تركيا و منزلق القضايا العربية...مقامرة شبه خاسرة.
......
الخلافات و الصراعات الاخيرة التي تشهدها المنطقة تثبت بشكل قاطع سعي بعض الدول الى الهيمنة و توسيع النفوذ،و يرى بعض المراقبين ان المساعي التركية الاخيرة و تدخلها المباشر في الشؤون الداخلية لبعض الدول من خلال تبنيها و رفضها لبعض السياسات هو مؤشر واضح لإبراز نفسها كقطب مهم و مدافع اساسي لطائفة معينة هذا مع سعيها الجاد الى ايجاد تحالف خاص مع بعض دول الخليج لأجل تكوين تكتل خاص قادر على مواجه ايران التي تعتبر احدى اهم الدول في المنطقة، مجددين خشيتهم من اتساع رقعة الخلاف الذي قد يتسبب بحدوث حرب طائفية خصوصا مع وجود هذا الكم الهائل من المشاكل و الخلافات و حالة عدم الاستقرار الامني لبعض البلدان ذات التنوع الطائفي، و في هذا الشأن فقد كشف خلاف شديد مع العراق النقاب عن دور تركيا في صراع اوسع على السلطة في منطقة الشرق الاوسط مع تحرك انقرة لحماية استقرارها و رخائها من "المحور الشيعي" العراقي-الايراني الذي تخشاه في اعقاب الانسحاب العسكري الامريكي من العراق.
و تركيا قوة اقليمية سنية لكنها علمانية و تقع على الحدود مع العراق و تحاول منذ فترة طويلة ان تلعب دور الوسيط الاقليمي في ظل التنافس بين ايران القوة الشيعية الكبرى و السعودية القوة السنية الابرز على النفوذ في منطقة تشهد اضطرابات سياسية في الوقت الحالي.
لكن تداعيات انتفاضات الربيع العربي و خروج القوات الامريكية من العراق اجبرا تركيا على القيام بتعديلات صعبة من خلال الخروج من تحالفات قديمة و تشكيل اخرى جديدة متخلية عن سياسة "عدم الدخول في مشاكل مع الجيران".
و دفع هذا التغير الذي صاحبته دبلوماسية اكثر قوة متمثلة في رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان تركيا الى دخول لعبة استراتيجية اقليمية تضع دول الخليج العربية و انقرة في مواجهة ايران.
.......
و قال سولي اوزيل و هو اكاديمي و معلق تركي بارز "الامر الحاسم حقا هو الانسحاب الامريكي من العراق لان ذلك جعل العراق بشكل اساسي ملعبا مفتوحا بدرجة أكبر امام الايرانيين.
"بدأت تركيا تجد نفسها لا محالة و ربما دون رغبة منها جزءا من العاب طائفية على عكس الموقف الذي حاولت على نحو دقيق ان تحافظ عليه و هو تساميها عن الطائفية."
و يشن المسؤولون الاتراك حربا كلامية مع بغداد منذ ديسمبر كانون الاول عندما امر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي باعتقال نائب الرئيس طارق الهاشمي بناء على مزاعم بأنه ادار فرق اغتيال.
و الخلاف علامة على قلق تركيا من ان "قوتها الناعمة" الصاعدة القائمة على اقتصاد مزدهر و استقرار ديمقراطي نسبي بشر به اردوغان بعد حقبة طويلة من الانقلابات العسكرية قد تتعرض للتهديد من جانب "محور شيعي" وليد تجسده ايران و حكومة بغداد التي تدعمها طهران.
و قال حسن تورناك الباحث بجامعة اكسفورد "يتعلق الامر بتصاعد صراع القوى في بغداد مصحوبا بصراع اقليمي بين ايران و تركيا و دول الخليج العربية يدور في سوريا و العراق."
و تريد دول الخليج العربية و تركيا على السواء ان تشهد انتفاضة في الشوارع و تمردا في سوريا يطيح بالرئيس بشار الاسد للمساعدة في انحسار النفوذ الاقليمي لحليفتها الوثيقة ايران و منع انتقال اراقة الدماء اليها.
و تتهم تركيا المالكي بنثر بذور الخلاف الطائفي بمحاولة تهميش منافسيه من السنة حيث طالب المالكي البرلمان بإقالة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك و حذر من "حرب باردة" شيعية سنية.
