اغتراب الذات عن الواقع.
عبدالله العبادي.
........
جاءت الحقبة الاستعمارية لتكتب ميلاد مجتمع إشكالي،بدأت تبرز فيه الشخصية (في العالم العربي) كصيغة مفتوحة على كل الأشكال و التيارات و الايديولوجيات،و كانت النكبة و احتلال الارض و هزيمة حزيران و تضاؤل فرص الوحدة،كلها انتكاسات لاحقت مشاهد السقوط المفجع و انهيار بعض المسلمات و يقينياتها عبر أشلاء الأزمنة المتداخلة و المكتسِبة لمعانيها في البحث عن فضاءات جديدة للتعبير و الوجود الذاتي.
فأصبحت الثقافة و هي احدى مكونات الذات مستهدفة من سياسات عدائية او وطنيين انفسهم باسم العلم و باسم ما يسمى تقدما تكنولوجيا و انبهارا بالنموذج الغربي.
....
ما بعد الاستعمار.
حملت حقبة ما بعد الاستعمار بعض مؤشرات التجاوز،و أُريد لها ان تكون مرحلة القطيعة مع ماضي الانحطاط،فبدت الهوية و كأنها تبحث لها عن مكان امن يقيها شر الرياح الخارجية العاتية.
و اقترنت الذات بالانكسارات المتتالية فكانت الانتاجات الفكرية و الرؤى المطروحة آنذاك تضرب في اعماق الذات للفرد و الجماعة و تعري حالات القمع و القهر و الخوف و السلطة و الوصاية لتظهر واقعا مترديا اريد له الاستمرار.
بالنسبة للبعض كان عهد الانحطاط قد ولى و صاروا يؤمنون بمرحلة تاريخية جديدة و البعض الاخر كان يرى ان الواقع ثابت و الامور تمشي بشكل دائري.
بين هؤلاء و اولئك كانت الذات الفردية او الجماعية تخضع لموازين القوى تارة يسارية و تارة قومية و تارة.....فاغتربت عن الواقع و عن التربة التي نشأت فيها،فكانت ضحية لفساد سياسي و اقتصادي و اجتماعي مهد الطريق لانحلال اخلاقي و فساد القيم الانسانية و انحطاط الكرامة.
عبر نجيب محفوظ عن هذه الشخصية في رواياته العديدة في زمن ساد فيه الفساد و ظهرت الزبونية و امتزج المدنس بالمقدس في الشخصية العربية الكارتونية المركبة.
...........
مخاطر فقدان الذات.
يشير أريك فروم في كتابه خوف الحرية إلى مخاطر فقدان الذات و إحلال ذات أخرى مكانها.
يقول: "إن فقدان الذات و إحلال ذات مكانها يدفع الفرد إلى حالة من انعدام الاطمئنان،فالشك يلاحقه،إذ أنه أساساَ مرآة لتوقعات الآخرين منه بينما هو فقد هويته إلى حد كبير،و في سبيل تجاوز الهلع الناتج عن خسارة الهوية هذه نراه مضطراَ للبحث عن هوية ما من خلال قبول و اعتراف مستمرين به من قبل الآخرين."
الثقافة في مفهومها العام حصيلة انتاج شعب او امة،انها المخيلة الجماعية للأفراد،انها حصن التمييز عن الاخر.
و تبقى الثقافة احد العوامل التي تحفظ لجماعة او امة ما انسجامها و تماسكها من الانحلال و التفتت،فليست هناك ثقافة متخلفة و اخرى متقدمة بل هناك اختلاف ثقافي،و لكل ثقافة خصوصياتها و نقط قوة تنفرد بها عن الاخرى.
الكل يعي جبروت المشروع الغربي و ما يشكله من خطر دائم على الثقافات الاخرى حيث يحاول نزع كل مقوماتها باسم العولمة و نشر التقدم و الحضارة،و في الان نفسه يعي ما تمثله الذاتية الثقافية للأمم من خطر على مشروعه و التي تقف سدا منيعا لمحاولات السيطرة.
و حين ينظر الى الثقافة فقط من خلال عنصري العلم و التقدم التكنولوجي تفقد الثقافة شموليتها التاريخية و ذاكرتها الجماعية لامة ما.
.........
الانفتاح على الثقافات.
في الوقت نفسه،الحرص على الموروث الثقافي لا يعني باي شكل من الاشكال الانغلاق و الرجوع الى الوراء،بل على الامة لإغناء معارفها الانفتاح على الثقافات و الحضارات الاخرى مستمدة وعيها من الجذور و الموروث الثقافي الخاص بها.
فالوعي الثقافي و المعرفي هو بالأساس وعي بالخصوصية الثقافية الجماعية.
و الحرص على الخصوصية الثقافية هو الضامن الحصين للهوية القومية،و التي يتداخل فيها الديني بالاجتماعي بالاقتصادي و بالسياسي.
و في حالة فقدان الهوية الذاتية نرى الامة او الجماعة تهرول لتقمص ذوات اخرى لتكون مقبولة من طرف الاخرين و للإحساس بنوع من الاطمئنان و ابعاد شيئا ما الخوف و الشك الذي خلفه فقدان الذات.
فلن تجدي سياسة الانصياع وراء الاخر و نكران الذات في شيء،و لا سياسة الصم البكم و غمر الراس بالرمل في شيء.
"نملك ماضيا غنيا و حاضرا بئيسا و بإمكاننا صنع مستقبلا زاهرا".
.....
شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 8/كانون الثاني/2013
عبدالله العبادي.
........
جاءت الحقبة الاستعمارية لتكتب ميلاد مجتمع إشكالي،بدأت تبرز فيه الشخصية (في العالم العربي) كصيغة مفتوحة على كل الأشكال و التيارات و الايديولوجيات،و كانت النكبة و احتلال الارض و هزيمة حزيران و تضاؤل فرص الوحدة،كلها انتكاسات لاحقت مشاهد السقوط المفجع و انهيار بعض المسلمات و يقينياتها عبر أشلاء الأزمنة المتداخلة و المكتسِبة لمعانيها في البحث عن فضاءات جديدة للتعبير و الوجود الذاتي.
فأصبحت الثقافة و هي احدى مكونات الذات مستهدفة من سياسات عدائية او وطنيين انفسهم باسم العلم و باسم ما يسمى تقدما تكنولوجيا و انبهارا بالنموذج الغربي.
....
ما بعد الاستعمار.
حملت حقبة ما بعد الاستعمار بعض مؤشرات التجاوز،و أُريد لها ان تكون مرحلة القطيعة مع ماضي الانحطاط،فبدت الهوية و كأنها تبحث لها عن مكان امن يقيها شر الرياح الخارجية العاتية.
و اقترنت الذات بالانكسارات المتتالية فكانت الانتاجات الفكرية و الرؤى المطروحة آنذاك تضرب في اعماق الذات للفرد و الجماعة و تعري حالات القمع و القهر و الخوف و السلطة و الوصاية لتظهر واقعا مترديا اريد له الاستمرار.
بالنسبة للبعض كان عهد الانحطاط قد ولى و صاروا يؤمنون بمرحلة تاريخية جديدة و البعض الاخر كان يرى ان الواقع ثابت و الامور تمشي بشكل دائري.
بين هؤلاء و اولئك كانت الذات الفردية او الجماعية تخضع لموازين القوى تارة يسارية و تارة قومية و تارة.....فاغتربت عن الواقع و عن التربة التي نشأت فيها،فكانت ضحية لفساد سياسي و اقتصادي و اجتماعي مهد الطريق لانحلال اخلاقي و فساد القيم الانسانية و انحطاط الكرامة.
عبر نجيب محفوظ عن هذه الشخصية في رواياته العديدة في زمن ساد فيه الفساد و ظهرت الزبونية و امتزج المدنس بالمقدس في الشخصية العربية الكارتونية المركبة.
...........
مخاطر فقدان الذات.
يشير أريك فروم في كتابه خوف الحرية إلى مخاطر فقدان الذات و إحلال ذات أخرى مكانها.
يقول: "إن فقدان الذات و إحلال ذات مكانها يدفع الفرد إلى حالة من انعدام الاطمئنان،فالشك يلاحقه،إذ أنه أساساَ مرآة لتوقعات الآخرين منه بينما هو فقد هويته إلى حد كبير،و في سبيل تجاوز الهلع الناتج عن خسارة الهوية هذه نراه مضطراَ للبحث عن هوية ما من خلال قبول و اعتراف مستمرين به من قبل الآخرين."
الثقافة في مفهومها العام حصيلة انتاج شعب او امة،انها المخيلة الجماعية للأفراد،انها حصن التمييز عن الاخر.
و تبقى الثقافة احد العوامل التي تحفظ لجماعة او امة ما انسجامها و تماسكها من الانحلال و التفتت،فليست هناك ثقافة متخلفة و اخرى متقدمة بل هناك اختلاف ثقافي،و لكل ثقافة خصوصياتها و نقط قوة تنفرد بها عن الاخرى.
الكل يعي جبروت المشروع الغربي و ما يشكله من خطر دائم على الثقافات الاخرى حيث يحاول نزع كل مقوماتها باسم العولمة و نشر التقدم و الحضارة،و في الان نفسه يعي ما تمثله الذاتية الثقافية للأمم من خطر على مشروعه و التي تقف سدا منيعا لمحاولات السيطرة.
و حين ينظر الى الثقافة فقط من خلال عنصري العلم و التقدم التكنولوجي تفقد الثقافة شموليتها التاريخية و ذاكرتها الجماعية لامة ما.
.........
الانفتاح على الثقافات.
في الوقت نفسه،الحرص على الموروث الثقافي لا يعني باي شكل من الاشكال الانغلاق و الرجوع الى الوراء،بل على الامة لإغناء معارفها الانفتاح على الثقافات و الحضارات الاخرى مستمدة وعيها من الجذور و الموروث الثقافي الخاص بها.
فالوعي الثقافي و المعرفي هو بالأساس وعي بالخصوصية الثقافية الجماعية.
و الحرص على الخصوصية الثقافية هو الضامن الحصين للهوية القومية،و التي يتداخل فيها الديني بالاجتماعي بالاقتصادي و بالسياسي.
و في حالة فقدان الهوية الذاتية نرى الامة او الجماعة تهرول لتقمص ذوات اخرى لتكون مقبولة من طرف الاخرين و للإحساس بنوع من الاطمئنان و ابعاد شيئا ما الخوف و الشك الذي خلفه فقدان الذات.
فلن تجدي سياسة الانصياع وراء الاخر و نكران الذات في شيء،و لا سياسة الصم البكم و غمر الراس بالرمل في شيء.
"نملك ماضيا غنيا و حاضرا بئيسا و بإمكاننا صنع مستقبلا زاهرا".
.....
شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 8/كانون الثاني/2013