أحـبتي الـكرام...
رواد ومحبي...
** منـتدى دوحة الأدب و الشعر**
إلى المبدعين المتميزين..
في هذا الصرح الرائع...
مبدعين...
بحضوركم...
وبحبكم...
وببوحكم...
وبأحلامكم...
وبأقلامكم....
أود أن أتشرف...وأطرح هنا بما يسمى
!!!،،،بيـت شعـر شـارد،،،!!!
بيت شعر شارد (5)..بين الدلاء.
وما طَلَبُ المَعيشَةِ بِالتّمَنّي
وَلكِنْ أَلْقِ دَلْوَكَ في الدّلاءِ
هذه أبيات تجمع بين قوة المبنى وجزالة المعنى، سرت مسرى الأمثال، واستشهد بها الخطباء والكتّاب، جيلا بعد جيل.. ولا تعرف سوى قلّة متمكّنة من ذوي الباع في الشعر العربي أصحاب هذه الأبيات رغم ذيوعها على الألسنة، فجمعها الأديب العلامة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، في كتيب بعنوان "من شوارد الشواهد"، ونسب كلا منها إلى قائله، وذكر غالبا مناسبته.. وسنقف بإذن الله وقفات قصيرة في ظلالها، ومع ما فيها من معاني الحكمة، بيتا بعد بيت، في حلقة بعد حلقة، في هذه الزاوية.
هذا بيت ننقله كالأبيات التي سبقته في هذه الزاوية، عن الكتيب القيم (من شواهد الشوارد) للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، وهو ثالث بيت ورد لأبي الأسود الدؤلي، فنقف هنيهة عند الشاعر قبل الوقوف عند البيت نفسه.
أبو الأسود الدؤلي: أورد خير الدين الزركلي في الأعلام أن أبا الأسود الدؤلي ولد قبل الهجرة بعام واحد، وعاش سبعين عاما، وكان عند من ألّفوا التراجم والسير معدودا من الفقهاء والأعيان والشعراء والفرسان، وترك من الشعر الجيد ديوانا صغيرا، فلم يكثر من الشعر مع أنه كان من جهابذة اللغة العربية، وقد اعتبره الزبيدي أوّل من أسس العربية، واستكثر عليه هذا الوصف صاحب كتاب "صبح الأعشى" فجاء فيه أنّه -أي الدؤلي- إنّما وضع الحركات والتنوين لا غير. بينما اشتهرت قصته التي تقول بإيجاز إنّه دخل على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وانزعجا ممّن يلحن بالعربية وهو يتلو القرآن الكريم، فأرشده الخليفة الراشد إلى أصول النحو، فكتب فيه الدؤلي ما كتب، وقد ورد تفصيل ذلك في " نهج البلاغة "، وفيه أنّ عليّا كرم الله وجهه أرشد الدؤلي أن يقسم كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، وأن يقسم الإعراب إلى رفع ونصب وكسر وجزم.
ويوجد من الكتّاب المحدثين من يشكّك في صحة هذه الرواية -وإن لم يورد دليلا يناقض ما قال به غالب العلماء الأقدمين عن الدؤلي- ومن هؤلاء المشككين أحمد أمين في "فجر الإسلام"، فهو يستبعد دور الخليفة الراشد، ويعتبر الرواية ناجمة عن "التعصب الشيعي"، ويشير في موضع آخر إلى بعض ما يدلّ على تشيّع الدؤلي من أبيات شعر منها قوله:
بَنو عَـمِّ النّبيّ وَأَقْرَبـوهُ
أَحَبّ الناسِ كُلّهِموا إِلَيّــا
ويلتقي كلام أحمد أمين هذا مع كلام بعض المستشرقين، مثل ركندورف، فيما أورده في (دائرة المعارف الإسلامية)، ولكنه يتناقض مع ما أثبته علماء معروفون من الأقدمين كالسيوطي، والرازي، وابن خلدون في مقدمته، وحتى ابن النديم الذي قال إنّه رأى بنفسه ما خلّف الدؤلي من قواعد النحو مكتوبا.
