لغتنا العربية..و رسالة الفصحى.
د. محمد عادل الهاشمي.
.......
تتصدر اللغة الاهتمام و الرعاية في حياة كل أُمّة،إذ هي الأداة التي تجمع الأفكار و تنقل المفاهيم،فتقيم بحروفها روابط الإتّصال بين أبناء الأُمّة الواحدة،و ترسم بكلماتها مستوى ثقافتها،و لون حضارتها،و وضوح شخصيتها،و اللغة سفير الأُمّة إلى الأُمم الأخرى،تعرفهم بهويتها و فكرها و تطلعاتها،و قد تجاوز الاهتمام باللغة عالمياً إلى حيث انتظمت مجموعات من الأُمم تحت رابطة لغوية واحدة،كالسكسونية و اللاتينية و سواهما،حُق لنا أن نكترث بلغتنا و أن نوليها اهتمامنا و جهدنا.
إنّ حديثنا عن اللغة العربية اليوم يكشف عن لغة مميزة بخصائصها،حملت في ثنايا حروفها القليلة تراثاً إنسانياً آخى التاريخ و مضى معه يعدّ القرون،فهي لغة القرآن الكريم.
و الحضارة الإسلامية ذاعت في العالم مع الدِّين الإسلامي الذي أخذ ينتشر في أرجاء المعمورة منذ القرن السابع الميلادي،فعكف على تعلمها كثير من أُمم الأرض،و نهلوا من ينابيعها الغنية..و ظلت تبسط جناحيها على شرق العالم و غربه،حتى بلغت آثارها العلمية و الأدبية جُل بقاع الأرض،و كان لها دور البعث الحضاري على قرون عدة من الزمن.
............
- رحيق الفصاحة:
كان أسلافنا يعايشون العربية و يحبونها،و يحرصون على الفصحى حرصهم على أنفس ما يملكون،فينشئون أولادهم من سن الطفولة في رحاب الصحراء ليرشفوا رحيق الفصاحة في ظل الحياة العربية الأصيلة.
و كان من عناية أجدادنا باللغة؛أن جعلوا ميزان التفاضل بين الأئمة من العلماء سعة معرفة الرجل بكلام العرب و لغاتها و غريبها،فتسابق الأمراء و الخلفاء و الملوك و المتصدرون في الدولة إلى تأديب أبنائهم،أي تعليمهم الأدب العربي من شعر و أخبار و مفاخرات و منافرات،بعد تلقينهم اللغة و النحو،ليحفظوا كلامهم و يثروا به ملكاتهم اللغوية،و كان أكبر عيب في الرجل المتصدر أن يلحن في كلامه،فلا يأتي بالحركات الإعرابية أو الصيغ اللغوية على وجهها،كان كل ذلك في سبيل حفظ اللغة،و الإحتفاظ برونقها و حياتها و لتعيش ملكة الفصاحة قوية في النفوس.
......
- فوضى اللغة:
بعد أن مضينا مع مكانة لغتنا العربية،و كلف أجدادنا بها،في عهودنا الزاهرة،يدركنا العجب أن يختلف تعاملنا معها اليوم،حيث نواجه موجة عارمة من فوضى اللغة العربية،تئن منها الفضائيات،و تشكو من سقمها المنابر،و يمر الكثيرون بها غير عابئين،غير مدركين خطر هذه الفوضى على لغتنا العربية البهيجة لغة القرآن.
ما هذه الموجة المنذرة بالخطر،و أكبر الخطر ما غفلت الضحية عن وقوعه؟
إنها تهاون الكثيرين بتأدية اللغة العربية و نطقها على غير ماجاء به القرآن،لا يبالون أشرقت الكلمة في أفواههم أو غربت،أصابت أو أخطأت..إن خروج بعض المتحدثين بالفضائيات أو الإذاعات، و بعض من يعتلون المنابر أو يقدمون البرامج يحسبون على نظام لغة القرآن ملكهم،فيدمجون الكلمات العربية دون التفات إلى حركتها أو يسكنون أواخر الكلمات،تهاوناً و إهمالاً،و كأنّهم غفلوا عن مكانهم الريادي للجمهور المستمع؛إذ عليهم أن يوفّوه حقه من التثقيف،أو غاب عنهم أنّهم بخروجهم على أصول اللغة يقدمون بأصواتهم للمستمع في أنحاء العالم،اللغة العربية عارية عن أصولها و بهجتها،فاقدة لدلالتها.
