليمي،و تقيم جميعها علاقات تجارية مع أوروبا أكثر من تلك التي أقامتها مع بعضها البعض.
و لا تزال معدلات بطالة الشباب في كل دولة مرتفعة على نحو ينطوي على مخاطر جمة،كما أن التوقعات بين السكان ككل آخذة في الارتفاع.
...
لقد استفادت النخبة في كل دولة على نحو غير متناسب من عمليات الإصلاح الاقتصادي،و لا يزال التصور،إن لم يكن الواقع،بوجود فساد رسمي مرتفعاً.
كما أن الأزمة المالية و الركود العالمي اللذين بدءا في أواخر عام 2008 و أخذ العالم يتعافى منهما ببطء قد ألحقا تأثيرات متباينة،و خاصة في المغرب و تونس.
و مع انهيار أسعار القمح و النفط،أصبحت الإعانات التي تقدمها المغرب أقل عبئاً على الاقتصاد الكلي.
و مع ذلك،فمن المرجح أن يؤدي الركود الأوروبي إلى تعميق التباطؤ الاقتصادي في كلا الدولتين.
و لا توجد من الناحية العملية إرادة لتعجيل الإصلاح السياسي.
........
تحرك ببطء شديد.
سعت الجزائر و تونس و ليبيا -- و المغرب بصورة أكثر محدودية -- إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية دون تحول ديمقراطي.
و رغم ذلك،هناك اليوم مجموعة صغيرة من النخبة آخذة في طريقها لأن تصبح منفصلة عن شعبها على نحو محفوف بالمخاطر،مما يؤدي إلى أزمة شرعية متنامية،و إن كانت بدرجات متباينة،في كل دولة.
و يتخلى العديد من الأفراد و الجماعات من "الديمقراطية السطحية" و يتجهون إلى أشكال بديلة من التعبير الاجتماعي.
و قد يُسهل هذا من قدرة الحكومات الاستبدادية على الضغط من أجل تحقيق إصلاحات اقتصادية أكثر عمقاً على المدى القصير لكنه قد يؤدي إلى اضطراب واسع النطاق،و إن عرضياً.
و إذا كانت المغرب قد حظيت بأكبر قدر من الإشادة لما تبذله من جهود لإصلاح الاقتصاد،فإنها قد حظيت أيضاً بإعجاب المراقبين من خلال الخطوات التي اتخذتها حتى الآن لفتح نظامها السياسي.
فلا تزال المغرب الدولة الوحيدة في شمال أفريقيا التي اعتبرتها مؤسسة «فريدوم هاوس» "حرة جزئياً"،و ذلك في دراستها السنوية للحقوق السياسية و الحريات المدنية حول العالم،لكن ذلك على نحو ضيق جداً.
و عند وفاة والده الملك حسن الثاني عام 1999،أطلق محمد الخامس سلسلة من الإصلاحات السياسية التدريجية كانت تهدف إلى تحديث النظام السياسي للمغرب و نقل السلطة بعيداً عن القصر.
و خلال السنوات العشر منذ ذلك الحين،شهدت المغرب إجراء أول انتخابات مفتوحة بشكل معقول و تأسيس صحافة مزدهرة و تشكيل حكومة قانونية أدت إلى تكوين العديد من المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك المشاركة القانونية لأحد أكبر الأحزاب السياسية الإسلامية في المنطقة.
و في أعقاب الانتخابات الناجحة التي جرت عام 2002،وافقت الحكومة على قانون أسرة ثوري يهدف إلى تمكين المرأة و تأسيس "هيئة الإنصاف و المصالحة"،و هي عملية المصالحة الأكثر تقدماً من أي دولة في العالم العربي لمعالجة إساءات الماضي.
بيد،منذ تقديم التقرير النهائي لـ "هيئة الإنصاف و المصالحة"،لم يتم تنفيذ سوى القليل من الإصلاحات الهيكلية الموصى بها،و لا تزال انتهاكات حقوق الإنسان مستمرة،رغم أن ذلك يحدث بمعدلات اقل مما كانت عليه في الماضي.
و لا يزال برلمان المغرب اليوم مؤسسة بلا نفوذ إذ لا يحظى سوى بقدرة محدودة على التأثير على سياسة الحكومة.
كما أن المعارضة شكلية إلى حد كبير،و أدى فوز "حزب الاستقلال" في عام 2007 إلى تعزيز الانطباع المحلي و الدولي بأن الملك ملتزم بشكل الملكية الدستورية و لكن ليس بوظيفتها.
و يرى المغربيون أنفسهم أن المؤسسة تعمل كهيئة استشارية دون أي وظيفة فعلية.
و قد أدى قانون الانتخابات الذي وُضع بهدف الحد من أي تغيير حقيقي في القصر إلى تعزيز هذا التصور.
و رغم الجهود الهائلة التي بذلتها الحكومة و آخرون لتحفيز المغربيين على المشاركة في العملية الانتخابية،إلا أن معدل المشاركة تراجع إلى نسبة هي الأكثر انخفاضاً على مدار تاريخ البلاد بواقع 37 بالمائة في الانتخابات البرلمانية لعام 2007.
و في الواقع،تم انتخاب البرلمان الحالي من قبل 21 بالمائة فقط من الناخبين المغربيين المسجلين.
و قد جاء "حزب العدالة و التنمية" الإسلامي في المركز الثاني في الانتخابات بعد أن توقع العديدون فوزه.
كما ارتفعت شعبية "حزب العدل و الإحسان" المحظور،و هو حزب إسلامي أكثر تطرفاً رفض المشاركة في العملية السياسية،و ذلك بالتزامن مع تراجع الحظوظ الانتخابية لـ "حزب العدالة و التنمية" الإسلامي.
و قد اختار الحزب الأول،إلى جانب أحزاب إسلامية أخرى مناهضة للملكية،مساراً إسلامياً مختلفاً و أكثر تقليدية،و هو العمل على الفوز بالعقول و القلوب من خلال توفير الخدمات و تعزيز الحصن الديني المحافظ ضد المزيد من التحديث.
و في الديمقراطيات الجديدة أو الناشئة،يمكن أن يكون الهبوط الحاد في معدلات مشاركة الناخبين مؤشراً على استياء الجمهور بجيث يتجاوز حدود اللامبالاة البسيطة.
