الربيع العربي و مصادرة الديمقراطية
.......
هل مازالت هناك إمكانية لنجاح العملية الديمقراطية في مصر و تونس؟ فالخلاف و التباعد بين العلمانيين و الاسلاميين يزداد،و أوروبا تتفرج على ما يحدث هناك عاجزة عن التصرف،رغم أهمية التحرك في الظروف الراهنة،حسب رأيي أوته شيفر.
الحواجز و الأسلاك الشائكة تؤمن حماية مؤقتة من الفوضى.على جانب يقف المتظاهرون المطالبون بنظام سياسي علماني،و على الطرف الآخر يقف الإسلاميون.
حتى قبل فترة قريبة كانت حركة تمرد تكافح ضد حكومة الإخوان المسلمين.و في تونس تطالب الجماهير الغاضبة باستقالة الحكومة التي يقودها الإسلاميون. لقد بدأ في مصر كما في تونس ما كان يخشاه الكثيرون منذ فترة طويلة،و هو التصعيد في "الحرب الأهلية الباردة" التي أوقفها الجيش بوسائل تثير الريبة،و فيما إذا كان يمكن إيقافها في تونس أيضاً،فإن الأمور تبدو إلى ألان غير واضحة.
هناك تراجع في مصر كما في تونس على كافة الأصعدة: السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.فالعنف و المواجهات الراهنة تعيد مصر و تونس سنوات إلى الوراء.
فهي تعيق الاستثمارات و عودة الحياة الطبيعية إلى البلاد.لكن التأثير الأسوأ لذلك هو على الديمقراطية،فالأمل الذي بدأ نهاية عام 2010 في تونس بات مهدداً بأن يتبخر.
فالمطالب القوية بالتحول الديمقراطي بقيت بالنسبة للكثير من المصريين مجرد وعود جوفاء،فهي لم تجلب لهم لا العدالة و لا حياة أفضل.بل على العكس، جلبت لهم إسلاميين لا يتمتعون بالخبرة السياسية للحكم.
......
خطر يهدد كل المنطقة
و هكذا ظهرت الهوة للعلن،بين الريف و المدينة و بين الفقراء و الأغنياء،و بات الخلاف و الصراع بين العلمانيين و الإسلاميين أمرا مكشوفا،و هو ما كان يخبأه ويستر عليه الديكتاتوريون.
و تحت الضغط الهائل للتغيير و الانفتاح السياسي انهار المجتمع.فبعد ثلاث سنوات من التغيير لم يبق سوى القليل مما يربط و يجمع الأفراد و يساهم في نهاية المطاف في تماسك المجتمع.
و هذا أمر خطير يهدد كامل المنطقة و الدول الأوروبية المجاورة لها.فتونس تقع مباشرة قرب بوابة أوروبا،و مصر تعتبر دولة محورية هامة في الشرقين الأدنى و الأوسط.و الوجهة السياسية التي يسير فيها البلدان تؤثر و تحدد مستقبل المنطقة.
لكن كيف ينظر و يتصرف العالم تجاه التحول الديمقراطي المهدد بالفشل؟ بإهمال وعدم اهتمام؟ ربما،و لكن لاشك أنه يقف عاجزاً.
و فقط للتذكير،قتل الجيش المصري نهاية شهر يوليو / تموز ثمانين من أنصار مرسي،و الرد الجلي للغرب على حمام الدم ذلك،هو عدم فعل أي شيء.
كما يتجاهل الغرب توسع التطرف الديني في البلدين،إذ تحول فيهما من كانوا يحمون الثورة،إلى شبان مستعدين لاستخدام العنف و فرض اللباس و نمط الحياة الإسلامية على المواطنين.و نمو التيار السلفي في البلدين واضح تماماً،و يشتبه باغتيال إسلاميين متطرفين لسياسيين علمانيين في تونس هذا العام.
.......
لا يوجد ديكتاتور جيد
الفوضى الحالية تدفع إلى المطالبة بـ "قبضة حديدية"،حيث يقول البعض في تونس و مصر: إن الوضع في ظل الديكتاتورية السابقة كان أفضل من هذه الفوضى.و ربما لأن الجنرالات قمعوا الاضطرابات بحجة تأمين الاستقرار،و اعتقلوا الرئيس و عادوا إلى السلطة،فقط القليلون يسمون ما قام به الجنرالات، انقلاباً.
