اليمن...تراكم الازمات الانسانية في ظل سلطة هشة.
احمد عقيل الجشعمي
.....................
شبكة النبأ:
ان سوء الأوضاع التي تمر بها اليمن باتت على اكثر من صعيد،و لا تكمن في نقص الموارد و الخدمات فقط،بل تعدى الامر الى ازمة انسانية تعيشها بعض اطراف البلاد،خصوصا مع النقص الحاد في الاحتياجات الاساسية للحياة.
فنقص المياه على سبيل المثال اصبح معضلة معيشية في الكثير من مناطق اليمن،خصوصا في المناطق الزراعية مما تسبب بتلف كبير في المحاصيل الزراعية،الامر الذي انعكس ايضا على شكل هجرة منظمة و مستمرة من الريف الى المدينة.
فيما تلعب النزاعات المسلحة دورا اساسيا في تفاقم الازمة،خصوصا بعد تبعات أي قتال يدور هناك،فالثأر و القتل في الشوارع كاد ان يكون ظاهرة تسببت بالفزع و الخوف في نفوس المواطنين، مع غياب سلطة فعلية للدولة،التي تسعى للحفاظ على مقومات سلطتها الهشة.
.......
هجرة الريف.
فبينما كان الرجال و النساء يجمعون الذرة و يدحرجون لفائف من سيقان النبات الجافة في حقول قريتهم الصغيرة قرب العاصمة اليمنية صنعاء وقف حميد المساجدي يودع أسلوب حياة ستهجره عائلته للأبد.
و قال المزارع البالغ من العمر 35 عاما مشيرا الى الحقول التي تحيط بقرية بيت المساجدي القابعة أسفل مجموعة من الجبال تناثرت وسطها خراف هزيلة "اعتبارا من العام القادم لن تكون هنا أي أراض زراعية.هذه آخر مرة تزرع فيها هذه الأرض.كلنا بعنا الأرض."
و يواجه اليمن مناخا يزداد جفافا و نموا كبيرا في السكان.و تقلصت المحاصيل الزراعية مع تراجع سقوط الأمطار و تناقص مياه الآبار.
لم يعد المزارعون و هم يشكلون 70 في المائة من تعداد السكان يستطيعون العيش على المحاصيل التي يزرعونها.و يتدفق الشبان من الريف على المدن بحثا عن عمل يعولون به أسرهم.
و قال جيرهارد ليختنتايلر من وكالة التنمية الالمانية (جي.تي.زد) " الطعام لم يعد ينتقل من الريف الى المدن بل من المدن الى الريف" مضيفا ان نقص المياه جعل الزراعة مستحيلة في بعض المناطق.و ينخفض مخزون المياه الجوفية من متر الى خمسة أمتار في العام نتيجة للاستخراج المفرط. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.
و قال المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء الذي يقدم المشورة للحكومة اليمنية ان ثلث سكان اليمن البالغ تعدادهم 23 مليونا يعيشون بلا أمن غذائي.
و من المتوقع ان يعاني المزيد من السكان من الجوع في المستقبل مع زيادة سكانية تصل الى ثلاثة في المئة في العام و شح المياه.
و يقول خبراء ان صنعاء مرشحة لان تكون أول عاصمة تجف فيها موارد المياه بحلول عام 2050.
.........
خطط و تأملات.
و بحلول هذا العام يتوقع خبراء المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء ان ترتفع أسعار الحبوب على مستوى العالم بما بين 39 و62 في المائة دون وضع تأثير التغير المناخي في الحسبان و الذي قد يزيد الأسعار بنسبة تتراوح بين 32 و111 في المائة.
و يستورد اليمن 70 في المائة على الاقل من المواد الغذائية التي يحتاجها.
و قال المساجدي "المشكلة هي اننا (اهل الريف) نعتمد بالفعل على قمح مستورد.الذرة للاحتياجات الأساسية فقط."
و يكلف القمح اليمنيين ما يصل الى 250 دولارا للطن و يمكن لارتفاع الأسعار ان يزيد من التوترات في مجتمع ينتشر فيه السلاح و يعيش نحو نصف سكانه على دولارين او أقل في اليوم.
و سيزيد التغير المناخي الضغط على الدولة الواقعة في شبه الجزيرة العربية.
فحكومة صنعاء التي تعوزها الاموال عليها ان تواجه حركة انفصالية في الجنوب و تحافظ على هدنة هشة في الشمال مع المتمردين الحوثيين الشيعة و تقاتل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ من البلاد مقرا له.
و البطالة آخذة في الارتفاع في دولة يعتمد اقتصادها على تصدير النفط بينما بدأت الموارد النفطية تشح.
و قال ابراهيم شرقية و هو خبير يمني في مركز بروكنجز بالدوحة ان نقص الغذاء قد يؤدي الى انهيار النظام و فشل الدولة لان الحكومة ستفقد ميزة توفير الطعام و الدعم الاقتصادي للشعب.
و وضعت حكومة اليمن خطة لتحسين الزراعة التي تستهلك 90 في المئة من المياه و تنويعها و أبعادها عن زراعة القات الذي يهيمن على حياة الناس في اليمن.
لكن ليختنتايلر يصف القات -و هو نبات يتحمل الجفاف- بأنه "محصول مناسب" للمزارعين الفقراء الذين يكافحون لان تكفي مواردهم احتياجاتهم و يرى انه على الرغم من ضرورة المضي في سياسة عدم تشجيع زراعة القات فان تنويع الزراعة قد يأخذ اليمن إلى مسار خاطئ.
و قال مشيرا إلى وكالته (جي.تي.زد) "نحن نطلب منهم فعليا خفض زراعاتهم.عليهم ان يوفروا فرص عمل."
.........
خيارات مطروحة.
و يتفق الخبراء على ان اليمن لن يستطيع ان يزرع كل ما يحتاجه من غذاء.و الزراعة تستهلك موارد مائية ثمينة يدور حولها بالفعل صراع بين اليمنيين و هي موارد حيوية للاستخدامات المنزلية و الصناعية مستقبلا.
و قال ليختنتايلر "ليس بالضرورة ان يكون التفكير الصواب هو إنتاج المزيد من الغذاء.عدد السكان يزيد بسرعة كبيرة يستحيل معها تحقيق اكتفاء ذاتي في الغذاء.نحن بحاجة الى اقتصاد متنوع."
و يرى خبراء ان الامن الغذائي يمكن ان يتحقق من خلال تنمية اقتصاد يوفر دخلا كافيا لتغطية نفقات استيراد الطعام.
و يعد التصنيع و التعدين من البدائل للزراعة كما يمكن للسياحة في اليمن الذي يشتهر بمعماره التقليدي و جباله الوعرة ان توفر فرص عمل و عملة صعبة.
لكن مثل هذه الخطط التي تحتاج الى استثمارات كبيرة من القطاع الخاص تبدو خيالية نظرا للمشاكل الأمنية التي تحيق باليمن.
و يقول كليمنز بريسينجر من المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء ان هناك خيارا لا يحتاج الى استثمارات لكنه ينطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة للسياسيين و هو خفض الدعم الحكومي لأسعار الوقود الذي يعد من أعلى المستويات في العالم.
و ذكر ان دعم الوقود يكلف الحكومة نحو 150 دولارا للفرد في العام.
و أضاف "تخيل لو انك أعطيت هذا المال لكل يمني خاصة من يفتقر منهم للامن الغذائي..فستكون قد حللت جانبا من المشكلة بالفعل."
و يحذر ليختنتايلر من ان اليمن قد يواجه اضطرابات أو أعمال عنف بسبب الغذاء اذا لم يغير إستراتيجيته.
و قال "اذا لم ينوعوا (الاقتصاد) سيزداد الناس فقرا على فقر..ثم تقع كارثة."
