جـوهـرة الـونشريس

جوهرة الونشريس،،حيث يلتقي الحلم بالواقع،،
هنـا ستكـون سمـائي..سأتوسد الغيم..و أتلذذ بارتعاشاتي تحت المطــر..و أراقب العـالم بصخبه و سكونه و حزنه و سعـادته..
هنـا سأسكب مشاعري بجنون..هذيانا..و صورا..و حتى نغمــات..


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

جـوهـرة الـونشريس

جوهرة الونشريس،،حيث يلتقي الحلم بالواقع،،
هنـا ستكـون سمـائي..سأتوسد الغيم..و أتلذذ بارتعاشاتي تحت المطــر..و أراقب العـالم بصخبه و سكونه و حزنه و سعـادته..
هنـا سأسكب مشاعري بجنون..هذيانا..و صورا..و حتى نغمــات..

جـوهـرة الـونشريس

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
جـوهـرة الـونشريس

حـيث يلتـقي الـحلم بالـواقع


    الإستعلائية و العدوانية تجاه الآخر في الخطاب الثقافي الأمريكي.

    In The Zone
    In The Zone
    Admin
    Admin


    الإستعلائية  و  العدوانية تجاه الآخر في الخطاب الثقافي الأمريكي. 7e99cbc882b2aa88afb53997d7f58ce04g
    عدد المساهمات : 4732
    تاريخ التسجيل : 21/11/2010
    الموقع : الأردن

    هام الإستعلائية و العدوانية تجاه الآخر في الخطاب الثقافي الأمريكي.

    مُساهمة من طرف In The Zone الثلاثاء يناير 15, 2013 12:01 am

    الإستعلائية و العدوانية تجاه الآخر في الخطاب الثقافي الأمريكي.
    وليد خالد أحمد حسن.

    .........
    بداية،يطرح الموضوع علينا أكثر من سؤال يتصل بالخطاب الثقافي الغربي و الخطاب الثقافي الأمريكي بوجه خاص،بما لهما من جذور.
    فهل أن هذا الخطاب خطاب ثقافي بالمعنى الذي نفهم فيه الثقافة و نقدر دورها الإنساني في الارتقاء بالبشرية؟
    و ما التوجهات التي يتبناها هذا الخطاب؟
    هل هي توجهات ثقافية خالصة؟ أم أنه يتخذ من الثقافة وسيلة لغاية بشعة إنسانياً،هي استعمار عقل الآخر غير الغربي،و تنميط فاعليته و حصرها بما يخدم المشروع الغربي،ليس غير؟

    ثم،من أين تنبع نزعة الروح العدوانية في الخطاب الثقافي الأمريكي،تحديداً هذا الخطاب الساعي إلى وضع الإنسانية جمعاء في خدمة المشروع الرأسمالي للولايات المتحدة الأمريكية؟
    و في السياق ذاته،ماذا يشكل العرب،و أين هم في هذا الخطاب،تاريخاً و ثقافة و حضارة إنسانية الطابع،إنسانية المعطيات؟

