تطلّع الشاب إلى المستقبل.
أسرة البلاغ.
........
إنّ حياتنا هي صفحات ثلاث: ماضٍ و حاضر و مستقبل فأمّا الماضي فصفحة انطوت بخيرها و شرّها و لم يبق منها إلا تبعاتُها و ذكرياتها الحلوة و المرّة.
و أما الحاضر فهو صفحة الأيام التي نحن فيها بما يحيطها من يسر و عسر و آلام و أفراح و أعمال و مسؤوليات و توفيق و فشل.
و أمّا المستقبل فصفحةُ أيامنا الآتية بما تحمل من آمال و تطلّعات.
و في الغالب ينظر كل منّا إلى هذه الأيام نظرة أمل و تفاؤل و استبشار،فبدون ذلك تصبح الحياة زنزانة ضيِّقة لا نطيق العيش فيها:
أُعلِّلُ النفسَ بالآمال أرقبُها **** ما أضيقَ العيش لولا فسحةُ الأمل.
.........
و قد تأتي الرِّياح بما لا تشتهي السفن،فربّما جاء الغد و قد تراجعنا،و ربّما جاء و قد واجهتنا ضاغطة غيّرت الكثير من برامجنا و مشاريعنا على غير رغبة أو إرادة منّا،فالغد غيب،و يقول الشاعر:
و قد أعيا الفلاسفة الأحرار جلُّهُم **** بما يُخبِّئ لهم بين دفّتيه غَدُ.
.........
- الإهتمام بالمستقبل:
لو نظرت حولك لرأيت الناس أحد ثلاثة:
فهناك من لا يولي مستقبله اهتماماً،فله اللّحظة التي هو فيها،و لا يهمّه ما يأتي به الزمان من خير و من شرّ،فهو كالأسير المستسلم للأمر الواقع لا يريد أن يتجاوزه و يتعدّاه.
و قد تكون اللامبالاة بالمستقبل لهواً و انشغالاً عما يصرفه عن الحاضر الراهن الذي هو فيه، متمثِّلاً بقول الحكيم الذي قال:
ما مضى فات،و المؤمّل غيبٌ،و لك الساعة التي أنت فيها.
و هناك من يعيش حاضره،لكنّه يستغرق كثيراً في ماضيه بحيث تعيقه تجاربه الفاشلة في الماضي عن إعادة الكرّة ثانية،أو مواجهة التجارب و التحدِّيات الجديدة.
و ربّما كان قد حقّق بعض الإنجازات فيما مضى فرضيَ من دهره بما جاد عليه،مكتفياً بما حقّقه في الماضي أو الحاضر فلا يتطلّع إلى المزيد من الإبداع و الإنتاج و التطوّر،و كأنّ ما وصل إليه هو نهاية المطاف و غاية الجهود و بلغة القاصد و منية المريد.
و ثالث يشعر أنّ ما فجّره من طاقات قليل،و أنّ نفسه و قواه الكامنة و طموحه الكبير تنطوي على طاقات مدخرة تنتظر الفرصة المواتية لتفجيرها،فهو دائب السعي لانجاز المزيد و الأفضل و الأنفع،فهو يعتبر كلّ يوم يمرّ به فرصة جديدة..و صفحة جديدة يمكن أن يكتب عليها إنجازاً جديداً.
فتىً كهذا شعاراته هي هذه:
إذا مرّ بي يومٌ و لم أتّخذ يداً****و لم أستفد علماً فما ذاك من عمري
و قول الشاعر الآخر:
و إذا كانت النفوسُ كباراً****تعبت في مُرادِها الأجسامُ
و قول (المتنبِّي):
على قدرِ أهلِ العَزْم تأتي العزائمُ****و تأتي على قدر الكرامُ المكارمُ
و تعظمُ في عين الصغير صغارْها****و تصغرُ في عين العظيم العظائمُ
و قول (المتنبِّي) نفسه:
إذا غامرتَ في شرفٍ مَرْومٍ****فلا تقنع بما دون النّجومِ
فطعمُ الموتِ في أمرٍ حقيرٍ****كطعمُ الموتِ في أمرٍ عظيم
و قول (إيليا أبي ماضي):
الأرض للحشراتِ تزحفُ فوقها****و الجوُّ للبازي و للشاهين
و قول (أحمد شوقي):
شبابٌ قُنّعٌ لا خيرَ فيهم****و بورِكَ في الشباب الطامحينا
من هنا،كان الاهتمام بالمستقبل نصب عين كلّ إنسان طالبه الله تعالى بالسعي في هذه الحياة الدنيا. و السعي – كما نعلم جميعاً – حركة أنشط من المشي العادي،فهي حركة حثيثة،و هي أيضاً حركة هادفة تتّجه نحو هدف معيّن،و تبحث عن نتيجة أو ثمرة لمساعيها و نشاطاتها:
(وَ أَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى * وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفَى) (النجم/ 39-41).
