رياح الشرق تهب على تونس المالكية و الزيتونية.
04.06.2013
.........
تحولت تونس بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني إلى قبلة الشيوخ و الدعاة من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي لممارسة أنشطة دعوية وتقديم دروس ومحاضرات وسط إقبال لافت من الشباب التونسي.
تجري في تونس محاولات لإعادة تعريف الواقع الديني في البلاد من خلال الاستفادة من مناخ الحرية التي سادت البلاد منذ أن أطاحت الثورة بالنظام العلماني المتشدد للرئيس السابق، زين العابدين بن علي، وسمحت بإطلاق الألسن من عقالها. لكن المراجعات الدينية الحالية أججت مخاوف لدى النخبة العلمانية والتيارات الدينية المعتدلة الملتزمة بضوابط المذهب المالكي من تأثيرات الفتاوى المنقولة من الشرق على نسيج المجتمع التونسي.
وسبب تلك المخاوف هو بداية انتشار لخطابات دينية لدعاة، أمثال وجدي غنيم، احد أقطاب جماعة الإخوان في مصر، ومحمد حسان ومحمد العريفي وعمرو خالد وطارق رمضان وغيرهم، يعتبرها شق واسع من العلمانيين تهديدا لهوية التونسيين وللاعتدال وتعزيزا للتيار السلفي الصاعد، بينما يعتبر الإسلاميون تلك الخطابات فرصة لدعم معارف التونسيين الشغوفين بدينهم بعد عقود من التصحر الديني.
وتحدث علية العلاني، الباحث والخبير في التيارات الإسلامية، لـDW عربية قائلا: "الثورة التونسية غاب عنها البعد الثقافي، حيث لم يتم ضبط إستراتيجية دينية أو نمط مجتمعي، وهو ما سمح باختلاف الرؤى الدينية في الوقت الذي تمثل فيه المسألة الدينية حاجة نفسية للشباب الذي وقف فجأة ليجد نفسه أمام إيديولوجية الإسلام السياسي والسلفي ويستهويه الخطاب الإسلامي".
ويضيف العلاني "الظاهرة السلفية وجدت قبل الثورة عبر القنوات والكتب وهي تلقى رواجا واسعا. والآن نحن نعيش ظاهرة "أسلفة" المجتمعات العربية التي وجدت أرضية ملائمة لها في دول الربيع العربي مستفيدة من مناخ الحرية التي اجتاحت المنطقة".
ولكن العلاني يوضح "أن الإقبال على الظاهرة السلفية لا تمثل إلا فئة محدودة العدد من الشعب التونسي وان المعجبين بشيوخ المشرق العربي الذين يتوافدون على تونس، أمثال وجدي غنيم ومحمد حسان، يعمدون في الواقع إلى استخدام تقنية الإبهار حتى يحظون بهالة شعبية وإعلامية".
ونجحت بالفعل عدة جمعيات دينية منتشرة في تونس، كانت وراء استدعاء عدد من الدعاة في استقطاب، الآلاف من الشباب لمتابعة محاضراتهم في فضاءات دينية ورياضية وفي ساحات واسعة فيما يشبه استعراض جماهيري.
وإبان الإطاحة بنظام بن علي مثلا كان الحديث يتمحور حول بضع مئات من السلفيين المتشددين في تونس، لكن تنظيم أنصار الشريعة كان كشف لدى إعداده لمؤتمره السنوي الثالث الذي كان مقررا في مدينة القيروان التاريخية، قبل أن تلغيه وزارة الداخلية، أن أكثر من 40 ألف شخص كانوا سيحضرونه.