ويبدو أن مواقف المستشرقين وأحمد أمين وغيره من دور الدؤلي ودور الخليفة الراشد علي كرم الله وجهه، في حفظ العربية، صادر عن الرغبة في التشكيك بمراحل تطوّر كتابة القرآن الكريم نفسه، فالخوف على اللحن في قراءة آياته هو الذي دفع العلماء الأوائل إلى تسهيل كتابة الحروف العربية، وإلى وضع علم النحو، وكان منهم الدؤلي الذي أضاف إلى كتابة القرأن الكريم التنقيط والتشكيل.
أما التعصّب لعلي كرم الله وجهه، فمع أنّ الدؤلي كان واليا على البصرة في عهده، وأنه قاتل معه في صفين، إلاّ أنه بعد أن استتب الأمر لمعاوية وجاء أبو الأسود الدؤلي إليه، وجد لديه من الإكرام، ما يشير إلى بقاء مكانة العلم والعلماء فوق الخلافات السياسية آنذاك.
. . .
يذكر الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أن أبا حرب، وهو ابن أبي الأسود الدؤلي، قعد عن الكسب ظانا أن الرزق يأتيه إلى حيث قعد.. فقال له أبوه أبياتا من الشعر، منها:
وما طَلَبُ المَعيشَةِ بِالتّمَنّي
وَلكِنْ أَلْقِ دَلْوَكَ في الدّلاءِ
تَجِئْك بِمائِها يِوْماً وَيَوْماً
تَجِئْكَ بِحَمْآَةٍ وَقَليلِ ماءِ
والحث على العمل وطلب الرزق، الوارد في أكثر من موضع في القرآن الكريم، معروف في وصايا العرب وأمثالهم وحكمهم وأشعارهم، ككلمة الفاروق رضي الله عنه (قد علمتم إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة).
أو كلمة (من طلب شيئا وجده) من وصية أوصى عامر بن الظرب بها قومه قبل وفاته، وجاء فيها:
(إنّ عليك كما أنّ لك، وللكثرة الرعب، وللصبر الغلبة، ومن طلب شيئا وجده، وإن لم يجده يوشـك أن يقع قريبا منه).
ولعلّ أحمد شوقي قد اقتبس من أبي الأسود الدؤلي الشطر الأول من هذا البيت عندما قال في إحدى قصائده:
وَما نَيْلُ المَطالِبِ بِالتّمَنّي
وَلكِنْ تُؤْخَذُ الدّنْيا غِلابا
على أنّ أحمد شوقي مضى بالمعنى الذي أورده إلى ما هو أبعد شأوا وأهم شأنا من كسب رزق المعيشة اليومي، إلى طلب الغايات العظام التي يسري عليها القول (ومن طلب العلى سهر الليالي)، وفي هذا المعنى كثير من شواهد الشعر أيضا، كقول كعب بن زهير:
وَلَيْسَ لِمَنْ لَمْ يَرْكَبِ الهَوْلَ بُغْيَةٌ
وَلَيْسَ لِرَحْلٍ حَطّهُ الـلـهُ حامِلُ
وأقصى الغايات العظام التي تتطلب همّة عالية وسعيا صادقا، رضوان الله في الجنة، كما أورد صاحب كتاب "عيون الأخبار" على لسان العتّابي، إذ قيل له: فلان بعيد الهمة، فأجاب: إذن لا يكون له غاية دون الجنّة
وكان أبو الأسود الدؤلي عالي الهمّة، كما كان حاضر البديهة، وبقي كذلك حتى تقدّمت به السن، فروى المبرد في الكامل أنه وهو مسن دخل عليه عبيد الله بن زياد فقال ممازحا وهازئا: يا أبا الأسود إنك لجميل فلو تعلقت تميمة (وهي ما يصنع للوقاية من حسد الحاسد كما يقال) تردّ عنك بعض العيون، فأنشد الدؤلي يقول:
أَفْنى الشبابَ الذي أَفْنَيْتُ جَدّتَهُ
كَرّ الجَديديْنِ مِنْ آتٍ وَمُنْطَلِقِ
لَمْ يَتْرُكا لِيَ في طولِ اخْتِلافِهِما
شَيْئاً أَخافُ عَلَيْهِ لَذْعَةَ الحَدِقِ
وقوله عن الخوف من لذعة الحدق يعني من الإصابة اللاذعة بحدقة العين !..