    نظر العديد من الباحثين و المفكرين،عرباً و غير عرب،إلى الغرب في موقفه من غير الغربي،فوجوده يتحرك من خلال علاقة طرفية تقوم على الأخذ لا العطاء،و السلب و الاستلاب لا التفاعل و الحوار. كما وجدوا الخطاب الثقافي الغربي خطاباً محكوماً بالتوجه ذاته،المبني و القائم على نظرة استعلائية و الممثل لنزعة استعمارية مطلقة الأهداف و الغايات و الحدود.
    ............
    خطاب ينطلق من ثلاثة عناصر.
    فهو خطاب ينطلق من ثلاثة عناصر تشكل مكوناته الأساسية:
    - يتشكل العنصر الأول في معطيات هذا الخطاب في ماله من روح عدوانية،من نزعة عنصرية واضحة، أساسها التمركز على الذات التي تدفع بها و تغذيها نزعة متأصلة في النفس و الخطاب الغربيين، إلى الهيمنة على الآخر غير الغربي و تطويع وعيه،و انتزاع إرادته،و تهميشه ثقافياً و حضارياً،في محاولة لدفعه إلى خارج التأريخ.
    - و يتشكل العنصر الثاني من دوافع المركزية الغربية التي يغذيها الشعور بأن الثقافة الغربية ثقافة غالبة،و لذلك لابد أن تكون ثقافة متغلبة،تعتمد على إضعاف الثقافات القومية في البلاد المستعمرة و تهميشها و طرح نفسها بديلاً تاريخياً عن كل ما كان في الأصل.
    - و يقوم العنصر الثالث على ما يحمله هذا الأخر / الغربي من وهم اخذ صيغة اليقين التاريخي عنده،و يتمثل في إيمان الغرب بالهوية المطلقة لذاته الاستعلائية،وريثة التاريخ الاستعماري.
    فالصورة بابعادها الواقعة هذه،صورة عدو و ليست خصم.و العدو محدد هنا،انه يتحرك بثوابت عدوانية مستمرة نشأت معه وجوداً و نمت تاريخاً و تواصلت في تشكيل خطابه الجديد الذي ينهض من خلال تجربتين:
    - هناك التجربة الفكرية لهذا الآخر / الغربي بكل ما رسم فيها لنفسه من صور التوجه،و أكثرها بشاعة صورته مستعمراً.
    - التجربة العلمية،بفعلها التدميري،الذي يستهدف الإنسانية و الواقع معاً،وجوداً،و ثقافة، و حضارة،تحركه في نزوعه العدواني هذا،مصالحه المادية التي لها ما يغنيها تاريخياً.
    ...........
    لنأخذ عدوانية الفكر الأمريكي،مفهوماً و طرح،مثلاً على ذلك:
    العدو،بحسب مفاهيم علم الاجتماع هو حالة خاصة من الآخر،و هو يطرح مفهوم الصراع كما يقدم أسبابه.
    و هو لا يقوم فقط على الاختلاف الجذري مع عدوه،و إنما يتضمن مفهوم الإنهاء أو الإبادة له. فالعدو،كما يخلص علماء إلى توصيفه يمثل الموت.
    و أمريكا كل تاريخها،تتوجه في حروبها توجهاً يستقي من النزعة الدينية بعض مصطلحاتها مع انحراف واضح في توظيفها،فهي تصور أعداءها بصورة أشرار،و الشرير هو النقيض الفعلي للخير..لذلك،و بحسب هذا المنطق يجب استئصال العدو من على وجه الأرض حتى يكون آلهنا آمناً.
    فأدبياته تقول: نحن رواد العالم و طلائعه،اختارنا الرب..الإنسانية تنظر من جنسنا الكثير.. بات لزاماً على أكثر الأمم أن تحتل المؤخرة..نحن الطليعة تنطلق إلى البرية لنقدم ما لم يقدمه الأوائل..الدول الصغيرة شيء من تراث الماضي عفى عليه الزمن و لا مستقبل لها..أمركة العالم هي مصير أمتنا و قدرها..الحق يملكه الشعب القادر على قهر الشعوب الأخرى.
