خوزستان أم عربستان؟ عرب إيران و البحث عن الهوية
يبدأ خلاف عرب إيران مع السلطة من تسمية إقليمهم نفسه ففيما يسمونه عربستان، تسميه الحكومة خوزستان. و يتسع الخلاف لدرجة أنهم باتوا يحاولون التنصل من مذهبهم نكاية بالحكومة الشيعية. مقابل ذلك يرى القوميون أن العرب يحكمون إيران
خوزستان أو عربستان، إقليم جنوب غرب إيران عاصمته الأحواز، و الإيرانيون يلفظونها (أهواز) و يسمون الحاء "هاء حَسَّني"، لأنهم لا يتقنون إخراج صوت الحاء من حناجرهم فيعرّفوه باسم "حَسَن" لبيان الفرق في اللفظ والكتابة.
و فيما يعتقد كثيرون أنّ إيران "بلد العجم" بمعنى أنها بلد غالبية سكانه من الفرس، فإن الحقيقة غير ذلك، فإيران دولة تضم مكونات عدة أكبرها المكوّن الفارسي، و يشكّل العرب - على سبيل المثال- غالبية سكان إقليم خوزستان، و تنشط فيه معارضة عربية تتهم الحكومة الإيرانية بطمس هوية السكان القومية.
و تتعقد مشكلة هويات الشعوب المكوّنة لدولة إيران بعدم إشارة بطاقة الأحوال الشخصية الإيرانية إلى قومية حامل البطاقة، و بذلك تتعدد الاجتهادات.
السلطات تقول إنها تتعمد إغفال الانتماء القومي، لأنّ إيران دولة تضم مكونات قومية عديدة، و الإشارة لقومية أيّ مكون في وثيقة مدنية يمكن أن تثير مشكلات غير منظورة، فيما يدّعي آخرون -من عرب و كرد إيران تحديداً- أنّ إغفال ذكر القومية يهدف إلى طمس هوية المكونات غير الفارسية.
تبلغ مساحة إقليم خوزستان حوالي 64 ألف كم مربع، و تعداد ساكنيه هو جزء من المشكلة بين عرب الإقليم و بين دولة إيران، و يؤكد الناشط السياسي محمد مجيد الأحوازي، المقيم في السويد في حديث معDW عربية أنّ عدد العرب في إيران عموماً يصل إلى 11 مليون نسمة، مقرّاً بعدم وجود إحصائية لإجمالي عددهم في إقليم خوزستان تحديداً.
لكن الخبير الاستراتيجي في الشأن الإيراني حميد غل شريفي يشير في حديثه من لندن إلىDW عربية إلى أن عدد ساكني الإقليم يقترب من 4.5 مليون نسمة، هم خليط من العرب و الفرس و اللر و البختياريين، مستبعداً أن يصل عدد العرب في عموم إيران إلى الرقم الذي أشار إليه الناشط الأحوازي.
........
"تغليب العنصر العربي و طمس الهوية الفارسية"
في مقابل هذا الجدل، يتهم العلمانيون و الديمقراطيون و الموالون لسلطة الشاه الأخير (محمد رضا بهلوي) حكومة رجال الدين في إيران بأنها تغلّب العنصر العربي و اللغة العربية على ثقافة الإيرانيين، مستدلين على ذلك بأنّ تدريس اللغة العربية يبدأ مبكّراً في السنة الدراسية الخامسة للتلاميذ، كما يعززون اتهاماتهم بأن "مرشد الثورة" السيد الخامنئي و قبله "قائد الثورة" السيد الخميني ينتسبان إلى السلالة الهاشمية، و ينحدران بنسبهما من النبي، و هكذا فإنّ أصولهما عربية، و يصحّ هذا على كل من ينسب نفسه إلى "السادة الأشراف".
كما أن السلطة تبني دولة ولاية الفقيه على القرآن الكريم و روايات آل البيت و كلها بالعربية. و بهذا يقول المعترضون: "سياسة رجال الدين قائمة على تغليب العنصر العربي و اللغة العربية مقابل طمس و تغييب اللغة الفارسية، ما يجعل إيران تفقد هويتها الفارسية و تصبح كياناً قريباً جداً من الثقافة و التكوين العربي"، و هذا ما كشفت عنه الناشطة الحقوقية الإيرانية المقيمة في ألمانيا هُما أمانبور في حديثها إلىDW عربية
.......