هامش على بعض ما ورد أعلاه حول أبي الأسود الدؤلي:
أبو الأسود الدؤلي
يذكره خير الدين الزركلي في الأعلام تحت اسم (ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي الكناني)، ويشير إلى بعض الخلاف حول اسمه، فقد يكون عمرو بن ظالم كما أورد المرزباني. وأورد آخرون أنّه ظالم بن عمرو بن سليمان (وليس سفيان) بن حلس (وليس بن جندل) بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن كنانة.
على أي حال لا خلاف حول اللقب الذي عرف به (أبو الأسود) ولا حول القبيلة التي ينتسب إليها فهو من بني (الدُئِل بن بكـر بن كنانـة)، والمفروض أن يقال دُئِلِي، ولكن تحوّلت الكسرة إلى فتحة استثقالا لالتقاء الكسرتين كما جاء في (لسان العرب). وتعني كلمة (دُئِل) الدويبة الصغيرة، من تصغير دابّة، وتأتي بهذه الصيغة على وزن فُعِل بالضم فالكسر، وذكر ابن قتيبة في "أدب الكاتب" أنه لا توجد في العربية كلمة من بين الأسماء والصفات على وزن فُعِل سوى هذه الكلمة، بينما يُستخدم الوزن نفسه كما هو معروف للفعل الثلاثي الماضي المبنى للمجهول، مثل قُتل وعُرف.
كلام "أحمد أمين"
لا يُعتمد على كلام أحمد أمين في تشكيكه في دور الدؤلي أو دور علي كرم الله وجهه في تأسيس علم القواعد العربية وفي علاقة ذلك بكتابة القرآن الكريم، فتشكيكه -كتشكيك المستشرقين الذين أخذ عنهم الكثير دون أن يشير إلى ذلك غالبا- كلام مردود عليه فيما أورده العلماء الأقدمون، وكذلك بما فنّده بعض العلماء المحدثين. ولعلّ أشهر الردود الحديثة نسبيا عليه وعلى اجتهاداته المستغربة حول الأدب العربي عموما، ما كتبه الدكتور زكي مبارك من مقالات معروفة في مجلة "الرسالة"، أشهر المجلات الفكرية الثقافية القديمة في مصر وكان أحمد حسن الزيات رئيس تحريرها، فقد بيّن مبارك شدة الضعف في موقف أحمد أمين من الشعر العربي عموما، وهذا عين ما قال به أيضا ابنه حسين أحمد أمين، منتقدا أباه ومؤيدا رأي الدكتور مبارك فيه، كما ورد بقلمه في مقدمة كتاب (أعلام الأدب المعاصر في مصر).
على أن الاستشهاد بحسين أحمد أمين في هذا الموضع لا يعني شهادة له أو عليه، فحسين الابن في كتاباته من بعد، لم يفارق طريق أبيه في أسلوب التشكيك، ويظهر ذلك فيما ألّف عن السنة وانطوى على تحامل كبير، ونشره في مقالات في جريدة " الحياة " اللندنية اختتمها في الشهر الأخير من عام 1999 م، وكان ممّن ردّ عليه ردّا حاسما الأستاذ عبد الله الشريف يوم 25/1/2000 م في جريدة الحياة أيضا.
