"زواج الفصلية": عرف عشائري في العراق ضحيته المرأة.
25.05.2012
......
"زواج الفصلية" أو "زواج الدية" عرف عشائري ما زال منتشرا في عموم العراق رغم اختلاف عادات عشائره في الشمال عن نظيراتها في الجنوب و الوسط.
فما هو هذا الزواج؟ مراسل DW عربية في العراق يسلط الضوء على هذا التقليد.
........
على عكس مظاهر الفرح التي تعم مراسيم الزواج بين محبوبين أو عاشقين أو قريبين،حتى و إن كان زواجاً تقليدياً،غابت هذه المرة زغاريد الأفراح في "ليلة عمر" ندى جبار أحمد (17 عاماً) على اعتبار أنها "امرأة فصلية"،بموجب التقليد،الذي تمليه العادات العشائرية العراقية القديمة لحقن دماء العشائر المتخاصمة.
المرأة "الفصلية" ضحية زواج الدم،الذي ينص على تزويج إحدى بنات العشيرة المعتدية إلى الشخص المعتدى عليه أو أحد أقاربه بعنوان "الثأر" في أغلب الأحيان.
و هذه المرأة تعيش خلال هذا الزواج في الغالب تحت ضغط نفسي "صعب جداً،أدى في بعض الحالات إلى انتحار بعضهن"،كما تقول ندى.
......
ضحية للأعراف العشائرية.
كانت ندى تلميذة في المدرسة الثانوية في محافظة ميسان جنوبي العراق،حكمت عشائرياً بقرار يقضي بتزويجها لرجل من عشيرة أحد المقتولين كتعويض عن الخسارة البشرية التي سببها القاتل الذي ينتمي لعشيرتها،و التي زُفت إلى عريس دون أن تتعرف عليه مسبقاً.
على ذلك يعلق جبار والد ندى،الذي كان يشاهد ابنته و هي تزف لرجل غريب بجو يسوده الحزن و الصمت،بالقول: "تلك التقاليد (العشائرية) أنهت مستقبل ابنتي.حاولت جاهداً عدم تزوجيها و لكن لا حول لي و لا قوة فهي ضحية حكم عشائري".
مضيفاً بتساؤل: "لا أعرف ماذا سيحل بها و هي زوجة فصلية؟".
و دعا جبار،و هو أب لخمسة أولاد (ثلاث بنات و صبيين) تكبرهم ندى،إلى ضرورة تفعيل القوانين المدنية التي من شأنها القضاء على التقاليد و الأعراف العشائرية،و منها "زواج الفصلية" الذي "يسلب المرأة حريتها و كرامتها".
و سبق لجمهورية العراق الأولى عام 1958 أن ألغت قانون العشائر و قضت على سلطة القبيلة السياسية و حولتها إلى هيئة اجتماعية ريفية يمكن للمرء الرجوع إليها للمشورة.
لكن الفراغ السياسي الذي خلقه النظام العراقي السابق،أعاد للعشائر نفوذها من جديد.
تفاصيل قدر ندى لا تختلف كثيراً بعض الشيء مع قدر فاطمة قادر عبد الله (25عاماً)،التي زوُجت هي الأخرى في ظل عادات و تقاليد المجتمع التي تجعل من الفتاة "ضحية" و "هبة" تُعطى لإرضاء الخصوم و حل الصراعات.
و تروي فاطمة،و هي أم لطفلة في ربيعها الثالث،و التي تقطن بقضاء رانيه التابع لمحافظة السليمانية بكردستان العراق معاناتها خلال زواجها الذي لم يطل سوى أربع سنوات: "كنت أعمل كالخادمة في بيت عائلة زوجي.لا يحق لي أن اعترض على أي شي سوى أن أنفذ أوامرهم و ألبي طلباتهم".
و تضيف "الزوجة الفصلية"،التي انفصلت مؤخراً عن زوجها بعد أن دفعت عشيرتها مبلغا ماليا كفدية لتحريرها و أنهت الخلاف مع عشيرة زوجها،في حوار مع موقع DW عربية بأنها كانت تتلقى عبارات السب و الشتم في اغلب الأوقات لأني كنت "أذكرهم بمقتل ولدهم على يد أحد أفراد عشيرتي".
.......
سن القوانين لمحاربة التقليد.
