سوزان عليوان و "رشق الغزال".
هالة كوثراني-مجلة "لها".2011/8/24
.....................................
احتفالي بكتاب شعري جديد للصديقة سوزان عليوان يكون دوماً شخصياً جداً. أحتفل بالأفكار وبكيمياء الكلمات وذكاء الإحساس، ثم أبحث في كلّ هذا عمّا لا أعرفه عن سوزان.
لا أخجل بفضولي هذا، ويسعدني أنني أرى بين الكلمات ما أفهمه تماماً.
لكن فهم الشعر ليس سهلاً، والغموض والضياع بين الاحتمالات والمعاني هما السرّ الأجمل واللعبة الأساسية في قراءة الشعر.
«رشق الغزال» هو عنوان ديوان سوزان عليوان الجديد الذي صدر أخيراً في طبعة خاصّة بغلاف يعكس شفافية النصّ وجماله.
يذهل التناسق بين الألوان التي تجيد سوزان اختيارها وهي تبتكر غلافها، فتنجح دوماً في مفاجأتنا.
ننتظر الشكل الذي تغلّف به كلماتها، لأن سوزان تدلّل كلماتها وتحترمها ولأنها أيضاً تدلّل قارئها وتحترمه، فالديوان بالنسبة إليها عمل أدبي فني متكامل، وهو أيضاً إنجاز شخصي تنجح كلّ مرة في تنفيذه وحدها.
ترسم سوزان الكلمات وتكتب الرسوم.
تحكي بالشعر عالمها ووجوهها، الوجوه التي ترسمها وتؤنس بها أيضاً عوالم أصدقائها، ترسمها «بأهداب مسدلة،
بلا أنوف،
بأفواه من الكرز زاهدة». (ص 7)
هذه الوجوه اللوحات «تقترحها مرايا لغربائها» (ص 7).
فالغريب هو غيرها، وهي عالمها الذي هو العالم كلّّه. يمكن لسوزان أن تبني العالم الخارجي كلّه في عالمها، بكلمات هي أيضاً «كائنات أليفة» (ص 9).
وكلماتها انطباعات من طوافها في المدن، والفصول، خصوصاً فصل الشتاء القريب إلى روحها، الغزير مثل روحها، هي التي «أهلكها الهجر» (ص 13).
وفي الكلمات أيضاً يلوح الماضي.
وتقدر الشاعرة، بأربع كلمات لا غير، على أن ترسم مشاهد منه.
كيف في وسعها أن تصف المشهد والحالة والجوّ النفسي في كلمات قليلة؟
وفي الكلمات أيضاً، قصةٌ أدوارُ البطولة فيها لحبيبين ولحبّ لا يكتمل. يقف هذا الحبّ عند عقدة ما، وهو ليس حباً مستحيلاً بالضرورة، لكنّه حب مؤلم لشدة جماله.
وربما هذ الحبّ ليس سوى ذريعة لكتابة الذات.
فهذا الحبيب، قريب منها إلى حدّ تماثلهما.
يصبح الحبيب، الـ«هو»، «الآخرُ»، الحبيبةَ البطلةَ الـ«هي»، ويصبحان هما والعالم واحداً. هنا نلمس أثراً صوفياً في كلمات الشاعرة.
نلمسه أيضاً في علاقتها بالطبيعة، فهي تبدو واعية أكثر من غيرها أبطال الطبيعة، كأنها تفهمها، وكأنها وحدها قادرة على أن ترى «شمس الشتاء في شباك» (ص 25).
ويمكن لكلماتها أن تجعلنا نتخيّل «الجرح الذي يتركه الفأس في شجرة»في جذع شجرة أو ساقها أو صدرها.
ترسم الصورة وتلوّنها، وحين تتوقّف الكلمات يستمرّ المشهد، لا ينقطع، مشهد مفتوح لا ينتهي.
لكن حتى الصور الموجعة لا تؤذي، تبدو كالغيوم المتخيّلة، كوسادات ممتلئة.
ودوماً يظهر أن الشاعرة تحمل معها ميراث الشعر العربي وليس فقط حداثتها وفرديتها. يظهر ذلك عبر فصاحة تمتزج بفرادة ورهافة.
يظهر أيضاً تأثير قرآني في موسيقى الكلمات وفي بعض الصور والعبارات.
وتلجأ الشاعرة أيضاً إلى تكرار ذكيّ، ولعب على الكلمات بحروفها المتشابهة ومعانيها المتباعدة، أليس هذا هو الشعر؟
وقد اقتربت قصص شِعر عليوان من الجلد، من الجسم وأعضائه.
في الشِعر جلد وشَعر وقلبٌ ودماء، لكن من دون أن يغيب هذا الإحساس «الأثيري» بالكلمات.
«وكي لا أقيس أيامي
بشموس وطرق
أطيل شَعري
لعلّ لمستك معه تنمو
وتغدو السنوات
بيننا ملموسة» (ص 44)
الأرض فضاء والجسم جسر والكلمات موسيقى.
أما النهاية، نهاية الديوان، فهي بداية أخرى.
...........