و تعج المدن اليمنية بشبان اتوا من الريف لكسب الرزق حتى يعولوا أسرهم.
و يعمل محمد شجون (16 عاما) و هو من محافظة الحديدة في غرب البلاد كموزع جرائد في صنعاء و يحلم بالعودة الى قريته لكن اسرته هناك تعتمد على ما يكسبه في الشهر و هو 7000 ريال (33 دولارا) لان محصولها لا يكفي لإطعامها.
و يقول "العمل شاق تحت شمس صنعاء.الجو في قريتي جميل.أود لو هطلت الأمطار مجددا حتى اترك هذا العمل و أعود الى حقلي."
.........
تزايد العنف.
كما أفاد تقرير جديد،صدر تحت عنوان "تحت الضغط: الصراع الاجتماعي العنيف على الأرض و المياه في اليمن"،أن العنف الدائر في اليمن نتيجة الصراع على الأرض و موارد المياه الشحيحة يحصد أرواحاً أكثر مما يحصده التمرد و "الإرهاب" و الحركات الانفصالية مجتمعة.
و يواجه اليمن حركة انفصالية عنيفة متزايدة في الجنوب،و تمرد متكرر في الشمال،و هجمات منتظمة ضد الحكومة من طرف تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
و في حين تجذب هذه الأزمات العناوين و انتباه صانعي القرار في الغرب،قد يمثل الصراع الاجتماعي على الموارد الشحيحة تهديداً أكثر خطورة على هذا البلد على المدى الطويل،حسب التقرير.
و في هذا السياق،أخبر غافين هيلز،الباحث الرئيس لهذا التقرير أن "اليمن يواجه اليوم عدداً كبيراً من التحديات،و من المؤسف أن العنف الاجتماعي بسبب الأرض و المياه لم يتلق سوى اهتماماً قليلاً نسبياً على الرغم من اتساع نطاق تأثيره على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية لعدد كبير من المواطنين اليمنيين و تسببه في آلاف الوفيات كل عام".بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
و يتفجر معظم هذا العنف في المناطق الريفية حيث يضعف نفوذ الحكومة المركزية،مودياً بحياة أكثر من 4,000 شخص سنوياً،وفقاً لوزارة الداخلية.
و لا يشمل هذا العدد نسبة كبيرة من الحالات التي يتم التعامل معها من خلال القانون القبلي.
و يتسبب تقلص متوسط حيازة الأراضي الناتج عن ارتفاع نسبة النمو السكاني إلى 3 بالمائة سنوياً بالإضافة إلى عدم وجود نظام شامل و موثوق لتسجيل الأراضي في فتح الباب أمام النزاعات الطويلة على الأراضي.
و تشكل قضايا النزاع حول الأراضي نصف مجموع القضايا المطروحة أمام المحاكم،و عادة ما يطول تداولها لسنوات طويلة.
كما أن تفشي الفساد في النظام يزيد من تقويض مصداقية الحكومة.لذلك،و بسبب ضعف إمكانية اللجوء إلى الإجراءات القانونية،يصبح العنف الخيار المتبقي بعد فشل الوساطة القبلية.
......
المياه.
فيما يشكل شح الموارد المائية في اليمن أكثر الأزمات التي تواجه البلاد تعقيداً.
فحصة الشخص الواحد من المياه سنوياً لا تتعدى 2 بالمائة من المتوسط العالمي،و من المتوقع أن تصبح صنعاء أول عاصمة في العالم تواجه نفاذ المياه.
و يمكن تتبع جذور الصراع الحديث على موارد المياه إلى سبعينيات القرن الماضي،حسب غيرهارد ليختنتايلر،المستشار بالشركة التقنية الألمانية التي تعمل على تخفيف أثار الصراع المتعلق بالمياه.
و قد كان النزاع على المياه في ذلك الوقت يدور حول المياه السطحية،و لكن اليمنيين العائدين من السعودية أحضروا معهم تكنولوجيا الآبار الارتوازية و بدؤوا يحفرون الآبار في اليمن.
و قد ساهمت "هذه الطريقة آنذاك في حل الصراعات حول المياه لأن الشخص كان يحفر بئره الخاصة على أرضه.و استمر الوضع هكذا إلى أن أدرك الناس بعد 20 عاماً أن هذه المياه لن تدوم إلى الأبد". و أصبح حفر بئر جديدة،خاصة على أرض متنازع عليها،كفيلاً بأن يؤدي إلى اشتعال توتر بين القبائل.
و يبقى السؤال مطروحاً حول ما إذا كانت الأراضي و ندرة المياه هي مصدر الصراع أو مجرد شرارة تشعل فتيل المظالم الكامنة.
و هو ما علق عليه هيلز بقوله أنه "على الرغم من أن ندرة الموارد و إدارتها يشكلان في الواقع دافعان أساسيان للصراع في العديد من المناطق إلا أنه من المهم أن نعترف بأنهما يتفاعلان مع مظالم أخرى مثل قضايا الثأر و السخط السياسي".
و أضاف في إشارة إلى شكاوى الجنوبيين من التهميش السياسي و الاقتصادي على أيدي الحكومة التي يهيمن عليها الشمال أنه في عام 2009،"اندلعت احتجاجات شعبية في لحج و عدن بسبب انقطاع موارد المياه البلدية،و هذا بالطبع يتشابك مع مظالم أوسع".
.........
الأسلحة.
بينما يتسبب انتشار الأسلحة على نطاق واسع في تفاقم أعمال العنف الاجتماعي في هذه الجمهورية الفقيرة.
و في حين تقابَل التقديرات القائلة بوجود 60 مليون قطعة سلاح في اليمن بالكثير من التشكيك تدل التقديرات الأكثر واقعية الواردة في هذا التقرير،و التي تشير إلى وجود 11 مليون قطعة سلاح في بلد يسكنه 23 مليون نسمة،على أن معدل ملكية السلاح في اليمن يمثل أحد أعلى المعدلات في العالم.
إن الوجود المستمر للأسلحة النارية يعني أنه من المرجح أن يتخذ الصراع على الموارد منحىً مميتاً.
و علق هيلز على ذلك بقوله: "لقد أخذت الحكومة اليمنية خطوات إيجابية هامة،خصوصاً منذ عام 2007،للحد من حمل السلاح في المناطق الحضرية و تقليص سوق السلاح المحلي".
غير أن انعدام نفوذ الحكومة المركزية في المناطق الريفية يجعل تطبيق قوانين مماثلة خارج المدن صعباً من الناحية السياسية،و لاسيما بالنظر إلى الدور الهام للتسلح في الثقافة القبلية.
و يرى هيلز أن "المجتمعات المحلية قد تكون قادرة على مساعدة نفسها في هذا المجال،و ذلك من خلال العمل على إعادة إحياء تقليد الملاذ الآمن و ضمان الوصول الآمن إلى المدارس و الأسواق و المراكز الصحية".بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
و تتباين وجهات نظر زعماء القبائل حول دور الأسلحة في الصراع.
حيث أفاد الشيخ محمد آل الشايف،من محافظة الجوف،أن "الأسلحة ليست هي المشكلة،فحمل السلاح جزء من ثقافة المجتمع.ليست الأسلحة من يقتل الناس،بل عقلياتهم هي التي تقتلهم".
و لكنه أكد أن زعماء القبائل قد يفكرون في التخلي عن أسلحتهم،قائلاً: "بناء على آراء الناس الذين أعرفهم،إنهم مستعدون للتخلي عن أسلحتهم إذا ضمنوا أنهم لن يكونوا ضحايا العنف و أن القانون سيطبق بشكل عادل.إن القبائل مستعدة لقبول سيادة القانون إذا اتسمت بالنزاهة".