فإذا شعر الناس بأنه لا يمكنهم تشكيل نظامهم السياسي من خلال القنوات القائمة و الرسمية، فسيلجأون إلى أساليب أخرى.
و بفضل الملك،فإن الشكوك العميقة لدى المغربيين بشأن السياسات البرلمانية لم تستأصل إيمانهم بالمؤسسة الملكية.
و علاوة على ذلك،شهد المغربيون العنف و عدم الاستقرار الكبيرين أثناء العقد الضائع التي مرت به الجزائر و ليسوا متحمسين لتجربة هذه الاضطرابات أنفسهم.
إن الواقع بأن محمد الخامس يحتفظ بلقب "أمير المؤمنين" تعزز من شخصيته الغامضة و سلطته،مما يجعل أزمة الشرعية في المغرب أقل حدة عما قد تكون عليه خلافاً لذلك.
و مع ذلك،ما لم يتحرك القصر في المستقبل القريب و يقوم بإحداث إصلاحات سياسية أكثر عمقاً،قد تكون إصلاحات الملك الاقتصادية،و التي تمثل أهمية لبقاء النظام،معرضة للخطر.
و خارج نطاق المغرب،صنفت مؤسسة "فريدوم هاوس" ليبيا و الجزائر و تونس على مدار أكثر من عشر سنوات على أنها دولاً "غير حرة".
و هناك نقطة أو نقطتان مضيئتان في كل دولة -- فالجزائر على سبيل المثال تتمتع بصحافة مطبوعة حرة و مزدهرة -- لكن لا تزال النظم السياسية لهذه الدول بصورة إجمالية مُغلقة بشكل مُحكم،فالجماهيرية الليبية تُدار بدون دستور مكتوب و هي تحت رحمة زعيم متقلب.
كما طورت دولة الشرطة التونسية أدوات قمع أكثر تقدماً.
فلديها أحد سجلات حقوق الإنسان الأكثر سوءاً في المنطقة،و فيها صحافة هي الأقل حرية بدون معارضة حقيقية لحزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحاكم.
كما أن السياسات الانتخابية في كل دولة،إن كانت قائمة على الإطلاق،ليست تنافسية بصفة أساسية و تقوم فقط بإضفاء الشرعية على النظم الحاكمة.
ففي الجزائر،تم إدخال مجموعة من التعديلات الدستورية المثيرة للجدل بشكل كبير في عام 2008،بغية السماح للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالترشح لفترة رئاسة ثالثة بلغت ذروتها بانتخابات زائفة فاز فيها مرة أخرى بنسبة 90 بالمائة من الأصوات.
و في تشرين الأول/أكتوبر،فاز الرئيس التونسي بن علي بفترة ولايته الخامسة التي أمدها خمس سنوات كرئيس للبلاد،بحصوله على 90 بالمائة من الأصوات تقريباً.
أما في ليبيا،فيظل الزعيم النقطة الوحيدة للاستمرار السياسي،حيث يتخذ كافة القرارات الرئيسية لبلاده.
و يجري حالياً النظر في عمليات انتقال الحكم داخل الأسر الحاكمة في كل من الجمهوريات الثلاث: من والد لابن في ليبيا؛و من شقيق إلى شقيق في الجزائر،و من والد إلى صهر أو زوجة في تونس.
و لا يوجد حالياً الكثير الذي قد يشير من أين ستظهر،المعارضة المُنظمة لعمليات انتقال من هذا القبيل،من داخل المجتمع.
و مع ذلك،لم يصل الاستياء إلى مستوى يرجح معه حدوث عدم استقرار واسع النطاق في المستقبل القريب.
و هناك أسباب لذلك تتجاوز حدود الاستخدام الفعال لأجهزة الأمن.
فالحرب الأهلية التي استمرت على مدار عقد في الجزائر قد أرهقت السكان و تُساهم في هدوئهم.
كما أن قدرة الحكومة التونسية على توسيع نطاق الازدهار كان معناه تعزيز طرفها في العقد الاجتماعي حتى إذا كانت النخبة قد بدأت تضيق ذرعاً بالقيود المفروضة عليها.
كما أن النظام السياسي في ليبيا آخذ في التآكل،لكن طالما استمرت الدولة في توفير الوظائف و الخدمات،فإن المطالب للحصول على حقوق مدنية و سياسية إضافية سوف تبقى مكبوتة.
.............
نحو استجابة عبر الأطلسي؟
انتهجت أوروبا و الولايات المتحدة استراتيجيات مختلفة تهدف إلى معالجة التحديات الرئيسية في شمال أفريقيا،بسبب هذه المواجهات الاقتصادية و السياسية؛لكن بدون قيادة أكثر حكمة من قبل قادة الدول الشركاء،لن يكون باستطاعة أي نهج تحقيق الكثير.
و بعد توسيع الاتحاد الأوروبي في عام 2004،طوّرت بروكسل "مبادرة سياسة الجوار الأوروبية" لطمأنة الأمم القلقة التي لم تنجح في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بأن تعزيز التعاون مع أوروبا لا يزال ممكناً.
إن محور "مبادرة سياسة الجوار الأوروبية" هي خطط العمل التي تم التفاوض حولها بصورة ثنائية "مع حكومات ذات نزعة إصلاحية" تعمل على "تعميق العلاقات السياسية و احتمالية اتخاذ تدابير هائلة للتكامل الاقتصادي من خلال الاندماج التدريجي في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي".
و في الوقت الراهن،يوجد للاتحاد الأوروبي خطط عمل مع المغرب و تونس.
و قد رفضت الجزائر الموافقة على خطة عمل،حيث أنها مقتنعة باتفاقية الارتباط التي وقعتها في عام 2002.
و قد أُضيف في العام الماضي "الاتحاد من أجل المتوسط" من خلال دمجه في "عملية برشلونة".
و قد بشّر الترتيب الجديد بإقامة روابط سياسية أكثر قرباً مع الدول الجنوبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
و سوف تكون عناصر النهج الأوروبي مزيجاً من خطط إصلاح تم التفاوض حولها بصورة ثنائية،تؤكد على تحرير التجارة،مصحوبة بجهود في المشاورات السياسية الإقليمية.