نبيل شبيب
مداد القلم
رواد ومحبي...
** منـتدى دوحة الأدب و الشعر**
إلى المبدعين المتميزين..
في هذا الصرح الرائع...
مبدعين...
بحضوركم...
وبحبكم...
وببوحكم...
وبأحلامكم...
وبأقلامكم....
أود أن أتشرف...وأطرح هنا بما يسمى
!!!،،،بيـت شعـر شـارد،،،!!!
بيت شعر شارد (5)..بين الدلاء.
وما طَلَبُ المَعيشَةِ بِالتّمَنّي
وَلكِنْ أَلْقِ دَلْوَكَ في الدّلاءِ
هذه أبيات تجمع بين قوة المبنى وجزالة المعنى، سرت مسرى الأمثال، واستشهد بها الخطباء والكتّاب، جيلا بعد جيل.. ولا تعرف سوى قلّة متمكّنة من ذوي الباع في الشعر العربي أصحاب هذه الأبيات رغم ذيوعها على الألسنة، فجمعها الأديب العلامة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، في كتيب بعنوان "من شوارد الشواهد"، ونسب كلا منها إلى قائله، وذكر غالبا مناسبته.. وسنقف بإذن الله وقفات قصيرة في ظلالها، ومع ما فيها من معاني الحكمة، بيتا بعد بيت، في حلقة بعد حلقة، في هذه الزاوية.
هذا بيت ننقله كالأبيات التي سبقته في هذه الزاوية، عن الكتيب القيم (من شواهد الشوارد) للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، وهو ثالث بيت ورد لأبي الأسود الدؤلي، فنقف هنيهة عند الشاعر قبل الوقوف عند البيت نفسه.
أبو الأسود الدؤلي: أورد خير الدين الزركلي في الأعلام أن أبا الأسود الدؤلي ولد قبل الهجرة بعام واحد، وعاش سبعين عاما، وكان عند من ألّفوا التراجم والسير معدودا من الفقهاء والأعيان والشعراء والفرسان، وترك من الشعر الجيد ديوانا صغيرا، فلم يكثر من الشعر مع أنه كان من جهابذة اللغة العربية، وقد اعتبره الزبيدي أوّل من أسس العربية، واستكثر عليه هذا الوصف صاحب كتاب "صبح الأعشى" فجاء فيه أنّه -أي الدؤلي- إنّما وضع الحركات والتنوين لا غير. بينما اشتهرت قصته التي تقول بإيجاز إنّه دخل على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وانزعجا ممّن يلحن بالعربية وهو يتلو القرآن الكريم، فأرشده الخليفة الراشد إلى أصول النحو، فكتب فيه الدؤلي ما كتب، وقد ورد تفصيل ذلك في " نهج البلاغة "، وفيه أنّ عليّا كرم الله وجهه أرشد الدؤلي أن يقسم كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، وأن يقسم الإعراب إلى رفع ونصب وكسر وجزم.
ويوجد من الكتّاب المحدثين من يشكّك في صحة هذه الرواية -وإن لم يورد دليلا يناقض ما قال به غالب العلماء الأقدمين عن الدؤلي- ومن هؤلاء المشككين أحمد أمين في "فجر الإسلام"، فهو يستبعد دور الخليفة الراشد، ويعتبر الرواية ناجمة عن "التعصب الشيعي"، ويشير في موضع آخر إلى بعض ما يدلّ على تشيّع الدؤلي من أبيات شعر منها قوله:
بَنو عَـمِّ النّبيّ وَأَقْرَبـوهُ
أَحَبّ الناسِ كُلّهِموا إِلَيّــا
ويلتقي كلام أحمد أمين هذا مع كلام بعض المستشرقين، مثل ركندورف، فيما أورده في (دائرة المعارف الإسلامية)، ولكنه يتناقض مع ما أثبته علماء معروفون من الأقدمين كالسيوطي، والرازي، وابن خلدون في مقدمته، وحتى ابن النديم الذي قال إنّه رأى بنفسه ما خلّف الدؤلي من قواعد النحو مكتوبا.