.....
- قرآن عربي:
ألا يعلم هؤلاء السادة أنّ الله أنزل القرآن الكريم على رسوله محمّد (صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم) بلسان عربي مبين،بلغة عربية فصيحة ذات أصول،و كرّم به أجدادنا العرب الفصحاء، ليكون العرب – بالقرآن – رواد الفصاحة للعالم في كل مكان و زمان؛ينهجون سبيله،و يتمسكون بأصول لغته،قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (الفرقان/ 1).
لقد أُنزل القرآن إلى العالم بأسره بلغة عربية فصيحة لا التواء فيها: (وَ لَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزّمر/ 27-28).
إنّ القرآن الكريم بفصاحته التي هدانا الله إليها،يتنزل من السماء العليا،من المقام العلي،من اللوح المحفوظ،و صدق الله العظيم: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مّحْفُوظٍ) (البروج/ 22).
يرتفع من يتلوه بصدق فوق أطباق الأرض،فيرتله بلغة عربية سماوية..
هذا مقام لغتنا العربية عند الله،أنزل بها كتابه من فوق سبع سماوات،و جعلها لغة أهل الجنة، فهل فطن اللبيب إلى هذا الشرف العظيم الذي حباه الله لغتنا؟
و هل ثاب مَنْ يتكلمها أو مَنْ يخاطب العالم بها من خلال الفضائيات إلى قيمتها و مكانتها عند الله؛ ليكون أداؤه للغتنا العربية أوفر إتقاناً،يقيم حروفها و حركاتها،و ينطق بها كما يتلو كتاب الله،فصيحة،بينة،لا يعتورها لحن و لا يعروها تساهل أو تواكل؟
.......
- حجة التبسيط:
إنّها دعوة كريمة أرجو أن تجد لها في النفوس قبولاً،أوجهها إلى مواطن البث العربي و الإقليمي من فضائيات و إذاعات،مذكراً أنّ اللغة العربية التي يبثونها موجهة للعالم بأسره و إلى جماهير الشعب بخاصة،آملاً أن تكون على الأفواه سليمة،متقنة الأداء.
........
د. محمد عادل الهاشمي.
.......
تتصدر اللغة الاهتمام و الرعاية في حياة كل أُمّة،إذ هي الأداة التي تجمع الأفكار و تنقل المفاهيم،فتقيم بحروفها روابط الإتّصال بين أبناء الأُمّة الواحدة،و ترسم بكلماتها مستوى ثقافتها،و لون حضارتها،و وضوح شخصيتها،و اللغة سفير الأُمّة إلى الأُمم الأخرى،تعرفهم بهويتها و فكرها و تطلعاتها،و قد تجاوز الاهتمام باللغة عالمياً إلى حيث انتظمت مجموعات من الأُمم تحت رابطة لغوية واحدة،كالسكسونية و اللاتينية و سواهما،حُق لنا أن نكترث بلغتنا و أن نوليها اهتمامنا و جهدنا.
إنّ حديثنا عن اللغة العربية اليوم يكشف عن لغة مميزة بخصائصها،حملت في ثنايا حروفها القليلة تراثاً إنسانياً آخى التاريخ و مضى معه يعدّ القرون،فهي لغة القرآن الكريم.
و الحضارة الإسلامية ذاعت في العالم مع الدِّين الإسلامي الذي أخذ ينتشر في أرجاء المعمورة منذ القرن السابع الميلادي،فعكف على تعلمها كثير من أُمم الأرض،و نهلوا من ينابيعها الغنية..و ظلت تبسط جناحيها على شرق العالم و غربه،حتى بلغت آثارها العلمية و الأدبية جُل بقاع الأرض،و كان لها دور البعث الحضاري على قرون عدة من الزمن.
............
- رحيق الفصاحة:
كان أسلافنا يعايشون العربية و يحبونها،و يحرصون على الفصحى حرصهم على أنفس ما يملكون،فينشئون أولادهم من سن الطفولة في رحاب الصحراء ليرشفوا رحيق الفصاحة في ظل الحياة العربية الأصيلة.