من جانبها تشير روناك فرج رحيم،منسقة مشاريع المركز الإعلامي و الثقافي للنساء في كردستان العراق في حوار مع DW عربية إلى أن منظمتها و بالتعاون مع منظمات حقوق الإنسان "تمكنت من تحرير نحو ألف امرأة من قيود تلك الأعراف و التقاليد العشائرية،من خلال إقناع برلمان حكومة إقليم كردستان العراق على سن قانون مناهضة العنف الأسري العام الماضي".
و ينص قانون مناهضة العنف الأسري في دستور حكومة إقليم كردستان العراق بمادته الـثامنة من قانون الأحوال الشخصية (56) لسنة 2011،على عقوبة الحبس و الغرامة على كل "من يرتكب عنفا أسريا جسديا و نفسيا أو من يُكره شخصاً آخر على الزواج،أو الزواج القسري أو ختان الإناث أو الزواج بالدية".
و هذا ما شكل رادعاً لتراجع هذه الظاهرة في العديد من القرى الكردية.
......
"جريمة يحاسب عليها القانون".
المحامي في محكمة قصر العدالة في جانب الرصافة من العاصمة بغداد بهاء الدين الربيعي يقول إن "ظاهرة (زواج الفصلية) تعتبر جريمة يحاسب عليها القانون"،معللاً ذلك إلى فقدانه أهم ركن من أركان عقد الزواج و المتمثل بتوافق الإيجاب و القبول من كلا الطرفين،"و الذي بدونه يصبح عقد الزواج باطلاً".
و يضيف الربيعي في حوار مع DW عربية قائلاً: إن "نظرة المشرع العراقي في هذا الموضوع جاءت من خلال نص المادة (9) من قانون الأحوال الشخصية (188) لسنة 1959".
و تنص هذه المادة على: "معاقبة من يُكره شخصاً،ذكراً كان أم أنثى على الزواج من دون رضاه، أو منعه من الزواج بالحبس لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بالغرامة،إذا كان المكره أو المعارض أقارب من الدرجة الأولى".
و يوضح الربيعي بالقول:"أما إذا كان المعارض أو المكره من غير الدرجة الأولى فتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد عن عشر سنوات أو الحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات،باعتبار عقد الزواج وقع بالإكراه".
لكن يبدو أن هذه المادة القانونية كُتبت لتحاكي مجتمعاً آخر،إذ لم تتمكن – بالرغم من تشريعها في وقت مبكر من نشوء الدولة العراقية – من إنقاذ العديد من الفتيات اللواتي وقعن ضحية الأعراف و التقاليد العشائرية.
......
ماذا يقول الشرع؟
إلى ذلك،يقول خطيب و إمام مسجد الثقلين في منطقة الحبيبية شمالي بغداد الشيخ جاسم الساعدي إن "الشريعة الإسلامية نهت و بشكل قاطع عن مثل هذا النوع من الزواج،لأن من أهم أركان الزواج أن يكون مبنيا على رضا الطرفين بعيداً عن الإكراه و الغصب".
و يضيف الساعدي في حوار مع DW عربية: "انغلاق المجتمع العراقي على نفسه خلال حقبة حكم البعث، ساهم بشكل كبير في تنامي الظاهرة"،مشيداً بالدور الكبير الذي تلعبه المؤسسات الثقافية الدينية في نبذ مثل هذه التقاليد التي من شأنها "تفكيك المجتمع"،و ذلك من خلال جلسات "الفصل العشائري" التي يتم فيها اصطحاب رجال الدين،على حد تعبيره.
الحد من هذه الظاهرة وصل إلى المؤسسة البرلمانية في العراق،إذ ذكر رئيس لجنة العشائر في مجلس النواب العراقي محمد الصيهود في 13 من الشهر الجاري أن المجلس سيناقش قانون مجلس العشائر و القبائل العراقية في جلسات الفصل التشريعي الجديد في الشهر المقبل.
مبيناً أن القانون سيمنع في حال إقراره ما يعرف بـ "زواج الفصلية و الثأر و الملاحقات العشائرية".
و يلجأ معظم الأشخاص في العراق و خاصة في محافظات الوسط و الجنوب إلى العشيرة لحل النزاعات التي تحدث بينهم من خلال تسويتها أو تعويض المعتدى عليه بمبالغ مالية بما لحقه من أضرار مادية أو معنوية.
......
مناف الساعدي ـ بغداد
موقع صوت ألمانيا.
أهم ركن من أركان عقد الزواج و المتمثل بتوافق الإيجاب و القبول من كلا الطرفين.