و بالنسبة لدول شمال أفريقيا،لا سيما المغرب،التي تود رؤية اندماج أكبر مع أوروبا،ما تزال الأهداف السياسية النهائية لأوروبا غامضة.
خلال السنوات الأخيرة،حقق نهج الولايات المتحدة في المنطقة الكثير من الهياج و الانفعال حيث عمل على تحفيز العديد من المكاسب التي تم إنجازها في العقد الحالي.
و قد تجاهلت الولايات المتحدة منطقة البحر المتوسط كثيراً خلال أغلب فترات الحرب الباردة،حيث تركت الأمر لأوروبا لكي تدير فناءها الخلفي.
و إلى الدرجة التي اهتمت نفسها بالمنطقة ككل،فقد استنفذت واشنطن طاقاتها الدبلوماسية في جهود السلام في الشرق الأوسط و تأمين إمدادات النفط للولايات المتحدة (و للعالم بشكل أكبر).
و عندما يتعلق الأمر بشمال أفريقيا،آنذاك و الآن،تميل الولايات المتحدة إلى رؤية المنطقة من منظور أمني،حيث يتمثل مصدر قلقها الأساسي في النشاط الإرهابي و تصدير عدم الاستقرار.
إن "مبادرة الشراكة الاقتصادية بين الولايات المتحدة و شمال أفريقيا" أثناء الفترة الثانية من ولاية كلينتون التي سعت إلى تعزيز التجارة و الاستثمارات الأمريكية في المنطقة،كانت مصحوبة بجهود دبلوماسية فاشلة لحل الصراع على الصحراء الغربية.
و مع ذلك،غيرت صدمة أحداث 11 سبتمبر/أيلول الرؤية الأمنية الوطنية للولايات المتحدة و وجهتها باتجاه الشرق الأوسط،مما بشّر في الدخول في فترة من النشاط الأمريكي غير المسبوق في المنطقة.
لقد تم اتخاذ مجموعة مذهلة من المبادرات الجديدة (فضلاً عن خوض حرب) في الفترة من 2002 إلى 2004، و ذلك بهدف واضح يتمثل في فرض التغيير على منطقة تصورت واشنطن أنها واقعة في مستنقع الركود و الجمود.
و خلافاً لنهج الاتحاد الأوروبي،لم تتصور الولايات المتحدة في ظل الإدارة الثانية للرئيس بوش بأن يكون الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو "الصراع الرئيسي" في المنطقة.
و بإيجاز،سعت الولايات المتحدة كقوة راهنة إلى تغيير الوضع الراهن في المنطقة بشكل جذري.
و في كانون الأول/ديسمبر 2002،أطلقت الإدارة الأمريكية "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط"،و هي مبادرة إقليمية تهدف إلى دعم الطلب على الإصلاح من خلال وضع برامج لدعم منظمات المجتمع المدني في العديد من القطاعات.
و في آذار/مارس 2003،غزت الولايات المتحدة العراق،حيث أطاحت -- في أقل من ثلاثة أسابيع -- بنظام كان يخشاه الزعماء العرب،الأمر الذي أرسل موجات صدمة عبر المنطقة،و أجبر ليبيا،التي كانت تخشى أن تكون المحطة التالية، على التخلي عن برامجها لأسلحة الدمار الشامل و السعي إلى التقارب مع الغرب.
لكن قبل الغزو و بعده،كان إدخال الديمقراطية إلى المنطقة إحدى المبررات التي أُعطيت لشن الحرب. و في أيار/مايو 2003،أطلقت الإدارة الأمريكية "مبادرة منطقة التجارة الحرة لدول الشرق الأوسط" بهدف تحفيز الإصلاح الاقتصادي و توسيع التجارة و الاستثمار مع المنطقة،الأمر الذي تُوج في النهاية باتفاقية تجارة حرة إقليمية.
و في عام 2004،أطلقت إدارة بوش ما أصبح يُعرف باسم "مبادرة الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا".
و قد تأسست تلك المبادرة ضمن إطار "مجموعة الثماني"،و كان الهدف منها دعم الإصلاحات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية الطوعية في المنطقة التي تشملها "مبادرة الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا".
و على الرغم من أن هدفها لم يكن بديلاً عن "عملية برشلونة"،إلا أن أوروبا نظرت إليها على هذا النحو و استاءت منها.
و قد روّجت الولايات المتحدة لفكرتها الجديدة من خلال إجراء القليل من التشاور مع الأوروبيين و بدون تشاور مع دول المنطقة.
و قد أطلقتها الولايات المتحدة بصفة رسمية في قمة "مجموعة الثماني" في "سي أيلاند" في حزيران/يونيو 2004،و لم ترسل المملكة العربية السعودية و لا مصر ممثلين عنهما.
و باختصار،اتسم نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة في ظل حكم بوش في ذلك الحين،باستخدام القوة الخشنة،و الخطاب الحاد،و إعطاء الأولوية للإصلاح السياسي و الاقتصادي و التوسع التجاري على حساب صنع السلام.
لقد أصبحت المغرب شريكاً رئيسياً في "مبادرة الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا"،حيث وقعت اتفاقية التجارة الحرة الثانية في العالم العربي (و كانت الأردن أول من يوقع على اتفاقية كهذه).
و افتتحت "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط" مكتباً إقليمياً في تونس و قدمت عدداً من البرامج الجديدة في كل من الجزائر و المغرب وسعت إلى القيام بالشيء نفسه في ليبيا عندما انفتحت على العالم.
بيد،ظل الأمن الشغل الشاغل في شمال أفريقيا،و كانت "مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء" (الأفريقية) الكبرى،البرنامج الأكبر إلى حد بعيد في المنطقة و لا تزال كذلك،حيث شملت عشر دول [و ميزانية] قدرها 500 مليون دولار.
لقد عادت الولايات المتحدة إلى شاغلها الأول قبل فترة إدارة بوش و هو حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي و الصراع العربي الإسرائيلي الأوسع نطاقاً كشرط مسبق لمعالجة العلل السياسية و الاجتماعية في المنطقة،و هو تغير سياسي طالما دعمته بروكسل.