وأحدث الرقم تساؤلات حول الحجم الحقيقي لهذا التنظيم في تونس، وما إذا كان هناك فعلا تحول في بنية المجتمع التونسي باتجاه الأخونة. لكن الباحث علية العلاني يستدرك متسائلا "كم يساوي هذا العدد أمام 12 مليون تونسي. مثل هذه الظاهرة لا تعكس تركيبة المجتمع التونسي وطبيعته المشبعة بحضارة امتدت على أكثر من ثلاثة ألاف سنة. التونسيون لن يقبلوا اليوم بالتشدد أو بالفكر الوهابي ومن الصعب أن يتنازلوا عن قواعد عيشهم والرفاهية وحقوق المرأة وغيرها. ربما يكون الفكر الوهابي صالحا في مجتمعات أخرى لكن لن يكون له موطأ قدم في تونس".
ويعتبر الباحث أن إقبال الشباب التونسي على الظاهرة السلفية وعلى دعاة المشرق العربي إنما مرتبط بتأثيرات خارجية وفراغ ديني ووضع اقتصادي محلي متعثر، وأن هذه المجموعات الصاعدة تفتقد إلى رؤية مستنيرة وتظل مرتبطة بوضع استثنائي عابر.
ومع أن حركة النهضة الإسلامية التي تقود السلطة في تونس لا تبدي موقفا رسميا صريحا من هذه الزيارات وتفضل أن تصنفها ضمن أنشطة دعوية لجمعيات تتصرف داخل إطار القانون، فإنه في المقابل يمكن ملامسة موقفين على الأقل متضاربين داخل الحزب الإسلامي تجاه توافد شيوخ المشرق، بين الشيخ والمحامي عبد الفتاح مورو، أحد مؤسسي الحركة والرجل الثاني داخل الحزب، وبين رئيس الحركة نفسه راشد الغنوشي.
وصرح عبد الفتاح مورو في برنامج حواري بث على التلفزيون الرسمي في شباط/ فبراير من العام الماضي، بينما كان الداعية وجدي غنيم يقوم بزيارة إلى تونس، إن "نقل فتوى من مجتمع إلى آخر يعتبر خطأ جسيما ومخالفا لما جرت عليه العادة لدى علماء الأمة الذين يتعاملون مع النصوص الشرعية ويفتون على ضوء الواقع الذي يعيشون فيه".
واستشهد مورو بحادثة الإمام الشافعي عندما انتقل من العراق إلى مصر وأفتى في نفس المسائل على خلاف ما أفتى به في العراق.
وقال مورو، في إشارة إلى زيارة غنيم، "إن ما يفعله بعض اللذين يبشرون برؤيتهم القاصرة على واقعهم وينقلونها إلى تونس لا يفتح باب الإثراء بقدر ما يمهد للفتنة لأن الشباب المتحمس ينظر إلى تلك الفتاوى الوافدة على أنها الرأي الوحيد".
لكن ليس كل ما يجلبه الدعاة من المشرق العربي قاتم ومدمر للمجتمع التونسي، فبالنسبة للمرحبين بمثل هذه الزيارات فإنهم يعتبرون فوائدها مهمة، بل وعنصر مساهم في نشر الوعي الديني والحد من الغلو والتشدد في صفوف الشباب التونسي المتعطش إلى التدين.
وعلى خلاف مورو، اعتبر راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية، إن مشايخ الشرق هم الأقدر على محاربة الإرهاب في تونس، لأنها باتت تفتقد إلى شيوخ بعد أن نسف كل من الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ومن بعده بن علي أي وجود لتيار ديني، حتى أصبحت تونس أرضا منخفضة تهب عليها الرياح، حسب تعبيره.
وخلال مؤتمر علمي، نظمه مركز الإسلام والديمقراطية لفهم ظاهرة السلفية حضرته DW عربية، أوضح الداعية، البشير بن حسن، الذي عُرف بدفاعه عن زيارة الدعاة ومشايخ الشرق إلى تونس في مداخلة له "أن حالة التصحر الروحي ومصادرة حق التدين التي سادت طيلة العقود الماضية غذت الرغبة الانتقامية لدى المتدينين ضد كل من يعيق تدينهم. وأن التعامل الأمني أحدث غيرة لدى هؤلاء صادفها جهل ببعض الأحكام ما سمح بانتشار الغلو والتطرف".
