لغتنا إكسير وجودنا
خطورة أعمال فريق هدم اللغة من الطابور الخامس.
تجزئة لغوية تجزّئ الأمة
وحّدوا ألسنتكم تتوحدوا
مقاومة دون سلاح
ترددت لحظات قبيل نشر هذا الموضوع باحثا عن مناسبة زمنية يرتبط بها،
وكانت قد مرت بنا قبل فترة وجيزة مناسبة ما يسمّى "اليوم العالمي للغة
الأم"، ويمرّ بنا بين حين وحين خبر عابر كما كان عند الحديث عما سمي عام
اللغة العربية في كل من مصر والأردن، وتحدث أحد الرؤساء العرب قبل فترة في
خطبة رسمية على غير المعتاد عن ضرورة الاهتمام باللغة العربية، هذا فضلا عن
أخبار عديدة تمس موقع هذه اللغة العربية فيما "يسمّى" الجامعات العربية،
بل حتى موقعها في تنشئة أطفالنا وشبيبة بلادنا في مدارسنا "العربية" يتعرض
للزلزلة والزعزعة، ناهيك عما لا ينقطع من إسفاف أقرب إلى الإجرام بحق هذه
اللغة واهلها. كنت أبحث عن مناسبة ما لأربط بها الموضوع، فوجدت نفسي بعد
قليل من البحث غاضبا من نفسي، متسائلا كيف تسرّب إليها ما أشكو منه وأتمنى
لو عمّت الشكوى منه، أن جعلنا من هذه اللغة العربية أو الحديث عنها مسألة
مناسبات زمنية ما أو أحداث عابرة ما، وموضوعا من المواضيع كسواه، مما لا
نكاد نطرحه إلا لماما على هامش المناسبات والأحداث، أو كما لو أنها لغة
أجنبية علينا أن نتعلمها، وليست لغتنا الأم التي إن فقدناها فقدنا ركيزة
وجودنا!..
أو ليس المطلوب أمام ما نعرفه جميعا، هو أن يكون حديثنا عن
لغتنا وسعينا للذود عنها وهي تحت القصف المستمرّ، ومن خلال ذلك الذود عن
وجودنا ومستقبلنا.. أن يكون أمرا دائما لا يحتاج إلى مناسبات وقتية؟!..
أو
لسنا نساهم من حيث لا ندري أو لا نقصد في التمكين من إقصاء لغتنا عن
الإسهام في صناعة واقعنا على أسس سليمة قويمة، عندما لا تكون مكانتها ولا
يكون دورها من الثوابت الراسخة في أذهاننا وعلى أقلامنا وفي حواراتنا وفي
تصرفاتنا اليومية والمستديمة، الخاصة والعامة، وهي محور أساسي لا غنى عنه
في ذاته ولا يجوز أن نستغني عنه واقعا لا كلاما، من بين المحاور التي تقوم
عليها صناعة واقعنا؟..
تجزئة لغوية تجزّئ الأمة
اللغة العربية إكسير وجودنا، ليس لأنها "العربية" فحسب، بل هي كذلك على
كل حال لكون كل لغة قوم تمثل إكسير وجودهم، إن هي ذهبت ذهبوا، وكأني
بالشاعر القائل إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا،
كان يقرر -ربما دون قصد- أن لغة الأمة تضيع عندما تضيع قيمها أو يضعف
مفعولها في حياتها، فتتخلى فيما تتخلى عن إكسير حياتها، عن الرابط المعرفي
والانتمائي الواصل ما بين أعضاء جسدها التاريخي الواحد عبر آفاق الأزمان من
أجيال غابرة وأجيال حاضرة معاصرة وأخرى قادمة في علم الغيب، والواصل ما
بين أعضاء جسدها الواحد في عالم معاصر، ليتميز بهويته الحضارية بين أمم
أخرى متميزة بانتماءاتها الحضارية، وليوحد عناصر الأمة جميعا عبر آفاق
الأمكنة من المعمورة، فوجودهم فيها وجود مشترك على أرض لغة ينتسبون إليها،
وحيثما كانت بينهم لغة مشتركة للتفاهم والإبداع وللعلم والإنجاز، كان
لوجودهم ذاك قيمة، وكلما غيّبوا مفعولها فيما بينهم اضمحلت معه قيمتهم
كأمة، وتفرّقوا فسلّم كل فريق منهم الزمام لأمة من الأمم مع تسليم ألسنة
أطفالهم للغتها، وجامعاتها، وآدابها، وعلومها، وحتى لمصادرها في صياغة
تاريخهم وأخلاقهم وقيمهم وأذواقهم.