و يقول المالكي ان انقرة تثير التوتر الطائفي واصفا تركيا بأنها "دولة معادية" تتدخل في شؤون العراق الداخلية.
و تبادل اردوغان و المالكي الاهانات العلنية و استدعت كلا الدولتين كبار دبلوماسييهما خلال الشهور القليلة الماضية.
و مما يزيد التوتر التقاء الزعماء الاتراك علنا بالهاشمي المقيم حاليا في اسطنبول بعد فراره من العراق في ديسمبر كانون الاول.و تسعى الشرطة الدولية (الانتربول) الى اعتقال الهاشمي الذي يحاكم غيابيا في العراق.و ينفي الهاشمي الاتهامات الموجهة ضده.
و نفور تركيا من المالكي ليس جديدا.فقد اقامت انقرة لسنوات طويلة روابط وثيقة مع الجماعات السنية في العراق و ايدت تكتل العراقية المدعوم من السنة ضد المالكي في الانتخابات البرلمانية التي اجريت في 2010.
و قال اوزيل "حتى قبل ان يعبر اخر جندي امريكي الحدود امر المالكي باعتقال الهاشمي و اتخذت تركيا موقفا قويا.تركيا لم تحب المالكي مطلقا."
و سعت تركيا لفترة طويلة الى تشجيع توازن محفوف بالمخاطر بين الفصائل السنية و الشيعية و الكردية في العراق حرصا على حماية المصالح التجارية في العراق وسط مخاوف من ان اي تجدد للحرب الطائفية هناك قد يعبر حدودها.
و خير مثال على ذلك زيارة اردوغان الى العراق في مارس آذار 2011 عندما زار مراكز القوى الثلاثة و هي بغداد و معقل الشيعة في النجف و اربيل عاصمة اقليم كردستان شبه المستقل في الشمال.
لكن المحللين يقولون إن هذا الجهد الذي يحقق التوازن انتهى بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق.و استقبلت تركيا منذ ذلك الحين رئيس حكومة اقليم كردستان مسعود البرزاني و منافس المالكي و زعيم كتلة العراقية اياد علاوي.
و من جانبها ترى ايران في اهتمام تركيا بالمنطقة تحديا اكبر لطموحاتها للهيمنة في الشرق الاوسط عنه عندما كان توجه تركيا قاصرا على اوروبا.
و مثلما فعلت مع العراق تحاول تركيا تقليديا التوسط في القضايا المتعلقة بايران خاصة طموحات طهران النووية المثيرة للجدل.لكن التوتر بين تركيا و ايران تصاعد بسبب دعم كل منهما لاحد طرفي الصراع السوري و قبول انقرة استضافة جزء من درع دفاعية صاروخية لحلف شمال الاطلسي تقول الولايات المتحدة انها موجهة ضد الجمهورية الاسلامية.
كما اعترض بعض المسؤولين الايرانيين على اختيار تركيا لتكون مقرا لاستئناف المحادثات بين القوى الست العالمية و ايران لتفادي المواجهة بشأن برنامجها النووي الغامض.و مضت المحادثات بين ايران و بريطانيا و الصين و فرنسا و المانيا و روسيا و الولايات المتحدة قدما في اسطنبول في ابريل نيسان لكن ليس قبل ان ينتقد اردوغان طهران قائلا ان الايرانيين "افتقدوا الصدق" و انهم "يخسرون مكانتهم الدولية".
و قال سنان اولجين و هو دبلوماسي تركي سابق يرأس حاليا مركز دراسات الاقتصاد و السياسة الخارجية ان نهج اردوغان الذي يزداد حدة يزيد التوتر في العلاقات بين انقرة و جيرانها.
و قال اولجين "مواقفه هي التي تؤدي الى ازمات مع جيراننا.اذا لم يتعامل من الامور بطريقة تقوم على الاستقطاب و اسلوب الاسود و الابيض ما كنا لنفقد قدرتنا على ادارة هذه العلاقات."و بدلا من ان يكون آخر شخص يتدخل كان كثيرا جدا اول شخص يرد.ما يقوله يصبح سياسة و يحد من قدرة تركيا على المناورة.الامر يقلقنا و السياسة تصبح متحجرة."