ويعتبر بن حسن أن الحل الأمني لا يمكن أن يكون الحل الوحيد لمعالجة هذا الغلو، وانه من الأفضل اعتماد الحل العلمي لإزالة الإشكال. وانطلاقا من ذلك فأن زيارة الدعاة من المشرق قد تمثل عاملا ايجابيا في احتواء الغلو.
وقال بن حسن "لم نسمع من هؤلاء الدعاة تحريضا على العنف آو القتل، بل إن زيارة محمد حسان مثلت اختراقا في جدار التكفيريين". ويضيف "لا يجب أن نقف حجرة عثرة أمام أهل العلم، وإلا اكتوينا بنار التعصب".
ولا ينحصر الجدل في تونس بشأن درجة التعصب ومخاطر التكفير والإرهاب، بل إن الهوية الثقافية برمتها قد باتت موضع نقاش وتجاذب بين رجال السياسة والعلم. وقد استدعى هذا النقاش دخول علماء جامع الزيتونة الشهير على الخط للدفاع عن التعليم الديني الزيتوني في تونس وسبل عودته للعب دوره العلمي من جديد بعد عقود من التغييب والتهميش.
ويعترف محمد القوماني، أمين عام حزب الإصلاح والتنمية، في حديثه مع DW عربية بأن حالة الاستقطاب الذي يشهده الخطاب الديني العنيف المنتشر في صفوف الشباب لدى الفئات العمرية بين 15 و30 سنة يعد أمرا محيرا ومقلقا من الناحية الأمنية والاجتماعية. ولكنه اتهم في نفس الوقت جهات متعددة في تضخيم ما يحصل في تونس بشأن من مخاطر التدين والإقبال على الإشباع الروحي.
وأوضح القوماني "بعض الأوساط في وسائل الإعلام من مثقفين وسياسيين وجهات متعددة مازالت تكابر في إقرار الهوية العربية والإسلامية، بأنها جزء من مقتضيات الحياة العامة. كثيرون ما يزالون غير مستوعبين لهذه الخصوصية ولا يبذلون جهدا كافيا لإيجاد منطقة وسطى تدافع عن قيم الحداثة وتحفظ الهوية العربية والإسلامية للبلاد".
ويقر أيضا عبد الوهاب الهاني، الناشط السياسي ورئيس مؤسسة المجد للدراسات الإستراتيجية في تونس، في حديثه مع DW عربية بوجود هشاشة تاريخية ودينية بسبب محاصرة فضاءات التدين في ظل نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ما دفع الشباب التونسي إلى الإقبال على القنوات الفضائية الدينية البعيدة عن المذهب المالكي الذي استقر في تونس.
ويعتبر الهاني أن هذه القنوات بعضها يروج لخطاب متطرف والآخر تغلب عليه الصبغة التجارية للدين.
ويقول الناشط السياسي "منذ الاستقلال ومع قرار غلق جامع الزيتونة كجامعة للعلوم الإسلامية في حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة تفشت في تونس أزمة الهوية. نحن مع إعادة جامع الزيتونة لأن كل دولة في حاجة إلى أن تدافع عن أمنها الثقافي بما في ذلك الهوية الدينية واللغوية".
ويضيف الهاني "نريد أن نعود إلى الخطاب الديني الأصيل والمستنير الذي بناه جامع الزيتونة وجامع القيروان والمذهب المالكي في تونس، لكن هذا الأمر ليس بالسهل اليوم لأن هناك خطاب "تورا بورا" الذي يناقض خطاب الزيتونة ولديه من الإمكانيات المالية والإعلامية وحتى الدولية التي قد تجعلنا في مواجهة غير متكافئة مع هذه المجموعات. لكن مع ذلك فإن دورنا اليوم هو أن نعيد لجامع زيتونة أمجاده ودوره في تحصين هوية تونس".
..........
طارق القيزاني ـ تونس
موقع صوت ألمانيا.