أو ليس هذا بعض ما آل إليه وضع من
يريدون لأهليهم أن يتأمركوا وهم خليجيون، أو يتفرنسوا وهم مغاربة، أو
يذوبوا بتمزيق الهوية الواحدة إلى هويات محلية، شامية هنا، نبطية هناك،
مصرية هنالك، ثم تمزيق "النتف" التي سترت بعض عوراتهم المحلية حينا، إلى
لبنانية ودمشقية وحلبية، أو نبطية حجازية وأخرى يمنية وثالثة كويتية وربما
سبعة لهجات أخرى في سبع إمارات، ومصرية دلتاوية وأخرى صعيدية وثالثة نوبية
في السودان؟!..
ثم يتساءل المتسائلون: ما أسباب انفراد القوى الدولية
بزعيم بعد زعيم، أو دولة بعد دولة، أو ميدان بعد ميدان، حتى صارت شؤوننا
جميعا، لا شأننا الواحد المشترك، بضائع مستباحة عند كل طامع؟..
أو لسنا
نحن الذين زهدنا ببعضنا وبتواصلنا فزهد عالمنا المعاصر بنا جميعا، ومضينا
-أو تجمّدنا- منفردين فكل حزب بما لديهم فرحون، أو مجتمعين أحيانا، إنما
على ترسيخ كل ما لا يجمعنا ولا يوحدنا؟..
ليست اللغة حروفا وكلمات
وقواعد وبلاغة، إنما هي المعاني التي تصوغها الحروف والكلمات!..
وليست
اللغة أداة لصب المداد في بيانات سياسية وغير سياسية تذاع، ولا لتشحيم آلات
الترويج والتسويق لبضاعة من البضائع السياسية وغير السياسية في لحظة
التجزئة العابرة من لحظات تاريخ الأمم.. إنما هي دعامة من دعائم الوعاء
الحضاري الممتد عبر العصور لكل أمة من الأمم.
أفلا نرى كيف يتحدث كل
مسؤول سياسي بلغة سياسية لا يفهمها أو لا يتفهم ما يقول بها سامعوه في قمة
ولا خارجها، وإننا لو أمعنّا النظر لرأينا من وراء ذلك كيف سبق وانفرد من
قبلُ بلغة من اللغات أو لهجة من اللهجات، فإذا بها عنده في بلدٍ سيطر فيه
وشعب تسلّط عليه، هي لغة ما يوصف بفنون وعلوم، ومعصرة ما يسوّق من أفكار
وآداب، وطاحونة ما يخبز من مناهج للتصورات المسموحة والمحظورة والإبداعات
الطائشة في كل صوب، وقد يظن من يظنّ أنه يشرّق بها أو يغرّب كما يقال، وما
حصيلتها إلا أن سيادته انفرد بفرض ما رأى فوق سيادة بلده وإرادة شعبه،
فانحصرت المناهج في حدود ما يرى، بلغة تئن تحت سياط اعوجاج فكره ولسانه،
وإعلام قابع بين جدران مخاوفه ومطامعه.
لهذا يترافق تشعّبُ السبل
بألسنة مناهجهم ومدارسهم، مع تشعّب السياسات في أحزابهم وأقطارهم، ثم ينفرط
العقد المصطنع مرة أخرى فتتشعب بهم النزاعات داخل كل قطر من الأقطار وداخل
كل حزب من الأحزاب.