و استفاد اقليم كردستان العراق من هذا الخلاف الاقليمي.فقد خطب اردوغان ود البرزاني الذي كانت تصفه تركيا في وقت من الاوقات بانه "قاطع طريق" و ذلك من اجل توثيق العلاقات بين الجانبين مع سعي انقرة الى اجتذاب حلفاء جدد في منطقة تشهد تحولا.
و يحتاج البرزاني الى دعم من جار قوي يمكنه العمل كقناة لمرور صادراتها النفطية.و في المقابل تعتمد تركيا على البرزاني في تضييق الخناق على حزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا انفصاليا في تركيا و الذي تتمركز قيادته في شمال العراق.و دعا البرزاني لدى زيارته تركيا حزب العمال الكردستاني الى نزع سلاحه و قال إنه لن يسمح لاي جماعة متشددة بالعمل بحرية في شمال العراق.
غير ان محللين يقولون ان من غير المرجح ان يحدث ذلك تغيرا ملموسا لان كثيرا من انصار البرزاني متعاطفون مع حزب العمال.و رغم توتر علاقات انقرة مع حكومة بغداد تزدهر التجارة مع العراق.فقد باعت تركيا سلعا للعراق بأكثر من ثمانية مليارات دولار العام الماضي مما جعله ثاني اكبر سوق تصديرية لتركيا بعد المانيا.
و تقول وزارة المالية التركية ان نحو 70 في المئة من الصادرات الى العراق تذهب الى الشمال.بحسب رويترز.
و في حين يقول بعض المراقبين ان تركيا يمكن ان تتحمل فقد بعض المشروعات الممولة من الحكومة في العراق مع توتر العلاقات فمن غير المرجح ان تعاني التجارة بين تركيا و العراق على الامد الطويل.
و قال تورناك من جامعة اكسفورد "قارن ذلك بعلاقات تركيا مع اسرائيل.تركيا و اسرائيل على خلاف و هناك قدر كبير من الغضب العام في كلتا الدولتين غير انه اذا نظرت للعلاقات الاقتصادية تجدها تتنامى."التجارة لا تتأثر بالضرورة باللغة السياسية اليومية و نفس الشيء يمكن ان ينطبق على العراق."
......
تصاعد التوتر.
على صعيد متصل و فيما يخص الخلاف العراقي التركي فقد استدعى العراق سفير تركيا في بغداد للاحتجاج على سلوك قنصلين تركيين في فصل جديد من فصول نزاع علني بين الجارتين.و قال بيان نشر على الموقع الالكتروني لوزارة الخارجية العراقية إن مسؤولا في الوزارة التقى بالسفير التركي يونس دميرار لتقديم شكوى بشأن أنشطة قنصلي تركيا في مدينتي البصرة و الموصل.
و أضاف البيان دون تفاصيل أن العراق احتج "على بعض أنشطة القنصلين التركيين العاميين في كل من البصرة و الموصل و البعيدة عن واجباتهم و التزاماتهم القنصلية المحددة باتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963."
و يذكر ايضا ان عشرات المتظاهرين العراقيين بينهم ممثلون عن نقابة عمال محافظة البصرة،هددو باستهداف المصالح التركية في البلاد،اذا لم تستجب انقرة لطلب تسليم نائب رئيس الجمهورية المتهم بالإرهاب.و شهدت العلاقات العراقية التركية توترا،خصوصا بعد ان رفضت تركيا تسليم الهاشمي الذي لجأ اليها،و تجمع المتظاهرون امام مقر القنصلية بوسط مدينة البصرة رافعين لافتات كتب على احداها "اتحاد نقابات عمال البصرة يستنكر التدخل السافر للحكومة التركية المتمثلة ب(رجب طيب) اردوغان" رئيس الوزراء التركي.و شارك في التظاهرة التي فرض حولها اجراءات امنية مشددة،زعماء عشائر و موظفون حكوميون و طلاب مدارس.و قام المتظاهرون بحرق علم تركيا وسط هتافات "كلا كلا تركيا" و "الشعب يريد اخراج الاتراك".