04.06.2013
.........
تحولت تونس بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني إلى قبلة الشيوخ و الدعاة من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي لممارسة أنشطة دعوية وتقديم دروس ومحاضرات وسط إقبال لافت من الشباب التونسي.
تجري في تونس محاولات لإعادة تعريف الواقع الديني في البلاد من خلال الاستفادة من مناخ الحرية التي سادت البلاد منذ أن أطاحت الثورة بالنظام العلماني المتشدد للرئيس السابق، زين العابدين بن علي، وسمحت بإطلاق الألسن من عقالها. لكن المراجعات الدينية الحالية أججت مخاوف لدى النخبة العلمانية والتيارات الدينية المعتدلة الملتزمة بضوابط المذهب المالكي من تأثيرات الفتاوى المنقولة من الشرق على نسيج المجتمع التونسي.
وسبب تلك المخاوف هو بداية انتشار لخطابات دينية لدعاة، أمثال وجدي غنيم، احد أقطاب جماعة الإخوان في مصر، ومحمد حسان ومحمد العريفي وعمرو خالد وطارق رمضان وغيرهم، يعتبرها شق واسع من العلمانيين تهديدا لهوية التونسيين وللاعتدال وتعزيزا للتيار السلفي الصاعد، بينما يعتبر الإسلاميون تلك الخطابات فرصة لدعم معارف التونسيين الشغوفين بدينهم بعد عقود من التصحر الديني.
وتحدث علية العلاني، الباحث والخبير في التيارات الإسلامية، لـDW عربية قائلا: "الثورة التونسية غاب عنها البعد الثقافي، حيث لم يتم ضبط إستراتيجية دينية أو نمط مجتمعي، وهو ما سمح باختلاف الرؤى الدينية في الوقت الذي تمثل فيه المسألة الدينية حاجة نفسية للشباب الذي وقف فجأة ليجد نفسه أمام إيديولوجية الإسلام السياسي والسلفي ويستهويه الخطاب الإسلامي".
ويضيف العلاني "الظاهرة السلفية وجدت قبل الثورة عبر القنوات والكتب وهي تلقى رواجا واسعا. والآن نحن نعيش ظاهرة "أسلفة" المجتمعات العربية التي وجدت أرضية ملائمة لها في دول الربيع العربي مستفيدة من مناخ الحرية التي اجتاحت المنطقة".
ولكن العلاني يوضح "أن الإقبال على الظاهرة السلفية لا تمثل إلا فئة محدودة العدد من الشعب التونسي وان المعجبين بشيوخ المشرق العربي الذين يتوافدون على تونس، أمثال وجدي غنيم ومحمد حسان، يعمدون في الواقع إلى استخدام تقنية الإبهار حتى يحظون بهالة شعبية وإعلامية".
ونجحت بالفعل عدة جمعيات دينية منتشرة في تونس، كانت وراء استدعاء عدد من الدعاة في استقطاب، الآلاف من الشباب لمتابعة محاضراتهم في فضاءات دينية ورياضية وفي ساحات واسعة فيما يشبه استعراض جماهيري.
وإبان الإطاحة بنظام بن علي مثلا كان الحديث يتمحور حول بضع مئات من السلفيين المتشددين في تونس، لكن تنظيم أنصار الشريعة كان كشف لدى إعداده لمؤتمره السنوي الثالث الذي كان مقررا في مدينة القيروان التاريخية، قبل أن تلغيه وزارة الداخلية، أن أكثر من 40 ألف شخص كانوا سيحضرونه.