ويبدو أن مواقف المستشرقين وأحمد أمين وغيره من دور الدؤلي ودور الخليفة الراشد علي كرم الله وجهه، في حفظ العربية، صادر عن الرغبة في التشكيك بمراحل تطوّر كتابة القرآن الكريم نفسه، فالخوف على اللحن في قراءة آياته هو الذي دفع العلماء الأوائل إلى تسهيل كتابة الحروف العربية، وإلى وضع علم النحو، وكان منهم الدؤلي الذي أضاف إلى كتابة القرأن الكريم التنقيط والتشكيل.
أما التعصّب لعلي كرم الله وجهه، فمع أنّ الدؤلي كان واليا على البصرة في عهده، وأنه قاتل معه في صفين، إلاّ أنه بعد أن استتب الأمر لمعاوية وجاء أبو الأسود الدؤلي إليه، وجد لديه من الإكرام، ما يشير إلى بقاء مكانة العلم والعلماء فوق الخلافات السياسية آنذاك.
. . .
يذكر الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أن أبا حرب، وهو ابن أبي الأسود الدؤلي، قعد عن الكسب ظانا أن الرزق يأتيه إلى حيث قعد.. فقال له أبوه أبياتا من الشعر، منها:
وما طَلَبُ المَعيشَةِ بِالتّمَنّي
وَلكِنْ أَلْقِ دَلْوَكَ في الدّلاءِ
تَجِئْك بِمائِها يِوْماً وَيَوْماً
تَجِئْكَ بِحَمْآَةٍ وَقَليلِ ماءِ
والحث على العمل وطلب الرزق، الوارد في أكثر من موضع في القرآن الكريم، معروف في وصايا العرب وأمثالهم وحكمهم وأشعارهم، ككلمة الفاروق رضي الله عنه (قد علمتم إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة).
أو كلمة (من طلب شيئا وجده) من وصية أوصى عامر بن الظرب بها قومه قبل وفاته، وجاء فيها:
(إنّ عليك كما أنّ لك، وللكثرة الرعب، وللصبر الغلبة، ومن طلب شيئا وجده، وإن لم يجده يوشـك أن يقع قريبا منه).
ولعلّ أحمد شوقي قد اقتبس من أبي الأسود الدؤلي الشطر الأول من هذا البيت عندما قال في إحدى قصائده:
وَما نَيْلُ المَطالِبِ بِالتّمَنّي
وَلكِنْ تُؤْخَذُ الدّنْيا غِلابا
على أنّ أحمد شوقي مضى بالمعنى الذي أورده إلى ما هو أبعد شأوا وأهم شأنا من كسب رزق المعيشة اليومي، إلى طلب الغايات العظام التي يسري عليها القول (ومن طلب العلى سهر الليالي)، وفي هذا المعنى كثير من شواهد الشعر أيضا، كقول كعب بن زهير:
وَلَيْسَ لِمَنْ لَمْ يَرْكَبِ الهَوْلَ بُغْيَةٌ
وَلَيْسَ لِرَحْلٍ حَطّهُ الـلـهُ حامِلُ
وأقصى الغايات العظام التي تتطلب همّة عالية وسعيا صادقا، رضوان الله في الجنة، كما أورد صاحب كتاب "عيون الأخبار" على لسان العتّابي، إذ قيل له: فلان بعيد الهمة، فأجاب: إذن لا يكون له غاية دون الجنّة
وكان أبو الأسود الدؤلي عالي الهمّة، كما كان حاضر البديهة، وبقي كذلك حتى تقدّمت به السن، فروى المبرد في الكامل أنه وهو مسن دخل عليه عبيد الله بن زياد فقال ممازحا وهازئا: يا أبا الأسود إنك لجميل فلو تعلقت تميمة (وهي ما يصنع للوقاية من حسد الحاسد كما يقال) تردّ عنك بعض العيون، فأنشد الدؤلي يقول:
أَفْنى الشبابَ الذي أَفْنَيْتُ جَدّتَهُ
كَرّ الجَديديْنِ مِنْ آتٍ وَمُنْطَلِقِ
لَمْ يَتْرُكا لِيَ في طولِ اخْتِلافِهِما
شَيْئاً أَخافُ عَلَيْهِ لَذْعَةَ الحَدِقِ
وقوله عن الخوف من لذعة الحدق يعني من الإصابة اللاذعة بحدقة العين !..