القوات الإيرانية احتلت الأحواز سنة 1925
لكن الناشط السياسي محمد مجيد الأحوازي أعاد المشهد إلى تاريخ حديث مشيراً إلى أن"القوات الإيرانية احتلت الأحواز في نيسان سنة 1925، و لم يكن اسم إيران موجوداً أصلاً، بل كانت تسمى بلاد فارس أو الدولة القاجارية، و قد دخلت قوات رضاه شاه إلى الأحواز و اعتقلت أميرها الشيخ خزعل بن جابر بن مرداو الكعبي".
و في معرض حديثه عن التاريخ القديم لإيران أشار الناشط الاحوازي إلى أن خوزستان (عربستان) بمجملها "كانت تحت سيادة الدولة العيلامية و عاصمتها السوس (الشوش على الحدود مع جنوب وسط العراق)، و الدولة العيلامية كانت دولة عربية لا علاقة لها بفارس".
من جانبه يعتبر شريفي أن هناك عشرات الكتب و مئات المقالات عن خوزستان تؤيد و تتحدث عن الإقليم کجزء من إيران، و مضى مبيناً أن الفترة التی لمع فيها نجم الشیخ خزعل فی سنة 1897 إلى نهاية حكمه فی سنة 1925 كانت متزامنة مع حوادث دولیة هامة، كما أنّ وثائق كثيرة تشیر إلى دفع الضرائب و التفاوض حول دفعها من جانب الشیخ خزعل مع رئیس الوزراء الإيراني آنذاك.
و لفت غل شريفي الأنظار إلى دور بریطانیا فی هذه المسألة مبيناً "أنّ من یحاولون إعطاء صورة مستقلة لخوزستان لا يشيرون إلى الخلافات الجذریة بین طهران و بين لندن آنذاك علی العوائد النفطیة".
.......
"حق التعليم باللغة العربية"
يتحدث بعض المعارضين من عربستان (خوزستان) عن تهميش و تمييز في الوظائف تجاه العرب، فيما تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الأدميرال علي شمخاني (و هو عربي من سكان الأحواز) قد تولى منصب وزير الدفاع في حكومة رفسنجاني الأولى و حكومة خاتمي الثانية، و هو اليوم شخصية مقرّبة جداً من الرئيس الإيراني حسن روحاني.
و يقول المعارضون إن خيرات منطقتهم هي مصدر الدخل الرئيس لدولة إيران و لكنها لا تفيض خيراً عليهم و هم محرومون منها، و يعانون من البطالة بشكل واسع، و هو ما ذهب إليه محمد الاحوازي.
لكن الخبير الإيراني حميد غل شريفي رد على هذا بالقول إن "البطالة الموجودة اليوم فی إيران لا تنحصر بخوزستان، و مصادر الدخل البلد لا تنحصر بمنطقة واحدة"، كاشفاً أنّ المیزانیة یقرها البرلمان و يشترك في إقرارها نواب المحافظات المختلفة و منها خوزستان
الناشط الإيراني محمد الاحوازي طالب بفرص تعليم عادلة بالقول إن "من حق عرب الأحواز أن يتعلموا ويدرسوا باللغة العربية، و من حقنا كشعب عربي أن نمتلك مؤسساتنا الثقافية و العلمية و أحزابنا التي تمثلنا".
و أعتبر الاحوازي أنّ سياسيات حكومة إيران الإسلامية القائمة على التمييز العرقي بين العرب و بين الفرس "قادت إلى أن يترك عرب إيران المذهب الشيعي و يتحولوا إلى مذهب أهل السنة بأعداد كبيرة".
.........
امتحان جامعي عام لكل الإيرانيين
و في معرض رده على عدم حصول الأحوازيين على فرص تعليم أسوة بغيرهم من الشعوب الإيرانية أشار غل شريفي إلى وجود ثلاث جامعات فی خوزستان، و هي جندی شابور و جمران و رامین، علاوة على عشرات الفروع لجامعة (آزادي) في مدن كثيرة فی خوزستان.
و بيّن غل شريفي أنّ "هناك امتحاناً عاماً يجري فی جمیع إنحاء البلد سنوياً للالتحاق بالجامعات (كونكور) و أنّ من یحرز أعلی درجات فی هذا الامتحان یستحق الدخول إلى الجامعة في عموم إيران دون تمييز".
التاريخ السياسي لعرب إيران شهد حراكاً و اضطراباً في فترة الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988)، فقد انقسموا بين مؤيد لسياسات حكومة الجمهورية الإسلامية في إيران، و بين معارض لها و مؤيد لسياسات الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، حتى وصل الأمر إلى انضمام آلاف الأحوازيين إلى الجانب العراقي في تلك الحرب، و انتهى بهم المطاف مقيمين في مجمع سكني جنوب قضاء الخالدية بالأنبار غرب العراق حتى يومنا هذا.
.........