و شكى آل الشايف من أن انعدام العدل في تطبيق القوانين الخاصة بالأسلحة،قائلاً: "عندما صدر قانون عدم حمل الأسلحة النارية،لم يتم تطبيقه بصورة عادلة.كانت هناك استثناءات لمسؤولين رفيعي المستوى.فالأغنياء الذين يملكون سيارات عديدة لا يتم إيقافهم عند نقاط التفتيش للبحث عن الأسلحة".
و ردد الشيخ أيضاً دعوة هيلز لإعادة إحياء تقليد الملاذ الآمن،مطالباً بشكل خاص بجعل صنعاء مدينة خالية من الصراع القبلي.
و اتسمت كلماته بقدر من الجدية نظرا لتعرض أحد زعماء القبائل للقتل بطلق ناري قبل ساعات قليلة في عملية انتقامية تم تنفيذها على باب مطعم مزدحم في صنعاء.
.........
تناقص الموارد.
من جانبه أوضح الشيخ محمد أنه و آخرين مثله على استعداد لقبول أوامر الحكومة حتى في المناطق القبلية،إذا توفرت لديهم الثقة في القيادة المركزية.
و أضاف: "إذا كانت هناك نية جادة و صادقة من جانب الحكومة لحل المشاكل الاجتماعية بشكل منصف و عادل،سيتم إتباع القانون".
و في الوقت الذي يفكر فيه صانعو السياسة الأميركية في تقديم مساعدات دفاعية قيمتها مليار دولار لمعاونة الحكومة اليمنية على تفادي تهديدات أمنية مختلفة،يتساءل المحللون عما إذا كان هذا العنف السياسي يشكل أخطر تحد لاستقرار اليمن على المدى الطويل.
و هو ما علق عليه عيد الغني الأرياني،المحلل السياسي اليمني،بقوله أن "العنف الاجتماعي يشكل أكبر تهديد يواجه اليمن على المدى الطويل.فمن الممكن عكس العنف السياسي و العنف الذي تمارسه الدولة ضد السكان بسهولة نسبية،كما قد تظهر تسوية سياسية جديدة و لكن تناقص الموارد يبقى هو المشكلة المستعصية التي لا يمكن حلها عن طريق التوافق السياسي،و سوف تتطلب الكثير من العمل".
.........
سوء تغذية الأطفال.
كما أظهر مسح جديد ارتفاع مستويات سوء تغذية الأطفال في محافظة صعدة الشمالية المتأثرة بالنزاع في اليمن،خاصة في المناطق التي شهدت أشد المعارك.
و يتساوى معدل سوء التغذية الذي أورده المسح مع المعدل الذي أورده مسح آخر جرى في جنوب السودان في بداية هذا العام و جذب اهتماماً إعلامياً لاكتشافه "أكثر مكان جوعاً على وجه الأرض".
و قد أظهر المسح الذي أجرته وزارة الصحة العامة و السكان بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن 45 بالمائة من الأطفال البالغ عددهم 26,246 طفلاً في المرحلة العمرية بين 6 و59 شهراً ممن شملهم المسح في خمس مديريات غرب صعدة (يوجد بالمحافظة 15 مديرية) يعانون من سوء تغذية حاد.
و جاء في بيان اليونيسف أن "نسبة سوء التغذية وصلت إلى ثلاثة من أصل أربعة أطفال في إحدى المناطق.و عموماً أظهر المسح أن 17 بالمائة من الأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد بينما يعاني 28 بالمائة من سوء التغذية الحاد المتوسط".
و بإضافة نسب سوء التغذية الحاد الشديد إلى نسب سوء التغذية الحاد المتوسط تكون المحصلة سوء تغذية حاد عام نسبته 45 بالمائة من الأطفال الذين شملهم المسح.
و هذه هي نفس النسبة التي توصلت إليها الدراسة التي أجرتها منظمات غير حكومية مثل منظمة إنقاذ الطفولة و ميدإير في جنوب السودان بداية هذا العام و التي دعت تقارير إعلامية إلى تسمية المنطقة "بأكثر مكان جوعاً على وجه الأرض".
و يعد سوء التغذية الحاد الشديد و سوء التغذية الحاد العام المؤشرين الرئيسيين المستخدمين في دراسات التغذية.
و يعتمد انتشار سوء التغذية الحاد الشديد و سوء التغذية الحاد العام على نسبة الأطفال في المرحلة العمرية من 6 إلى 59 شهراً الذين تصنفهم قياسات أجسامهم كمصابين بسوء تغذية حاد طبقاً لمقاييس و مبادئ توجيهية إحصائية مختلفة.
و أفادت وسام التميمي،أخصائية التغذية باليونيسيف أن المسح غطى ثلث محافظة واحدة فقط من بين محافظات اليمن الإحدى و العشرين و لكن التقييمات و الدراسات الأخيرة من مخيمات النازحين و المجتمعات المضيفة المتأثرة بالنزاع في صعدة تظهر أيضاً مستويات عالية جداً من سوء التغذية الحاد.
و قالت اليونيسيف أنها استخدمت منهجية MUAC في مسح صعدة.بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
و قال جيرت كابيليري،ممثل اليونيسيف في اليمن أن سوء التغذية هو السبب الرئيسي لوفيات الأطفال الصغار في اليمن،و بالتالي فإن هذا الوضع المريع ينذر بكارثة على أطفال صعدة.
و أضاف أنه "مع اقتراب فصل الشتاء،قد يصبح آلاف الأطفال في خطر شديد ما لم تتخذ تدابير عاجلة للتعاطي مع هذه المشكلة".
و قد ذكرت التميمي أن الباحثين المحليين الذين أجروا الدراسة في يوليو 2010 حصلوا على تدريب على يد مستشاري التغذية باليونيسيف و مدربين من مكتب وزارة الصحة بمحافظة صعدة (التابع لوزارة الصحة).
............
ليست كافية.
من جانب آخر،لا يشكل القتال المتقطع الدائر منذ عام 2004 السبب الوحيد للمشكلة،إذ تعاني المناطق الريفية في اليمن بصفة عامة من نقص الوعي حول التغذية المناسبة و يعتبر الخبز و الشاي فيها وجبتي الإفطار و العشاء المعتادتين للبالغين و الأطفال.
و تشير التوقعات القائمة على البيانات الوطنية للفترة 2003-2008 باستخدام مؤشرات الوزن و الطول و العمر إلى أن 15 بالمائة من الأطفال تحت سن الخامسة في جميع أنحاء اليمن يعانون من سوء التغذية الحاد العام.
و هذه النسبة هي بالفعل المستوى الذي تعرفه منظمة الصحة العالمية على أنه حالة طوارئ.
و لكن يبدو أن النزاع الذي طال أمده في صعدة بين القوات الحكومية و المتمردين الشيعة بقيادة الحوثي يؤدي إلى تفاقم الوضع في الشمال.
و قال شهاب محمد الذي يعمل طبيباً في مستشفى السلام الحكومي في مدينة صعدة أن "العديد من الأطفال يأتون إلينا في حالة متأخرة من سوء التغذية و لذلك يصبح علاجهم مكلفاً و يستغرق عدة أشهر.لا يقدم الآباء لأطفالهم المرضى الغذاء الصحيح لكي يبقوا أصحاء و لا يصطحبونهم إلى المستشفى مبكراً بما يكفي".
بدورها،قالت سامية محمد،و هي ناشطة سابقة في مجال التوعية الصحية في مخيم المزراق للنازحين الذي يأتي معظم سكانه من غرب صعدة أن المئات من الأطفال كانوا بالفعل يعانون من سوء التغذية عند وصولهم إلى المخيم،مضيفة أن "أمهاتهم كن أيضاً يعانين من سوء التغذية".
و قال جيرت كابيلاري ممثل اليونيسيف في اليمن أن "المساعدات الغذائية بمفردها ليست كافية لمعالجة سوء التغذية"،مضيفاً أن هناك حاجة إلى جهود كبيرة لدعم الأمن الغذائي للأسر و تغيير العادات الغذائية الحالية و ضمان المياه الآمنة و الصرف الصحي و النظافة للسكان المتضررين من النزاع.