و فيما يتعلق فيما إذا سيكون لهذا التقارب الملاحظ في النهج العام تجاه المنطقة تأثير على شمال أفريقيا،فإن ذلك يعتمد بشكل كبير على ما إذا كان أي من جانبي الأطلسي يرى قيمة في النهج عبر الأطلسي.
و على كل حال،فإن النجاح،مهما كان تعريفه،سوف يكمن بصفة أساسية في الالتزام من جانب الأنظمة نفسها بجعل الإصلاح السياسي و الاقتصادي أولوية.
و سوف يكون لهذا أيضاً تداعيات على شكل النهج عبر الأطلسي.و مع ذلك،بإمكان الاستثمار المتواضع في التنسيق و التعاون الأكثر قرباً من قبل أوروبا و الولايات المتحدة فيما يتعلق بشمال أفريقيا،أن يحقق نتائج إيجابية.
........
التوصيات.
بدلاً من أن تقوم الولايات المتحدة و أوروبا بفرض الاندماج يجب عليهما أن تعملان بشكل وثيق مع تلك الحكومات المستعدة لاتخاذ خطوات من أجل تحسين اقتصادياتها.
كما أن المشاركة الروتينية للمعلومات بين الولايات المتحدة و أوروبا ستكون حيوية لضمان توجيه الموارد بشكل صحيح.
يجب أن تكون المغرب أول حالة اختبار من أجل القيام بالمزيد من التنسيق المكثف.
إن كلاً من الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى قصة نجاح يشيران إليها،و رغم التحديات العديدة أمام حكومة المغرب،فإن ما أظهرته من التزام نحو الإصلاح الاقتصادي يوصي بإيلائها المزيد من الاهتمام.
و تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي يرصدان بالفعل موارد هائلة للمغرب. فـ "ميثاق مؤسسة تحدي الألفية" مع المغرب،و الذي دخل حيز التنفيذ بالفعل في أيلول/سبتمبر 2008،يخصص 697.5 مليون دولار على مدى خمس سنوات للحد من الفقر.
و رغم أن خطة العمل الأوروبية هي أكثر شمولية في نهجها،إلا أنها تعمل في العديد من القطاعات نفسها و خصصت 682 مليون يورو إضافية للفترة من 2007 إلى 2010.
و من الواضح أن إتاحة الفرصة للمزيد من المشاركة المعلوماتية سيعزز من تأثير تلك البرامج.
و كجزء من تعزيز العلاقة،يجب أن تلتزم المغرب ببذل المزيد فيما يتعلق بالتزامها المعلن بالإصلاح السياسي.
و تنعقد الآمال على أن يؤدي النجاح الواضح في المغرب إلى قيام بلدان أخرى في المنطقة بحذو حذوها.
يجب على الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي إعادة الالتزام بجهود إقامة منطقة تجارة حرة داخل شمال أفريقيا و العمل سوية لدعم السوق المشتركة الناشئة بين المغرب و تونس و الأردن و مصر كجزء من "اتفاقية أغادير".
و تختلف حالياً قواعد المنشأ بين الولايات المتحدة و أوروبا إلى درجة تواجه فيها الولايات المتحدة عقبات كبيرة من ناحية بذل المزيد من الجهود للمساعدة.
يجب على الولايات المتحدة أن تعمل مع الاتحاد الأوروبي و باقي دول "مجموعة الثماني" لإعادة هيكلة "مبادرة الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا" مع الاهتمام بتعزيز جوانبها السياسية لعدد أكبر من البلدان ذات التوجهات الإصلاحية.
و من شأن ذلك أن يخلق حوافز إضافية لتلك الدول التي تتطلع للمضي بسرعة أكبر في أجنداتها الإصلاحية.
و من الواضح أن وثائق "سي آيلاند" التي وضعت أسس "مبادرة الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا" تسمح بذلك.
يجب على الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي بذل المزيد من الجهود لتحفيز جانب الطلب في معادلة الإصلاح،من خلال العمل معاً على تعزيز مبدأ إمكانية حصول المنظمات غير الحكومية على تمويل أجنبي طالما يتم توثيق ذلك، كونه قادماً من مصادر موثوقة.
و هناك تقرير صدر مؤخراً من قبل المفتش العام لـ "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" حول تقديم المساعدة الديمقراطية إلى مصر،يشير إلى النجاح النسبي لتلك المنح مقارنة بالعقود الضخمة التي يتم توجيهها من خلال مقاولين يعملون مع المنظمات الحكومية و شبه الحكومية.
و في حين أنه من غير الواقعي توقع قيام الولايات المتحدة بتخصيص موارد هائلة لمعالجة التحديات في شمال أفريقيا،إلا أن إدخال تعديلات بيروقراطية متواضعة مصحوبة بأدوات برنامجية و سياسية يمكن أن يؤدي إلى نتائج ملموسة.
و وفقاً لأحد التقراير،فبمجرد إنشاء "خدمة العمل الخارجي الأوروبي"،عقب التنفيذ الكامل لـ "معاهدة برشلونة"،ستتوافر لسفراء الاتحاد الأوروبي عشرة أضعاف الموارد المتاحة لسفارات الدول الأوروبية الحالية.
كما يجب زيادة التمويل لمشاريع "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط" الخاصة بالجزائر و ليبيا و تونس.
إن الدول الغنية المنتجة للنفط ليست مرشحة للحصول على المساعدات الاقتصادية،لكن هناك جوانب إصلاح رئيسية هامة للحوكمة (مثل الإصلاح القضائي و الإعلام المستقل، إلخ...) التي لا تتطلب مبالغ تمويل كبيرة،و تعتبر حيوية لتنمية الدول التي تستجيب بصورة أكثر.
..........
نبذة عن معهد واشنطن.
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن و واقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
و بتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم و الأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
و ينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث و مراكز البحوث و ان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة.
و تزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي و الدول المجاورة.
تقييم صافي.
................
تفهم الحكومات في كل بلد من البلدان الأربعة،بدرجات متفاوتة،الحاجة إلى إنشاء اقتصاديات حديثة توفر الوظائف لشبابها و تُؤمِّن بقاء النظام.