25.05.2012
......
"زواج الفصلية" أو "زواج الدية" عرف عشائري ما زال منتشرا في عموم العراق رغم اختلاف عادات عشائره في الشمال عن نظيراتها في الجنوب و الوسط.
فما هو هذا الزواج؟ مراسل DW عربية في العراق يسلط الضوء على هذا التقليد.
........
على عكس مظاهر الفرح التي تعم مراسيم الزواج بين محبوبين أو عاشقين أو قريبين،حتى و إن كان زواجاً تقليدياً،غابت هذه المرة زغاريد الأفراح في "ليلة عمر" ندى جبار أحمد (17 عاماً) على اعتبار أنها "امرأة فصلية"،بموجب التقليد،الذي تمليه العادات العشائرية العراقية القديمة لحقن دماء العشائر المتخاصمة.
المرأة "الفصلية" ضحية زواج الدم،الذي ينص على تزويج إحدى بنات العشيرة المعتدية إلى الشخص المعتدى عليه أو أحد أقاربه بعنوان "الثأر" في أغلب الأحيان.
و هذه المرأة تعيش خلال هذا الزواج في الغالب تحت ضغط نفسي "صعب جداً،أدى في بعض الحالات إلى انتحار بعضهن"،كما تقول ندى.
......
ضحية للأعراف العشائرية.
كانت ندى تلميذة في المدرسة الثانوية في محافظة ميسان جنوبي العراق،حكمت عشائرياً بقرار يقضي بتزويجها لرجل من عشيرة أحد المقتولين كتعويض عن الخسارة البشرية التي سببها القاتل الذي ينتمي لعشيرتها،و التي زُفت إلى عريس دون أن تتعرف عليه مسبقاً.
على ذلك يعلق جبار والد ندى،الذي كان يشاهد ابنته و هي تزف لرجل غريب بجو يسوده الحزن و الصمت،بالقول: "تلك التقاليد (العشائرية) أنهت مستقبل ابنتي.حاولت جاهداً عدم تزوجيها و لكن لا حول لي و لا قوة فهي ضحية حكم عشائري".
مضيفاً بتساؤل: "لا أعرف ماذا سيحل بها و هي زوجة فصلية؟".
و دعا جبار،و هو أب لخمسة أولاد (ثلاث بنات و صبيين) تكبرهم ندى،إلى ضرورة تفعيل القوانين المدنية التي من شأنها القضاء على التقاليد و الأعراف العشائرية،و منها "زواج الفصلية" الذي "يسلب المرأة حريتها و كرامتها".
و سبق لجمهورية العراق الأولى عام 1958 أن ألغت قانون العشائر و قضت على سلطة القبيلة السياسية و حولتها إلى هيئة اجتماعية ريفية يمكن للمرء الرجوع إليها للمشورة.
لكن الفراغ السياسي الذي خلقه النظام العراقي السابق،أعاد للعشائر نفوذها من جديد.
تفاصيل قدر ندى لا تختلف كثيراً بعض الشيء مع قدر فاطمة قادر عبد الله (25عاماً)،التي زوُجت هي الأخرى في ظل عادات و تقاليد المجتمع التي تجعل من الفتاة "ضحية" و "هبة" تُعطى لإرضاء الخصوم و حل الصراعات.
و تروي فاطمة،و هي أم لطفلة في ربيعها الثالث،و التي تقطن بقضاء رانيه التابع لمحافظة السليمانية بكردستان العراق معاناتها خلال زواجها الذي لم يطل سوى أربع سنوات: "كنت أعمل كالخادمة في بيت عائلة زوجي.لا يحق لي أن اعترض على أي شي سوى أن أنفذ أوامرهم و ألبي طلباتهم".
و تضيف "الزوجة الفصلية"،التي انفصلت مؤخراً عن زوجها بعد أن دفعت عشيرتها مبلغا ماليا كفدية لتحريرها و أنهت الخلاف مع عشيرة زوجها،في حوار مع موقع DW عربية بأنها كانت تتلقى عبارات السب و الشتم في اغلب الأوقات لأني كنت "أذكرهم بمقتل ولدهم على يد أحد أفراد عشيرتي".
.......
سن القوانين لمحاربة التقليد.