و على الرغم من وقف إطلاق النار في فبراير 2010،إلا أن الوضع الأمني المتقلب للغاية قد أعاق وصول المنظمات العاملة في المجال الإنساني.
و أفاد كابيلاري أن "اليونيسيف تدعو جميع أطراف النزاع في صعدة و تناشد المجتمع الدولي كذلك بما في ذلك وفد الوساطة القطرية الذي يزور اليمن حالياً من أجل ضمان الوصول الفوري للجهات الفاعلة في المجال الإنساني إلى كافة مناطق محافظة صعدة لإيصال المساعدات اللازمة لإنقاذ حياة الأطفال".
...........
الثأر و مقاعد الدراسة.
في حين أفادت منظمة شركاء اليمن،و هي منظمة غير حكومية دولية،أن آلاف الأطفال توقفوا عن الذهاب إلى مدارسهم في ثلاث من محافظات اليمن الإحدى و العشرين خشية أن يتم استهدافهم بالقتل من أجل الثأر.
و تنظم منظمة شركاء اليمن حملة للتوعية في محافظات الجوف و مأرب و شبوة حيث يكتسي النظام القبلي أهمية كبرى في الحياة السياسية و الاجتماعية و يبقى وجود و تأثير السلطات الرسمية محدوداً للغاية.
و في إطار هذه الحملة،تعمل منظمة شركاء اليمن على تلقين الأطفال في المدارس التي مازالت مفتوحة شعار "إلى من حرموني من أبي،لا تحرموني من تعليمي".
غير أن آلاف الأطفال توقفوا عن الذهاب إلى المدارس خشية تجاوز الحدود القبلية.
و من هؤلاء،سالم يحيى،البالغ من العمر 17 عاماً.ينتمي يحيى إلى قبيلة الشولان في محافظة الجوف المشتبكة في نزاع مع قبيلة حمدان منذ أربعين عاماً.
و قد تحدث يحيى عن تأثره بهذا النزاع قائلاً: "لم أذهب إلى المدرسة منذ عام 2005 عندما كنت في الصف السادس.أخشى أن يقوم مسلحو قبيلة حمدان بقتلي".
و كان عشرات الأشخاص من القبيلتين قد لقوا مصرعهم في حوادث ثأر على مدى العشرين عاماً الماضية.
و قد اندلع الصراع بين القبيلتين للمرة الأولى في بداية السبعينيات بسبب أرض متنازع عليها كانت كل قبيلة تدعي ملكيتها لها.
و علق الشيخ سلطان،الوسيط الرئيس في النزاع في المحافظة،على ذلك بقوله: " لم تعد الأرض الآن هي المشكلة،بل أصبحت المشكلة تتمثل في عمليات القتل الانتقامية المعقدة التي تستمر في حصد أرواح الآلاف من رجال القبائل و إبعاد الأطفال عن المدارس".
و ترى منظمة شركاء اليمن أن التعامل مع الصراع في وضعه الحالي أمر معقد للغاية.حيث تعتبر القبائل التخلي عن ثأرها أو العفو عن أسرة أو قبيلة من تسبب في قتل أحد أعضائها وصمة عار كبيرة.بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
و وفقاً للقاضي يحيى الماوري،عضو اللجنة الوطنية العليا لمكافحة ظاهرة الثأر التابعة لوزارة الداخلية،أودت هذه الجرائم بحياة 4,698 شخصاً في المحافظات الثلاث بين عامي 1998 و2008.
و لم يتمكن الماوري من تقديم أرقام حديثة عن عدد قتلى الثأر بسبب عدم صدور أية إحصائيات رسمية عن حوادث القتل بدافع الثأر و ضحايا النزاعات في العامين الماضيين.
و أوضح أن نسبة عالية من الأمية تنتشر في المحافظات الثلاث حيث "يعاني 56 بالمائة من ذكورها و 70 بالمائة من إناثها من الأمية".
كما أفادت إحصائيات عام 2009 الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء أن عدد سكان المحافظات الثلاث يبلغ 1.3 مليون نسمة، 63 بالمائة منهم يعانون من الأمية مقارنة بالمتوسط الوطني البالغ 41 بالمائة.
.........
إغلاق المدارس.
من جهتها أفادت منظمة شركاء اليمن أن عمليات القتل بدافع الثأر أدت إلى إغلاق العديد من المدارس،خاصة في محافظتي الجوف و شبوة،في حين يعتبر الوضع في محافظة مأرب أقل سوءاً.
و في هذا السياق،أخبر عبد الحميد عامر،رئيس جمعية السلام للتنمية و السلم الاجتماعي،و هي منظمة غير حكومية محلية بمحافظة الجوف أنه تم إغلاق حوالي 20 مدرسة في أنحاء المحافظة.
و أوضح أنه "تم إغلاق 8 مدارس في منطقتي المرازيق و آل صيدة لمدة خمس سنوات حتى الآن"،مما تسبب في انقطاع آلاف الأطفال عن التعليم.
من جهته،أفاد ناجي السامي،مسؤول إدارة النزاعات في جمعية الأخوة للسلام و التنمية،و هي منظمة غير حكومية بمحافظة شبوة،أن أكثر من اثنتي عشرة مدرسة في المحافظة لا تزال مهجورة منذ عدة سنوات بسبب عمليات القتل بدافع الثأر.
و أضاف أن "مدرسة النبوب التي كانت تأوي 500 طالب في مديرية نصاب تعرضت للهجر لأكثر من خمس سنوات حتى الآن.و قد انتقل عدد قليل من طلابها إلى مناطق أخرى أكثر أمنا لاستكمال تعليمهم في حين توقف معظمهم عن طلب العلم منذ ذلك الحين".
........
جهود الوساطة.
من جهته،قال خالد القباطي،و هو مدرس بإحدى مدارس المديرية،أن العديد من المدرسين السابقين شرعوا في التوسط بين القبائل المتنازعة،معلقاً على ذلك بقوله: "بعد أن بقيت مدرستنا في منطقة آل صيدة مهجورة لمدة خمس سنوات،وجدنا أنفسنا عاطلين عن العمل مما جعلنا نفكر في التوسط للمساعدة في إنهاء النزاعات التي طال أمدها".
و ذكر القباطي،و هو من محافظة تعز وسط اليمن و يعمل مدرساً في محافظة الجوف،أن حمل السلاح أمر شائع في المحافظات الثلاث،مضيفا أن "الآباء يعلمون أبناءهم كيف يحملون و يستخدمون البنادق و كيف يقتلون أيضاً...فهم لا يبالون بشأن إرسالهم إلى المدارس".
من جهتها،أفادت ندوة الدوسري،المدير التنفيذي لمنظمة شركاء اليمن،أن حملة التوعية التابعة للمنظمة صُمِّمت لكي تضمن بيئة آمنة للأطفال في المدارس.
و قد تواصلت من أجل ذلك مع ما يزيد عن 50,000 سيدة من سكان المحافظات الثلاث لتشجيع تعليم الأولاد و الفتيات و دعم الحاجة إلى حمايتهم من عمليات القتل بدافع الثأر.
و أضافت الدوسري قائلة: "لقد لقيت أنشطتنا الخاصة بالتوعية استقبالاً جيداً في المجتمعات لأننا صممناها بشكل يمكنها من جذب الثقافة المحلية و الاستجابة للتقاليد الإيجابية القائمة".
كما أشارت إلى أن الدور غير الفعال للمؤسسات الحكومية في تلك المناطق القبلية البعيدة بالإضافة إلى الفقر المدقع و البنية التحتية المتردية تعتبر جميعها تحديات رئيسية أمام جهود التوعية.
و أضافت: "لو شاركتنا المؤسسات الحكومية لكانت حملاتنا أكثر فاعلية بكثير".