و تحقق جميع هذه الدول في الوقت الراهن نجاحات في علاج مواطن الداء.
و مع ذلك فقد أخفقت معاً في استغلال فرصة التخصص الإقليمي،و تقيم جميعها علاقات تجارية مع أوروبا أكثر من تلك التي أقامتها مع بعضها البعض.
و لا تزال معدلات بطالة الشباب في كل دولة مرتفعة على نحو ينطوي على مخاطر جمة،كما أن التوقعات بين السكان ككل آخذة في الارتفاع.
...
لقد استفادت النخبة في كل دولة على نحو غير متناسب من عمليات الإصلاح الاقتصادي،و لا يزال التصور،إن لم يكن الواقع،بوجود فساد رسمي مرتفعاً.
كما أن الأزمة المالية و الركود العالمي اللذين بدءا في أواخر عام 2008 و أخذ العالم يتعافى منهما ببطء قد ألحقا تأثيرات متباينة،و خاصة في المغرب و تونس.
و مع انهيار أسعار القمح و النفط،أصبحت الإعانات التي تقدمها المغرب أقل عبئاً على الاقتصاد الكلي.
و مع ذلك،فمن المرجح أن يؤدي الركود الأوروبي إلى تعميق التباطؤ الاقتصادي في كلا الدولتين.
و لا توجد من الناحية العملية إرادة لتعجيل الإصلاح السياسي.
........
تحرك ببطء شديد.
سعت الجزائر و تونس و ليبيا -- و المغرب بصورة أكثر محدودية -- إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية دون تحول ديمقراطي.
و رغم ذلك،هناك اليوم مجموعة صغيرة من النخبة آخذة في طريقها لأن تصبح منفصلة عن شعبها على نحو محفوف بالمخاطر،مما يؤدي إلى أزمة شرعية متنامية،و إن كانت بدرجات متباينة،في كل دولة.
و يتخلى العديد من الأفراد و الجماعات من "الديمقراطية السطحية" و يتجهون إلى أشكال بديلة من التعبير الاجتماعي.
و قد يُسهل هذا من قدرة الحكومات الاستبدادية على الضغط من أجل تحقيق إصلاحات اقتصادية أكثر عمقاً على المدى القصير لكنه قد يؤدي إلى اضطراب واسع النطاق،و إن عرضياً.
و إذا كانت المغرب قد حظيت بأكبر قدر من الإشادة لما تبذله من جهود لإصلاح الاقتصاد،فإنها قد حظيت أيضاً بإعجاب المراقبين من خلال الخطوات التي اتخذتها حتى الآن لفتح نظامها السياسي.
فلا تزال المغرب الدولة الوحيدة في شمال أفريقيا التي اعتبرتها مؤسسة «فريدوم هاوس» "حرة جزئياً"،و ذلك في دراستها السنوية للحقوق السياسية و الحريات المدنية حول العالم،لكن ذلك على نحو ضيق جداً.
و عند وفاة والده الملك حسن الثاني عام 1999،أطلق محمد الخامس سلسلة من الإصلاحات السياسية التدريجية كانت تهدف إلى تحديث النظام السياسي للمغرب و نقل السلطة بعيداً عن القصر.
و خلال السنوات العشر منذ ذلك الحين،شهدت المغرب إجراء أول انتخابات مفتوحة بشكل معقول و تأسيس صحافة مزدهرة و تشكيل حكومة قانونية أدت إلى تكوين العديد من المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك المشاركة القانونية لأحد أكبر الأحزاب السياسية الإسلامية في المنطقة.
و في أعقاب الانتخابات الناجحة التي جرت عام 2002،وافقت الحكومة على قانون أسرة ثوري يهدف إلى تمكين المرأة و تأسيس "هيئة الإنصاف و المصالحة"،و هي عملية المصالحة الأكثر تقدماً من أي دولة في العالم العربي لمعالجة إساءات الماضي.
بيد،منذ تقديم التقرير النهائي لـ "هيئة الإنصاف و المصالحة"،لم يتم تنفيذ سوى القليل من الإصلاحات الهيكلية الموصى بها،و لا تزال انتهاكات حقوق الإنسان مستمرة،رغم أن ذلك يحدث بمعدلات اقل مما كانت عليه في الماضي.
و لا يزال برلمان المغرب اليوم مؤسسة بلا نفوذ إذ لا يحظى سوى بقدرة محدودة على التأثير على سياسة الحكومة.
كما أن المعارضة شكلية إلى حد كبير،و أدى فوز "حزب الاستقلال" في عام 2007 إلى تعزيز الانطباع المحلي و الدولي بأن الملك ملتزم بشكل الملكية الدستورية و لكن ليس بوظيفتها.
و يرى المغربيون أنفسهم أن المؤسسة تعمل كهيئة استشارية دون أي وظيفة فعلية.
و قد أدى قانون الانتخابات الذي وُضع بهدف الحد من أي تغيير حقيقي في القصر إلى تعزيز هذا التصور.
و رغم الجهود الهائلة التي بذلتها الحكومة و آخرون لتحفيز المغربيين على المشاركة في العملية الانتخابية،إلا أن معدل المشاركة تراجع إلى نسبة هي الأكثر انخفاضاً على مدار تاريخ البلاد بواقع 37 بالمائة في الانتخابات البرلمانية لعام 2007.
و في الواقع،تم انتخاب البرلمان الحالي من قبل 21 بالمائة فقط من الناخبين المغربيين المسجلين.
و قد جاء "حزب العدالة و التنمية" الإسلامي في المركز الثاني في الانتخابات بعد أن توقع العديدون فوزه.
كما ارتفعت شعبية "حزب العدل و الإحسان" المحظور،و هو حزب إسلامي أكثر تطرفاً رفض المشاركة في العملية السياسية،و ذلك بالتزامن مع تراجع الحظوظ الانتخابية لـ "حزب العدالة و التنمية" الإسلامي.
و قد اختار الحزب الأول،إلى جانب أحزاب إسلامية أخرى مناهضة للملكية،مساراً إسلامياً مختلفاً و أكثر تقليدية،و هو العمل على الفوز بالعقول و القلوب من خلال توفير الخدمات و تعزيز الحصن الديني المحافظ ضد المزيد من التحديث.