وأحدث الرقم تساؤلات حول الحجم الحقيقي لهذا التنظيم في تونس، وما إذا كان هناك فعلا تحول في بنية المجتمع التونسي باتجاه الأخونة. لكن الباحث علية العلاني يستدرك متسائلا "كم يساوي هذا العدد أمام 12 مليون تونسي. مثل هذه الظاهرة لا تعكس تركيبة المجتمع التونسي وطبيعته المشبعة بحضارة امتدت على أكثر من ثلاثة ألاف سنة. التونسيون لن يقبلوا اليوم بالتشدد أو بالفكر الوهابي ومن الصعب أن يتنازلوا عن قواعد عيشهم والرفاهية وحقوق المرأة وغيرها. ربما يكون الفكر الوهابي صالحا في مجتمعات أخرى لكن لن يكون له موطأ قدم في تونس".
ويعتبر الباحث أن إقبال الشباب التونسي على الظاهرة السلفية وعلى دعاة المشرق العربي إنما مرتبط بتأثيرات خارجية وفراغ ديني ووضع اقتصادي محلي متعثر، وأن هذه المجموعات الصاعدة تفتقد إلى رؤية مستنيرة وتظل مرتبطة بوضع استثنائي عابر.
ومع أن حركة النهضة الإسلامية التي تقود السلطة في تونس لا تبدي موقفا رسميا صريحا من هذه الزيارات وتفضل أن تصنفها ضمن أنشطة دعوية لجمعيات تتصرف داخل إطار القانون، فإنه في المقابل يمكن ملامسة موقفين على الأقل متضاربين داخل الحزب الإسلامي تجاه توافد شيوخ المشرق، بين الشيخ والمحامي عبد الفتاح مورو، أحد مؤسسي الحركة والرجل الثاني داخل الحزب، وبين رئيس الحركة نفسه راشد الغنوشي.
وصرح عبد الفتاح مورو في برنامج حواري بث على التلفزيون الرسمي في شباط/ فبراير من العام الماضي، بينما كان الداعية وجدي غنيم يقوم بزيارة إلى تونس، إن "نقل فتوى من مجتمع إلى آخر يعتبر خطأ جسيما ومخالفا لما جرت عليه العادة لدى علماء الأمة الذين يتعاملون مع النصوص الشرعية ويفتون على ضوء الواقع الذي يعيشون فيه".
واستشهد مورو بحادثة الإمام الشافعي عندما انتقل من العراق إلى مصر وأفتى في نفس المسائل على خلاف ما أفتى به في العراق.
وقال مورو، في إشارة إلى زيارة غنيم، "إن ما يفعله بعض اللذين يبشرون برؤيتهم القاصرة على واقعهم وينقلونها إلى تونس لا يفتح باب الإثراء بقدر ما يمهد للفتنة لأن الشباب المتحمس ينظر إلى تلك الفتاوى الوافدة على أنها الرأي الوحيد".
لكن ليس كل ما يجلبه الدعاة من المشرق العربي قاتم ومدمر للمجتمع التونسي، فبالنسبة للمرحبين بمثل هذه الزيارات فإنهم يعتبرون فوائدها مهمة، بل وعنصر مساهم في نشر الوعي الديني والحد من الغلو والتشدد في صفوف الشباب التونسي المتعطش إلى التدين.
وعلى خلاف مورو، اعتبر راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية، إن مشايخ الشرق هم الأقدر على محاربة الإرهاب في تونس، لأنها باتت تفتقد إلى شيوخ بعد أن نسف كل من الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ومن بعده بن علي أي وجود لتيار ديني، حتى أصبحت تونس أرضا منخفضة تهب عليها الرياح، حسب تعبيره.
وخلال مؤتمر علمي، نظمه مركز الإسلام والديمقراطية لفهم ظاهرة السلفية حضرته DW عربية، أوضح الداعية، البشير بن حسن، الذي عُرف بدفاعه عن زيارة الدعاة ومشايخ الشرق إلى تونس في مداخلة له "أن حالة التصحر الروحي ومصادرة حق التدين التي سادت طيلة العقود الماضية غذت الرغبة الانتقامية لدى المتدينين ضد كل من يعيق تدينهم. وأن التعامل الأمني أحدث غيرة لدى هؤلاء صادفها جهل ببعض الأحكام ما سمح بانتشار الغلو والتطرف".