احمد عقيل الجشعمي
.....................
شبكة النبأ:
ان سوء الأوضاع التي تمر بها اليمن باتت على اكثر من صعيد،و لا تكمن في نقص الموارد و الخدمات فقط،بل تعدى الامر الى ازمة انسانية تعيشها بعض اطراف البلاد،خصوصا مع النقص الحاد في الاحتياجات الاساسية للحياة.
فنقص المياه على سبيل المثال اصبح معضلة معيشية في الكثير من مناطق اليمن،خصوصا في المناطق الزراعية مما تسبب بتلف كبير في المحاصيل الزراعية،الامر الذي انعكس ايضا على شكل هجرة منظمة و مستمرة من الريف الى المدينة.
فيما تلعب النزاعات المسلحة دورا اساسيا في تفاقم الازمة،خصوصا بعد تبعات أي قتال يدور هناك،فالثأر و القتل في الشوارع كاد ان يكون ظاهرة تسببت بالفزع و الخوف في نفوس المواطنين، مع غياب سلطة فعلية للدولة،التي تسعى للحفاظ على مقومات سلطتها الهشة.
.......
هجرة الريف.
فبينما كان الرجال و النساء يجمعون الذرة و يدحرجون لفائف من سيقان النبات الجافة في حقول قريتهم الصغيرة قرب العاصمة اليمنية صنعاء وقف حميد المساجدي يودع أسلوب حياة ستهجره عائلته للأبد.
و قال المزارع البالغ من العمر 35 عاما مشيرا الى الحقول التي تحيط بقرية بيت المساجدي القابعة أسفل مجموعة من الجبال تناثرت وسطها خراف هزيلة "اعتبارا من العام القادم لن تكون هنا أي أراض زراعية.هذه آخر مرة تزرع فيها هذه الأرض.كلنا بعنا الأرض."
و يواجه اليمن مناخا يزداد جفافا و نموا كبيرا في السكان.و تقلصت المحاصيل الزراعية مع تراجع سقوط الأمطار و تناقص مياه الآبار.
لم يعد المزارعون و هم يشكلون 70 في المائة من تعداد السكان يستطيعون العيش على المحاصيل التي يزرعونها.و يتدفق الشبان من الريف على المدن بحثا عن عمل يعولون به أسرهم.
و قال جيرهارد ليختنتايلر من وكالة التنمية الالمانية (جي.تي.زد) " الطعام لم يعد ينتقل من الريف الى المدن بل من المدن الى الريف" مضيفا ان نقص المياه جعل الزراعة مستحيلة في بعض المناطق.و ينخفض مخزون المياه الجوفية من متر الى خمسة أمتار في العام نتيجة للاستخراج المفرط. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.
و قال المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء الذي يقدم المشورة للحكومة اليمنية ان ثلث سكان اليمن البالغ تعدادهم 23 مليونا يعيشون بلا أمن غذائي.
و من المتوقع ان يعاني المزيد من السكان من الجوع في المستقبل مع زيادة سكانية تصل الى ثلاثة في المئة في العام و شح المياه.
و يقول خبراء ان صنعاء مرشحة لان تكون أول عاصمة تجف فيها موارد المياه بحلول عام 2050.
.........
خطط و تأملات.
و بحلول هذا العام يتوقع خبراء المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء ان ترتفع أسعار الحبوب على مستوى العالم بما بين 39 و62 في المائة دون وضع تأثير التغير المناخي في الحسبان و الذي قد يزيد الأسعار بنسبة تتراوح بين 32 و111 في المائة.
و يستورد اليمن 70 في المائة على الاقل من المواد الغذائية التي يحتاجها.
و قال المساجدي "المشكلة هي اننا (اهل الريف) نعتمد بالفعل على قمح مستورد.الذرة للاحتياجات الأساسية فقط."
و يكلف القمح اليمنيين ما يصل الى 250 دولارا للطن و يمكن لارتفاع الأسعار ان يزيد من التوترات في مجتمع ينتشر فيه السلاح و يعيش نحو نصف سكانه على دولارين او أقل في اليوم.
و سيزيد التغير المناخي الضغط على الدولة الواقعة في شبه الجزيرة العربية.
فحكومة صنعاء التي تعوزها الاموال عليها ان تواجه حركة انفصالية في الجنوب و تحافظ على هدنة هشة في الشمال مع المتمردين الحوثيين الشيعة و تقاتل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ من البلاد مقرا له.
و البطالة آخذة في الارتفاع في دولة يعتمد اقتصادها على تصدير النفط بينما بدأت الموارد النفطية تشح.
و قال ابراهيم شرقية و هو خبير يمني في مركز بروكنجز بالدوحة ان نقص الغذاء قد يؤدي الى انهيار النظام و فشل الدولة لان الحكومة ستفقد ميزة توفير الطعام و الدعم الاقتصادي للشعب.
و وضعت حكومة اليمن خطة لتحسين الزراعة التي تستهلك 90 في المئة من المياه و تنويعها و أبعادها عن زراعة القات الذي يهيمن على حياة الناس في اليمن.
لكن ليختنتايلر يصف القات -و هو نبات يتحمل الجفاف- بأنه "محصول مناسب" للمزارعين الفقراء الذين يكافحون لان تكفي مواردهم احتياجاتهم و يرى انه على الرغم من ضرورة المضي في سياسة عدم تشجيع زراعة القات فان تنويع الزراعة قد يأخذ اليمن إلى مسار خاطئ.
و قال مشيرا إلى وكالته (جي.تي.زد) "نحن نطلب منهم فعليا خفض زراعاتهم.عليهم ان يوفروا فرص عمل."
.........
خيارات مطروحة.
و يتفق الخبراء على ان اليمن لن يستطيع ان يزرع كل ما يحتاجه من غذاء.و الزراعة تستهلك موارد مائية ثمينة يدور حولها بالفعل صراع بين اليمنيين و هي موارد حيوية للاستخدامات المنزلية و الصناعية مستقبلا.
و قال ليختنتايلر "ليس بالضرورة ان يكون التفكير الصواب هو إنتاج المزيد من الغذاء.عدد السكان يزيد بسرعة كبيرة يستحيل معها تحقيق اكتفاء ذاتي في الغذاء.نحن بحاجة الى اقتصاد متنوع."
و يرى خبراء ان الامن الغذائي يمكن ان يتحقق من خلال تنمية اقتصاد يوفر دخلا كافيا لتغطية نفقات استيراد الطعام.
و يعد التصنيع و التعدين من البدائل للزراعة كما يمكن للسياحة في اليمن الذي يشتهر بمعماره التقليدي و جباله الوعرة ان توفر فرص عمل و عملة صعبة.
لكن مثل هذه الخطط التي تحتاج الى استثمارات كبيرة من القطاع الخاص تبدو خيالية نظرا للمشاكل الأمنية التي تحيق باليمن.
و يقول كليمنز بريسينجر من المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء ان هناك خيارا لا يحتاج الى استثمارات لكنه ينطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة للسياسيين و هو خفض الدعم الحكومي لأسعار الوقود الذي يعد من أعلى المستويات في العالم.
و ذكر ان دعم الوقود يكلف الحكومة نحو 150 دولارا للفرد في العام.
و أضاف "تخيل لو انك أعطيت هذا المال لكل يمني خاصة من يفتقر منهم للامن الغذائي..فستكون قد حللت جانبا من المشكلة بالفعل."
و يحذر ليختنتايلر من ان اليمن قد يواجه اضطرابات أو أعمال عنف بسبب الغذاء اذا لم يغير إستراتيجيته.
و قال "اذا لم ينوعوا (الاقتصاد) سيزداد الناس فقرا على فقر..ثم تقع كارثة."
و تعج المدن اليمنية بشبان اتوا من الريف لكسب الرزق حتى يعولوا أسرهم.