و في الديمقراطيات الجديدة أو الناشئة،يمكن أن يكون الهبوط الحاد في معدلات مشاركة الناخبين مؤشراً على استياء الجمهور بجيث يتجاوز حدود اللامبالاة البسيطة.
فإذا شعر الناس بأنه لا يمكنهم تشكيل نظامهم السياسي من خلال القنوات القائمة و الرسمية، فسيلجأون إلى أساليب أخرى.
و بفضل الملك،فإن الشكوك العميقة لدى المغربيين بشأن السياسات البرلمانية لم تستأصل إيمانهم بالمؤسسة الملكية.
و علاوة على ذلك،شهد المغربيون العنف و عدم الاستقرار الكبيرين أثناء العقد الضائع التي مرت به الجزائر و ليسوا متحمسين لتجربة هذه الاضطرابات أنفسهم.
إن الواقع بأن محمد الخامس يحتفظ بلقب "أمير المؤمنين" تعزز من شخصيته الغامضة و سلطته،مما يجعل أزمة الشرعية في المغرب أقل حدة عما قد تكون عليه خلافاً لذلك.
و مع ذلك،ما لم يتحرك القصر في المستقبل القريب و يقوم بإحداث إصلاحات سياسية أكثر عمقاً،قد تكون إصلاحات الملك الاقتصادية،و التي تمثل أهمية لبقاء النظام،معرضة للخطر.
و خارج نطاق المغرب،صنفت مؤسسة "فريدوم هاوس" ليبيا و الجزائر و تونس على مدار أكثر من عشر سنوات على أنها دولاً "غير حرة".
و هناك نقطة أو نقطتان مضيئتان في كل دولة -- فالجزائر على سبيل المثال تتمتع بصحافة مطبوعة حرة و مزدهرة -- لكن لا تزال النظم السياسية لهذه الدول بصورة إجمالية مُغلقة بشكل مُحكم،فالجماهيرية الليبية تُدار بدون دستور مكتوب و هي تحت رحمة زعيم متقلب.
كما طورت دولة الشرطة التونسية أدوات قمع أكثر تقدماً.
فلديها أحد سجلات حقوق الإنسان الأكثر سوءاً في المنطقة،و فيها صحافة هي الأقل حرية بدون معارضة حقيقية لحزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحاكم.
كما أن السياسات الانتخابية في كل دولة،إن كانت قائمة على الإطلاق،ليست تنافسية بصفة أساسية و تقوم فقط بإضفاء الشرعية على النظم الحاكمة.
ففي الجزائر،تم إدخال مجموعة من التعديلات الدستورية المثيرة للجدل بشكل كبير في عام 2008،بغية السماح للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالترشح لفترة رئاسة ثالثة بلغت ذروتها بانتخابات زائفة فاز فيها مرة أخرى بنسبة 90 بالمائة من الأصوات.
و في تشرين الأول/أكتوبر،فاز الرئيس التونسي بن علي بفترة ولايته الخامسة التي أمدها خمس سنوات كرئيس للبلاد،بحصوله على 90 بالمائة من الأصوات تقريباً.
أما في ليبيا،فيظل الزعيم النقطة الوحيدة للاستمرار السياسي،حيث يتخذ كافة القرارات الرئيسية لبلاده.
و يجري حالياً النظر في عمليات انتقال الحكم داخل الأسر الحاكمة في كل من الجمهوريات الثلاث: من والد لابن في ليبيا؛و من شقيق إلى شقيق في الجزائر،و من والد إلى صهر أو زوجة في تونس.
و لا يوجد حالياً الكثير الذي قد يشير من أين ستظهر،المعارضة المُنظمة لعمليات انتقال من هذا القبيل،من داخل المجتمع.
و مع ذلك،لم يصل الاستياء إلى مستوى يرجح معه حدوث عدم استقرار واسع النطاق في المستقبل القريب.
و هناك أسباب لذلك تتجاوز حدود الاستخدام الفعال لأجهزة الأمن.
فالحرب الأهلية التي استمرت على مدار عقد في الجزائر قد أرهقت السكان و تُساهم في هدوئهم.
كما أن قدرة الحكومة التونسية على توسيع نطاق الازدهار كان معناه تعزيز طرفها في العقد الاجتماعي حتى إذا كانت النخبة قد بدأت تضيق ذرعاً بالقيود المفروضة عليها.
كما أن النظام السياسي في ليبيا آخذ في التآكل،لكن طالما استمرت الدولة في توفير الوظائف و الخدمات،فإن المطالب للحصول على حقوق مدنية و سياسية إضافية سوف تبقى مكبوتة.
.............
نحو استجابة عبر الأطلسي؟
انتهجت أوروبا و الولايات المتحدة استراتيجيات مختلفة تهدف إلى معالجة التحديات الرئيسية في شمال أفريقيا،بسبب هذه المواجهات الاقتصادية و السياسية؛لكن بدون قيادة أكثر حكمة من قبل قادة الدول الشركاء،لن يكون باستطاعة أي نهج تحقيق الكثير.
و بعد توسيع الاتحاد الأوروبي في عام 2004،طوّرت بروكسل "مبادرة سياسة الجوار الأوروبية" لطمأنة الأمم القلقة التي لم تنجح في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بأن تعزيز التعاون مع أوروبا لا يزال ممكناً.
إن محور "مبادرة سياسة الجوار الأوروبية" هي خطط العمل التي تم التفاوض حولها بصورة ثنائية "مع حكومات ذات نزعة إصلاحية" تعمل على "تعميق العلاقات السياسية و احتمالية اتخاذ تدابير هائلة للتكامل الاقتصادي من خلال الاندماج التدريجي في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي".
و في الوقت الراهن،يوجد للاتحاد الأوروبي خطط عمل مع المغرب و تونس.
و قد رفضت الجزائر الموافقة على خطة عمل،حيث أنها مقتنعة باتفاقية الارتباط التي وقعتها في عام 2002.
و قد أُضيف في العام الماضي "الاتحاد من أجل المتوسط" من خلال دمجه في "عملية برشلونة".