و قال حسن حمدي العنزي رئيس اتحاد نقابات العمال في البصرة "نستنكر التصرفات و التدخلات السافرة للحكومة التركية في الشأن العراقي و سعيهم لخلق فتنة طائفية للشعب العراقي و ايوائهم المجرم طارق الهاشمي".
و اضاف "نطالب تركيا بتسليم الهاشمي للقضاء العراقي دون قيد او شرط".
و اعلن نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداغ ان تركيا ترفض تسليم نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الملاحق مع عدد من حراسه بالوقوف وراء 150 جريمة.
و هدد العنزي قائلا "نطالب الحكومة التركية بالاعتذار للشعب العراقي و الحكومة العراقية لأفعالهم و الا سنقوم بطرد القنصلية التركية من البصرة و طرد جميع الشركات التركية في البصرة. و يبلغ عدد الشركات التركية العاملة في البصرة 1600 شركة.
و اضاف "نطالب الحكومة العراقية بغلق المنافذ الحدودية مع تركيا".
و حدد المتظاهرين في منشورات وزعت مهلة للحكومة التركية "لتنفيذ هذه المطالب و الا سنضرب المصالح التركية المتمثلة بالشركات التركية".
و تركزت المطالب على توقف الحكومة التركية عن المساس بسيادة العراق و عدم التدخل بشؤون القضاء العراقي و تسليم الهاشمي دون قيد او شرط.
و لم يبادر المسؤولون في القنصلية التركية بالتدخل او التفاوض مع المتظاهرين.و تعد قضية الهاشمي احد اسباب توتر العلاقات علاوة على انتقاد تركيا في نيسان/ابريل،رئيس الوزراء نوري المالكي (شيعي) لاحتكاره للسلطة و تمييزه ضد السنة كما قالت.
و التي ردها المالكي باتهام تركيا السنية بتحولها الى جهة عدائية و الى السعي الى الهيمنة على المنطقة و التدخل في الشؤون الداخلية العراقية.بحسب فرنس برس.
من جهة اخرى نددت تركيا بتظاهرة امام قنصليتها في البصرة (جنوب شرق العراق) تم خلالها احراق العلم التركي احتجاجا على رفض انقرة تسليم نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي،بحسب ما افادت وكالة انباء الاناضول.
و شجب وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو "السلوك المشين ازاء العلم التركي خلال تظاهرة تمت على ما يبدو بتحريض من اشخاص وقحين"،بحسب الوكالة التي اوضحت ان داود اوغلو ادلى بتصريحه خلال اتصال هاتفي مع نظيره العراقي هوشيار زيباري.
و اعتبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في تصريح متلفز ان التظاهرة امام القنصلية التركية في البصرة تشكل "هجوما غير مقبول".
............
تونس والحضور التركي.
من جهة اخرى قالت تونس انها تعتزم ادراج تعليم اللغة التركية في المناهج الدراسية الرسمية خلال الاشهر المقبلة في خطوة تعزز التقارب بين تونس و انقرة التي تحظى بأعجاب حكام تونس الاسلاميين.
و نقلت وكالة الانباء الرسمية في تونس عن وزير التربية عبد اللطيف عبيد قوله "سينطلق بداية من السنة الدراسية القادمة تدريس اللغة التركية في المعاهد التونسية."
و شدد الوزير على "أهمية تشجيع دعم قدرات التلاميذ في امتلاك اللغات الاجنبية و انفتاح المنظومة التربوية على المحيط الخارجي." بحسب رويترز.
و ستدرس التركية إلى جانب لغات أجنبية أخرى مثل الألمانية و الإيطالية كمواد اختيارية للتلاميذ.
و من شأن تدريس اللغة التركية تعزيز حضور تركيا المتزايد في تونس و شمال افريقيا.و تأتي هذه الخطوة بينما تشهد العلاقات بين تركيا و تونس التي تقود حكومتها حركة النهضة الاسلامية انتعاشا ملحوظا منذ ثورة 14 يناير كانون الثاني التي اطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي.
و تبدي حركة النهضة الاسلامية التي ينظر اليها على انها معتدلة اعجابا بالتجربة التركية في الحكم الذي يمزج بين الديمقراطية و الاسلام.
و تلقى مؤلفات راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة رواجا واسعا في تركيا و ترجمت عدد من كتبه بالفعل للغة التركية.