و يعمل محمد شجون (16 عاما) و هو من محافظة الحديدة في غرب البلاد كموزع جرائد في صنعاء و يحلم بالعودة الى قريته لكن اسرته هناك تعتمد على ما يكسبه في الشهر و هو 7000 ريال (33 دولارا) لان محصولها لا يكفي لإطعامها.
و يقول "العمل شاق تحت شمس صنعاء.الجو في قريتي جميل.أود لو هطلت الأمطار مجددا حتى اترك هذا العمل و أعود الى حقلي."
.........
تزايد العنف.
كما أفاد تقرير جديد،صدر تحت عنوان "تحت الضغط: الصراع الاجتماعي العنيف على الأرض و المياه في اليمن"،أن العنف الدائر في اليمن نتيجة الصراع على الأرض و موارد المياه الشحيحة يحصد أرواحاً أكثر مما يحصده التمرد و "الإرهاب" و الحركات الانفصالية مجتمعة.
و يواجه اليمن حركة انفصالية عنيفة متزايدة في الجنوب،و تمرد متكرر في الشمال،و هجمات منتظمة ضد الحكومة من طرف تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
و في حين تجذب هذه الأزمات العناوين و انتباه صانعي القرار في الغرب،قد يمثل الصراع الاجتماعي على الموارد الشحيحة تهديداً أكثر خطورة على هذا البلد على المدى الطويل،حسب التقرير.
و في هذا السياق،أخبر غافين هيلز،الباحث الرئيس لهذا التقرير أن "اليمن يواجه اليوم عدداً كبيراً من التحديات،و من المؤسف أن العنف الاجتماعي بسبب الأرض و المياه لم يتلق سوى اهتماماً قليلاً نسبياً على الرغم من اتساع نطاق تأثيره على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية لعدد كبير من المواطنين اليمنيين و تسببه في آلاف الوفيات كل عام".بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
و يتفجر معظم هذا العنف في المناطق الريفية حيث يضعف نفوذ الحكومة المركزية،مودياً بحياة أكثر من 4,000 شخص سنوياً،وفقاً لوزارة الداخلية.
و لا يشمل هذا العدد نسبة كبيرة من الحالات التي يتم التعامل معها من خلال القانون القبلي.
و يتسبب تقلص متوسط حيازة الأراضي الناتج عن ارتفاع نسبة النمو السكاني إلى 3 بالمائة سنوياً بالإضافة إلى عدم وجود نظام شامل و موثوق لتسجيل الأراضي في فتح الباب أمام النزاعات الطويلة على الأراضي.
و تشكل قضايا النزاع حول الأراضي نصف مجموع القضايا المطروحة أمام المحاكم،و عادة ما يطول تداولها لسنوات طويلة.
كما أن تفشي الفساد في النظام يزيد من تقويض مصداقية الحكومة.لذلك،و بسبب ضعف إمكانية اللجوء إلى الإجراءات القانونية،يصبح العنف الخيار المتبقي بعد فشل الوساطة القبلية.
......
المياه.
فيما يشكل شح الموارد المائية في اليمن أكثر الأزمات التي تواجه البلاد تعقيداً.
فحصة الشخص الواحد من المياه سنوياً لا تتعدى 2 بالمائة من المتوسط العالمي،و من المتوقع أن تصبح صنعاء أول عاصمة في العالم تواجه نفاذ المياه.
و يمكن تتبع جذور الصراع الحديث على موارد المياه إلى سبعينيات القرن الماضي،حسب غيرهارد ليختنتايلر،المستشار بالشركة التقنية الألمانية التي تعمل على تخفيف أثار الصراع المتعلق بالمياه.
و قد كان النزاع على المياه في ذلك الوقت يدور حول المياه السطحية،و لكن اليمنيين العائدين من السعودية أحضروا معهم تكنولوجيا الآبار الارتوازية و بدؤوا يحفرون الآبار في اليمن.
و قد ساهمت "هذه الطريقة آنذاك في حل الصراعات حول المياه لأن الشخص كان يحفر بئره الخاصة على أرضه.و استمر الوضع هكذا إلى أن أدرك الناس بعد 20 عاماً أن هذه المياه لن تدوم إلى الأبد". و أصبح حفر بئر جديدة،خاصة على أرض متنازع عليها،كفيلاً بأن يؤدي إلى اشتعال توتر بين القبائل.
و يبقى السؤال مطروحاً حول ما إذا كانت الأراضي و ندرة المياه هي مصدر الصراع أو مجرد شرارة تشعل فتيل المظالم الكامنة.
و هو ما علق عليه هيلز بقوله أنه "على الرغم من أن ندرة الموارد و إدارتها يشكلان في الواقع دافعان أساسيان للصراع في العديد من المناطق إلا أنه من المهم أن نعترف بأنهما يتفاعلان مع مظالم أخرى مثل قضايا الثأر و السخط السياسي".
و أضاف في إشارة إلى شكاوى الجنوبيين من التهميش السياسي و الاقتصادي على أيدي الحكومة التي يهيمن عليها الشمال أنه في عام 2009،"اندلعت احتجاجات شعبية في لحج و عدن بسبب انقطاع موارد المياه البلدية،و هذا بالطبع يتشابك مع مظالم أوسع".
.........
الأسلحة.
بينما يتسبب انتشار الأسلحة على نطاق واسع في تفاقم أعمال العنف الاجتماعي في هذه الجمهورية الفقيرة.
و في حين تقابَل التقديرات القائلة بوجود 60 مليون قطعة سلاح في اليمن بالكثير من التشكيك تدل التقديرات الأكثر واقعية الواردة في هذا التقرير،و التي تشير إلى وجود 11 مليون قطعة سلاح في بلد يسكنه 23 مليون نسمة،على أن معدل ملكية السلاح في اليمن يمثل أحد أعلى المعدلات في العالم.
إن الوجود المستمر للأسلحة النارية يعني أنه من المرجح أن يتخذ الصراع على الموارد منحىً مميتاً.
و علق هيلز على ذلك بقوله: "لقد أخذت الحكومة اليمنية خطوات إيجابية هامة،خصوصاً منذ عام 2007،للحد من حمل السلاح في المناطق الحضرية و تقليص سوق السلاح المحلي".
غير أن انعدام نفوذ الحكومة المركزية في المناطق الريفية يجعل تطبيق قوانين مماثلة خارج المدن صعباً من الناحية السياسية،و لاسيما بالنظر إلى الدور الهام للتسلح في الثقافة القبلية.
و يرى هيلز أن "المجتمعات المحلية قد تكون قادرة على مساعدة نفسها في هذا المجال،و ذلك من خلال العمل على إعادة إحياء تقليد الملاذ الآمن و ضمان الوصول الآمن إلى المدارس و الأسواق و المراكز الصحية".بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
و تتباين وجهات نظر زعماء القبائل حول دور الأسلحة في الصراع.
حيث أفاد الشيخ محمد آل الشايف،من محافظة الجوف،أن "الأسلحة ليست هي المشكلة،فحمل السلاح جزء من ثقافة المجتمع.ليست الأسلحة من يقتل الناس،بل عقلياتهم هي التي تقتلهم".
و لكنه أكد أن زعماء القبائل قد يفكرون في التخلي عن أسلحتهم،قائلاً: "بناء على آراء الناس الذين أعرفهم،إنهم مستعدون للتخلي عن أسلحتهم إذا ضمنوا أنهم لن يكونوا ضحايا العنف و أن القانون سيطبق بشكل عادل.إن القبائل مستعدة لقبول سيادة القانون إذا اتسمت بالنزاهة".
و شكى آل الشايف من أن انعدام العدل في تطبيق القوانين الخاصة بالأسلحة،قائلاً: "عندما صدر قانون عدم حمل الأسلحة النارية،لم يتم تطبيقه بصورة عادلة.كانت هناك استثناءات لمسؤولين رفيعي المستوى.فالأغنياء الذين يملكون سيارات عديدة لا يتم إيقافهم عند نقاط التفتيش للبحث عن الأسلحة".