و قد بشّر الترتيب الجديد بإقامة روابط سياسية أكثر قرباً مع الدول الجنوبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
و سوف تكون عناصر النهج الأوروبي مزيجاً من خطط إصلاح تم التفاوض حولها بصورة ثنائية،تؤكد على تحرير التجارة،مصحوبة بجهود في المشاورات السياسية الإقليمية.
و بالنسبة لدول شمال أفريقيا،لا سيما المغرب،التي تود رؤية اندماج أكبر مع أوروبا،ما تزال الأهداف السياسية النهائية لأوروبا غامضة.
خلال السنوات الأخيرة،حقق نهج الولايات المتحدة في المنطقة الكثير من الهياج و الانفعال حيث عمل على تحفيز العديد من المكاسب التي تم إنجازها في العقد الحالي.
و قد تجاهلت الولايات المتحدة منطقة البحر المتوسط كثيراً خلال أغلب فترات الحرب الباردة،حيث تركت الأمر لأوروبا لكي تدير فناءها الخلفي.
و إلى الدرجة التي اهتمت نفسها بالمنطقة ككل،فقد استنفذت واشنطن طاقاتها الدبلوماسية في جهود السلام في الشرق الأوسط و تأمين إمدادات النفط للولايات المتحدة (و للعالم بشكل أكبر).
و عندما يتعلق الأمر بشمال أفريقيا،آنذاك و الآن،تميل الولايات المتحدة إلى رؤية المنطقة من منظور أمني،حيث يتمثل مصدر قلقها الأساسي في النشاط الإرهابي و تصدير عدم الاستقرار.
إن "مبادرة الشراكة الاقتصادية بين الولايات المتحدة و شمال أفريقيا" أثناء الفترة الثانية من ولاية كلينتون التي سعت إلى تعزيز التجارة و الاستثمارات الأمريكية في المنطقة،كانت مصحوبة بجهود دبلوماسية فاشلة لحل الصراع على الصحراء الغربية.
و مع ذلك،غيرت صدمة أحداث 11 سبتمبر/أيلول الرؤية الأمنية الوطنية للولايات المتحدة و وجهتها باتجاه الشرق الأوسط،مما بشّر في الدخول في فترة من النشاط الأمريكي غير المسبوق في المنطقة.
لقد تم اتخاذ مجموعة مذهلة من المبادرات الجديدة (فضلاً عن خوض حرب) في الفترة من 2002 إلى 2004، و ذلك بهدف واضح يتمثل في فرض التغيير على منطقة تصورت واشنطن أنها واقعة في مستنقع الركود و الجمود.
و خلافاً لنهج الاتحاد الأوروبي،لم تتصور الولايات المتحدة في ظل الإدارة الثانية للرئيس بوش بأن يكون الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو "الصراع الرئيسي" في المنطقة.
و بإيجاز،سعت الولايات المتحدة كقوة راهنة إلى تغيير الوضع الراهن في المنطقة بشكل جذري.
و في كانون الأول/ديسمبر 2002،أطلقت الإدارة الأمريكية "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط"،و هي مبادرة إقليمية تهدف إلى دعم الطلب على الإصلاح من خلال وضع برامج لدعم منظمات المجتمع المدني في العديد من القطاعات.
و في آذار/مارس 2003،غزت الولايات المتحدة العراق،حيث أطاحت -- في أقل من ثلاثة أسابيع -- بنظام كان يخشاه الزعماء العرب،الأمر الذي أرسل موجات صدمة عبر المنطقة،و أجبر ليبيا،التي كانت تخشى أن تكون المحطة التالية، على التخلي عن برامجها لأسلحة الدمار الشامل و السعي إلى التقارب مع الغرب.
لكن قبل الغزو و بعده،كان إدخال الديمقراطية إلى المنطقة إحدى المبررات التي أُعطيت لشن الحرب. و في أيار/مايو 2003،أطلقت الإدارة الأمريكية "مبادرة منطقة التجارة الحرة لدول الشرق الأوسط" بهدف تحفيز الإصلاح الاقتصادي و توسيع التجارة و الاستثمار مع المنطقة،الأمر الذي تُوج في النهاية باتفاقية تجارة حرة إقليمية.
و في عام 2004،أطلقت إدارة بوش ما أصبح يُعرف باسم "مبادرة الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا".
و قد تأسست تلك المبادرة ضمن إطار "مجموعة الثماني"،و كان الهدف منها دعم الإصلاحات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية الطوعية في المنطقة التي تشملها "مبادرة الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا".
و على الرغم من أن هدفها لم يكن بديلاً عن "عملية برشلونة"،إلا أن أوروبا نظرت إليها على هذا النحو و استاءت منها.
و قد روّجت الولايات المتحدة لفكرتها الجديدة من خلال إجراء القليل من التشاور مع الأوروبيين و بدون تشاور مع دول المنطقة.
و قد أطلقتها الولايات المتحدة بصفة رسمية في قمة "مجموعة الثماني" في "سي أيلاند" في حزيران/يونيو 2004،و لم ترسل المملكة العربية السعودية و لا مصر ممثلين عنهما.
و باختصار،اتسم نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة في ظل حكم بوش في ذلك الحين،باستخدام القوة الخشنة،و الخطاب الحاد،و إعطاء الأولوية للإصلاح السياسي و الاقتصادي و التوسع التجاري على حساب صنع السلام.
لقد أصبحت المغرب شريكاً رئيسياً في "مبادرة الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا"،حيث وقعت اتفاقية التجارة الحرة الثانية في العالم العربي (و كانت الأردن أول من يوقع على اتفاقية كهذه).
و افتتحت "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط" مكتباً إقليمياً في تونس و قدمت عدداً من البرامج الجديدة في كل من الجزائر و المغرب وسعت إلى القيام بالشيء نفسه في ليبيا عندما انفتحت على العالم.
بيد،ظل الأمن الشغل الشاغل في شمال أفريقيا،و كانت "مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء" (الأفريقية) الكبرى،البرنامج الأكبر إلى حد بعيد في المنطقة و لا تزال كذلك،حيث شملت عشر دول [و ميزانية] قدرها 500 مليون دولار.