و كان من عناية أجدادنا باللغة؛أن جعلوا ميزان التفاضل بين الأئمة من العلماء سعة معرفة الرجل بكلام العرب و لغاتها و غريبها،فتسابق الأمراء و الخلفاء و الملوك و المتصدرون في الدولة إلى تأديب أبنائهم،أي تعليمهم الأدب العربي من شعر و أخبار و مفاخرات و منافرات،بعد تلقينهم اللغة و النحو،ليحفظوا كلامهم و يثروا به ملكاتهم اللغوية،و كان أكبر عيب في الرجل المتصدر أن يلحن في كلامه،فلا يأتي بالحركات الإعرابية أو الصيغ اللغوية على وجهها،كان كل ذلك في سبيل حفظ اللغة،و الإحتفاظ برونقها و حياتها و لتعيش ملكة الفصاحة قوية في النفوس.
......
- فوضى اللغة:
بعد أن مضينا مع مكانة لغتنا العربية،و كلف أجدادنا بها،في عهودنا الزاهرة،يدركنا العجب أن يختلف تعاملنا معها اليوم،حيث نواجه موجة عارمة من فوضى اللغة العربية،تئن منها الفضائيات،و تشكو من سقمها المنابر،و يمر الكثيرون بها غير عابئين،غير مدركين خطر هذه الفوضى على لغتنا العربية البهيجة لغة القرآن.
ما هذه الموجة المنذرة بالخطر،و أكبر الخطر ما غفلت الضحية عن وقوعه؟
إنها تهاون الكثيرين بتأدية اللغة العربية و نطقها على غير ماجاء به القرآن،لا يبالون أشرقت الكلمة في أفواههم أو غربت،أصابت أو أخطأت..إن خروج بعض المتحدثين بالفضائيات أو الإذاعات، و بعض من يعتلون المنابر أو يقدمون البرامج يحسبون على نظام لغة القرآن ملكهم،فيدمجون الكلمات العربية دون التفات إلى حركتها أو يسكنون أواخر الكلمات،تهاوناً و إهمالاً،و كأنّهم غفلوا عن مكانهم الريادي للجمهور المستمع؛إذ عليهم أن يوفّوه حقه من التثقيف،أو غاب عنهم أنّهم بخروجهم على أصول اللغة يقدمون بأصواتهم للمستمع في أنحاء العالم،اللغة العربية عارية عن أصولها و بهجتها،فاقدة لدلالتها.
.....
- قرآن عربي:
ألا يعلم هؤلاء السادة أنّ الله أنزل القرآن الكريم على رسوله محمّد (صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم) بلسان عربي مبين،بلغة عربية فصيحة ذات أصول،و كرّم به أجدادنا العرب الفصحاء، ليكون العرب – بالقرآن – رواد الفصاحة للعالم في كل مكان و زمان؛ينهجون سبيله،و يتمسكون بأصول لغته،قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (الفرقان/ 1).
لقد أُنزل القرآن إلى العالم بأسره بلغة عربية فصيحة لا التواء فيها: (وَ لَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزّمر/ 27-28).
إنّ القرآن الكريم بفصاحته التي هدانا الله إليها،يتنزل من السماء العليا،من المقام العلي،من اللوح المحفوظ،و صدق الله العظيم: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مّحْفُوظٍ) (البروج/ 22).
يرتفع من يتلوه بصدق فوق أطباق الأرض،فيرتله بلغة عربية سماوية..
هذا مقام لغتنا العربية عند الله،أنزل بها كتابه من فوق سبع سماوات،و جعلها لغة أهل الجنة، فهل فطن اللبيب إلى هذا الشرف العظيم الذي حباه الله لغتنا؟
و هل ثاب مَنْ يتكلمها أو مَنْ يخاطب العالم بها من خلال الفضائيات إلى قيمتها و مكانتها عند الله؛ ليكون أداؤه للغتنا العربية أوفر إتقاناً،يقيم حروفها و حركاتها،و ينطق بها كما يتلو كتاب الله،فصيحة،بينة،لا يعتورها لحن و لا يعروها تساهل أو تواكل؟
.......
- حجة التبسيط:
إنّها دعوة كريمة أرجو أن تجد لها في النفوس قبولاً،أوجهها إلى مواطن البث العربي و الإقليمي من فضائيات و إذاعات،مذكراً أنّ اللغة العربية التي يبثونها موجهة للعالم بأسره و إلى جماهير الشعب بخاصة،آملاً أن تكون على الأفواه سليمة،متقنة الأداء.
........
موقع البلاغ