(وَ مَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَ سَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (الإسراء/ 19).
و السعي في حياة الإنسان المؤمن و إن كان سعيين: سعياً في الدنيا و سعياً إلى الآخرة،لكنّه لمن تأمّل جيِّداً سعي واحد،فما السعي في الدنيا إن كان في خير الإنسان و أهله و مجتمعه و أمّته إلا سعي في طريق الآخرة:
(وَ ابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) (القصص/ 77).
إنّ الشعوب التي خطت خطوات واسعة و واثقة في مضمار العلوم و الفنون و الاقتصاد و الثقافة هي شعوب أولت مستقبلها اهتماماً بالغاً،و لم تقنع بما هو عليه أبناؤها من واقع مادي أو معنوي ناهض و مشرق.
و العالم اليوم – أينما اتّجه – يعنى بالمستقبل في أبحاثه و دراساته و مؤسّساته التخصّصية في هذا المجال الحيوي،و لقد سبق ديننا إلى ذلك في تأكيده على المستقبل الأفضل من يوم الأُمّة و أمسها.
ففي الدعاء: "اللّهمّ..و اجعل غدي و ما بعده أفضل من ساعتي و يومي".
وفيه أيضاً: "اللّهمّ..و اجعل الحياة زيادة لي في كلِّ خير".
.........
فهي دعوة مفتوحة للاستزادة من الخيرات و الإبداعات و البركات،و التي تشمل كل انتاج ينفع البشرية و يخفّف آلامها و يصل بها إلى مراقي العزّة و الازدهار و النهضة و التطور و المنافسة مع الأمم الأخرى في العلم و المعرفة و العمل الصالح،و لا يكون ذلك ممكناً إلا بجهودنا فرادى و مجتمعين.
.........
موقع البلاغ.
أسرة البلاغ.
........
إنّ حياتنا هي صفحات ثلاث: ماضٍ و حاضر و مستقبل فأمّا الماضي فصفحة انطوت بخيرها و شرّها و لم يبق منها إلا تبعاتُها و ذكرياتها الحلوة و المرّة.
و أما الحاضر فهو صفحة الأيام التي نحن فيها بما يحيطها من يسر و عسر و آلام و أفراح و أعمال و مسؤوليات و توفيق و فشل.
و أمّا المستقبل فصفحةُ أيامنا الآتية بما تحمل من آمال و تطلّعات.
و في الغالب ينظر كل منّا إلى هذه الأيام نظرة أمل و تفاؤل و استبشار،فبدون ذلك تصبح الحياة زنزانة ضيِّقة لا نطيق العيش فيها:
أُعلِّلُ النفسَ بالآمال أرقبُها **** ما أضيقَ العيش لولا فسحةُ الأمل.
.........
و قد تأتي الرِّياح بما لا تشتهي السفن،فربّما جاء الغد و قد تراجعنا،و ربّما جاء و قد واجهتنا ضاغطة غيّرت الكثير من برامجنا و مشاريعنا على غير رغبة أو إرادة منّا،فالغد غيب،و يقول الشاعر:
و قد أعيا الفلاسفة الأحرار جلُّهُم **** بما يُخبِّئ لهم بين دفّتيه غَدُ.
.........
- الإهتمام بالمستقبل:
لو نظرت حولك لرأيت الناس أحد ثلاثة:
فهناك من لا يولي مستقبله اهتماماً،فله اللّحظة التي هو فيها،و لا يهمّه ما يأتي به الزمان من خير و من شرّ،فهو كالأسير المستسلم للأمر الواقع لا يريد أن يتجاوزه و يتعدّاه.
و قد تكون اللامبالاة بالمستقبل لهواً و انشغالاً عما يصرفه عن الحاضر الراهن الذي هو فيه، متمثِّلاً بقول الحكيم الذي قال:
ما مضى فات،و المؤمّل غيبٌ،و لك الساعة التي أنت فيها.