17.05.2014
موقع صوت ألمانيا DW
عرب إيران و البحث عن الهوية
يبدأ خلاف عرب إيران مع السلطة من تسمية إقليمهم نفسه ففيما يسمونه عربستان، تسميه الحكومة خوزستان. و يتسع الخلاف لدرجة أنهم باتوا يحاولون التنصل من مذهبهم نكاية بالحكومة الشيعية. مقابل ذلك يرى القوميون أن العرب يحكمون إيران
خوزستان أو عربستان، إقليم جنوب غرب إيران عاصمته الأحواز، و الإيرانيون يلفظونها (أهواز) و يسمون الحاء "هاء حَسَّني"، لأنهم لا يتقنون إخراج صوت الحاء من حناجرهم فيعرّفوه باسم "حَسَن" لبيان الفرق في اللفظ والكتابة.
و فيما يعتقد كثيرون أنّ إيران "بلد العجم" بمعنى أنها بلد غالبية سكانه من الفرس، فإن الحقيقة غير ذلك، فإيران دولة تضم مكونات عدة أكبرها المكوّن الفارسي، و يشكّل العرب - على سبيل المثال- غالبية سكان إقليم خوزستان، و تنشط فيه معارضة عربية تتهم الحكومة الإيرانية بطمس هوية السكان القومية.
و تتعقد مشكلة هويات الشعوب المكوّنة لدولة إيران بعدم إشارة بطاقة الأحوال الشخصية الإيرانية إلى قومية حامل البطاقة، و بذلك تتعدد الاجتهادات.
السلطات تقول إنها تتعمد إغفال الانتماء القومي، لأنّ إيران دولة تضم مكونات قومية عديدة، و الإشارة لقومية أيّ مكون في وثيقة مدنية يمكن أن تثير مشكلات غير منظورة، فيما يدّعي آخرون -من عرب و كرد إيران تحديداً- أنّ إغفال ذكر القومية يهدف إلى طمس هوية المكونات غير الفارسية.
تبلغ مساحة إقليم خوزستان حوالي 64 ألف كم مربع، و تعداد ساكنيه هو جزء من المشكلة بين عرب الإقليم و بين دولة إيران، و يؤكد الناشط السياسي محمد مجيد الأحوازي، المقيم في السويد في حديث معDW عربية أنّ عدد العرب في إيران عموماً يصل إلى 11 مليون نسمة، مقرّاً بعدم وجود إحصائية لإجمالي عددهم في إقليم خوزستان تحديداً.
لكن الخبير الاستراتيجي في الشأن الإيراني حميد غل شريفي يشير في حديثه من لندن إلىDW عربية إلى أن عدد ساكني الإقليم يقترب من 4.5 مليون نسمة، هم خليط من العرب و الفرس و اللر و البختياريين، مستبعداً أن يصل عدد العرب في عموم إيران إلى الرقم الذي أشار إليه الناشط الأحوازي.
........
"تغليب العنصر العربي و طمس الهوية الفارسية"
في مقابل هذا الجدل، يتهم العلمانيون و الديمقراطيون و الموالون لسلطة الشاه الأخير (محمد رضا بهلوي) حكومة رجال الدين في إيران بأنها تغلّب العنصر العربي و اللغة العربية على ثقافة الإيرانيين، مستدلين على ذلك بأنّ تدريس اللغة العربية يبدأ مبكّراً في السنة الدراسية الخامسة للتلاميذ، كما يعززون اتهاماتهم بأن "مرشد الثورة" السيد الخامنئي و قبله "قائد الثورة" السيد الخميني ينتسبان إلى السلالة الهاشمية، و ينحدران بنسبهما من النبي، و هكذا فإنّ أصولهما عربية، و يصحّ هذا على كل من ينسب نفسه إلى "السادة الأشراف".
كما أن السلطة تبني دولة ولاية الفقيه على القرآن الكريم و روايات آل البيت و كلها بالعربية. و بهذا يقول المعترضون: "سياسة رجال الدين قائمة على تغليب العنصر العربي و اللغة العربية مقابل طمس و تغييب اللغة الفارسية، ما يجعل إيران تفقد هويتها الفارسية و تصبح كياناً قريباً جداً من الثقافة و التكوين العربي"، و هذا ما كشفت عنه الناشطة الحقوقية الإيرانية المقيمة في ألمانيا هُما أمانبور في حديثها إلىDW عربية
.......
القوات الإيرانية احتلت الأحواز سنة 1925
لكن الناشط السياسي محمد مجيد الأحوازي أعاد المشهد إلى تاريخ حديث مشيراً إلى أن"القوات الإيرانية احتلت الأحواز في نيسان سنة 1925، و لم يكن اسم إيران موجوداً أصلاً، بل كانت تسمى بلاد فارس أو الدولة القاجارية، و قد دخلت قوات رضاه شاه إلى الأحواز و اعتقلت أميرها الشيخ خزعل بن جابر بن مرداو الكعبي".