خطورة أعمال فريق هدم اللغة من الطابور الخامس.
تجزئة لغوية تجزّئ الأمة
وحّدوا ألسنتكم تتوحدوا
مقاومة دون سلاح
ترددت لحظات قبيل نشر هذا الموضوع باحثا عن مناسبة زمنية يرتبط بها،
وكانت قد مرت بنا قبل فترة وجيزة مناسبة ما يسمّى "اليوم العالمي للغة
الأم"، ويمرّ بنا بين حين وحين خبر عابر كما كان عند الحديث عما سمي عام
اللغة العربية في كل من مصر والأردن، وتحدث أحد الرؤساء العرب قبل فترة في
خطبة رسمية على غير المعتاد عن ضرورة الاهتمام باللغة العربية، هذا فضلا عن
أخبار عديدة تمس موقع هذه اللغة العربية فيما "يسمّى" الجامعات العربية،
بل حتى موقعها في تنشئة أطفالنا وشبيبة بلادنا في مدارسنا "العربية" يتعرض
للزلزلة والزعزعة، ناهيك عما لا ينقطع من إسفاف أقرب إلى الإجرام بحق هذه
اللغة واهلها. كنت أبحث عن مناسبة ما لأربط بها الموضوع، فوجدت نفسي بعد
قليل من البحث غاضبا من نفسي، متسائلا كيف تسرّب إليها ما أشكو منه وأتمنى
لو عمّت الشكوى منه، أن جعلنا من هذه اللغة العربية أو الحديث عنها مسألة
مناسبات زمنية ما أو أحداث عابرة ما، وموضوعا من المواضيع كسواه، مما لا
نكاد نطرحه إلا لماما على هامش المناسبات والأحداث، أو كما لو أنها لغة
أجنبية علينا أن نتعلمها، وليست لغتنا الأم التي إن فقدناها فقدنا ركيزة
وجودنا!..
أو ليس المطلوب أمام ما نعرفه جميعا، هو أن يكون حديثنا عن
لغتنا وسعينا للذود عنها وهي تحت القصف المستمرّ، ومن خلال ذلك الذود عن
وجودنا ومستقبلنا.. أن يكون أمرا دائما لا يحتاج إلى مناسبات وقتية؟!..
أو
لسنا نساهم من حيث لا ندري أو لا نقصد في التمكين من إقصاء لغتنا عن
الإسهام في صناعة واقعنا على أسس سليمة قويمة، عندما لا تكون مكانتها ولا
يكون دورها من الثوابت الراسخة في أذهاننا وعلى أقلامنا وفي حواراتنا وفي
تصرفاتنا اليومية والمستديمة، الخاصة والعامة، وهي محور أساسي لا غنى عنه
في ذاته ولا يجوز أن نستغني عنه واقعا لا كلاما، من بين المحاور التي تقوم
عليها صناعة واقعنا؟..
تجزئة لغوية تجزّئ الأمة
اللغة العربية إكسير وجودنا، ليس لأنها "العربية" فحسب، بل هي كذلك على
كل حال لكون كل لغة قوم تمثل إكسير وجودهم، إن هي ذهبت ذهبوا، وكأني
بالشاعر القائل إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا،
كان يقرر -ربما دون قصد- أن لغة الأمة تضيع عندما تضيع قيمها أو يضعف
مفعولها في حياتها، فتتخلى فيما تتخلى عن إكسير حياتها، عن الرابط المعرفي
والانتمائي الواصل ما بين أعضاء جسدها التاريخي الواحد عبر آفاق الأزمان من
أجيال غابرة وأجيال حاضرة معاصرة وأخرى قادمة في علم الغيب، والواصل ما
بين أعضاء جسدها الواحد في عالم معاصر، ليتميز بهويته الحضارية بين أمم
أخرى متميزة بانتماءاتها الحضارية، وليوحد عناصر الأمة جميعا عبر آفاق
الأمكنة من المعمورة، فوجودهم فيها وجود مشترك على أرض لغة ينتسبون إليها،
وحيثما كانت بينهم لغة مشتركة للتفاهم والإبداع وللعلم والإنجاز، كان
لوجودهم ذاك قيمة، وكلما غيّبوا مفعولها فيما بينهم اضمحلت معه قيمتهم
كأمة، وتفرّقوا فسلّم كل فريق منهم الزمام لأمة من الأمم مع تسليم ألسنة
أطفالهم للغتها، وجامعاتها، وآدابها، وعلومها، وحتى لمصادرها في صياغة
تاريخهم وأخلاقهم وقيمهم وأذواقهم.