........
شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 12/حزيران/2012
......
الخلافات و الصراعات الاخيرة التي تشهدها المنطقة تثبت بشكل قاطع سعي بعض الدول الى الهيمنة و توسيع النفوذ،و يرى بعض المراقبين ان المساعي التركية الاخيرة و تدخلها المباشر في الشؤون الداخلية لبعض الدول من خلال تبنيها و رفضها لبعض السياسات هو مؤشر واضح لإبراز نفسها كقطب مهم و مدافع اساسي لطائفة معينة هذا مع سعيها الجاد الى ايجاد تحالف خاص مع بعض دول الخليج لأجل تكوين تكتل خاص قادر على مواجه ايران التي تعتبر احدى اهم الدول في المنطقة، مجددين خشيتهم من اتساع رقعة الخلاف الذي قد يتسبب بحدوث حرب طائفية خصوصا مع وجود هذا الكم الهائل من المشاكل و الخلافات و حالة عدم الاستقرار الامني لبعض البلدان ذات التنوع الطائفي، و في هذا الشأن فقد كشف خلاف شديد مع العراق النقاب عن دور تركيا في صراع اوسع على السلطة في منطقة الشرق الاوسط مع تحرك انقرة لحماية استقرارها و رخائها من "المحور الشيعي" العراقي-الايراني الذي تخشاه في اعقاب الانسحاب العسكري الامريكي من العراق.
و تركيا قوة اقليمية سنية لكنها علمانية و تقع على الحدود مع العراق و تحاول منذ فترة طويلة ان تلعب دور الوسيط الاقليمي في ظل التنافس بين ايران القوة الشيعية الكبرى و السعودية القوة السنية الابرز على النفوذ في منطقة تشهد اضطرابات سياسية في الوقت الحالي.
لكن تداعيات انتفاضات الربيع العربي و خروج القوات الامريكية من العراق اجبرا تركيا على القيام بتعديلات صعبة من خلال الخروج من تحالفات قديمة و تشكيل اخرى جديدة متخلية عن سياسة "عدم الدخول في مشاكل مع الجيران".
و دفع هذا التغير الذي صاحبته دبلوماسية اكثر قوة متمثلة في رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان تركيا الى دخول لعبة استراتيجية اقليمية تضع دول الخليج العربية و انقرة في مواجهة ايران.
.......
و قال سولي اوزيل و هو اكاديمي و معلق تركي بارز "الامر الحاسم حقا هو الانسحاب الامريكي من العراق لان ذلك جعل العراق بشكل اساسي ملعبا مفتوحا بدرجة أكبر امام الايرانيين.
"بدأت تركيا تجد نفسها لا محالة و ربما دون رغبة منها جزءا من العاب طائفية على عكس الموقف الذي حاولت على نحو دقيق ان تحافظ عليه و هو تساميها عن الطائفية."
و يشن المسؤولون الاتراك حربا كلامية مع بغداد منذ ديسمبر كانون الاول عندما امر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي باعتقال نائب الرئيس طارق الهاشمي بناء على مزاعم بأنه ادار فرق اغتيال.
و الخلاف علامة على قلق تركيا من ان "قوتها الناعمة" الصاعدة القائمة على اقتصاد مزدهر و استقرار ديمقراطي نسبي بشر به اردوغان بعد حقبة طويلة من الانقلابات العسكرية قد تتعرض للتهديد من جانب "محور شيعي" وليد تجسده ايران و حكومة بغداد التي تدعمها طهران.
و قال حسن تورناك الباحث بجامعة اكسفورد "يتعلق الامر بتصاعد صراع القوى في بغداد مصحوبا بصراع اقليمي بين ايران و تركيا و دول الخليج العربية يدور في سوريا و العراق."
و تريد دول الخليج العربية و تركيا على السواء ان تشهد انتفاضة في الشوارع و تمردا في سوريا يطيح بالرئيس بشار الاسد للمساعدة في انحسار النفوذ الاقليمي لحليفتها الوثيقة ايران و منع انتقال اراقة الدماء اليها.
و تتهم تركيا المالكي بنثر بذور الخلاف الطائفي بمحاولة تهميش منافسيه من السنة حيث طالب المالكي البرلمان بإقالة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك و حذر من "حرب باردة" شيعية سنية.