لكن لا توجد ديكتاتورية جيدة.و من الخطأ الاعتقاد بأن المستبدين يؤمنون الاستقرار و الأمن أكثر،إنهم يحققون مؤقتاً شعوراً زائفاً بالأمن.و هذا ما أظهرته الثورات العربية،و فوضى اليوم هي إرث ديكتاتورية الأمس.فالديكتاتوريون يقمعون المعارضة و الأمور الخلافية و يحولون دون التوازن بين المصالح المختلفة.و يستمر الضغط حتى ينفجر الوضع.
و يبدو الأمر هكذا: إن الإطاحة بديكتاتور تختلف عن بناء الديمقراطية،و لكن،و للأسف،يبدو أن ذلك لن يتحقق قريباً.فالديمقراطية هي بحث دائم عن حلول وسط و قواسم مشتركة.
إنها تتطلب مؤسسات قوية يعتمد عليها و قواعد واضحة و التسامح و مفاوضات دائمة.و الوضع في تونس و مصر يبدو أكثر بعداً عن الديمقراطية مما كان عليه بعيد الثورة.و الهوة بين العلمانيين و الإسلاميين أكبر مما كان عليه حتى الآن.
الغرب كان أول الخاسرين، فالولايات المتحدة و فرنسا و أوروبا دعمت لعقود الديكتاتوريات السابقة.و تعتبر البلدان العربية المجاورة اليوم كدول يمكن الثقة بها و استشارتها،بالرغم من تدخلها الكبير في الفوضى و تحقيق مصالحها الذاتية.و على أوروبا أن تأخذ في الحسبان أنها تقف على حافة حريق سياسي في المنطقة.لكن على الغرب ألا يكرر خطأ ارتكبه سابقاً،و هو الاعتقاد بوجود "ديكتاتور جيد" و الثقة به و دعمه.
.........
10.08.2013
موقع صوت ألمانيا
.......
هل مازالت هناك إمكانية لنجاح العملية الديمقراطية في مصر و تونس؟ فالخلاف و التباعد بين العلمانيين و الاسلاميين يزداد،و أوروبا تتفرج على ما يحدث هناك عاجزة عن التصرف،رغم أهمية التحرك في الظروف الراهنة،حسب رأيي أوته شيفر.
الحواجز و الأسلاك الشائكة تؤمن حماية مؤقتة من الفوضى.على جانب يقف المتظاهرون المطالبون بنظام سياسي علماني،و على الطرف الآخر يقف الإسلاميون.
حتى قبل فترة قريبة كانت حركة تمرد تكافح ضد حكومة الإخوان المسلمين.و في تونس تطالب الجماهير الغاضبة باستقالة الحكومة التي يقودها الإسلاميون. لقد بدأ في مصر كما في تونس ما كان يخشاه الكثيرون منذ فترة طويلة،و هو التصعيد في "الحرب الأهلية الباردة" التي أوقفها الجيش بوسائل تثير الريبة،و فيما إذا كان يمكن إيقافها في تونس أيضاً،فإن الأمور تبدو إلى ألان غير واضحة.
هناك تراجع في مصر كما في تونس على كافة الأصعدة: السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.فالعنف و المواجهات الراهنة تعيد مصر و تونس سنوات إلى الوراء.
فهي تعيق الاستثمارات و عودة الحياة الطبيعية إلى البلاد.لكن التأثير الأسوأ لذلك هو على الديمقراطية،فالأمل الذي بدأ نهاية عام 2010 في تونس بات مهدداً بأن يتبخر.
فالمطالب القوية بالتحول الديمقراطي بقيت بالنسبة للكثير من المصريين مجرد وعود جوفاء،فهي لم تجلب لهم لا العدالة و لا حياة أفضل.بل على العكس، جلبت لهم إسلاميين لا يتمتعون بالخبرة السياسية للحكم.
......