أو ليس هذا بعض ما آل إليه وضع من
يريدون لأهليهم أن يتأمركوا وهم خليجيون، أو يتفرنسوا وهم مغاربة، أو
يذوبوا بتمزيق الهوية الواحدة إلى هويات محلية، شامية هنا، نبطية هناك،
مصرية هنالك، ثم تمزيق "النتف" التي سترت بعض عوراتهم المحلية حينا، إلى
لبنانية ودمشقية وحلبية، أو نبطية حجازية وأخرى يمنية وثالثة كويتية وربما
سبعة لهجات أخرى في سبع إمارات، ومصرية دلتاوية وأخرى صعيدية وثالثة نوبية
في السودان؟!..
ثم يتساءل المتسائلون: ما أسباب انفراد القوى الدولية
بزعيم بعد زعيم، أو دولة بعد دولة، أو ميدان بعد ميدان، حتى صارت شؤوننا
جميعا، لا شأننا الواحد المشترك، بضائع مستباحة عند كل طامع؟..
أو لسنا
نحن الذين زهدنا ببعضنا وبتواصلنا فزهد عالمنا المعاصر بنا جميعا، ومضينا
-أو تجمّدنا- منفردين فكل حزب بما لديهم فرحون، أو مجتمعين أحيانا، إنما
على ترسيخ كل ما لا يجمعنا ولا يوحدنا؟..
ليست اللغة حروفا وكلمات
وقواعد وبلاغة، إنما هي المعاني التي تصوغها الحروف والكلمات!..
وليست
اللغة أداة لصب المداد في بيانات سياسية وغير سياسية تذاع، ولا لتشحيم آلات
الترويج والتسويق لبضاعة من البضائع السياسية وغير السياسية في لحظة
التجزئة العابرة من لحظات تاريخ الأمم.. إنما هي دعامة من دعائم الوعاء
الحضاري الممتد عبر العصور لكل أمة من الأمم.
أفلا نرى كيف يتحدث كل
مسؤول سياسي بلغة سياسية لا يفهمها أو لا يتفهم ما يقول بها سامعوه في قمة
ولا خارجها، وإننا لو أمعنّا النظر لرأينا من وراء ذلك كيف سبق وانفرد من
قبلُ بلغة من اللغات أو لهجة من اللهجات، فإذا بها عنده في بلدٍ سيطر فيه
وشعب تسلّط عليه، هي لغة ما يوصف بفنون وعلوم، ومعصرة ما يسوّق من أفكار
وآداب، وطاحونة ما يخبز من مناهج للتصورات المسموحة والمحظورة والإبداعات
الطائشة في كل صوب، وقد يظن من يظنّ أنه يشرّق بها أو يغرّب كما يقال، وما
حصيلتها إلا أن سيادته انفرد بفرض ما رأى فوق سيادة بلده وإرادة شعبه،
فانحصرت المناهج في حدود ما يرى، بلغة تئن تحت سياط اعوجاج فكره ولسانه،
وإعلام قابع بين جدران مخاوفه ومطامعه.
لهذا يترافق تشعّبُ السبل
بألسنة مناهجهم ومدارسهم، مع تشعّب السياسات في أحزابهم وأقطارهم، ثم ينفرط
العقد المصطنع مرة أخرى فتتشعب بهم النزاعات داخل كل قطر من الأقطار وداخل
كل حزب من الأحزاب.