و يقول المالكي ان انقرة تثير التوتر الطائفي واصفا تركيا بأنها "دولة معادية" تتدخل في شؤون العراق الداخلية.
و تبادل اردوغان و المالكي الاهانات العلنية و استدعت كلا الدولتين كبار دبلوماسييهما خلال الشهور القليلة الماضية.
و مما يزيد التوتر التقاء الزعماء الاتراك علنا بالهاشمي المقيم حاليا في اسطنبول بعد فراره من العراق في ديسمبر كانون الاول.و تسعى الشرطة الدولية (الانتربول) الى اعتقال الهاشمي الذي يحاكم غيابيا في العراق.و ينفي الهاشمي الاتهامات الموجهة ضده.
و نفور تركيا من المالكي ليس جديدا.فقد اقامت انقرة لسنوات طويلة روابط وثيقة مع الجماعات السنية في العراق و ايدت تكتل العراقية المدعوم من السنة ضد المالكي في الانتخابات البرلمانية التي اجريت في 2010.
و قال اوزيل "حتى قبل ان يعبر اخر جندي امريكي الحدود امر المالكي باعتقال الهاشمي و اتخذت تركيا موقفا قويا.تركيا لم تحب المالكي مطلقا."
و سعت تركيا لفترة طويلة الى تشجيع توازن محفوف بالمخاطر بين الفصائل السنية و الشيعية و الكردية في العراق حرصا على حماية المصالح التجارية في العراق وسط مخاوف من ان اي تجدد للحرب الطائفية هناك قد يعبر حدودها.
و خير مثال على ذلك زيارة اردوغان الى العراق في مارس آذار 2011 عندما زار مراكز القوى الثلاثة و هي بغداد و معقل الشيعة في النجف و اربيل عاصمة اقليم كردستان شبه المستقل في الشمال.
لكن المحللين يقولون إن هذا الجهد الذي يحقق التوازن انتهى بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق.و استقبلت تركيا منذ ذلك الحين رئيس حكومة اقليم كردستان مسعود البرزاني و منافس المالكي و زعيم كتلة العراقية اياد علاوي.
و من جانبها ترى ايران في اهتمام تركيا بالمنطقة تحديا اكبر لطموحاتها للهيمنة في الشرق الاوسط عنه عندما كان توجه تركيا قاصرا على اوروبا.
و مثلما فعلت مع العراق تحاول تركيا تقليديا التوسط في القضايا المتعلقة بايران خاصة طموحات طهران النووية المثيرة للجدل.لكن التوتر بين تركيا و ايران تصاعد بسبب دعم كل منهما لاحد طرفي الصراع السوري و قبول انقرة استضافة جزء من درع دفاعية صاروخية لحلف شمال الاطلسي تقول الولايات المتحدة انها موجهة ضد الجمهورية الاسلامية.
كما اعترض بعض المسؤولين الايرانيين على اختيار تركيا لتكون مقرا لاستئناف المحادثات بين القوى الست العالمية و ايران لتفادي المواجهة بشأن برنامجها النووي الغامض.و مضت المحادثات بين ايران و بريطانيا و الصين و فرنسا و المانيا و روسيا و الولايات المتحدة قدما في اسطنبول في ابريل نيسان لكن ليس قبل ان ينتقد اردوغان طهران قائلا ان الايرانيين "افتقدوا الصدق" و انهم "يخسرون مكانتهم الدولية".
و قال سنان اولجين و هو دبلوماسي تركي سابق يرأس حاليا مركز دراسات الاقتصاد و السياسة الخارجية ان نهج اردوغان الذي يزداد حدة يزيد التوتر في العلاقات بين انقرة و جيرانها.
و قال اولجين "مواقفه هي التي تؤدي الى ازمات مع جيراننا.اذا لم يتعامل من الامور بطريقة تقوم على الاستقطاب و اسلوب الاسود و الابيض ما كنا لنفقد قدرتنا على ادارة هذه العلاقات."و بدلا من ان يكون آخر شخص يتدخل كان كثيرا جدا اول شخص يرد.ما يقوله يصبح سياسة و يحد من قدرة تركيا على المناورة.الامر يقلقنا و السياسة تصبح متحجرة."