و في معرض حديثه عن التاريخ القديم لإيران أشار الناشط الاحوازي إلى أن خوزستان (عربستان) بمجملها "كانت تحت سيادة الدولة العيلامية و عاصمتها السوس (الشوش على الحدود مع جنوب وسط العراق)، و الدولة العيلامية كانت دولة عربية لا علاقة لها بفارس".
من جانبه يعتبر شريفي أن هناك عشرات الكتب و مئات المقالات عن خوزستان تؤيد و تتحدث عن الإقليم کجزء من إيران، و مضى مبيناً أن الفترة التی لمع فيها نجم الشیخ خزعل فی سنة 1897 إلى نهاية حكمه فی سنة 1925 كانت متزامنة مع حوادث دولیة هامة، كما أنّ وثائق كثيرة تشیر إلى دفع الضرائب و التفاوض حول دفعها من جانب الشیخ خزعل مع رئیس الوزراء الإيراني آنذاك.
و لفت غل شريفي الأنظار إلى دور بریطانیا فی هذه المسألة مبيناً "أنّ من یحاولون إعطاء صورة مستقلة لخوزستان لا يشيرون إلى الخلافات الجذریة بین طهران و بين لندن آنذاك علی العوائد النفطیة".
.......
"حق التعليم باللغة العربية"
يتحدث بعض المعارضين من عربستان (خوزستان) عن تهميش و تمييز في الوظائف تجاه العرب، فيما تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الأدميرال علي شمخاني (و هو عربي من سكان الأحواز) قد تولى منصب وزير الدفاع في حكومة رفسنجاني الأولى و حكومة خاتمي الثانية، و هو اليوم شخصية مقرّبة جداً من الرئيس الإيراني حسن روحاني.
و يقول المعارضون إن خيرات منطقتهم هي مصدر الدخل الرئيس لدولة إيران و لكنها لا تفيض خيراً عليهم و هم محرومون منها، و يعانون من البطالة بشكل واسع، و هو ما ذهب إليه محمد الاحوازي.
لكن الخبير الإيراني حميد غل شريفي رد على هذا بالقول إن "البطالة الموجودة اليوم فی إيران لا تنحصر بخوزستان، و مصادر الدخل البلد لا تنحصر بمنطقة واحدة"، كاشفاً أنّ المیزانیة یقرها البرلمان و يشترك في إقرارها نواب المحافظات المختلفة و منها خوزستان
الناشط الإيراني محمد الاحوازي طالب بفرص تعليم عادلة بالقول إن "من حق عرب الأحواز أن يتعلموا ويدرسوا باللغة العربية، و من حقنا كشعب عربي أن نمتلك مؤسساتنا الثقافية و العلمية و أحزابنا التي تمثلنا".
و أعتبر الاحوازي أنّ سياسيات حكومة إيران الإسلامية القائمة على التمييز العرقي بين العرب و بين الفرس "قادت إلى أن يترك عرب إيران المذهب الشيعي و يتحولوا إلى مذهب أهل السنة بأعداد كبيرة".
.........
امتحان جامعي عام لكل الإيرانيين
و في معرض رده على عدم حصول الأحوازيين على فرص تعليم أسوة بغيرهم من الشعوب الإيرانية أشار غل شريفي إلى وجود ثلاث جامعات فی خوزستان، و هي جندی شابور و جمران و رامین، علاوة على عشرات الفروع لجامعة (آزادي) في مدن كثيرة فی خوزستان.
و بيّن غل شريفي أنّ "هناك امتحاناً عاماً يجري فی جمیع إنحاء البلد سنوياً للالتحاق بالجامعات (كونكور) و أنّ من یحرز أعلی درجات فی هذا الامتحان یستحق الدخول إلى الجامعة في عموم إيران دون تمييز".
التاريخ السياسي لعرب إيران شهد حراكاً و اضطراباً في فترة الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988)، فقد انقسموا بين مؤيد لسياسات حكومة الجمهورية الإسلامية في إيران، و بين معارض لها و مؤيد لسياسات الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، حتى وصل الأمر إلى انضمام آلاف الأحوازيين إلى الجانب العراقي في تلك الحرب، و انتهى بهم المطاف مقيمين في مجمع سكني جنوب قضاء الخالدية بالأنبار غرب العراق حتى يومنا هذا.
.........
17.05.2014
موقع صوت ألمانيا DW
عرب إيران و البحث عن الهوية