ويعتبر بن حسن أن الحل الأمني لا يمكن أن يكون الحل الوحيد لمعالجة هذا الغلو، وانه من الأفضل اعتماد الحل العلمي لإزالة الإشكال. وانطلاقا من ذلك فأن زيارة الدعاة من المشرق قد تمثل عاملا ايجابيا في احتواء الغلو.
وقال بن حسن "لم نسمع من هؤلاء الدعاة تحريضا على العنف آو القتل، بل إن زيارة محمد حسان مثلت اختراقا في جدار التكفيريين". ويضيف "لا يجب أن نقف حجرة عثرة أمام أهل العلم، وإلا اكتوينا بنار التعصب".
ولا ينحصر الجدل في تونس بشأن درجة التعصب ومخاطر التكفير والإرهاب، بل إن الهوية الثقافية برمتها قد باتت موضع نقاش وتجاذب بين رجال السياسة والعلم. وقد استدعى هذا النقاش دخول علماء جامع الزيتونة الشهير على الخط للدفاع عن التعليم الديني الزيتوني في تونس وسبل عودته للعب دوره العلمي من جديد بعد عقود من التغييب والتهميش.
ويعترف محمد القوماني، أمين عام حزب الإصلاح والتنمية، في حديثه مع DW عربية بأن حالة الاستقطاب الذي يشهده الخطاب الديني العنيف المنتشر في صفوف الشباب لدى الفئات العمرية بين 15 و30 سنة يعد أمرا محيرا ومقلقا من الناحية الأمنية والاجتماعية. ولكنه اتهم في نفس الوقت جهات متعددة في تضخيم ما يحصل في تونس بشأن من مخاطر التدين والإقبال على الإشباع الروحي.
وأوضح القوماني "بعض الأوساط في وسائل الإعلام من مثقفين وسياسيين وجهات متعددة مازالت تكابر في إقرار الهوية العربية والإسلامية، بأنها جزء من مقتضيات الحياة العامة. كثيرون ما يزالون غير مستوعبين لهذه الخصوصية ولا يبذلون جهدا كافيا لإيجاد منطقة وسطى تدافع عن قيم الحداثة وتحفظ الهوية العربية والإسلامية للبلاد".
ويقر أيضا عبد الوهاب الهاني، الناشط السياسي ورئيس مؤسسة المجد للدراسات الإستراتيجية في تونس، في حديثه مع DW عربية بوجود هشاشة تاريخية ودينية بسبب محاصرة فضاءات التدين في ظل نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ما دفع الشباب التونسي إلى الإقبال على القنوات الفضائية الدينية البعيدة عن المذهب المالكي الذي استقر في تونس.
ويعتبر الهاني أن هذه القنوات بعضها يروج لخطاب متطرف والآخر تغلب عليه الصبغة التجارية للدين.
ويقول الناشط السياسي "منذ الاستقلال ومع قرار غلق جامع الزيتونة كجامعة للعلوم الإسلامية في حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة تفشت في تونس أزمة الهوية. نحن مع إعادة جامع الزيتونة لأن كل دولة في حاجة إلى أن تدافع عن أمنها الثقافي بما في ذلك الهوية الدينية واللغوية".
ويضيف الهاني "نريد أن نعود إلى الخطاب الديني الأصيل والمستنير الذي بناه جامع الزيتونة وجامع القيروان والمذهب المالكي في تونس، لكن هذا الأمر ليس بالسهل اليوم لأن هناك خطاب "تورا بورا" الذي يناقض خطاب الزيتونة ولديه من الإمكانيات المالية والإعلامية وحتى الدولية التي قد تجعلنا في مواجهة غير متكافئة مع هذه المجموعات. لكن مع ذلك فإن دورنا اليوم هو أن نعيد لجامع زيتونة أمجاده ودوره في تحصين هوية تونس".
..........
طارق القيزاني ـ تونس
موقع صوت ألمانيا.