    ............
    نشوء الولايات المتحدة.
    و تأسيساً على ما تقدم..انه إذا كان لابد من إيجاد تفسير للسلوك الأمريكي العدواني على الحضارات و الثقافات التاريخية و التوجه إلى إعدام إنسانها،فلابد من تقريب صورة الغرب واقعاً و تاريخاً،و ثقافة.
    فنشوء الولايات المتحدة و قيامها يمثل تجربة فريدة فذة تتعلق بنشأة أمة جديدة،و صياغة ثقافة وليدة..فهذه التجربة تكشف عن التفاعل الاجتماعي بين عناصر عديدة تضافرت و انصهرت داخل بوتقة النشاط الإنساني و الاجتماعي في سبيل صياغة الأمة و ثقافتها.
    إلا أنها تكويناً يجمع أخلاطاً من البشر من مشارب شتى حفزتهم دوافع متباينة لا تجمعهم رابطة التناقض أو التنافس..أو قل وحدة المتناقضات أن جاز التعبير،و هو واقع،إذ الكل تدفعه المصلحة إلى المغامرة و ركوب المخاطر و تحدي المجهول،و ارض الميعاد واسعة شاسعة لم تضق بعد بأطماع الوافدين،و أن اغتالت هدوء أهل البلاد الأصليين و أذلتهم بضعفهم.
    الكل يريد أن يفوز بالغنم الأكبر دون سواه أو قبله،أو على جثته أن ضاقت به السبل،تراكمات بشرية عديدة متوالية صنعت مجتمعاً بغير تاريخ.
    تضاف إلى هذه الصورة تفاصيل أخرى لها ذات أهمية في سياق هذه النظرة.فكل إنسان وافد وطئت أقدامه العالم الجديد أو عالم المجهول،إنسان فرد،و عالم بذاته مستقل حر،حسب ما تترأى له الحرية و حسب ما تصادفه من عوائق تسد السبل،تصارعه فيصرعها أو تصرعه.
    تجمع بشري لا يعرف غير اثنتين :- الإرادة و الغاية.
    اما الإرادة فلأنه بدونها يفقد مبرر وجوده و سلوكه.و أما الغاية فهي المحرك الذي يرى من خلال الوجود،و هي غذاؤه،و إذا كانت الإرادة هي مبرر الوجود،فإن الغاية هي عين الوجود،تكسبه معناه،و تضفي عليه قيمته،و تحقق الغاية هو تحقق للوجود الذاتي.و هكذا تغدو الذات مصلحة أو مشروعاً قابلاً للتحقيق بفعل الإرادة،و بدونه ينتفي الوجود.
    ...........
    بقية العالم.
    و لابد هنا من السؤال عن الكيفية التي تفكر فيها أمريكا لنفسها من جانب،و لما تدعوه في أدبياتها - بقية العالم - من جانب آخر.
    و الجواب يعود بنا بصورة حتمية إلى محاولة تبين نمط العلاقات التي أقامتها أو تعمل على إقامتها مع - بقية العالم -،و استقطاباتها في ضوء الوعي المؤسسي الرأسمالي التي تعبر عنه بنسق من القيم و الأفكار و الرموز،بعد أن تجعل لها إطارها الثقافي القمعي،بمعنى من المعاني المعبر عن خصوصيتها، و الدافع لحركتها،و الموجه لحركيتها في الاتجاه الذي تعمل على تكريس حضورها من خلاله.
    فإذا كانت أمريكا في مرحلة نضجها السياسي و التقني ستعبر عن نفسها أولاً من خلال قادتها السياسيين و الثقافيين بما يصب في تعيين انفرادها بالعالم،فإن تطور هذه المرحلة لن يكتفي بتقرير اعتراف الآخرين بذلك،و إقراره كحقيقه واقعة،و إنما ستبرز معه مصالحها،هذه المصالح التي تحظى بالأولوية في تفكيرها و في رسم توجهاتها،و ستجعل من التحديات التي تواجه بها و من خلالها بقية العالم مشروعها و أساس رؤيتها لمصيرها.