و استفاد اقليم كردستان العراق من هذا الخلاف الاقليمي.فقد خطب اردوغان ود البرزاني الذي كانت تصفه تركيا في وقت من الاوقات بانه "قاطع طريق" و ذلك من اجل توثيق العلاقات بين الجانبين مع سعي انقرة الى اجتذاب حلفاء جدد في منطقة تشهد تحولا.
و يحتاج البرزاني الى دعم من جار قوي يمكنه العمل كقناة لمرور صادراتها النفطية.و في المقابل تعتمد تركيا على البرزاني في تضييق الخناق على حزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا انفصاليا في تركيا و الذي تتمركز قيادته في شمال العراق.و دعا البرزاني لدى زيارته تركيا حزب العمال الكردستاني الى نزع سلاحه و قال إنه لن يسمح لاي جماعة متشددة بالعمل بحرية في شمال العراق.
غير ان محللين يقولون ان من غير المرجح ان يحدث ذلك تغيرا ملموسا لان كثيرا من انصار البرزاني متعاطفون مع حزب العمال.و رغم توتر علاقات انقرة مع حكومة بغداد تزدهر التجارة مع العراق.فقد باعت تركيا سلعا للعراق بأكثر من ثمانية مليارات دولار العام الماضي مما جعله ثاني اكبر سوق تصديرية لتركيا بعد المانيا.
و تقول وزارة المالية التركية ان نحو 70 في المئة من الصادرات الى العراق تذهب الى الشمال.بحسب رويترز.
و في حين يقول بعض المراقبين ان تركيا يمكن ان تتحمل فقد بعض المشروعات الممولة من الحكومة في العراق مع توتر العلاقات فمن غير المرجح ان تعاني التجارة بين تركيا و العراق على الامد الطويل.
و قال تورناك من جامعة اكسفورد "قارن ذلك بعلاقات تركيا مع اسرائيل.تركيا و اسرائيل على خلاف و هناك قدر كبير من الغضب العام في كلتا الدولتين غير انه اذا نظرت للعلاقات الاقتصادية تجدها تتنامى."التجارة لا تتأثر بالضرورة باللغة السياسية اليومية و نفس الشيء يمكن ان ينطبق على العراق."
......
تصاعد التوتر.
على صعيد متصل و فيما يخص الخلاف العراقي التركي فقد استدعى العراق سفير تركيا في بغداد للاحتجاج على سلوك قنصلين تركيين في فصل جديد من فصول نزاع علني بين الجارتين.و قال بيان نشر على الموقع الالكتروني لوزارة الخارجية العراقية إن مسؤولا في الوزارة التقى بالسفير التركي يونس دميرار لتقديم شكوى بشأن أنشطة قنصلي تركيا في مدينتي البصرة و الموصل.
و أضاف البيان دون تفاصيل أن العراق احتج "على بعض أنشطة القنصلين التركيين العاميين في كل من البصرة و الموصل و البعيدة عن واجباتهم و التزاماتهم القنصلية المحددة باتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963."
و يذكر ايضا ان عشرات المتظاهرين العراقيين بينهم ممثلون عن نقابة عمال محافظة البصرة،هددو باستهداف المصالح التركية في البلاد،اذا لم تستجب انقرة لطلب تسليم نائب رئيس الجمهورية المتهم بالإرهاب.و شهدت العلاقات العراقية التركية توترا،خصوصا بعد ان رفضت تركيا تسليم الهاشمي الذي لجأ اليها،و تجمع المتظاهرون امام مقر القنصلية بوسط مدينة البصرة رافعين لافتات كتب على احداها "اتحاد نقابات عمال البصرة يستنكر التدخل السافر للحكومة التركية المتمثلة ب(رجب طيب) اردوغان" رئيس الوزراء التركي.و شارك في التظاهرة التي فرض حولها اجراءات امنية مشددة،زعماء عشائر و موظفون حكوميون و طلاب مدارس.و قام المتظاهرون بحرق علم تركيا وسط هتافات "كلا كلا تركيا" و "الشعب يريد اخراج الاتراك".
و قال حسن حمدي العنزي رئيس اتحاد نقابات العمال في البصرة "نستنكر التصرفات و التدخلات السافرة للحكومة التركية في الشأن العراقي و سعيهم لخلق فتنة طائفية للشعب العراقي و ايوائهم المجرم طارق الهاشمي".