الموقع الرئيسي للشاعرة سوزان عليوان..مقصوصات.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
هالة كوثراني-مجلة "لها".2011/8/24
.....................................
احتفالي بكتاب شعري جديد للصديقة سوزان عليوان يكون دوماً شخصياً جداً. أحتفل بالأفكار وبكيمياء الكلمات وذكاء الإحساس، ثم أبحث في كلّ هذا عمّا لا أعرفه عن سوزان.
لا أخجل بفضولي هذا، ويسعدني أنني أرى بين الكلمات ما أفهمه تماماً.
لكن فهم الشعر ليس سهلاً، والغموض والضياع بين الاحتمالات والمعاني هما السرّ الأجمل واللعبة الأساسية في قراءة الشعر.
«رشق الغزال» هو عنوان ديوان سوزان عليوان الجديد الذي صدر أخيراً في طبعة خاصّة بغلاف يعكس شفافية النصّ وجماله.
يذهل التناسق بين الألوان التي تجيد سوزان اختيارها وهي تبتكر غلافها، فتنجح دوماً في مفاجأتنا.
ننتظر الشكل الذي تغلّف به كلماتها، لأن سوزان تدلّل كلماتها وتحترمها ولأنها أيضاً تدلّل قارئها وتحترمه، فالديوان بالنسبة إليها عمل أدبي فني متكامل، وهو أيضاً إنجاز شخصي تنجح كلّ مرة في تنفيذه وحدها.
ترسم سوزان الكلمات وتكتب الرسوم.
تحكي بالشعر عالمها ووجوهها، الوجوه التي ترسمها وتؤنس بها أيضاً عوالم أصدقائها، ترسمها «بأهداب مسدلة،
بلا أنوف،
بأفواه من الكرز زاهدة». (ص 7)
هذه الوجوه اللوحات «تقترحها مرايا لغربائها» (ص 7).
فالغريب هو غيرها، وهي عالمها الذي هو العالم كلّّه. يمكن لسوزان أن تبني العالم الخارجي كلّه في عالمها، بكلمات هي أيضاً «كائنات أليفة» (ص 9).
وكلماتها انطباعات من طوافها في المدن، والفصول، خصوصاً فصل الشتاء القريب إلى روحها، الغزير مثل روحها، هي التي «أهلكها الهجر» (ص 13).
وفي الكلمات أيضاً يلوح الماضي.
وتقدر الشاعرة، بأربع كلمات لا غير، على أن ترسم مشاهد منه.
كيف في وسعها أن تصف المشهد والحالة والجوّ النفسي في كلمات قليلة؟
وفي الكلمات أيضاً، قصةٌ أدوارُ البطولة فيها لحبيبين ولحبّ لا يكتمل. يقف هذا الحبّ عند عقدة ما، وهو ليس حباً مستحيلاً بالضرورة، لكنّه حب مؤلم لشدة جماله.
وربما هذ الحبّ ليس سوى ذريعة لكتابة الذات.
فهذا الحبيب، قريب منها إلى حدّ تماثلهما.
يصبح الحبيب، الـ«هو»، «الآخرُ»، الحبيبةَ البطلةَ الـ«هي»، ويصبحان هما والعالم واحداً. هنا نلمس أثراً صوفياً في كلمات الشاعرة.
نلمسه أيضاً في علاقتها بالطبيعة، فهي تبدو واعية أكثر من غيرها أبطال الطبيعة، كأنها تفهمها، وكأنها وحدها قادرة على أن ترى «شمس الشتاء في شباك» (ص 25).
ويمكن لكلماتها أن تجعلنا نتخيّل «الجرح الذي يتركه الفأس في شجرة»في جذع شجرة أو ساقها أو صدرها.
ترسم الصورة وتلوّنها، وحين تتوقّف الكلمات يستمرّ المشهد، لا ينقطع، مشهد مفتوح لا ينتهي.
لكن حتى الصور الموجعة لا تؤذي، تبدو كالغيوم المتخيّلة، كوسادات ممتلئة.
ودوماً يظهر أن الشاعرة تحمل معها ميراث الشعر العربي وليس فقط حداثتها وفرديتها. يظهر ذلك عبر فصاحة تمتزج بفرادة ورهافة.
يظهر أيضاً تأثير قرآني في موسيقى الكلمات وفي بعض الصور والعبارات.
وتلجأ الشاعرة أيضاً إلى تكرار ذكيّ، ولعب على الكلمات بحروفها المتشابهة ومعانيها المتباعدة، أليس هذا هو الشعر؟
وقد اقتربت قصص شِعر عليوان من الجلد، من الجسم وأعضائه.
في الشِعر جلد وشَعر وقلبٌ ودماء، لكن من دون أن يغيب هذا الإحساس «الأثيري» بالكلمات.
«وكي لا أقيس أيامي
بشموس وطرق
أطيل شَعري
لعلّ لمستك معه تنمو
وتغدو السنوات
بيننا ملموسة» (ص 44)
الأرض فضاء والجسم جسر والكلمات موسيقى.
أما النهاية، نهاية الديوان، فهي بداية أخرى.
...........
الموقع الرئيسي للشاعرة سوزان عليوان..مقصوصات.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]