    فإذا كانت هذه الرؤية تتحدد أساساً و جوهراً بمصالحها،فإن هذه المصالح متغيرة و ليست ثابتة على محددات.
    و لذا فان سياسة أمريكا تجاه العالم سياسة نهج عملي برغماتي يمثل بالنسبة لها الواقع المثمر المحقق للمصلحة.
    فالحقيقة الثابتة في التاريخ الأمريكي هي،إذا اقتضت السياسة الخارجية لها تعديلاً في المبدأ السياسي الداخلي،فإن هذا التعديل سرعان ما يتحقق،فالسياسة هنا،شأنها شأن التجارة،سواء بسواء.
    ..........
    الثقافة الأمريكية.
    اما في الثقافة،فإن الثقافة الأمريكية تعبر عن هذا التوجه،فتمثل قيمه بما يمكن أن نجد فيه من فلسفة متسقة مع التوجهات المؤسسية،فإذا كان توماس جيفرسون قد ذهب إلى أن ما هو عملي يجب أن تكون له الغلبة و السيطرة على النظرية الخاصة.
    فان مثقفين آخرين،و مفكرين،و فلاسفة و رجال سياسة أمريكان،قد حددوا رؤيتهم للمستقبل و عبروا عن مسارات فكرهم و تفكيرهم بما لا يخرج عن مثل هذه النظرة ذات الأصول البراغماتية.
    إن نظرة أمريكا إلى الحياة تتحرك اليوم بنزعات القوة المهيمنة و إطماعها،و لذلك فهي تطالب العالم بالطاعة غير المشروطة لها،و إلا فان العقاب الرادع بانتظار من لا يمتثل.
    مما يجعل فكرة المسؤولية الأخلاقية تنتفي من سلوكها كما تنتفي فكرة الإرادة المستقلة التي يطالب بها الآخر لنفسه.
    فأمريكا على لسان قادتها و عند غير مفكر من مفكريها المعبرين عن فلسفتها السياسية و الاجتماعية،غير معنية عناية فعلية بمسالة الحرية الديمقراطية و المجتمع المدني،و عنايتها الأكبر تتوجه إلى نوع العالم الذي تريد إن تقيمه.
    و هي في هذا إنما تعمل في هدي ذلك الشرط التربوي الذي يفتح المجال للآخر في أن يعمل ما يراد منه عمله،فلا يتخذ خطوة غير متوقعة و لا يقول إلا ما يكون الآخر - أمريكا - على علم بما سيقول. و إما الحرية،فهي بحسب غير مفكر من مفكريها حرية فردية،بمعنى،حرية المشروع الخاص،و حرية السوق، على حد تعبير ملتون فريدن مؤلف كتاب الرأسمالية و الحرية.
    فالحرية بالمفهوم الأمريكي لم تعد مشكلة فكر و أخلاق و سياسة و قانون و علاقات اجتماعية و أهداف مجتمعية،أي،أنها لم تعد الإنسان بكل جوانبه دون تجزئة أو اجتزاء،و انه بدون الحرية لا مسؤولية..إن الحرية بالمفهوم الأمريكي البرغماتي لها،وهم ميتافيزيقي،فهي معنى مقصور على مفهوم اقتصادي ضيق،و قد أسقطت عنه إبعاده الأخلاقية و الإنسانية.
    إن ما يراه فريدريك سكينر و يذهب إليه من مبدأ يعتمد هندسة الثقافة و تغير العقول و غلق الاعتقادات،هو ذاته ما تعتمده العولمة منهجاً و نهجاً.
    فإذا كانت أمريكا تعمل اليوم من خلال العولمة عملاً مزدوجاً يعتمد صناعة الثقافة المطلوب رواجها و انتشارها و تأثيرها من جانب و تشويه الثقافات الأخرى في عقول أبنائها من جانب آخر،فان ذلك هو ما يحدد لها الأسلوب الذي تعتمده في الهيمنة على العقول،معتمدة في ذلك على مجال المعلومات و مجال الإعلام و الدعاية،و التحكم في العقول،و غرس عادات سلوكية و قيمية.