و هناك من يعيش حاضره،لكنّه يستغرق كثيراً في ماضيه بحيث تعيقه تجاربه الفاشلة في الماضي عن إعادة الكرّة ثانية،أو مواجهة التجارب و التحدِّيات الجديدة.
و ربّما كان قد حقّق بعض الإنجازات فيما مضى فرضيَ من دهره بما جاد عليه،مكتفياً بما حقّقه في الماضي أو الحاضر فلا يتطلّع إلى المزيد من الإبداع و الإنتاج و التطوّر،و كأنّ ما وصل إليه هو نهاية المطاف و غاية الجهود و بلغة القاصد و منية المريد.
و ثالث يشعر أنّ ما فجّره من طاقات قليل،و أنّ نفسه و قواه الكامنة و طموحه الكبير تنطوي على طاقات مدخرة تنتظر الفرصة المواتية لتفجيرها،فهو دائب السعي لانجاز المزيد و الأفضل و الأنفع،فهو يعتبر كلّ يوم يمرّ به فرصة جديدة..و صفحة جديدة يمكن أن يكتب عليها إنجازاً جديداً.
فتىً كهذا شعاراته هي هذه:
إذا مرّ بي يومٌ و لم أتّخذ يداً****و لم أستفد علماً فما ذاك من عمري
و قول الشاعر الآخر:
و إذا كانت النفوسُ كباراً****تعبت في مُرادِها الأجسامُ
و قول (المتنبِّي):
على قدرِ أهلِ العَزْم تأتي العزائمُ****و تأتي على قدر الكرامُ المكارمُ
و تعظمُ في عين الصغير صغارْها****و تصغرُ في عين العظيم العظائمُ
و قول (المتنبِّي) نفسه:
إذا غامرتَ في شرفٍ مَرْومٍ****فلا تقنع بما دون النّجومِ
فطعمُ الموتِ في أمرٍ حقيرٍ****كطعمُ الموتِ في أمرٍ عظيم
و قول (إيليا أبي ماضي):
الأرض للحشراتِ تزحفُ فوقها****و الجوُّ للبازي و للشاهين
و قول (أحمد شوقي):
شبابٌ قُنّعٌ لا خيرَ فيهم****و بورِكَ في الشباب الطامحينا
من هنا،كان الاهتمام بالمستقبل نصب عين كلّ إنسان طالبه الله تعالى بالسعي في هذه الحياة الدنيا. و السعي – كما نعلم جميعاً – حركة أنشط من المشي العادي،فهي حركة حثيثة،و هي أيضاً حركة هادفة تتّجه نحو هدف معيّن،و تبحث عن نتيجة أو ثمرة لمساعيها و نشاطاتها:
(وَ أَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى * وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفَى) (النجم/ 39-41).
(وَ مَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَ سَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (الإسراء/ 19).
و السعي في حياة الإنسان المؤمن و إن كان سعيين: سعياً في الدنيا و سعياً إلى الآخرة،لكنّه لمن تأمّل جيِّداً سعي واحد،فما السعي في الدنيا إن كان في خير الإنسان و أهله و مجتمعه و أمّته إلا سعي في طريق الآخرة:
(وَ ابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) (القصص/ 77).
إنّ الشعوب التي خطت خطوات واسعة و واثقة في مضمار العلوم و الفنون و الاقتصاد و الثقافة هي شعوب أولت مستقبلها اهتماماً بالغاً،و لم تقنع بما هو عليه أبناؤها من واقع مادي أو معنوي ناهض و مشرق.
و العالم اليوم – أينما اتّجه – يعنى بالمستقبل في أبحاثه و دراساته و مؤسّساته التخصّصية في هذا المجال الحيوي،و لقد سبق ديننا إلى ذلك في تأكيده على المستقبل الأفضل من يوم الأُمّة و أمسها.
ففي الدعاء: "اللّهمّ..و اجعل غدي و ما بعده أفضل من ساعتي و يومي".
وفيه أيضاً: "اللّهمّ..و اجعل الحياة زيادة لي في كلِّ خير".
.........
فهي دعوة مفتوحة للاستزادة من الخيرات و الإبداعات و البركات،و التي تشمل كل انتاج ينفع البشرية و يخفّف آلامها و يصل بها إلى مراقي العزّة و الازدهار و النهضة و التطور و المنافسة مع الأمم الأخرى في العلم و المعرفة و العمل الصالح،و لا يكون ذلك ممكناً إلا بجهودنا فرادى و مجتمعين.
.........
موقع البلاغ.