و اضاف "نطالب تركيا بتسليم الهاشمي للقضاء العراقي دون قيد او شرط".
و اعلن نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداغ ان تركيا ترفض تسليم نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الملاحق مع عدد من حراسه بالوقوف وراء 150 جريمة.
و هدد العنزي قائلا "نطالب الحكومة التركية بالاعتذار للشعب العراقي و الحكومة العراقية لأفعالهم و الا سنقوم بطرد القنصلية التركية من البصرة و طرد جميع الشركات التركية في البصرة. و يبلغ عدد الشركات التركية العاملة في البصرة 1600 شركة.
و اضاف "نطالب الحكومة العراقية بغلق المنافذ الحدودية مع تركيا".
و حدد المتظاهرين في منشورات وزعت مهلة للحكومة التركية "لتنفيذ هذه المطالب و الا سنضرب المصالح التركية المتمثلة بالشركات التركية".
و تركزت المطالب على توقف الحكومة التركية عن المساس بسيادة العراق و عدم التدخل بشؤون القضاء العراقي و تسليم الهاشمي دون قيد او شرط.
و لم يبادر المسؤولون في القنصلية التركية بالتدخل او التفاوض مع المتظاهرين.و تعد قضية الهاشمي احد اسباب توتر العلاقات علاوة على انتقاد تركيا في نيسان/ابريل،رئيس الوزراء نوري المالكي (شيعي) لاحتكاره للسلطة و تمييزه ضد السنة كما قالت.
و التي ردها المالكي باتهام تركيا السنية بتحولها الى جهة عدائية و الى السعي الى الهيمنة على المنطقة و التدخل في الشؤون الداخلية العراقية.بحسب فرنس برس.
من جهة اخرى نددت تركيا بتظاهرة امام قنصليتها في البصرة (جنوب شرق العراق) تم خلالها احراق العلم التركي احتجاجا على رفض انقرة تسليم نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي،بحسب ما افادت وكالة انباء الاناضول.
و شجب وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو "السلوك المشين ازاء العلم التركي خلال تظاهرة تمت على ما يبدو بتحريض من اشخاص وقحين"،بحسب الوكالة التي اوضحت ان داود اوغلو ادلى بتصريحه خلال اتصال هاتفي مع نظيره العراقي هوشيار زيباري.
و اعتبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في تصريح متلفز ان التظاهرة امام القنصلية التركية في البصرة تشكل "هجوما غير مقبول".
............
تونس والحضور التركي.
من جهة اخرى قالت تونس انها تعتزم ادراج تعليم اللغة التركية في المناهج الدراسية الرسمية خلال الاشهر المقبلة في خطوة تعزز التقارب بين تونس و انقرة التي تحظى بأعجاب حكام تونس الاسلاميين.
و نقلت وكالة الانباء الرسمية في تونس عن وزير التربية عبد اللطيف عبيد قوله "سينطلق بداية من السنة الدراسية القادمة تدريس اللغة التركية في المعاهد التونسية."
و شدد الوزير على "أهمية تشجيع دعم قدرات التلاميذ في امتلاك اللغات الاجنبية و انفتاح المنظومة التربوية على المحيط الخارجي." بحسب رويترز.
و ستدرس التركية إلى جانب لغات أجنبية أخرى مثل الألمانية و الإيطالية كمواد اختيارية للتلاميذ.
و من شأن تدريس اللغة التركية تعزيز حضور تركيا المتزايد في تونس و شمال افريقيا.و تأتي هذه الخطوة بينما تشهد العلاقات بين تركيا و تونس التي تقود حكومتها حركة النهضة الاسلامية انتعاشا ملحوظا منذ ثورة 14 يناير كانون الثاني التي اطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي.
و تبدي حركة النهضة الاسلامية التي ينظر اليها على انها معتدلة اعجابا بالتجربة التركية في الحكم الذي يمزج بين الديمقراطية و الاسلام.
و تلقى مؤلفات راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة رواجا واسعا في تركيا و ترجمت عدد من كتبه بالفعل للغة التركية.
........
شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 12/حزيران/2012