    هذه الثقافة التي صاغت العقل الأمريكي و حددت توجهاته،ثقافة عدوانية النشأة و التكوين و التوجه.
    فإذا كان نزوعها هو النزوع الرأسمالي ذاته بنزعته المتوحشة،فان روابط الفكر المتولد عنه ثقافياً و أيديولوجياً جعلت من الصراع الذي خاضته و تخوضه مع الفكر الآخر و كل فكر نقيض هو من دعائم الوجود و الاعتقاد،و إحلال فكرآخر محله باعتقاد مغاير،و لعل أوضح مثل على هذا التوجه / الاتجاه الثقافي و الفكري و الرأسمالي في تحديد الأطروحات الإيديولوجية الأمريكية،ما يتمثل في اتجاهين/ توجهين فكريين و ثقافيين واضحين:
    - الاتجاه الذي يتبنى أطروحة النهايات: نهاية الإيديولوجية،و نهاية التاريخ،و نهاية المثقف. و المعني هنا بطبيعة الحال،المثقف العضوي الذي يكون له دور في الحياة و المجتمع.
    - و الاتجاه العولمي،و قد وجد غير مفكر،عربي و غربي،تسمية أخرى للعولمة،في واقعها المطروح فيه راهناً،هو - أمركة العالم - بالمعنى الرأسمالي الذي يهدف إلى إجراء التحويلات في كل مجال من مجالات الحياة،من الفكر إلى الاقتصاد،و من السياسة إلى الثقافة.
    ..........
    عقل غريزي.
    و لعلنا لا نجافي الحقيقة في شيء إذا ما قلنا إن العقل الأمريكي عقل غريزي تحركه الغريزة نحو ما يرسم من غايات أو يحدد من مطالب و يسعى إليه من أهداف.
    إن رائد الفكر الفلسفي الأمريكي البراغماتي شارلس بيرس يمتدح هذه الغريزة في الفرد الأمريكي، بل و يجد أن اعتقادات الأمريكيين الغريزية أجلّ و أكثر يقيناً من نتائج العلم.
    فالانسان بحسب رؤيته - مدفوع بالغريزة التي هي عماد حياته - و لذلك،ليس غريباً ان يوظف الفرد الأمريكي نتائج العلم لخدمة هذه الغريزة.
    و إذا كانت فاشية الفكر الأمريكي تتمثل تعبيراً في ما قاله اوليفر وندل هولمز الذي ذهب إلى أن الحق يمتلكه الشعب القادر على قهر الشعوب الأخرى،و ان الفكرة المحركة قائمة على أساس مصلحتي أولاً،و لا اعتبار لمصالح الآخرين بإزاء مصلحتي أنا،ذلك لأن كل شيء في الفلسفة البراغماتية،رهن بالمنفعة الذاتية،و القول بان الحرية الفردية قيمة اجتماعية لها رصيدها في الواقع الاجتماعي و لها مدلولها التاريخي و محتواها الذي يشكل دعامة في بناء الحاضر إنما هو في نظر مفكر براغماتي مثل وليم جيمس و من سار على دربه،نوع من اللغو يخاطب وجداناً سقيماً قد يجدي مع الضعفاء،أو هو قول أشبه بالوعظ الديني لإلهاء العامة،ذلك إن الأحكام القيمة عنده لا علاقة لها بالمطابقة مع الواقع،بمعنى أنها مقطوعة الصلة بأية صفات قيمية موضوعية.
    .........
    العولمة هي الصورة الجديدة للفكر الأمريكي البراغماتي.
    و إذا كانت العولمة هي الصورة الجديدة للفكر الأمريكي البراغماتي بنزعته المحمومة إلى الهيمنة على الأخر،فان هذه الصورة الجديدة إنما تستهدف أول ما تستهدف إنسانية الإنسان فتسحقها من خلال محاولاتها بناء مجتمعات التماثل و السعي إلى تنميط الشخصية الإنسانية و وضعها موضع الامتثال للأقوى و الاستسلام لقوته التي يتحدد استخدامه لها في ضوء مصالحه و ما تستدعي هذه المصالح من توجهات.