و ردد الشيخ أيضاً دعوة هيلز لإعادة إحياء تقليد الملاذ الآمن،مطالباً بشكل خاص بجعل صنعاء مدينة خالية من الصراع القبلي.
و اتسمت كلماته بقدر من الجدية نظرا لتعرض أحد زعماء القبائل للقتل بطلق ناري قبل ساعات قليلة في عملية انتقامية تم تنفيذها على باب مطعم مزدحم في صنعاء.
.........
تناقص الموارد.
من جانبه أوضح الشيخ محمد أنه و آخرين مثله على استعداد لقبول أوامر الحكومة حتى في المناطق القبلية،إذا توفرت لديهم الثقة في القيادة المركزية.
و أضاف: "إذا كانت هناك نية جادة و صادقة من جانب الحكومة لحل المشاكل الاجتماعية بشكل منصف و عادل،سيتم إتباع القانون".
و في الوقت الذي يفكر فيه صانعو السياسة الأميركية في تقديم مساعدات دفاعية قيمتها مليار دولار لمعاونة الحكومة اليمنية على تفادي تهديدات أمنية مختلفة،يتساءل المحللون عما إذا كان هذا العنف السياسي يشكل أخطر تحد لاستقرار اليمن على المدى الطويل.
و هو ما علق عليه عيد الغني الأرياني،المحلل السياسي اليمني،بقوله أن "العنف الاجتماعي يشكل أكبر تهديد يواجه اليمن على المدى الطويل.فمن الممكن عكس العنف السياسي و العنف الذي تمارسه الدولة ضد السكان بسهولة نسبية،كما قد تظهر تسوية سياسية جديدة و لكن تناقص الموارد يبقى هو المشكلة المستعصية التي لا يمكن حلها عن طريق التوافق السياسي،و سوف تتطلب الكثير من العمل".
.........
سوء تغذية الأطفال.
كما أظهر مسح جديد ارتفاع مستويات سوء تغذية الأطفال في محافظة صعدة الشمالية المتأثرة بالنزاع في اليمن،خاصة في المناطق التي شهدت أشد المعارك.
و يتساوى معدل سوء التغذية الذي أورده المسح مع المعدل الذي أورده مسح آخر جرى في جنوب السودان في بداية هذا العام و جذب اهتماماً إعلامياً لاكتشافه "أكثر مكان جوعاً على وجه الأرض".
و قد أظهر المسح الذي أجرته وزارة الصحة العامة و السكان بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن 45 بالمائة من الأطفال البالغ عددهم 26,246 طفلاً في المرحلة العمرية بين 6 و59 شهراً ممن شملهم المسح في خمس مديريات غرب صعدة (يوجد بالمحافظة 15 مديرية) يعانون من سوء تغذية حاد.
و جاء في بيان اليونيسف أن "نسبة سوء التغذية وصلت إلى ثلاثة من أصل أربعة أطفال في إحدى المناطق.و عموماً أظهر المسح أن 17 بالمائة من الأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد بينما يعاني 28 بالمائة من سوء التغذية الحاد المتوسط".
و بإضافة نسب سوء التغذية الحاد الشديد إلى نسب سوء التغذية الحاد المتوسط تكون المحصلة سوء تغذية حاد عام نسبته 45 بالمائة من الأطفال الذين شملهم المسح.
و هذه هي نفس النسبة التي توصلت إليها الدراسة التي أجرتها منظمات غير حكومية مثل منظمة إنقاذ الطفولة و ميدإير في جنوب السودان بداية هذا العام و التي دعت تقارير إعلامية إلى تسمية المنطقة "بأكثر مكان جوعاً على وجه الأرض".
و يعد سوء التغذية الحاد الشديد و سوء التغذية الحاد العام المؤشرين الرئيسيين المستخدمين في دراسات التغذية.
و يعتمد انتشار سوء التغذية الحاد الشديد و سوء التغذية الحاد العام على نسبة الأطفال في المرحلة العمرية من 6 إلى 59 شهراً الذين تصنفهم قياسات أجسامهم كمصابين بسوء تغذية حاد طبقاً لمقاييس و مبادئ توجيهية إحصائية مختلفة.
و أفادت وسام التميمي،أخصائية التغذية باليونيسيف أن المسح غطى ثلث محافظة واحدة فقط من بين محافظات اليمن الإحدى و العشرين و لكن التقييمات و الدراسات الأخيرة من مخيمات النازحين و المجتمعات المضيفة المتأثرة بالنزاع في صعدة تظهر أيضاً مستويات عالية جداً من سوء التغذية الحاد.
و قالت اليونيسيف أنها استخدمت منهجية MUAC في مسح صعدة.بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
و قال جيرت كابيليري،ممثل اليونيسيف في اليمن أن سوء التغذية هو السبب الرئيسي لوفيات الأطفال الصغار في اليمن،و بالتالي فإن هذا الوضع المريع ينذر بكارثة على أطفال صعدة.
و أضاف أنه "مع اقتراب فصل الشتاء،قد يصبح آلاف الأطفال في خطر شديد ما لم تتخذ تدابير عاجلة للتعاطي مع هذه المشكلة".
و قد ذكرت التميمي أن الباحثين المحليين الذين أجروا الدراسة في يوليو 2010 حصلوا على تدريب على يد مستشاري التغذية باليونيسيف و مدربين من مكتب وزارة الصحة بمحافظة صعدة (التابع لوزارة الصحة).
............
ليست كافية.
من جانب آخر،لا يشكل القتال المتقطع الدائر منذ عام 2004 السبب الوحيد للمشكلة،إذ تعاني المناطق الريفية في اليمن بصفة عامة من نقص الوعي حول التغذية المناسبة و يعتبر الخبز و الشاي فيها وجبتي الإفطار و العشاء المعتادتين للبالغين و الأطفال.
و تشير التوقعات القائمة على البيانات الوطنية للفترة 2003-2008 باستخدام مؤشرات الوزن و الطول و العمر إلى أن 15 بالمائة من الأطفال تحت سن الخامسة في جميع أنحاء اليمن يعانون من سوء التغذية الحاد العام.
و هذه النسبة هي بالفعل المستوى الذي تعرفه منظمة الصحة العالمية على أنه حالة طوارئ.
و لكن يبدو أن النزاع الذي طال أمده في صعدة بين القوات الحكومية و المتمردين الشيعة بقيادة الحوثي يؤدي إلى تفاقم الوضع في الشمال.
و قال شهاب محمد الذي يعمل طبيباً في مستشفى السلام الحكومي في مدينة صعدة أن "العديد من الأطفال يأتون إلينا في حالة متأخرة من سوء التغذية و لذلك يصبح علاجهم مكلفاً و يستغرق عدة أشهر.لا يقدم الآباء لأطفالهم المرضى الغذاء الصحيح لكي يبقوا أصحاء و لا يصطحبونهم إلى المستشفى مبكراً بما يكفي".
بدورها،قالت سامية محمد،و هي ناشطة سابقة في مجال التوعية الصحية في مخيم المزراق للنازحين الذي يأتي معظم سكانه من غرب صعدة أن المئات من الأطفال كانوا بالفعل يعانون من سوء التغذية عند وصولهم إلى المخيم،مضيفة أن "أمهاتهم كن أيضاً يعانين من سوء التغذية".
و قال جيرت كابيلاري ممثل اليونيسيف في اليمن أن "المساعدات الغذائية بمفردها ليست كافية لمعالجة سوء التغذية"،مضيفاً أن هناك حاجة إلى جهود كبيرة لدعم الأمن الغذائي للأسر و تغيير العادات الغذائية الحالية و ضمان المياه الآمنة و الصرف الصحي و النظافة للسكان المتضررين من النزاع.