لقد عادت الولايات المتحدة إلى شاغلها الأول قبل فترة إدارة بوش و هو حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي و الصراع العربي الإسرائيلي الأوسع نطاقاً كشرط مسبق لمعالجة العلل السياسية و الاجتماعية في المنطقة،و هو تغير سياسي طالما دعمته بروكسل.
و فيما يتعلق فيما إذا سيكون لهذا التقارب الملاحظ في النهج العام تجاه المنطقة تأثير على شمال أفريقيا،فإن ذلك يعتمد بشكل كبير على ما إذا كان أي من جانبي الأطلسي يرى قيمة في النهج عبر الأطلسي.
و على كل حال،فإن النجاح،مهما كان تعريفه،سوف يكمن بصفة أساسية في الالتزام من جانب الأنظمة نفسها بجعل الإصلاح السياسي و الاقتصادي أولوية.
و سوف يكون لهذا أيضاً تداعيات على شكل النهج عبر الأطلسي.و مع ذلك،بإمكان الاستثمار المتواضع في التنسيق و التعاون الأكثر قرباً من قبل أوروبا و الولايات المتحدة فيما يتعلق بشمال أفريقيا،أن يحقق نتائج إيجابية.
........
التوصيات.
بدلاً من أن تقوم الولايات المتحدة و أوروبا بفرض الاندماج يجب عليهما أن تعملان بشكل وثيق مع تلك الحكومات المستعدة لاتخاذ خطوات من أجل تحسين اقتصادياتها.
كما أن المشاركة الروتينية للمعلومات بين الولايات المتحدة و أوروبا ستكون حيوية لضمان توجيه الموارد بشكل صحيح.
يجب أن تكون المغرب أول حالة اختبار من أجل القيام بالمزيد من التنسيق المكثف.
إن كلاً من الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى قصة نجاح يشيران إليها،و رغم التحديات العديدة أمام حكومة المغرب،فإن ما أظهرته من التزام نحو الإصلاح الاقتصادي يوصي بإيلائها المزيد من الاهتمام.
و تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي يرصدان بالفعل موارد هائلة للمغرب. فـ "ميثاق مؤسسة تحدي الألفية" مع المغرب،و الذي دخل حيز التنفيذ بالفعل في أيلول/سبتمبر 2008،يخصص 697.5 مليون دولار على مدى خمس سنوات للحد من الفقر.
و رغم أن خطة العمل الأوروبية هي أكثر شمولية في نهجها،إلا أنها تعمل في العديد من القطاعات نفسها و خصصت 682 مليون يورو إضافية للفترة من 2007 إلى 2010.
و من الواضح أن إتاحة الفرصة للمزيد من المشاركة المعلوماتية سيعزز من تأثير تلك البرامج.
و كجزء من تعزيز العلاقة،يجب أن تلتزم المغرب ببذل المزيد فيما يتعلق بالتزامها المعلن بالإصلاح السياسي.
و تنعقد الآمال على أن يؤدي النجاح الواضح في المغرب إلى قيام بلدان أخرى في المنطقة بحذو حذوها.
يجب على الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي إعادة الالتزام بجهود إقامة منطقة تجارة حرة داخل شمال أفريقيا و العمل سوية لدعم السوق المشتركة الناشئة بين المغرب و تونس و الأردن و مصر كجزء من "اتفاقية أغادير".
و تختلف حالياً قواعد المنشأ بين الولايات المتحدة و أوروبا إلى درجة تواجه فيها الولايات المتحدة عقبات كبيرة من ناحية بذل المزيد من الجهود للمساعدة.
يجب على الولايات المتحدة أن تعمل مع الاتحاد الأوروبي و باقي دول "مجموعة الثماني" لإعادة هيكلة "مبادرة الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا" مع الاهتمام بتعزيز جوانبها السياسية لعدد أكبر من البلدان ذات التوجهات الإصلاحية.
و من شأن ذلك أن يخلق حوافز إضافية لتلك الدول التي تتطلع للمضي بسرعة أكبر في أجنداتها الإصلاحية.
و من الواضح أن وثائق "سي آيلاند" التي وضعت أسس "مبادرة الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا" تسمح بذلك.
يجب على الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي بذل المزيد من الجهود لتحفيز جانب الطلب في معادلة الإصلاح،من خلال العمل معاً على تعزيز مبدأ إمكانية حصول المنظمات غير الحكومية على تمويل أجنبي طالما يتم توثيق ذلك، كونه قادماً من مصادر موثوقة.
و هناك تقرير صدر مؤخراً من قبل المفتش العام لـ "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" حول تقديم المساعدة الديمقراطية إلى مصر،يشير إلى النجاح النسبي لتلك المنح مقارنة بالعقود الضخمة التي يتم توجيهها من خلال مقاولين يعملون مع المنظمات الحكومية و شبه الحكومية.
و في حين أنه من غير الواقعي توقع قيام الولايات المتحدة بتخصيص موارد هائلة لمعالجة التحديات في شمال أفريقيا،إلا أن إدخال تعديلات بيروقراطية متواضعة مصحوبة بأدوات برنامجية و سياسية يمكن أن يؤدي إلى نتائج ملموسة.
و وفقاً لأحد التقراير،فبمجرد إنشاء "خدمة العمل الخارجي الأوروبي"،عقب التنفيذ الكامل لـ "معاهدة برشلونة"،ستتوافر لسفراء الاتحاد الأوروبي عشرة أضعاف الموارد المتاحة لسفارات الدول الأوروبية الحالية.
كما يجب زيادة التمويل لمشاريع "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط" الخاصة بالجزائر و ليبيا و تونس.
إن الدول الغنية المنتجة للنفط ليست مرشحة للحصول على المساعدات الاقتصادية،لكن هناك جوانب إصلاح رئيسية هامة للحوكمة (مثل الإصلاح القضائي و الإعلام المستقل، إلخ...) التي لا تتطلب مبالغ تمويل كبيرة،و تعتبر حيوية لتنمية الدول التي تستجيب بصورة أكثر.
..........
نبذة عن معهد واشنطن.
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن و واقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
و بتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم و الأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
و ينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث و مراكز البحوث و ان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة.
و تزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي و الدول المجاورة.