    إن الرأسمالية الأمريكية تنظر إلى نفسها اليوم قوة غالبة تصوغ رؤيتها المتغلبة بنفسها،و تقدم تأويلها للحياة،و تفرض إرادتها في صناعة المستقبل على النحو الذي يستجيب لمصالحها جاعلة من حياتها و من أنماط التطور التي اتخذتها لهذه الحياة أطاراً عاماً يجمع مالها من الخصائص إلى مالها من الرؤية،و الطموحات و الأطماع أيضاً،فهي تعمل اليوم من خلال العولمة على تكريس جهودها لوضع المجتمع الإنساني العام في إطار واحد و جعله في نسق واحد،بكل ما يضم و يشمل من مجالات الحياة و المعرفة و الثقافة أو الفكر و الإجتماع.
    إن الثقافة الرأسمالية تتفاعل تفاعلاً مطرداً مع الفكر الرأسمالي بما له من منطق سائد،في اتساق معه و تجاوب.
    و حين تكون القوة الرأسمالية هي القوة المفكرة فإنها تعمل على إحلال نظامها في الفكر و الثقافة لتحتل ميادين المعرفة في الواقع،و تبدأ عملها في إعادة تشكيل وعي الإنسان.
    إن الولايات المتحدة لأمريكية،لا بوصفها القوة الواقعية الممثلة لهذا الفكر تعمل من خلال المزاوجة بين التسلط على العالم بقوة رأس المال،و التسلط عليه بقوة المعرفة التي تصنع صياغتها بنفسها،ذلك،أن عملية الهيمنة كما تريدها ممتدة و شاملة،من الاقتصاد إلى السياسة إلى الثقافة، و هي في هذا لا تبني موقفها مع الأخر على أرضية الحوار بل تتخذ من الفكر بحسب المعطيات التي ينتجها الفكر،وسيلة للتحكم باعتماد سياسة التفريغ،و أسلوب المحو و الإحلال.
    .........
    هندسة الثقافة.
    هندسة الثقافة،و كل ما يصدر عنها لإعادة تشكيل وعي العالم،فالنظرة البراغماتية ترى أن التصميم المقصود للثقافة و ما ينطوي عليه من سيطرة على السلوك البشري أمران ضروريان،فهو قدر اكبر و ليس قدراً اقل من السيطرة المقصودة.
    و هذا في حد ذاته مشكلة مهمة في هندسة الثقافة،هذه الهندسة التي تعتمد التغيير،و اهم ما تغيره هو الطريقة التي ينظر بها الشخص إلى شيء ما،و كذلك تغيير ما يراه حين ينظر،و ذلك بتغيير الأحداث الطارئة،أي المنبهات التي يتلقاها الإنسان.
    و في هذا ترى البراغماتية،نزعة فلسفية،انه يمكن للمرء أن يغير اعتقاده إذا وجد في سلوك ما مغنماً يستهويه،و مظهراً يرضيه،أو متعة يطرب لها،حتى لو وصل الأمر حد الإفساد الأخلاقي.
    و تذهب في هذا،إلى أن خير الأمور أن يجري تغيير العقول خفية حتى لا نستثير الشخص المعني فيسعى إلى الانتقام..و هي في هذا،إنما تنطلق من نظرتها إلى الإنسان الذي هو بحسب فريدريك سكينر ضعيف و يمكن إخضاعه للسيطرة فيكون ضحية.
    و السؤال الأهم هنا هو: أية نظرة انبثقت عن هذا كله إلى الآخر غير الأمريكي؟
    هل بمقدور أمريكا أن تتخلى حاضراً و مستقبلاً عن روحها الاستعلائية / العدوانية المتأصلة فيها، واقعاً و حركة حياة و وجود،و طاقات فكرية تسعى إلى أن تجعلها مسخرة لهذا الهدف الذي ليس له من هدف يعلو عليه: الهيمنة المطلقة؟