و على الرغم من وقف إطلاق النار في فبراير 2010،إلا أن الوضع الأمني المتقلب للغاية قد أعاق وصول المنظمات العاملة في المجال الإنساني.
و أفاد كابيلاري أن "اليونيسيف تدعو جميع أطراف النزاع في صعدة و تناشد المجتمع الدولي كذلك بما في ذلك وفد الوساطة القطرية الذي يزور اليمن حالياً من أجل ضمان الوصول الفوري للجهات الفاعلة في المجال الإنساني إلى كافة مناطق محافظة صعدة لإيصال المساعدات اللازمة لإنقاذ حياة الأطفال".
...........
الثأر و مقاعد الدراسة.
في حين أفادت منظمة شركاء اليمن،و هي منظمة غير حكومية دولية،أن آلاف الأطفال توقفوا عن الذهاب إلى مدارسهم في ثلاث من محافظات اليمن الإحدى و العشرين خشية أن يتم استهدافهم بالقتل من أجل الثأر.
و تنظم منظمة شركاء اليمن حملة للتوعية في محافظات الجوف و مأرب و شبوة حيث يكتسي النظام القبلي أهمية كبرى في الحياة السياسية و الاجتماعية و يبقى وجود و تأثير السلطات الرسمية محدوداً للغاية.
و في إطار هذه الحملة،تعمل منظمة شركاء اليمن على تلقين الأطفال في المدارس التي مازالت مفتوحة شعار "إلى من حرموني من أبي،لا تحرموني من تعليمي".
غير أن آلاف الأطفال توقفوا عن الذهاب إلى المدارس خشية تجاوز الحدود القبلية.
و من هؤلاء،سالم يحيى،البالغ من العمر 17 عاماً.ينتمي يحيى إلى قبيلة الشولان في محافظة الجوف المشتبكة في نزاع مع قبيلة حمدان منذ أربعين عاماً.
و قد تحدث يحيى عن تأثره بهذا النزاع قائلاً: "لم أذهب إلى المدرسة منذ عام 2005 عندما كنت في الصف السادس.أخشى أن يقوم مسلحو قبيلة حمدان بقتلي".
و كان عشرات الأشخاص من القبيلتين قد لقوا مصرعهم في حوادث ثأر على مدى العشرين عاماً الماضية.
و قد اندلع الصراع بين القبيلتين للمرة الأولى في بداية السبعينيات بسبب أرض متنازع عليها كانت كل قبيلة تدعي ملكيتها لها.
و علق الشيخ سلطان،الوسيط الرئيس في النزاع في المحافظة،على ذلك بقوله: " لم تعد الأرض الآن هي المشكلة،بل أصبحت المشكلة تتمثل في عمليات القتل الانتقامية المعقدة التي تستمر في حصد أرواح الآلاف من رجال القبائل و إبعاد الأطفال عن المدارس".
و ترى منظمة شركاء اليمن أن التعامل مع الصراع في وضعه الحالي أمر معقد للغاية.حيث تعتبر القبائل التخلي عن ثأرها أو العفو عن أسرة أو قبيلة من تسبب في قتل أحد أعضائها وصمة عار كبيرة.بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
و وفقاً للقاضي يحيى الماوري،عضو اللجنة الوطنية العليا لمكافحة ظاهرة الثأر التابعة لوزارة الداخلية،أودت هذه الجرائم بحياة 4,698 شخصاً في المحافظات الثلاث بين عامي 1998 و2008.
و لم يتمكن الماوري من تقديم أرقام حديثة عن عدد قتلى الثأر بسبب عدم صدور أية إحصائيات رسمية عن حوادث القتل بدافع الثأر و ضحايا النزاعات في العامين الماضيين.
و أوضح أن نسبة عالية من الأمية تنتشر في المحافظات الثلاث حيث "يعاني 56 بالمائة من ذكورها و 70 بالمائة من إناثها من الأمية".
كما أفادت إحصائيات عام 2009 الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء أن عدد سكان المحافظات الثلاث يبلغ 1.3 مليون نسمة، 63 بالمائة منهم يعانون من الأمية مقارنة بالمتوسط الوطني البالغ 41 بالمائة.
.........
إغلاق المدارس.
من جهتها أفادت منظمة شركاء اليمن أن عمليات القتل بدافع الثأر أدت إلى إغلاق العديد من المدارس،خاصة في محافظتي الجوف و شبوة،في حين يعتبر الوضع في محافظة مأرب أقل سوءاً.
و في هذا السياق،أخبر عبد الحميد عامر،رئيس جمعية السلام للتنمية و السلم الاجتماعي،و هي منظمة غير حكومية محلية بمحافظة الجوف أنه تم إغلاق حوالي 20 مدرسة في أنحاء المحافظة.
و أوضح أنه "تم إغلاق 8 مدارس في منطقتي المرازيق و آل صيدة لمدة خمس سنوات حتى الآن"،مما تسبب في انقطاع آلاف الأطفال عن التعليم.
من جهته،أفاد ناجي السامي،مسؤول إدارة النزاعات في جمعية الأخوة للسلام و التنمية،و هي منظمة غير حكومية بمحافظة شبوة،أن أكثر من اثنتي عشرة مدرسة في المحافظة لا تزال مهجورة منذ عدة سنوات بسبب عمليات القتل بدافع الثأر.
و أضاف أن "مدرسة النبوب التي كانت تأوي 500 طالب في مديرية نصاب تعرضت للهجر لأكثر من خمس سنوات حتى الآن.و قد انتقل عدد قليل من طلابها إلى مناطق أخرى أكثر أمنا لاستكمال تعليمهم في حين توقف معظمهم عن طلب العلم منذ ذلك الحين".
........
جهود الوساطة.
من جهته،قال خالد القباطي،و هو مدرس بإحدى مدارس المديرية،أن العديد من المدرسين السابقين شرعوا في التوسط بين القبائل المتنازعة،معلقاً على ذلك بقوله: "بعد أن بقيت مدرستنا في منطقة آل صيدة مهجورة لمدة خمس سنوات،وجدنا أنفسنا عاطلين عن العمل مما جعلنا نفكر في التوسط للمساعدة في إنهاء النزاعات التي طال أمدها".
و ذكر القباطي،و هو من محافظة تعز وسط اليمن و يعمل مدرساً في محافظة الجوف،أن حمل السلاح أمر شائع في المحافظات الثلاث،مضيفا أن "الآباء يعلمون أبناءهم كيف يحملون و يستخدمون البنادق و كيف يقتلون أيضاً...فهم لا يبالون بشأن إرسالهم إلى المدارس".
من جهتها،أفادت ندوة الدوسري،المدير التنفيذي لمنظمة شركاء اليمن،أن حملة التوعية التابعة للمنظمة صُمِّمت لكي تضمن بيئة آمنة للأطفال في المدارس.
و قد تواصلت من أجل ذلك مع ما يزيد عن 50,000 سيدة من سكان المحافظات الثلاث لتشجيع تعليم الأولاد و الفتيات و دعم الحاجة إلى حمايتهم من عمليات القتل بدافع الثأر.
و أضافت الدوسري قائلة: "لقد لقيت أنشطتنا الخاصة بالتوعية استقبالاً جيداً في المجتمعات لأننا صممناها بشكل يمكنها من جذب الثقافة المحلية و الاستجابة للتقاليد الإيجابية القائمة".
كما أشارت إلى أن الدور غير الفعال للمؤسسات الحكومية في تلك المناطق القبلية البعيدة بالإضافة إلى الفقر المدقع و البنية التحتية المتردية تعتبر جميعها تحديات رئيسية أمام جهود التوعية.
و أضافت: "لو شاركتنا المؤسسات الحكومية لكانت حملاتنا أكثر فاعلية بكثير".