خطر يهدد كل المنطقة
و هكذا ظهرت الهوة للعلن،بين الريف و المدينة و بين الفقراء و الأغنياء،و بات الخلاف و الصراع بين العلمانيين و الإسلاميين أمرا مكشوفا،و هو ما كان يخبأه ويستر عليه الديكتاتوريون.
و تحت الضغط الهائل للتغيير و الانفتاح السياسي انهار المجتمع.فبعد ثلاث سنوات من التغيير لم يبق سوى القليل مما يربط و يجمع الأفراد و يساهم في نهاية المطاف في تماسك المجتمع.
و هذا أمر خطير يهدد كامل المنطقة و الدول الأوروبية المجاورة لها.فتونس تقع مباشرة قرب بوابة أوروبا،و مصر تعتبر دولة محورية هامة في الشرقين الأدنى و الأوسط.و الوجهة السياسية التي يسير فيها البلدان تؤثر و تحدد مستقبل المنطقة.
لكن كيف ينظر و يتصرف العالم تجاه التحول الديمقراطي المهدد بالفشل؟ بإهمال وعدم اهتمام؟ ربما،و لكن لاشك أنه يقف عاجزاً.
و فقط للتذكير،قتل الجيش المصري نهاية شهر يوليو / تموز ثمانين من أنصار مرسي،و الرد الجلي للغرب على حمام الدم ذلك،هو عدم فعل أي شيء.
كما يتجاهل الغرب توسع التطرف الديني في البلدين،إذ تحول فيهما من كانوا يحمون الثورة،إلى شبان مستعدين لاستخدام العنف و فرض اللباس و نمط الحياة الإسلامية على المواطنين.و نمو التيار السلفي في البلدين واضح تماماً،و يشتبه باغتيال إسلاميين متطرفين لسياسيين علمانيين في تونس هذا العام.
.......
لا يوجد ديكتاتور جيد
الفوضى الحالية تدفع إلى المطالبة بـ "قبضة حديدية"،حيث يقول البعض في تونس و مصر: إن الوضع في ظل الديكتاتورية السابقة كان أفضل من هذه الفوضى.و ربما لأن الجنرالات قمعوا الاضطرابات بحجة تأمين الاستقرار،و اعتقلوا الرئيس و عادوا إلى السلطة،فقط القليلون يسمون ما قام به الجنرالات، انقلاباً.
لكن لا توجد ديكتاتورية جيدة.و من الخطأ الاعتقاد بأن المستبدين يؤمنون الاستقرار و الأمن أكثر،إنهم يحققون مؤقتاً شعوراً زائفاً بالأمن.و هذا ما أظهرته الثورات العربية،و فوضى اليوم هي إرث ديكتاتورية الأمس.فالديكتاتوريون يقمعون المعارضة و الأمور الخلافية و يحولون دون التوازن بين المصالح المختلفة.و يستمر الضغط حتى ينفجر الوضع.
و يبدو الأمر هكذا: إن الإطاحة بديكتاتور تختلف عن بناء الديمقراطية،و لكن،و للأسف،يبدو أن ذلك لن يتحقق قريباً.فالديمقراطية هي بحث دائم عن حلول وسط و قواسم مشتركة.
إنها تتطلب مؤسسات قوية يعتمد عليها و قواعد واضحة و التسامح و مفاوضات دائمة.و الوضع في تونس و مصر يبدو أكثر بعداً عن الديمقراطية مما كان عليه بعيد الثورة.و الهوة بين العلمانيين و الإسلاميين أكبر مما كان عليه حتى الآن.
الغرب كان أول الخاسرين، فالولايات المتحدة و فرنسا و أوروبا دعمت لعقود الديكتاتوريات السابقة.و تعتبر البلدان العربية المجاورة اليوم كدول يمكن الثقة بها و استشارتها،بالرغم من تدخلها الكبير في الفوضى و تحقيق مصالحها الذاتية.و على أوروبا أن تأخذ في الحسبان أنها تقف على حافة حريق سياسي في المنطقة.لكن على الغرب ألا يكرر خطأ ارتكبه سابقاً،و هو الاعتقاد بوجود "ديكتاتور جيد" و الثقة به و دعمه.
.........
10.08.2013
موقع صوت ألمانيا