    و هل بإمكان أمريكا أن تصنع نوعاً من القطيعة مع استعلائيتها / عدوانيتها،نزعة و واقعاً،و هي التي جعلت منها وجوداً طغيانياً مجرداً من كل إنسانية؟
    بل هل نظر الفكر الأمريكي يوماً إلى أي فكر آخر مما يقع خارج مركزيته الأمريكية هذه،نظرة احترام لما يحمل من اطروحات أو اعتراف بشيء مما لهذا الفكر من مقومات موضوعية؟
    بل هل استطاع و هو يقرأ مرغماً ثقافات الشعوب الأخرى أن يقرأها بمعزل عن واحدية التفكير و التفوق و التقييم،و لا نقول:- بنظرة منفتحة على ما لغيره من امتياز أو تفوق،في هذا المجال أو ذاك؟
    ثم،هل استطاعت أمريكا أن تفكر و ان تتحرك و تتصرف في أي مستوى كان خارج عنصريتها بعيداً عن نظامها المغلق،هل استطاعت الانفتاح و الاستيعاب،و تنويع النظر في ما يحيطها في العالم من مجالات؟ و هل تمكنت تكنولوجياتها التي كسرت حدود كل التوقعات في ما أحرزت من تقدم تقني..أن تكسر شوكة تصلبها في استمرار انغلاقها على نفسها أو تجعلها تنفلت من عقال تعصبها؟