هامش على بعض ما ورد أعلاه حول أبي الأسود الدؤلي:
أبو الأسود الدؤلي
يذكره خير الدين الزركلي في الأعلام تحت اسم (ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي الكناني)، ويشير إلى بعض الخلاف حول اسمه، فقد يكون عمرو بن ظالم كما أورد المرزباني. وأورد آخرون أنّه ظالم بن عمرو بن سليمان (وليس سفيان) بن حلس (وليس بن جندل) بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن كنانة.
على أي حال لا خلاف حول اللقب الذي عرف به (أبو الأسود) ولا حول القبيلة التي ينتسب إليها فهو من بني (الدُئِل بن بكـر بن كنانـة)، والمفروض أن يقال دُئِلِي، ولكن تحوّلت الكسرة إلى فتحة استثقالا لالتقاء الكسرتين كما جاء في (لسان العرب). وتعني كلمة (دُئِل) الدويبة الصغيرة، من تصغير دابّة، وتأتي بهذه الصيغة على وزن فُعِل بالضم فالكسر، وذكر ابن قتيبة في "أدب الكاتب" أنه لا توجد في العربية كلمة من بين الأسماء والصفات على وزن فُعِل سوى هذه الكلمة، بينما يُستخدم الوزن نفسه كما هو معروف للفعل الثلاثي الماضي المبنى للمجهول، مثل قُتل وعُرف.
كلام "أحمد أمين"
لا يُعتمد على كلام أحمد أمين في تشكيكه في دور الدؤلي أو دور علي كرم الله وجهه في تأسيس علم القواعد العربية وفي علاقة ذلك بكتابة القرآن الكريم، فتشكيكه -كتشكيك المستشرقين الذين أخذ عنهم الكثير دون أن يشير إلى ذلك غالبا- كلام مردود عليه فيما أورده العلماء الأقدمون، وكذلك بما فنّده بعض العلماء المحدثين. ولعلّ أشهر الردود الحديثة نسبيا عليه وعلى اجتهاداته المستغربة حول الأدب العربي عموما، ما كتبه الدكتور زكي مبارك من مقالات معروفة في مجلة "الرسالة"، أشهر المجلات الفكرية الثقافية القديمة في مصر وكان أحمد حسن الزيات رئيس تحريرها، فقد بيّن مبارك شدة الضعف في موقف أحمد أمين من الشعر العربي عموما، وهذا عين ما قال به أيضا ابنه حسين أحمد أمين، منتقدا أباه ومؤيدا رأي الدكتور مبارك فيه، كما ورد بقلمه في مقدمة كتاب (أعلام الأدب المعاصر في مصر).
على أن الاستشهاد بحسين أحمد أمين في هذا الموضع لا يعني شهادة له أو عليه، فحسين الابن في كتاباته من بعد، لم يفارق طريق أبيه في أسلوب التشكيك، ويظهر ذلك فيما ألّف عن السنة وانطوى على تحامل كبير، ونشره في مقالات في جريدة " الحياة " اللندنية اختتمها في الشهر الأخير من عام 1999 م، وكان ممّن ردّ عليه ردّا حاسما الأستاذ عبد الله الشريف يوم 25/1/2000 م في جريدة الحياة أيضا.
نبيل شبيب
مداد القلم