من جانبها تشير روناك فرج رحيم،منسقة مشاريع المركز الإعلامي و الثقافي للنساء في كردستان العراق في حوار مع DW عربية إلى أن منظمتها و بالتعاون مع منظمات حقوق الإنسان "تمكنت من تحرير نحو ألف امرأة من قيود تلك الأعراف و التقاليد العشائرية،من خلال إقناع برلمان حكومة إقليم كردستان العراق على سن قانون مناهضة العنف الأسري العام الماضي".
و ينص قانون مناهضة العنف الأسري في دستور حكومة إقليم كردستان العراق بمادته الـثامنة من قانون الأحوال الشخصية (56) لسنة 2011،على عقوبة الحبس و الغرامة على كل "من يرتكب عنفا أسريا جسديا و نفسيا أو من يُكره شخصاً آخر على الزواج،أو الزواج القسري أو ختان الإناث أو الزواج بالدية".
و هذا ما شكل رادعاً لتراجع هذه الظاهرة في العديد من القرى الكردية.
......
"جريمة يحاسب عليها القانون".
المحامي في محكمة قصر العدالة في جانب الرصافة من العاصمة بغداد بهاء الدين الربيعي يقول إن "ظاهرة (زواج الفصلية) تعتبر جريمة يحاسب عليها القانون"،معللاً ذلك إلى فقدانه أهم ركن من أركان عقد الزواج و المتمثل بتوافق الإيجاب و القبول من كلا الطرفين،"و الذي بدونه يصبح عقد الزواج باطلاً".
و يضيف الربيعي في حوار مع DW عربية قائلاً: إن "نظرة المشرع العراقي في هذا الموضوع جاءت من خلال نص المادة (9) من قانون الأحوال الشخصية (188) لسنة 1959".
و تنص هذه المادة على: "معاقبة من يُكره شخصاً،ذكراً كان أم أنثى على الزواج من دون رضاه، أو منعه من الزواج بالحبس لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بالغرامة،إذا كان المكره أو المعارض أقارب من الدرجة الأولى".
و يوضح الربيعي بالقول:"أما إذا كان المعارض أو المكره من غير الدرجة الأولى فتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد عن عشر سنوات أو الحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات،باعتبار عقد الزواج وقع بالإكراه".
لكن يبدو أن هذه المادة القانونية كُتبت لتحاكي مجتمعاً آخر،إذ لم تتمكن – بالرغم من تشريعها في وقت مبكر من نشوء الدولة العراقية – من إنقاذ العديد من الفتيات اللواتي وقعن ضحية الأعراف و التقاليد العشائرية.
......
ماذا يقول الشرع؟
إلى ذلك،يقول خطيب و إمام مسجد الثقلين في منطقة الحبيبية شمالي بغداد الشيخ جاسم الساعدي إن "الشريعة الإسلامية نهت و بشكل قاطع عن مثل هذا النوع من الزواج،لأن من أهم أركان الزواج أن يكون مبنيا على رضا الطرفين بعيداً عن الإكراه و الغصب".
و يضيف الساعدي في حوار مع DW عربية: "انغلاق المجتمع العراقي على نفسه خلال حقبة حكم البعث، ساهم بشكل كبير في تنامي الظاهرة"،مشيداً بالدور الكبير الذي تلعبه المؤسسات الثقافية الدينية في نبذ مثل هذه التقاليد التي من شأنها "تفكيك المجتمع"،و ذلك من خلال جلسات "الفصل العشائري" التي يتم فيها اصطحاب رجال الدين،على حد تعبيره.
الحد من هذه الظاهرة وصل إلى المؤسسة البرلمانية في العراق،إذ ذكر رئيس لجنة العشائر في مجلس النواب العراقي محمد الصيهود في 13 من الشهر الجاري أن المجلس سيناقش قانون مجلس العشائر و القبائل العراقية في جلسات الفصل التشريعي الجديد في الشهر المقبل.
مبيناً أن القانون سيمنع في حال إقراره ما يعرف بـ "زواج الفصلية و الثأر و الملاحقات العشائرية".
و يلجأ معظم الأشخاص في العراق و خاصة في محافظات الوسط و الجنوب إلى العشيرة لحل النزاعات التي تحدث بينهم من خلال تسويتها أو تعويض المعتدى عليه بمبالغ مالية بما لحقه من أضرار مادية أو معنوية.
......
مناف الساعدي ـ بغداد
موقع صوت ألمانيا.
أهم ركن من أركان عقد الزواج و المتمثل بتوافق الإيجاب و القبول من كلا الطرفين.