    أي أن تنزل بعقلها و ما تفكر فيه من مستوى عبادة الذات المطلقة إلى تلك الآفاق المفتوحة إنسانياً والمتعينة وجوداً وحضوراً في ما تدعوه هذه الـ - أمريكا - بمزيد الغطرسة - بقية العالم -؟
    و لكن،هل في مقدور أمريكا أن تكون إلا كذلك؟
    هل في مقدورها التخلي ذاتياً عن روحها الاستعلائية / العدوانية - فلسفتها الوحيدة - وصولاً إلى ما هو إنساني شامل؟

    هل في مستطاعها ذاتياً أن تؤلف قاعدة إنسانية أوسع من أمريكيتها المغلقة على نفسها مؤتزاً بعلاقات ديمقراطية فعلية تفارق بها تلك البنية التقنية البيروقراطية المندفعة بروح الهيمنة على الآخر - غير الأمريكي - و السيطرة على مقدراته؟
    و هل يمكن لأمريكا أن تتخلى عن فكرتها في أن جميع الحواجز التي قد تقف في وجه ما تريد أو تفكر به لنفسها،يمكن أن تزال و تسقط بزوال استقلال الآخر غير الأمريكي و إسقاط أرادته؟
    بل هي في مستطاع أمريكا أن تكتب تاريخها خارج هذا كله،أي خارج إطار استعلائيتها / عدوانيتها،ثقافة يريد لها الهيمنة،و حضوراً لا يقوم على النحو الذي يريد إلا بإجتياح هذا الآخر غير الأمريكي،و انعطافة تاريخية لا تجد نفسها تحققها كامل التحقيق إلا بدمج هذا الآخر خارج التاريخ؟
    إن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول تمثيل سلطتها المطلقة بنظام تفرضه القوة،قوة رأس المال و التقنية و الإعلام،لتبرر به تفوقها،و بالتالي فرض هيمنتها على ما تدعوه - بقية العالم -.
    قد يقول قائل: بأن هذا الذي أقول،إنما يكشف عن،و يمثل نزعة معاداة أمريكا / الامريكانية / الامريكانيزم من وجهة نظر قد تكون هي الأخرى عنصرية،في حين أن ما جئت به ليس أكثر من كشف أولي و بسيط لنزعة الولايات المتحدة الأمريكية في معاداة كل ما هو غير أمريكي.
    فهي ترى و تجد في تحويل الآخر تابعاً ما يحقق لها الكمال الذي يتحد به الوجه الأمريكي مع ذاته، و هو نفسه الذي أجهض ما بدأ للوهلة الأولى ذا نزعة إنسانية من حركات و أفكار ولدت هناك بفعل ما يدعوه احد مفكريها - بالذاتوية المطلقة - التي تغلبت على كل رؤية أو موقف،فأجهض بفعل ذلك ما عرف من تيار فاعل باسم الانفتاح أو سياسة الباب المفتوح في جانب منها،محولاً إياه إلى مشروع استعلائي / عدواني/استعماري صرف..كما أجهض الحداثة بعد أن حول عصرها إلى عصر احتلال للعقل و نهب للثروات و تعطيل للقدرات الذاتية لما يدعوه - بقية العالم -.
    و أما العولمة فهي بمثابة نهاية لعصر الإنسان،فإذا ما أخذنا العولمة في واقعها المطروحة راهناً، كونها التطور في مفهوم الاستعمار،و التجديد لوسائل الهيمنة الشاملة التي تعتمدها..فإن نتائجها أو ردود الفعل عليها لن تكون هينة أو بسيطة بل ستكون:
    1- في صورة ثورات اجتماعية رافضة لهذا التوجه الاستعلائي / الاستعماري الجديد الذي يعطي للرأسمال الأرجحية،أن لم نقل الكلمة المطلقة في توجيه سيرورة التحولات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية.
    2- و في هذا السياق ستكون هناك نهضات تعيد تأسيس نفسها و أطروحاتها و تناهض الفكر الاستعلائي / الاستعماري بفكر يدعو إلى تعميق الإحساس بالهوية الثقافية و الحضارية،لا على أساس العزلة و الانغلاق أو الانكفاء على الذات بل بروح حضارية جديدة تدعو إلى حوار الثقافات و حوار الحضارات و رفض الهيمنة.
    3- و سيكون هناك إحياء للتقاليد الثقافية بما لها من جوهر محرك باتجاه الإنسان ذاتاً و تاريخاً و وجوداً إنسانياً و حضارياً،و ليس على أساس استلابه و مصادرته ذاتاً.
    4- و كذلك تجديد أطروحات الفكر التقدمي كفكر مناهض للاستعلائية / العدوانية / الاستعمارية و بمختلف صوره،و شتى أشكاله،بما يعيد إلى هذا الفكر دوره النضالي؟ المناهض للإمبريالية.
    5- و ستحتل الهوية موقفاً متقدماً في العديد من الأطروحات الجديدة بوصفه الدلالة المتحققة لهذه الشخصية التي تعمل على أن تحل ثقافتها في موقع متقدم من جهة الإنسان.
    ..........
    الإنسان الجديد..هل سيولد هذا الإنسان من الشرق؟!
    لا نقول هذه من قبيل الحلم بما نتمنى أن يتحقق،و إنما في ضوء قراءة تحليلية لمراحل سابقة مرت بها الحركة الاستعمارية الأمريكية،ابتداءاً من السنوات الأولى للحرب العالمية الأولى و ما أعقبها من عقود التوسع الاستعماري القهري إلى الاستراتيجيات السياسية و الاقتصادية و العسكرية و الثقافية التي اعتمدها الاستعمار الأمريكي في العصر الحديث إلى التلويح بالحروب العدوانية الجديدة،عسكرية و حضارية،مما ينحدر من أفواه زعماء هذه الدولة كستراتيجية و ليست زلة لسان. لذلك،علينا أن لا ننتظر مولد الإنسان الجديد من الولايات المتحدة الأمريكية،و لكن،هل،سيولد هذا الإنسان من الشرق؟!
    هذا هو السؤال.
    ........
    *كاتب و باحث - بغداد.
    مجلة النبأ العدد 72

    الإستعلائية  و  العدوانية تجاه الآخر في الخطاب الثقافي الأمريكي. Desobeissance_by_x_tsila_x-d52rnxm
    In The Zone
    In The Zone
    Admin
    Admin


    الإستعلائية  و  العدوانية تجاه الآخر في الخطاب الثقافي الأمريكي. 7e99cbc882b2aa88afb53997d7f58ce04g
    عدد المساهمات : 4732
    تاريخ التسجيل : 21/11/2010
    الموقع : الأردن

    هام العولـمة تتسلل إعـلاميا.

    مُساهمة من طرف In The Zone الثلاثاء يناير 15, 2013 12:17 am


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 2:54 am